سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Marcus Ashworth
ماذا نفعل إزاء عجز ألمانيا عن انتشال نفسها حتى تخرج من مستنقع الأزمة الاقتصادية؟ ظل أكبر اقتصاد في أوروبا راكداً بلا نمو في أفضل الأحوال خلال معظم فترات العامين الماضيين، ومع استمرار تدهور الطلب في القطاع الصناعي، لا يوجد دليل يُذكر على التعافي.
أما ما يدعو إلى الإحباط بشكل خاص فهو تراجع ثقة قطاع الأعمال الألماني، مع انخفاض مقياس توقعات “معهد إيفو” عن شهر يوليو حتى اقترب من المستويات المتدنية التي شهدها أثناء فترة الإغلاق.
يشكل ضعف الاقتصاد الألماني معضلة حقيقية للبنك المركزي الأوروبي.
يعاني الاقتصاد أيضاً في فرنسا مع تدهور مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع، تراجعاً عميقاً في منطقة الانكماش مسجلاً 44.1 نقطة في يوليو. في الوقت نفسه، تظهر اقتصادات دول الجنوب، مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، دلائل واعدة على النمو.
كل ظاهرة من هذه الظواهر تشكل لغزاً بالنسبة لصناع السياسة النقدية. وقد بذل مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي جهوداً مضنية في توضيح أن خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يونيو إلى 3.75% ليس مؤكداً أن يتبعه خفض ثانٍ في اجتماعه القادم في 12 سبتمبر. ففي الإفراط والمبالغة في تيسير السياسة النقدية مخاطرة بعودة اشتعال التضخم، الذي لا يزال مرتفعاً بشدة في قطاع الخدمات.
وضع سياسة نقدية لعشرين دولة منفصلة أمر صعب بما فيه الكفاية في أفضل الأوقات، وأمام مثل هذا التباين الاقتصادي الشاسع، يمثل ذلك وصفة للانقسام.
أزمات تواجه النموذج الألماني
تعرض النموذج الاقتصادي الألماني لضربات من اتجاهين مختلفين، إذ انقطعت إمدادات البلاد من الطاقة الروسية الرخيصة، في الوقت الذي تعاني فيه سوق صادراتها الرئيسية في الصين من ركود شديد.
سقطت ألمانيا فعلاً في ركود اقتصادي عندما انتشرت جائحة كورونا، لكن صناعاتها كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأدوية والسيارات، غرقت في أزمة مؤلمة وممتدة.
تباطأ الإنتاج الصناعي إلى أدنى مستوى له منذ أربع سنوات في مايو. ويرى تحليل لـ”بلومبرغ إيكونوميكس” أن نصف تراجع اتجاه النمو الذي يقارب 7% منذ عام 2019 يرتبط بالدورة الاقتصادية، وقد يتعافى الاقتصاد منه بمرور الوقت. ولسوء الحظ أن نصف هذا التراجع على الأقل يعتبر هيكلياً في طابعه، وقد لا يسترده الاقتصاد أبداً.
تعاني صناعة السيارات الألمانية من معضلة إضافية تتمثل في اضطرارها إلى التحول من هيمنتها المألوفة على محرك الاحتراق الداخلي إلى تصنيع السيارات الكهربائية، في الوقت الذي تستعد فيه الصين لإغراق السوق العالمية.
أصدرت جميع الشركات الصناعية الكبرى مثل “باسف” (BASF)، ومجموعة “مرسيدس-بنز”، و”فولكس واجن” توقعات أضعف في ربع السنة الماضي.
لا يمكن للسياسة النقدية التيسيرية أن تحل المأزق الاستراتيجي بالانتقال إلى صافي صفر الانبعاثات الكربونية. وقد تؤدي عودة ارتفاع التضخم إلى زيادة الأوضاع سوءاً.
تشدد السياسة المالية لألمانيا
لدى ألمانيا ميزة واحدة تفتقر إليها جارتها فرنسا، وهي قوة المالية العامة، حيث تبلغ نسبة ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي 64% وهي أقل بشكل ملحوظ من نسبة 112% التي تعاني باريس في التعامل معها.
لذا هل يمكن لزيادة الاستثمارات المحلية أن تنقذها؟ أصدرت الحكومة الألمانية عمداً قاعدة “الصفر الأسود” (Schwarze Null) في صورة قانون، وهي قاعدة لوقف الاستدانة مصممة خصيصاً للحفاظ على توازن الإنفاق مع الإيرادات.
علاوة على ذلك، عادةً ما يكون ممثلوها في البنك المركزي الأوروبي من بين أكثر الأعضاء تشدداً عندما يتعلق الأمر بوضع السياسة النقدية. فهل يمكن للمسؤولين الألمان تعديل طريقة تفكيرهم لمراعاة ظروفها الصعبة، أم أن هناك ضرورة لأن ينهار شيء في الاقتصاد أولاً؟
انتعاش دول جنوب أوروبا
الجانب الآخر من عملة اليورو هو التعافي المثير للإعجاب في دول جنوب أوروبا بعد الجائحة، بقيادة قطاع السياحة في البداية، ولكنه الآن ينتشر على نطاق أوسع.
كانت اليونان هي رمز هذا التعافي، وقد حققت الانتعاش الأكثر إثارة للإعجاب. لكن إسبانيا، رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، هي صاحبة الأداء الأبرز، إذ سجلت نمواً بنسبة 2.5% العام الماضي و0.8% في الربع الأول من العام الحالي، وهو أقوى أداء فصلي منذ عامين.
مع ارتفاع أسعار المستهلكين مرة أخرى بنسبة 3.6%، فإنها قد تشكل منطقة خطر تضخمي محتمل في منطقة اليورو.
لطالما اتُهم البنك المركزي الأوروبي بترجيح مصالح ألمانيا في قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية، التي تتخللها تدابير طارئة سريعة لإنقاذ الدول الطرفية الأكثر إسرافاً.
مع ذلك، فإن الوضع معكوس في هذه المرة، ولكن من غير المرجح أن تظهر دول البحر الأبيض المتوسط مقاومة كبيرة لجهود تخفيف بيئة أسعار الفائدة العقابية التي سادت على مدى العامين الماضيين.
مع ثبوت أن التضخم في أسعار المستهلكين في منطقة اليورو عصي على التراجع عن نسبة 2.5% التي سجلها في شهر يونيو، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يراقب بحزم مهمته الوحيدة، وهي خفض معدل التضخم إلى هدفه البالغ 2% على المدى المتوسط.
لكنه لا يستطيع أن يتجاهل المذبحة الاقتصادية التي حلت بالقاطرة الصناعية السابقة لمنطقة اليورو. وبحلول موعد صدور قرار البنك التالي في سبتمبر، قد يرى صناع السياسة النقدية أن محاولة إنقاذ النمو الاقتصادي في ألمانيا تفوق في أهميتها مخاطر ارتفاع الأسعار.
المصدر: الشرق Bloomberg
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر