سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لورا ساي
في يناير من كل عام أهرب من الجليد والثلوج مدة ثلاثة أسابيع مُبهجة في إطار جولة دراسية خارجية بأوغندا. وقد كان موضوع الدورة الدراسية الأخيرة يرتبط بالتنمية، بهدف توجيه الطلاب لكيفية التعامل مع المشكلات المتصلة بنظم المساعدات الإنسانية والإنمائية الدولية، وهو ما يقودنا إلى القول بأن المواطنين الأوغنديين لا ينتظرون من يخلصهم من الرجال الِبيض الغربيين ليحققوا ما أخفقت فيه بلادهم، لكنهم بالأحرى يعملون على حل مشاكل الفقر والفساد التي تعاني منها بلادهم بطرق ملائمة لظروف بيئتهم.
ولمَّا كانت تلك الدورة الدراسية تلقى اهتمامًا مني، فإني أعمل على تحسينها وتطويرها، لتوسيع مدارك الطلاب وفهمهم للسياق التاريخي والسياسي لأوغندا حتى توفر لديهم القدرة على التعامل مع التساؤلات التي هي أكثر عمقًا، والتي تتصل بموضوعات الدورة التدريبية. وعلى هذا النحو، فدائمًا ما أقوم بالبحث عن الكتب والقراءات الجديدة التي يمكن أن تعينني على ذلك. لكن العثور على قراءة تاريخية عامة ودقيقة ومناسبة لبلد مثل أوغندا، كان – ولا يزال – مهمة صعبة حتى الوقت الراهن. رغم ذلك، فإنني لا أجد سوى كتاب (تاريخ أوغندا الحديث) لـ”ريتشارد جاي ريد”، الذي يُعدُّ كتابًا جيدًا، سواء للدورة الدراسية، أو حتى فيما يتعلق بإمكانية التعرف على تاريخ أوغندا وشرق إفريقيا، بل والعالم بأسره.
إذ يسرد “ريد” تاريخ أوغندا بطريقة مختلفة، وذلك من خلال تجنب السرد السطحي والمبسط للأحداث السياسية المتصلة بسلسلة من التفاعلات بين مختلف المجموعات العرقية والغرباء. فالصراع يتصل بشكل مباشر بمسألة ما إذا كان من المنطقي أن نتحدث عن تاريخ أوغندا ما قبل الاستعمار كوحدة أساسية للتحليل في ضوء الانقسامات اللغوية والثقافية للمملكة ما قبل الاستعمار والمجتمعات التي استقلت عن بريطانيا بشرق إفريقيا.
ومع ذلك، ينتهي “ريد” إلى القول بأن هذا التاريخ لا معنى له؛ إذ يربط بين عمل العشرات من المؤرخين الأوغنديين الذين كتبوا تاريخًا مفصلاً للمجموعات العرقية المختلفة بأوغندا في سياق سردي متماسك، مبينًا أن هذه الجماعات كانت تنخرط في عمليات هجرة وتجارة بطرق جعلت علاقاتها، على الأقل، مهمة بدرجة كبيرة. كما يقترب “ريد” من ذلك الأمر بدون التضحية بعلاقات الأوغنديين بعضهم مع بعض، وكذا مع جيرانهم، الذين أصبحوا لاحقًا يُعرفون بـ”جمهورية الكونغو الديمقراطية”، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا.
وأهم من ذلك، أن “ريد” يربط بين هذه القصص بطريقة رشيقة تظهر كيف أن المواضيع المتكررة في سياسات ما قبل الاستعمار وما بعد الاستقلال، ما زالت تؤثر في الواقع السياسي والاجتماعي حتى اليوم. فقد كان للمنافسة بين أهل الـ”جاندا” (الذين تمتعوا بالمكانة المركزية المتميزة في ظل النظام الاستعماري البريطاني والذين سُمِّيَ البلد باسمهم اليوم)، وكذلك المجموعات العرقية الأخرى في البلاد، تأثير كبير في صراعات السياسيين والمجموعات العرقية خلال مرحلة ما بعد الاستقلال ذات الصلة بالمشهد السياسي الوطني. فقد لعبت هذه الديناميات دورًا كبيرًا في سلسلة الانقلابات، والعنف ضد المدنيين، وفي نهاية المطاف الحرب الأهلية في الثمانينيات التي أدت إلى استيلاء الرئيس الحالي، “يوري موسيفيني”، على البلاد، فضلاً عن الحرب الأهلية التي قام بها “جيش الرب للمقاومة” في الشمال.
وفي إطار تقييمه لفترة رئاسة “موسيفيني”، يوضح “ريد” كيف أن الخيوط المتشابكة مع تاريخ أوغندا الطويل، لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في الواقع الحالي للبلاد؛ إذ يؤثر قرار “موسيفيني”، وحركة المقاومة الوطنية، بالسماح باستعادة بعض الممالك التقليدية، تأثيرًا كبيرًا في عدد من الأوغنديين الذين ينظرون إلى علاقاتهم بالدولة اليوم، ويساعد ذلك في تفسير أبعاد استمرار دعم العديد من الأوغنديين لـ”موسيفيني”، على الرغم من توجهاته غير الديمقراطية، إذ تجاوزت فترة بقائه في السلطة 32 سنة. فقد جاء صعود الحركة الوطنية للمقاومة من أجل الديمقراطية من خلال عمليات عنف أثرت في البلاد، منذ الإطاحة بسلفه “ميلتون أوبوتي” من السلطة لتجنب العودة لحكام آخرين مثل “عيدي أمين” الذي خاض مسارًا من العنف لاستعادة السلام في البلاد. ومنذ ذلك الحين، لا تتردد الحكومة الأوغندية في استخدام العنف المفرط ضد المدنيين بزعم الحفاظ على الاستقرار في البلاد. ومثال على ذلك يمكن الإشارة إلى استخدام الغاز من قبل السلطات، أخيرًا، ضد المدنيين الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجًا على فرض ضريبة جديدة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.
ولكن، كما يلاحظ “ريد”، فإن جميع الحكومات وصلت إلى السلطة عن طريق عمليات عنف وحشية، بطريقة أو بأخرى، كما أنها ساعدت في نشر العنف وتطويره وتدعيمه والدخول في عملية صراعية من أجل بقائها. علاوة على ذلك، فإن الحروب تتعدد في أشكالها وأنماطها، لكنها تترابط فيما بينها، بما يجعل “ريد” مقتنعًا بعدم فاعلية تلك الأنظمة والحكومات في حفظ الأمن والاستقرار؛ فقد ساعدت تجارب العنف في أوغندا على ترابط البلاد معًا، بمعنى أنَّه لا أحد يرغب في العودة إلى الحالة التي كانت عليها قبل استيلاء الحركة على البلاد. لقد جاء كتاب “ريد” بشكل أنيق وبأسلوب سهل يجعله أقرب إلى الوصول لأكبر قدر ممكن من الجمهور الذين يسعون لاقتنائه، وهو ما يجعلنا نسرع في فرضه على الطلاب لتدريسه.
أخيرًا.. إنَّ كتابًا مثل (تاريخ أوغندا الحديث) لـ”ريتشارد جاي ريد”، يفتح الباب لآفاق جديدة لقراءة وفهم تاريخ أوغندا الحديث.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر