سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ميو وين نيونت
مضى أكثر من ثمانية أشهر على استجواب الكونجرس الأميركي لـ”مارك زوكربيرج” مؤسس موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بسبب اختراق موقع “كامبريدج أناليتيكا”Cambridge Analytica، إذ قال “زوكربيرج” إنني “أتعهد بأن أبذل قصارى جهدي”، وهي الجملة التي ربَّما تبدو بسيطة، لكنها كافية لتلخيص شهادة “زوكربيرج” المضطربة التي استمرت يومين.
لقد اعترف أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أنه نتيجة خطأ “مارك” أصبح من الممكن لموقع “كامبريدج أناليتيكا” إساءة استخدام بيانات مستخدمي Facebook للتأثير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة، وكمسؤول، فقد تحمل اللوم ووعد بإصلاح الأمر في المستقبل. وكما جاء في وعوده، يبدو أن “فيسبوك” كان يعمل بلا كلل لتفادي تكرار نفس الأخطاء؛ فعلى سبيل المثال: أنشأ “فيسبوك” ما يسمونه بـ”غرف عمليات” للتصدي لأية تلاعب محتمل، وخاصة من الدول الأجنبية، التي تستخدم ذلك الموقع للتدخل في انتخابات التجديد النصفي الأميركية عام 2018.
والحقيقة أن “فيسبوك” أصبح مذهلاً لدرجة أنه أصبح من مسؤوليته التأكد من أنه ليست الانتخابات في الولايات المتحدة فحسب، وإنما الانتخابات في جميع أنحاء العالم لا تتأثر هي الأخرى ببرامجها. وفي الشهر الماضي اجتمع مشرعون من تسع دول في الجلسة الافتتاحية للجنة الدولية الكبرى حول “المعلومات المضللة” في لندن. وكانت الدولة الآسيوية الوحيدة الممثلة في جلسة الاستماع هي سنغافورة التي أرسلت ثلاثة من المشرعين. وعلى الرغم من عدم وجود “زوكربيرج” بهذا الحدث، فإنه تمَّ حجز مقعد له على الطاولة المستديرة للمؤتمر. وبدلاً من “زوكربيرج”، أرسلت شركة “فيسبوك” “ريتشارد ألان”، نائب رئيس الشركة للشؤون السياسية”، وذلك من أجل الرد على الاستفسارات والاهتمامات التي أثارها الحاضرون.
تأجيج التوترات الدينية
خلال جلسة الاستماع، تمَّ استجواب “ألان” من قِبَل أحد أعضاء البرلمان السنغافوري بشأن إحدى المشاركات التي نشرت عبر الموقع، والتي دعت إلى قتل جميع المسلمين. ويعتقد أن هذا الموقف لعب دورًا في تأجيج التوترات الدينية التي اندلعت في مارس في سريلانكا. واعترف “ألان” بأنه فشل في إزالة تلك المشاركة بسرعة بسبب خطأ ارتكبه أحد موظفيه. وفي أبريل الماضي، سُئل “زوكربيرج” سؤالاً مشابهًا من قِبَل السناتور الأميركي “باتريك ليهي” عن فشله في إسقاط مشاركة مسيئة مماثلة دعت إلى قتل الصحفيين في ميانمار.
وقال “ألان” إن “فيسبوك” يستثمر موارد هائلة في تطوير “قاموس للمفردات التي تحض على الكراهية في كل لغة” باستخدام الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، فعندما يتعلق الأمر بحماية النزاهة الانتخابية على مستوى العالم، فإن “فيسبوك” ينشئ “غرف عمليات” لكل انتخاب على المستوى القومي حول العالم.
وكمثال على ذلك، منحت انتخابات أخيرة أجريت في دولة لاتفيا، فرصة من قبل “فيسبوك”، فركزت “غرفة العمليات” على التأكد من أن الانتخابات لم تتأثر سلبًا، بغض النظر عن حجم تلك البلاد؛ وقال “ألان” إن “فيسبوك” سيلعب دورًا في حماية نزاهة الانتخابات حول العالم.
لكن هذا لا يعني أن الانتخابات ستتأثر بأنشطة “فيسبوك”، كما اتضح. ويبدو أن “ألان” يفهم أن الموقع يجب ألا يكون له دور في تقرير ما إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة؛ لذا يقول: “مرة أخرى، أكرر، أن الأشخاص الذين يقررون ما إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة، هم أنتم وسلطاتكم والأحزاب السياسية”. فعندما يتعلق الأمر بمعالجة قضايا متعلقة بالكراهية حول العالم، فإن ما وصفه “ألان” بشأن فكرة إنشاء قاموس للمفردات التي تحض على الكراهية في كل اللغات، يعدُّ أمرًا معقولاً إلى حد ما. لكنه مشروع مجرد بعض الشيء، وربَّما مشروع طموح أكثر من اللازم. وبغض النظر عن مقدار الجهد الذي يبذله “فيسبوك”، فإنه إذا لم يكن هناك تعاون كافٍ من الحكومات حول العالم، فمن المستحيل منع الكلام الذي يحض على الكراهية تمامًا. فغالبًا ما ينسى الناس أن الحكومات هي – أيضًا – جزء من المشكلة في كل بلد تقريبًا. إذ يتطلب منع خطاب الكراهية من الحكومات تخصيص موارد كافية لتحسين مهارات القراءة والكتابة الرقمية لمواطنيها.
وفي حالة ميانمار، وحتى بين مستخدمي “فيسبوك” من المتعلمين، فإن مستوى التمييز الذي يعبرون عنه ضد الأقليات، ولا سيَّما مسلمي الروهينجا، أمرٌ مروع جدًا. فالناس يميلون ببساطة إلى اعتبار أنه ليس من حقهم التمييز ضد أي فرد أو مجموعة على أساس لون بشرتهم، أو انتمائهم الديني، أو خلفيتهم الثقافية.
فقبل بضعة أشهر أعلن موقع “فيسبوك” أنه قد أزال عدة صفحات وحسابات لبعض المنظمات والأفراد الذين يعتقد أنهم يلعبون دورًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإبادة الجماعية في ميانمار؛ وقد برر الموقع تصرفاته بالإشارة إلى تقرير أعدته البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن بورما، بتوجيه من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وقد أغضب هذا الإجراء الكثير من الناس في ميانمار، وخاصة أولئك الذين يؤيدون الجيش البورمي (التاتماداو)، الذي اُتهم بجرائم ضد الإنسانية من قبل العديد من جماعات حقوق الإنسان الدولية. حتى إن متطرفين من التيار القومي والمجموعات المؤيدة للعسكريين توقفوا عدة أيام عن العمل ونزلوا إلى الشوارع حاملين ملصقات مناهضة لـ”فيسبوك” احتجاجًا على التدخل في الشؤون الداخلية لميانمار. كما ذهب عدد قليل من الناس إلى حد القول إنهم سيحذفون حساباتهم من “فيسبوك” ويتحولون إلى خدمة الشبكات الاجتماعية الروسية المسماة “فكونتاكتي”.
وفي الآونة الأخيرة، وكجزء من جهوده المستمرة لمعالجة خطاب الكراهية في ميانمار، أعلن موقع “فيسبوك” أنه ألغى المئات من الحسابات والصفحات والمجموعات الإضافية التي يعتقد أنها تنخرط فيما يسميه الموقع “السلوك غير المتسق”. بالإشارة إلى المجموعات أو الأفراد الذين يعملون معًا لتضليل الآخرين بشأن قضايا محددة. ورغم هذه الجهود، فإن “فيسبوك” يتعرض لضغوط نتيجة لعدم القيام بما يكفي بشأن القضايا المتعلقة بميانمار.
وعلى سبيل المثال، قامت منظمة “بورما للحملات” في المملكة المتحدة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في لندن، وتهدف إلى تحسين حقوق الإنسان والديمقراطية في ميانمار، أخيرًا، بوضع “فيسبوك”، إلى جانب الشركات المتعددة الجنسيات الأخرى، ضمن لائحة “القائمة القذرة” من أجل “المساعدة المباشرة أو غير المباشرة في تمويل الجيش الديكتاتوري في ميانمار”.
ويبدو أن الناس يتحدثون فقط من جانب واحد بشأن “فيسبوك” في ميانمار، وأنهم يميلون إلى إغفال الأشياء الإيجابية التي أحدثها الموقع في البلاد. فمع ارتفاع معدلات انتشار الهواتف المحمولة في السنوات الأخيرة، أصبح موقع “فيسبوك” أحد أكثر منصات التواصل الاجتماعي شعبية في ميانمار، وذلك وفقًا لاستطلاع للرأي العام في 2017 أجراه المعهد الجمهوري الدولي في الولايات المتحدة (IRI).
وللمرة الأولى، يتم إخبار الناس في ميانمار بالأشياء التي تحدث ليس فقط من حولهم، ولكن – أيضًا – حول العالم بسرعة الضوء عبر “فيسبوك”. وهو ما يعدُّ تقدمًا استثنائيًا إذا ما فكر المرء في كيفية عزل ميانمار عن العالم الخارجي لما يقرب من خمسة عقود من قبل المجلس العسكري السابق.
وبشكل عام، فإن سكان بورما على درجة كبيرة من النشاط السياسي. فعلى الرغم من القيود الكبيرة التي لا تزال تنتهك الحق في حرية التعبير، فغالبًا ما يعبر الناس عن آرائهم ووجهات نظرهم السياسية عبر الموقع. وأصبح من الصعب إخفاء الظلم بسبب المستخدمين الذين يبحثون عن الحقيقة في ميانمار.
وعلى سبيل المثال – أيضًا – وقبل بضعة أشهر أسقطت محكمة مقاطعة “يانغون الشرقية” دعوى ضد ثلاثة من المشتبه بهم الذين اتهموا بقتل ممثل كوميدي محلي في “فيسبوك”، وقضت المحكمة بعدم وجود أدلة كافية للمضي قُدمًا. وأدى قرار المحكمة المثير للجدل إلى غضب شعبي لدى مستخدمي ميانمار لـ”فيسبوك” حول شرعية النظام القضائي. فبدأ الناس في التعبير عن مخاوفهم بشأن قرار المحكمة وقاموا بتغيير صورهم على الموقع إلى عبارة “فشل القانون”، مما يعني انهيار نظام العدالة في ميانمار.
لقد أصبحت حملة هذا الملف الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر،منتشرة جدًا لدرجة أنها وصلت إلى مرحلة بدأ فيها معظم مستخدميه بالتفكير في القضية. وفي مواجهة دعوة عامة متنامية عبر “فيسبوك”، أمر الرئيس في النهاية بإجراء تحقيق في دوافع إسقاط القضية. كما تبين في وقت لاحق أن المدعي العام لمنطقة يانغون “يو هان هتو”، إلى جانب مسؤولين قانونيين آخرين، قد حصلوا على رشاوى لإسقاط القضية.
فالكثيرون يستخدمون الموقع لدوافع وجيهة في ميانمار، إما لمساعدة ضحايا الحرب الأهلية من خلال إنشاء برنامج جماعي لجمع الأموال، أو تمكين أصحاب الأعمال الصغيرة. كما أن الناس مرتبطون به أكثر من أي وقت مضى في هذه الحالة التي لم تكن معروفة كثيرًا. ففي المكان الذي لا تزال فيه المؤسسات ضعيفة جدًا في تلبية احتياجات الناس الأساسية، أصبح موقع “فيسبوك” أداةً قويةً لحل القضايا الاجتماعية الملحة في ميانمار.
وأخيرًا، إذا كان “فيسبوك” يستحق اللوم للمساهمة في دعم خطاب الكراهية في ميانمار، فإنه له بعض الفضل في إيصال الضوء لأولئك الذين هم في الظلام.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر