سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الذبياني
السعودية ومصر والإمارات والبحرين لا يمكن لها أن تتخذ قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وما سيترتب عليها من إجراءات سياسية واقتصادية، دون أن تكون لديها مبررات عالية جدا وموثقة، تتعلق بسيادتها أو أمنها الوطني أو سمعتها الدولية.
وعليه فإن القرار الذي تم مع قطر ليس هناك شك في أنه جاء بعد أن وضعت دول الخليج ومعها مصر يدها على معطيات عديدة، هي في الغالب تتعلق بدعم الإرهاب والعلاقة مع إيران بشكل يمثل تهديدا لدول الخليج، ثم ما يخص مصر، الأمر يتعلق بتحريض قطر على العنف والتشجيع عليه وتبريره، فضلا عن الاستمرار في احتضان جماعة الإخوان ودعمهم، وهي جماعة محظورة في مصر ومتورطة في عمليات إرهابية واسعة. والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان ألمح في كلمته بعد إرهاب المنيا إن القاهرة ستتخذ إجراءات قانونية تجاه الحكومات والوسائل الإعلامية التي تحرض على الإرهاب.
والسبب الذي تم اتخاذ قطع العلاقات استنادا عليه هو متصل منفصل مع (الحالة القطرية) التي بدأت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، فهو متصل كونه داخل نطاق التوقعات ولم يشكل القرار مفاجئة لأي مراقب، لكنه منفصل كونه هذه المرة جاء بعبارة (قطع العلاقات) أي أن الأمر لم يعد (زعيق قناة ومراهقة وزير) بل معطيات موثقة تمس السيادة والأمن.
قطر منذ 1996 وهي تعمل خارج سياقها الجغرافي وتحاول جاهدة أن تصنع دورا يظهرها بأكبر من حقيقتها أمام العالم، وهي لذلك استقطبت (بقايا الفرع العربي للبي بي سي – الجزيرة) وأسندت لهذه القناة كتابة الدور وتشخيصه، والقناة فعلت ذلك كثيرا وأضرت بعلاقات قطر مع جيرانها عدة مرات، لكن في كل مرة كانت حكومات الخليج تتعامل مع الحالة باعتبارها قناة في كل الأحوال وليس الديوان الأميري، في حين أن حقيقة الأمر أن استديو القناة كان يملك حبال اللعبة كاملة، وهو لا ينطق باسم الديوان الأميري أو يعكس وجهات نظره بل أنه يصنع وجهات النظر له ويحدد له مسار العلاقات مع العالم ويشكلها له.
وهنا المعضلة، لأن (استديو القناة) مستقدم من خارج الإطار السياسي والثقافي في المنطقة، لذلك هو لا يعرف كثيرا في طبيعة العلاقات التي تربط حكام الخليج ببعضهم بالتوازي مع العلاقات التي تربط شعوبهم اجتماعيا وعرقيا ثم دولهم بصورة سياسية.
لم يكن (عرب الشام) القائمين على (استديو القناة – استديو صناعة السياسة القطرية) يفقهون في ذلك كثيرا أو هم لا يريدون أن يفقهوا، فهم أمام مهمة مستحيلة تتطلب معها كسر كل الحواجز، فهي مستحيلة لأن (الدولة) المطلوب تضخيمها وصناعة دور لها هي صغيرة وهامشية بالحد الذي لا تُرى أحيانا في المشهد الإقليمي وليس العالمي فحسب، وعليه فإن فاتورة صناعة (التضخيم) لا بد أن تكون عالية جدا ماليا وسياسيا، وربما تمس العلاقات التاريخية وتكسر الروابط الاجتماعية على مستوى قادة المنطقة. (نعم المهمة كبيرة والفاتورة ستكون عالية).
ماليا نعرف ماذا فعلت قطر بأموالها حول العالم، بغية حضور اسمها في أي مكان، ولا مانع لو كان ذلك بطرق غير مشروعة، كما يتردد بشأن الفوز باستضافة كأس العالم.
وكما قلنا فالتكلفة عالية على الصعيدين السياسي والمالي، وكما ظهرت ماليا فإنها بزرت أيضا سياسيا بقوة، حيث عرضت قطر مرات عديدة لمواقف محرجة، كان أبرزها استدعاء السفير السعودي من قطر عام 2002 وبقيت السفارة دون سفير على مدى ست سنوات وهو إجراء سياسي تلجأ له الدول تعبيرا عن رفضها لأي قرار أو سياسة وهو أقل درجة من قطع العلاقات.
تلا ذلك سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين وذلك عام 2014، جاء ذلك في أعقاب (تعبير من الرياض وأبوظبي والمنامة عن رفضهم لسلوك قطر وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المجلس، حيث أصبحت أراضيها ملجأ للأشخاص الذين يهاجمون نظام الحكم في السعودية والإمارات، فضلا عن أصابع خفية في أحداث البحرين).
تلك حادثتين من جملة وقائع ارتكبتها (القناة – استديو صناعة المستحيل) منذ إطلاقها حتى فجر اليوم حيث تم قطع العلاقات بين قطر وجيرانها الخليجيين وعمقها العربي.. فهل بعد مرور 21 سنة على هذه المهمة التي أوكلت للجزيرة، وهي جاءت من باب التذكير بعد عام واحد من الانقلاب داخل الحكم القطري، نقول هل تحققت المكانة والسمعة العالمية لقطر بما يوازي تنازلها عن علاقاتها مع السعودية ومصر؟ وبما يوازي التفريط في علاقتها الاجتماعية مع الإمارات والبحرين؟
ما المكسب الذي تحقق لقطر على المستوى السياسي الإقليمي والمحلي، ربما يبرر لها أن تفقد العلاقة مع السعودية؟ بل وفقا لمتابعتي فإن خسائر قطر السياسية في العالم تزيد ولا تنقص وهامشيتها في القرار السياسي الدولي كما هي عليه لا تغير منذ 1996 حتى اليوم. ليس ثمة حضور يذكر لقطر على السياق السياسي الدولي، بل أن قمة الرياض كرست القيمة الجغرافية والسياسية لها، وليس ذلك إلا عدم قدرة أميرها على اتخاذ موقف واضح وصريح من القمة واتفاقية تمويل الإرهاب، فمكانة الدولة التي يمثلها لا تسمح له بالتفاوض حول ذلك، وما لبث أن استخدم (استديو السياسة – القناة) حيث صرح بموقفه حول القمة بعد عودته، رغم توقيعه على الاتفاقية.
ربما لا يركز الكثير على هذه الواقعة، نعم تسريبات تقول إن تميما لم يكن راضيا عن التوقيع على اتفاقية حظر تمويل الإرهاب التي تمت بين دول الخليج وأمريكا أثناء قمم الرياض، ولكنه وقع في نهاية الأمر، وترك لاستديو القناة أن يتصرف في الأمر ويدير (الورطة) التي صنعها له التوقيع، فهي اتفاقية لا تتماشى مع علاقة قطر مع الإخوان والنصر وحزب الله والنصرة وحماس.
الخلاصة، نقول الآن: قطر فقدت علاقتها سياسيا مع الخليج ومصر دون أن تكسب أي دور سياسي عالمي ودون أن تتخلص من عقدة (الجغرافيا)..
وهي أيضا، ستتحمل تكاليف اقتصادية باهظة وربما خسائر تقود إلى إعادة النظر في كثير من مشاريعها، وربما من نافلة القول إن معظم مشاريع قطر بما فيها طيرانها، لم تقم ولم تكن تتسطيع أن تنشأ اعتمادا على الاستهلاك المحلي (القطري).. فما مصيرها الآن؟
قطر فجر اليوم خسرت كل شيء وبعد عقدين من الزمن من (استديو صناعة السياسة)، وبحساب بسيط لم تحقق أي مكسب.. قطر كما على أصعدة التاريخ والجغرافيا والسياسة.
كاتب وباحث سعودي*
@abdullah_athe
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر