سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الجنيد
أدوات التموضع الاستراتيجي سياسيا واقتصاديا وتنمويا بالإضافة لفرض الاستقرار هي من المسؤوليات الطبيعية للدول العتيدة في محيطها الجيواستراتيجي وذلك الاستحقاق هو ما أقر به العالم للرياض عربيا وإسلاميا عبر قممها الثلاث. الديناميكية السعودية المستحدثة في إدارة الملفات المتشعبة هو أهم أسباب نجاحاتها في حيزها الجيواستراتجي معتمدة برغماتية عدم الالتفات للخلف، والاعتماد على تطوير منظومات أكثر تجدداً وقابلية للتعاطي مع كل التحديات. قبل حضور العالم للرياض في أيار المنصرم كان مستوى التحضير للملفات غير مسبوق. فقبول حماس تعديل ميثاقها الوطني بما يتناسب ومبادئ عملية السلام العربية وضع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية أمام استحقاقات إعادة انخراط الرئيس ترمب في تبني عملية سلام شاملة ورهن بنجاحها نقل السفارة الأمريكية للقدس عاصمة لدولتين. فحماس منذ انقلابها على الإجماع الوطني الفلسطيني لم يخدم إلا التوسع الإسرائيلي. كذلك كان الأمر من إعادة الملف الليبي إلى مسار أكثر توافقاً وقبولا من جميع الأطراف الليبية في قمة أبوظبي التي جمعت بين المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج والاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي مكون من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالإضافة لحفتر والسراج.
قطر السياسية هي الطرف الوحيد الذي اختط لنفسه مسارات إقليمية وعربية أضرت بها وبنا، إلا أن صدمة الدوحة بعد تحجيمها عربيا ودوليا حتى من الإدارة الأمريكية الجديدة التي تحتضن قطر مركز قيادتها الوسطى تجاوز كل احتمال. ومع أن مؤسسات صنع القرار الأمريكية اجتهدت في الإبقاء على العلاقات الخاصة جدا بينها وبين قطر فشلت في ذلك نتيجة التحول الاستراتيجي الأمريكي والمتسق تماماً ورؤية الرياض. ما استثمرته قطر من رصيدها السياسي والمالي كان تسليما منها بفرضية أن حصتها من الشرق الأوسط الجديد سيعوض كل ذلك، إلا أن تفتت ذلك المشروع على صخر الإرادة السعودية التي قوّضته من أساسه قاد لاستنزاف قطر السياسية وطنياً وعربيا. قطر السياسية للأسف صدقت دور الزعامة الذي رسم لها إبان عهدي أوباما، وها هي اليوم تصطدم بالواقع، فمحددات الزعامة أولهما الثقل السياسي والاقتصادي المؤثرين إقليميا وجيواستراتيجيا. ثانيا، فقرها البشري مقارنة حتى بأصغر دولة في جوارها الخليجي لا يؤهلها لأداء شرطي مرور في المعادلة الدولية وما مغامراتها السياسية العبثية إلا خلط بين حجم إيراداتها وحجمها الحقيقي. ذلك الغرور طال حتى تعاطيها مع الشأن الرياضي الدولي وخصوصا انتخابات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم والصراع على زعامة الفيفا بعد فوزها بتنظيم كأس العالم عام 2022. و ما نتج عن ذلك من فضائح لا زال بعضها قيد التحقيق .
ما يؤسف له أن قطر افترضت أنها لن تكون الضامن الغارم نتيجة سياساتها العبثية أو من احتضان وتمويل تنظيمات إرهابية، أو محاسبتها على الإسراف في الدم السوري والليبي ناهيك عن توفير الغطاء السياسي لاستدامة عدم الاستقرار في دول أخرى خليجية وعربية . ما هو مطلوب من قطر “السياسية” هو لقطر أولا قبل أشقائها الخليجيين، فحالة عزلتها الداخلية اليوم تفوق تلك الخليجية والدولية. التجاسر على كل المرارات المُحتملة هو المطلوب من قطر اليوم حيال جملة سياساتها العبثية شرط أن تكون بضمانات من مجلس الأمن الدولي، أما افتراض تحمل المزيد من تلك السياسات بعد انكشاف حجم تورطها في تمويل و دعم الإرهاب فذلك أمر يمس أمننا القومي .
ما يجب أن يدرك قطريا أنها ليست بجزيرة بل شبه جزيرة ولذلك تبعات، فافتراضها أن إدخال النظام الإيراني إلى البيت الخليجي قد يقيها المساءلة السياسية أمراً لا يمكن القبول به لما يمثله من تهديد مباشر لأمننا القومي. كل السياسة شأن متحرك وهذا ما أكدته استراتيجية شرق السويس من ستينيات القرن الماضي، و العالم أذعن لتلك الواقعية السياسية، أما الآن والعالم قد أقر بأن الرياض هي مركز شرق السويس الجديد، عليه فإن على الجميع القبول بواقع تلك السياسة .
كاتب ومحلل سياسي بحريني*
@aj_jobs
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر