استراتيجية التراجع في سوريا بأصداء أوباما | مركز سمت للدراسات

استراتيجية التراجع في سوريا بأصداء أوباما

التاريخ والوقت : الأحد, 23 ديسمبر 2018

ديفيد إيل سانجر

 

كثيرًا ما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رؤى متضاربة بشأن القوة العسكرية الأميركية، حيث يرغب في قيادة أكبر القوى العالمية؛ ذلك أن الدروس التي يتعلمها الكثيرون في البنتاجون ووكالات الاستخبارات في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم تجد أصداءها لدى السيد الرئيس، وهي تلك المتعلقة بمواجهة وصول الإرهابيين إلى الشواطئ الأميركية والحفاظ على التحالفات التي تهدف إلى الحفاظ على السلم العالمي؛ إذ يهتم ترمب بشدة بفكرة استخدام الجيش الأميركي لتأمين حدود بلاده مع المكسيك بدلاً من مواجهة روسيا وكوريا الشمالية والصين.

أخيرًا، ومع توجيه الأوامر للقوة الأميركية المحدودة التي تتكون من ألفي جندي بمغادرة سوريا، يوشك الرئيس ترمب على تحويل رؤيته النظرية إلى واقع عملي، وهو ما يسبب حالة من الفزع للكثير من كبار مساعديه، الذين جادلوا بأن الانسحاب من سوريا يعني تجاهل الدروس التي تعلموها خلال العقدين الأخيرين، والحال نفسه بالنسبة لأفغانستان التي أعلن ترمب في وقت سابق أن بلاده ليس لديها بها مشروع طويل الأجل.

في مواجهة ذلك، فإن الكثير من منتقدي ترمب من الحزب الديمقراطي، سيجدون صعوبة في مواصلة نقدهم بشأن هذا القرار، ذلك أن وجهة نظر السيد ترمب القائلة بأن القوات الأميركية لا يمكنها تغيير التوازن الاستراتيجي بالشرق الأوسط، ولا ينبغي أن تكون موجودة، تنطوي على قاسم مشترك مع سلفه باراك أوباما الذي أعلن أثناء فترة رئاسته، نيته سحب آخر جندي أميركي للولايات المتحدة لتحقيق الوعود التي تضمنتها حملته الانتخابية في وقت سابق.

لقد كانت استراتيجية أوباما تقوم على الاعتماد على شركاء محليين على الأرض، واستخدام القوة الجوية الأميركية عند الضرورة للدفاع عن المصالح الأميركية والاحتفاء بعودة الجنود الأميركيين أثناء العطلات. وتبدو هذه الاستراتيجية وكأنها تتضمن مناقشات جادة داخل إدارة ترمب خلال الأيام الماضية، وهو ما يعبر عنه بعض الجمهوريين الأكثر تشددًا في الكونجرس؛ فقد قال السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية “ليدسي غراهام”: “إذا كان أوباما قد فعل ذلك، فمن المتعين علينا المضي قُدمًا فيها”. كما قال السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا “بن سس”: “إن كبار القادة العسكريين ليس لديهم أدنى فكرة عمَّن يقف وراء صدور هذا القرار”.

لقد نظر الرئيسان الرابع والأربعون والخامس والأربعون، إلى أن التزامات القوات الأميركية التي استمرت نحو 17 سنة بما يصل إلى 170 ألف جندي أميركي، بلغت ذروة وجودها بالعراق عام 2007، وأكثر من 100 ألف في أفغانستان عام 2011، كان تأثيرها هامشيًا في أحسن الأحوال، وبالتالي، فإن الاحتفاظ بألفي شخص في سوريا لن يحدث فرقًا.

يقول “ريتشارد إن هاس”، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وأحد كبار المسؤولين في إدارة بوش: “في هذه الحالة هناك المزيد من الاستمرارية بين ترمب وأوباما بدرجة كبيرة ما يجعل أي الإدارتين في وضع متسق مع الفترة التي سبقت غزو العراق في 2003”.

لكن السيد “هاس” لم يستطع أن يخفي قلقه من قيام السيد ترمب بسحب القوات من سوريا؛ لأنه ينتج عن ذلك، التخلي عن أي نفوذ محدود في مقابل لا شيء بالطبع. ذلك أنه ليس من الواضح أن الولايات المتحدة وضعت أي شروط للانسحاب الأميركي”؛ وهو ما يفرض تساؤلاً وهو: هل وضعت الولايات المتحدة أي خطوط حمراء مع الأتراك حول كيفية التعامل مع الأكراد؟ وأي تفاهمات توصل إليها الأميركان مع الروس حول شكل الحكومة السورية في المستقبل؟

إذا كان هناك أي شروط، وأي جهد من جانب السيد ترمب لتشكيل النتائج في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، فإن مسؤولي البيت الأبيض لم يقولوا شيئًا بخصوص ذلك حتى لأقرب حلفاء أميركا وقت أن كانت واشنطن تحاول فهم ما يحدث. وبدلاً من ذلك، قال الرئيس ترمب: “لقد هزمنا داعش في سوريا التي كانت سبب وجودنا هناك”.

لقد أعلن ترمب خلال حملته الانتخابية في 2016 بعدد من المقابلات مع صحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها، أنه لم يكن مهتمًا باستخدام القوات الأميركية لحماية السوريين المحاصرين تحت إطلاق النار والإطاحة ببشار الأسد، أو حتى مواجهة الروس أنفسهم. ولفترة وجيزة بعد وصوله للسلطة، بدت رؤية ترمب لدور أميركا في سوريا وكأنه يتجه للمزيد من التطور والتوسع. وقد جاء هذا التحول الخاطئ في أبريل 2017، وخاصة بعد أن استخدمت قوات الأسد أسلحة كيميائية في هجوم أدى إلى مقتل أكثر من 80 مدنيًا من معارضيه في محافظة إدلب.

وفي حينها أصدر الرئيس ترمب، أوامره بشن غارة جوية على القاعدة السورية التي انطلق منها هجوم الأسد، وكان ترمب – آنذاك – يستعد لعشاء مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بمزرعته الخاصة بولاية فلوريدا. وفي هذا المساء قال ترمب: “من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة التصدي لأي استخدام للأسلحة الكيميائية الفتاكة”.

وأكد مساعدوه للأمن القومي الذين غادروا جميعهم البيت الأبيض، اختلافهم مع الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان قد قرر بشكل علني أنه ضد شن ضربة مماثلة على الأسد بسبب تجاوزه الخطوط الحمراء حينما استخدم الأسلحة الكيميائية، كما انتقد ترمب هذا الموقف المتخاذل لأوباما.

وفي هذا أبدى فريق ترمب الرغبة في ملاحقة قواعد الأسد، وهو ما يعدُّ دليلاً على وجود قيادة جديدة بالمدينة، وهو ما عبَّر عنه الرئيس الصيني “شي” وقتها بقوله: إن الأمر كان يمثل “فائدة إضافية”.

ومع وجود متابعة محدودة فيما بعد، اصطدمت واشنطن وحلفاؤها بمخزن أسلحة كيميائي آخر بوقت سابق من هذا العام، حيث لم يتم استخدام القوة العسكرية الأميركية بشكل فعال لدعم استراتيجية دبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. فقد قال أحد كبار مساعدي ترمب، إنه بعد قصف القاعدة، تطرق الرئيس مرارًا وتكرارًا في اجتماعات المكتب البيضاوي إلى موضوع الانسحاب الكامل للقوات الأميركية، ولم يكن لديه اهتمام كبير بسماع الحجج التي تدل على أن ذلك ربَّما يشير إلى ضعف الموقف الروسي.

وفي الحقيقة كان الرئيس الأميركي يفكر في الخروج من سوريا؛ إذ أصرت وزارة الخارجية الأميركية على أن أميركا لن تذهب إلى أي مكان آخر، وأن الأسد سيرتكب خطأً كبيرًا إذا اعتقد أن الولايات المتحدة سوف تغادر سوريا. فقد قال “جيمس ف. جيفري”، المبعوث الأميركي الخاص لدى سوريا: “أعتقد أنه إذا كانت هذه هي استراتيجيته، فمن المتعين عليه الانتظار لفترة طويلة جدًا”. وكما اتضح فيما بعد، أنه سيتعين على الأسد الانتظار لمدة شهر فقط حتى يكتمل الانسحاب الأميركي.

وفي خطابه هذا الأسبوع، عرض السيد “جيفري” حجة مفادها بأن الحرب الأهلية في سوريا لم تكن فقط حول نصف مليون قتيل، ولا حتى 11 مليون نازح ولاجئ آخرين تم تشريدهم من منازلهم، لقد أصبح الصراع أكبر بكثير من هذا بالنسبة للأميركيين، حيث يتسع الأمر ليشمل الصراع مع الروس والأتراك والإسرائيليين؛ ذلك أن السياسة الأميركية لا يمكن أن تركز فقط على الصراع الداخلي، إذ يجب على القوات الإيرانية أن تخرج من سوريا.

على أية حال، يبدو أن السيد “جيفري” غير مهتم هو الآخر، إلى حد بعيد، بالجوانب الجيوبوليتيكية للبقاء في سوريا، أو باستخدام أي قوة أخرى يمكن أن تتركها الولايات المتحدة للتعامل مع الأحداث هناك. فالقوات الأميركية، في رأي الرئيس الأميركي، يجب أن تعود إلى الشواطئ الأميركية، حيث يمكنهم التدريب على الأسلحة الجديدة، فضلاً عن إشراك أولئك الذين يريدون تدخل واشنطن بما يحقق الضرر للمواطنين الأميركيين.

ويمثل ذلك وجهة نظر القرن العشرين للقوة العالمية، حيث يتعلق الأمر بالطريقة التي تبذل فيها الجماعات الإرهابية قصارى جهدها للتسلل إلى دمشق على متن الطائرات. ويتعلق – أيضًا – بطريقة تحديث الجيش السوري الإلكتروني وأنشطة القرصنة التي تتعرض لها الولايات المتحدة عن بعد، وهو ما يتضمن تصعيدًا غير مسبوق ضد واشنطن.

لكن، كما يقول السيد “جيفري” نفسه، فإن استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترمب التي نشرت في وقت سابق من هذا العام، نصت بشكل صريح على أن مكافحة الإرهاب لم تعد الهدف الرئيس للسياسة الأميركية، وأن التعامل مع عصر متجدد من التنافس بين القوى العظمى يمثل الأساس المحفز في الوقت الراهن. كما قال بعض مساعدي ترمب السابقين، إن الرئيس الأميركي لم يقرأ في الواقع استراتيجيته، رغم اطلاعه عليها، وبإعلانه الأخير ترك حلفاءه يتساءلون: هل كانت استراتيجيته حقيقة، أم غير ذلك؟

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز الأميركية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر