سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مارتن جايلز
مثل مارك زوكربيرج أمام الكونجرس في وقت سابق من هذا العام، وذلك لمناقشة كيفية حصول شركة كامبريدج أناليتيكا لتحليل البيانات السياسية (والتي توقف نشاطها الآن) على بيانات ما يصل إلى 87 مليون مستخدم على فيسبوك بدون معرفتهم أو موافقتهم، وقد وجهت السيناتورة الجمهورية ليندسي جراهام إليه أحد الأسئلة المباشرة القليلة التي طرحت ذاك اليوم، وقالت: “من هو منافسك الأكبر؟”، وبعد أن رد زوكربيرج بأن منتجات شركات جوجل وآبل وأمازون ومايكروسوفت تتقاطع مع عدة منتجات من فيسبوك، لم تكن جراهام معجبة بهذه الإجابة، وأصرت على الاستمرار قائلة: “إذا اشتريت سيارة فورد ولم تعمل بشكل جيد ولم تعجبني، فيمكنني أن أشتري بدلاً منها سيارة شيفروليه. ولكن إذا كنت مستاءة من فيسبوك، فما هو المنتج المكافئ لهذا الموقع والذي أستطيع أن أشترك به؟”. في وقت لاحق، عادت السيناتورة إلى نفس الموضوع عندما سألت زوركربيرج عما إذا كان يعتقد أن فيسبوك يشكل احتكاراً، وكان رده: “لا يبدو بالنسبة لي كاحتكار على الإطلاق”.
ولكنه يبدو كذلك بالنسبة للكثيرين. حيث أن الشركة تعتبر مارداً في مجال التواصل الاجتماعي، ومع ملياري مشترك، تتضاءل أمامها الشركات المنافسة مثل تويتر وسناب تشات، وهي تحتل المشهد العام للإنترنت، إضافة إلى أمازون وجوجل التي تمتلكها الشركة القابضة ألفابيت. غالباً ما تذكر شركتا آبل ومايكروسوفت في نفس السياق مع تلك الشركات، ولكن توجهاتها أكثر تنوعاً وأقل تركيزاً على الإنترنت، حيث تركز مايكروسوفت على البرمجيات، وتركز آبل على الهواتف وغيرها من الأجهزة.
يوجد فرق جوهري آخر أيضاً. حيث أن نماذج الأعمال لفيسبوك وجوجل وأمازون تتطلب منها استحواذ كميات كبيرة من البيانات حول المشتركين لتشغيل خوارزمياتها، وتستمد هذه الشركات قوتها من هذه المعلومات. ويمكن أن نقول أن هذه الشركات بنت إمبراطوريات قائمة على الحجم البحت والتعقيد الهائل في جمع البيانات، وهو ما يميزها عن غيرها.
على مدى العقد الماضي تقريباً، وصلت هذه الشركات إلى القمة بسلاسة نسبية، وبفضل مجموعتها الكبيرة المتنوعة من الخدمات، والتي تقدمها مجاناً في أغلب الأحيان، حققت شعبية هائلة وتحولت إلى بعض من أكثر الشركات قيمة حول العالم، حيث بلغت قيمتها السوقية المجتمعة في نهاية مايو ما يقارب 2 تريليون دولار، أي ما يساوي تقريباً الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا. أما الآن، فقد اندلع الجدل في أوروبا وأميركا حول كيفية التعامل مع هيمنتها.
نفس القصة، ولكن بأسلوب مختلف
ليست الشركات القوية المتفردة بالأمر الجديد في تاريخ التكنولوجيا. ويكفي أن نتذكر آي بي ام التي سيطرت على عصر الحواسيب الكبيرة، وشركة مايكروسوفت، البطل المتوج لعصر الحاسوب الشخصي. أما الأمر الجديد هذه المرة هو التأثير الهائل لهذه الشركات والذي امتد ليشمل نواحي كثيرة من حياتنا اليومية، والتساؤلات والمخاوف الكثيرة الناجمة عن هذا التأثير.
ليست قضية كامبريدج أناليتيكا سوى الحلقة الأخيرة في مسلسل طويل من الفضائح الرقمية التي لاحقت فيسبوك. ففي 2009 جعلت المعلومات حول جميع المشتركين عامة بدون موافقتهم، وبعد بضعة سنوات، قام باحثو فيسبوك بالتلاعب عمداً بالمنشورات على الصفحة الرئيسية لما يقارب 700,000 شخص لاختبار إمكانية التأثير على مزاج المستخدمين بدون علمهم (ومن المثير للقلق أن التجربة نجحت). ولم يكن سجل جوجل خالياً أيضاً من مشاكل الخصوصية، ففي 2012 فُرضت عليها غرامات من قبل السلطات الأميركية بسبب تغيير الإعدادات الافتراضية في متصفح سفاري من آبل لتنصيب برمجيات لتتبع الإعلانات على الحواسيب الشخصية بدون معرفة أصحابها.
يحصل 45% من الأميركيين البالغين على بعض أخبارهم على الأقل من فيسبوك.
قد تبدو لنا هذه الحوادث مستقلة عن بعضها، ولكنها جزء من مشهد شامل. وكما في حالة أباطرة النفط في مطلع القرن العشرين، فإن أباطرة المعلومات مصممون على استخلاص أكبر قدر ممكن من المورد الذي يعد مركزياً في اقتصاد العصر الذي يعيشون فيه. وكلما تمكنوا من الحصول على معلومات أكثر لتلقيمها لآلات توجيه الإعلانات ومحركات الترويج للمنتجات، كلما كان ذلك أفضل. وفي غياب أية منافسة حقيقية أو قيود قانونية جادة لتنظيم التعامل مع البيانات الشخصية (باستثناء القانون العام لحماية البيانات والذي صدر مؤخراً في أوروبا)، ستستمر هذه الشركات بانتهاك حرمة خصوصية مستخدميها في سعيها الذي لا يتوقف لمعرفة كل ما يمكن عنهم.
بفضل هيمنة هذه الشركات، أصبحت تلعب دوراً خطيراً ومتضخماً في السياسة والثقافة. لقد ساعد عمالقة الإنترنت على تقويض الثقة بالديمقراطية عن طريق الاستخفاف بالخطر الذي يمثله مثيرو النزاعات الروس، ومراكز تزييف الأخبار الماسيدونية، وغيرهم من ناشري الدعايات المغرضة. ففي البداية، نفى زوركبيرج مزاعم تأثير المعلومات المزيفة في فيسبوك على انتخابات 2016 ووصفها بأنها (جنونية تماماً)، ولكن شركة فيسبوك نفسها تقول الآن أنه ما بين يونيو 2015 وأغسطس 2017، يوجد ما يصل إلى 126 مليون شخص يحتمل أنهم رأوا على الشبكة محتوى صادراً عن مركز إثارة نزاعات روسي.
بنت فيسبوك وجوجل أدوات جديدة لتحديد الأخبار المزيفة وتدقيق عمل المعلنين، ولكن فعاليتها لم تتضح بعد. وقد برهن الباحثون أن خوارزميات اقتراح المحتوى في فيسبوك تميل لاختيار المنشورات التي تعزز من الخلافات، حتى في الأخبار التي تحمل شيئاً من الصحة. وقد يكون هذا ممكناً حتى لو كان عالم التواصل الاجتماعي أقل مركزية، ولكن التوسع الهائل للمنصات مثل فيسبوك عزز هذا التأثير بدون شك. ووفقاً لدراسة نشرها مركز بيو للأبحاث في العام الماضي، فإن 45% من الأميركيين البالغين يحصلون على بعض أخبارهم على الأقل من فيسبوك.
توجد أيضاً مسألة النفوذ الكبير الذي بنته هذه الشركات في السوق، والذي أدى إلى بلبلة في بعض الصناعات وأدى إلى خنق الإبداع في المجالات التي تسيطر عليها هذه الشركات. وفي الواقع، تعتبر شركتا فيسبوك وجوجل أقرب ما يكون إلى احتكار ثنائي، حيث تستحوذان على ثلاثة أرباع مصاريف الإعلان الرقمي في أميركا، و 84% من الإنفاق العالمي على هذه الإعلانات، باستثناء الصين. وتتحكم جوجل بما يقارب من 80% من عائدات الإعلان في البحث في أميركا، كما تتحكم بنسبة كبيرة من هذه العائدات في الكثير من البلدان الأخرى.
أما أمازون، فتستحوذ على أكثر من 83% من مبيعات الكتب الإلكترونية في أميركا وما يقارب من 90% من مبيعات الكتب المطبوعة على الإنترنت. وقد أدت هيمنة الشركة إلى فوضى عارمة في صناعة الإعلام والنشر، فبين 2006 و 2016، انخفض الإنفاق على الإعلانات في الصحف الأميركية بمقدار الثلثين تقريباً، وانتهى المطاف بأغلب هذه الأموال لدى فيسبوك وجوجل. كما أصبحت أمازون القوة الكبرى في الكثير من أنواع المبيعات على الإنترنت، وتولت ما يقارب 44% من مجمل التعاملات الاقتصادية على الإنترنت في الولايات المتحدة في العام الماضي.
تتيح هذه المنصات لأباطرة المعلومات قدراً غير مسبوق من السيطرة على ما نراه ونقرؤه ونشتريه. يقول جوناثان تابلين -المدير السابق لمختبر أنينبيرج الإبداعي في جامعة ساوثرن كاليفورنيا- في كتابه“Move Fast and Break Things” حول سلطة عمالقة الإنترنت، أن الفنانين الثوريين لطالما اضطروا للتعامل مع “مرتدي البدلات الرسمية” الذين يتحكمون بتوزيع أعمالهم. ولكن ظهور وهيمنة الشركات مثل فيسبوك وأمازون زاد من حدة الوضع بشكل كبير، كما ورد في الكتاب: “إن تركيز أرباح صناعة الفنون والأخبار لا يضعف من الفنانين والصحافيين وحسب، بل يمتد إلى أي شخص يسعى إلى جني الأرباح من التبادل الحر للأفكار والثقافة، ويجعله تحت رحمة مجموعة صغيرة من الرؤوس الكبيرة”.
تتيح هذه المنصات لأباطرة المعلومات قدراً غير مسبوق من السيطرة على ما نراه ونقرؤه ونشتريه.
يحب أباطرة المعلومات أن يقولوا أن المزاعم حول هيمنتهم مبالغ فيها إلى حد بعيد. وأثناء مثوله امام الكونجرس، قال مؤسس فيسبوك أن المواطن الأميركي العادي يستخدم ثمانية تطبيقات مختلفة للاتصال والتواصل الاجتماعي. ولكنه تجاهل أن يذكر أن شبكته تمتلك عدة برامج وتطبيقات واسعة الانتشار، مثل خدمة فيسبوك مسنجر وإنستغرام. وتقول جوجل أن الشركات مثل أمازون وفيسبوك تتنافس مع محرك البحث الخاص بها عن طريق مساعدة الناس على البحث عن المعلومات، ولكن المنافسين الحقيقيين لجوجل هم فعلياً المحركات المختصة بالبحث مثل محرك داك داك جو ومحرك بينج من مايكروسوفت، والذين يتمتعان بحصة صغيرة نسبياً من السوق. يمكن لأمازون أن تقول أنه يوجد الكثير من الشركات التي تقدم خدمات تجارية على الإنترنت، وأنها تتنافس مع متاجر حقيقية، ولكن لا يمكن إنكار هيمنتها على بعض القطاعات مثل النشر.
يتسبب النفوذ الكبير لأباطرة المعلومات بإحجام الشركات الناشئة عن منافستهم، كما يؤدي إلى قلق أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية من دعم الشركات القليلة التي تقدم على هذا التحدي. قال ألبرت ويجنر الشريك الإداري في استثمارات يونيون سكوير، أثناء مؤتمر عن مكافحة الاحتكار في وقت سابق من هذا العام، أن أحد أكبر الأولويات لمؤسسي الشركات في الوقت الحالي هي تجنب “المناطق القاتلة” لعمالقة الإنترنت، أي المجالات التي يستطيعون فيها سحق أية منافسة، وهي مناطق تزداد وتتوسع باستمرار مع توسع أعمال هذه الشركات العملاقة. غالباً ما تأتي الأفكار الثورية من الشركات الناشئة، لا من الشركات الضخمة، وبالتالي فإن هذه المشكلة قد تؤدي إلى حرماننا من ابتكارات هامة.
مؤثرات خاصة
لم يكن من المفترض أن تؤول الأمور إلى هذا الوضع. فقد كانت الإنترنت في بدايتها قائمة على إتاحة الدخول للجميع، وتسهيل تبديل الخدمات بضغطة زر، بحيث تحاط الإمبراطوريات الرقمية بجيوش من الشركات الناشئة الثورية. لماذا لم يحدث هذا إذاً؟
لقد حققوا هيمنتهم بتطوير منتجات وخدمات يرغب أغلبنا باستخدامها.
يعود جزء من الإجابة إلى إحدى الجمل الشائعة في وادي السيليكون: “تأثيرات الشبكة”. حيث تزداد قيمة الكثير من المنتجات والخدمات على الإنترنت مع ازدياد عدد المستخدمين. يتقاطر المشترون على أمازون لأنهم يعرفون أنهم سيجدون الكثير من البائعين، أي الكثير من الخيارات، كما ينضم الناس إلى فيسبوك لأن أصدقائهم هناك. لقد برع عمالقة الإنترنت الأميركان على وجه الخصوص في استغلال هذه التأثيرات، تماماً كما فعلت الشركات الصينية مثل أليبابا وتينسينت، والتي أصبحت ذات نفوذ مشابه في السوق المحلية الصينية. تمكنت فيسبوك وجوجل وأمازون، بفضل تأثيرات الشبكة، من الاستحصال على كميات هائلة من البيانات، والتي يستخدمونها لتحسين منتجاتهم وخدماتهم، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة عدد المستخدمين، أي زيادة كمية البيانات أكثر، وهلم جراً. وعندما كانت أية شركات أخرى تظهر دلائل على نجاح وشيك في هذه الأسواق، كان أباطرة المعلومات يلجؤون في أغلب الأحيان إلى شرائها باسهم عالية القيمة أو بدفعات نقدية من أرصدتهم الهائلة. وعلى سبيل المثال، فقد اشترت فيسبوك كلاً من إنستغرام وواتس أب، كما اشترت امازون زابوس وكويدسي، وهما من أسرع شركات البيع على الإنترنت نمواً، واستحوذت أمازون على ويز، والتي كانت ستتحول إلى منافس حقيقي لجوجل مابس. وفي بعض الأحيان، لا يكاد المستخدمون يلحظون هذه الصفقات، فبعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا، نشر بعض مستخدمي فيسبوك نيتهم الانتقال إلى إنستغرام، ما يوضح أنهم لا يعرفون أن إنستغرام يتبع أيضاً لفيسبوك.
أما السبب الذي يجعل أباطرة المعلومات يتصرفون بكل هذا الاندفاع فهو إدراكهم لكيفية انقلاب تأثيرات الشبكة ضدهم من قبل المنافسين، واستخدامها لتهديد قوة احتكارهم التي تعتمد على البيانات.
لماذا لم تقم السلطات المختصة بمكافحة الاحتكار بإيقاف بعض هذه الصفقات لتشجيع المنافسة؟ بشكل رئيسي، يعود هذا إلى تغير في فلسفة مكافحة الاحتكار في أميركا في الثمانينيات، والمستوحى من الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد ودارسي القانون في جامعة شيكاغو. قبل هذه النقلة، كان المسؤولون عن مكافحة الاحتكار ينظرون بتحفظ إلى أية صفقات تعزز من هيمنة الشركة. ولكن لاحقاً، أصبحوا أكثر تسامحاً مع هذه الصفقات، بشرط عدم ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستخدمين. لم تجد شركات الإنترنت أية مشكلة في هذا الشرط، بما أن معظم خدماتها كانت مجانية على أي حال. يقول النقاد أن مكافحي الاحتكار لم يكونوا متشددين بما يكفي، مثل جون كانتر، وهو محام متخصص بمكافحة الاحتكار في شركة بول وايز: “صحيح أن شركات الإنترنت تقدم خدمات مجانية، ولكن هذا لا يعني أن نسمح لها بفعل ما تريده بدون ضوابط”.
التحرك بسرعة وتحدي الأوضاع
يوجد سبب آخر جعل مسؤولي مكافحة الاحتكار عاجزين عن التعامل مع نفوذ عمالقة الإنترنت، وهو أنهم لم يقدروا بشكل صحيح كيف تؤدي تأثيرات الشبكة إلى مراكز متقدمة في السيطرة على السوق. على الأقل، كان المسؤولون الأوروبيون أكثر صرامة في مواجهة السلوكيات المضادة للمنافسة. ففي السنة الماضية، فرضت سلطة مكافحة الاحتكار التابعة للاتحاد الأوروبي غرامة تساوي 2.4 مليار يورو (2.7 مليار دولار) على جوجل لأنها أعطت أفضلية في نتائج البحث لخدمتها الخاصة للتبضع بمقارنة الأسعار، ما أدى إلى حرمان الخدمات المنافسة من المشتركين، وتقول الشركة أنها لم ترتكب أي خطأ وأنها ستلجأ إلى المحكمة لنقض هذا القرار. كما يحقق الاتحاد الأوروبي أيضاً في مزاعم من منافسي جوجل بأنها تستخدم نظام أندرويد وخدمة أدسينس للإعلانات من أجل محاربة المنافسة بشكل غير عادل.
أما في الولايات المتحدة، فقد كانت شركات الإنترنت الكبيرة تتمتع بنفوذ وعلاقات وثيقة مع إدارة أوباما، وهو ما قد أتاح لها كل هذا التساهل. ولكن علاقتهم مع الحكومة قد تتغير، فقد دعا ستيفن منوتشين -وزير الخزانة الأميركية- وزارة العدل إلى التدقيق في مسألة نفوذ السوق للشركات التقنية الكبيرة، كما قال جوزيف سيمونز -وهو رئيس مجلس الإدارة الجديد للجنة التجارة الفدرالية والتي تتمتع بصلاحيات لمكافحة الاحتكار أيضاً- في جلسة الاستماع التي خصصها الكونجرس للموافقة على تعيينه في منصبه أنه سيراقب الشركات “الكبيرة والمؤثرة” في وادي السيليكون عن كثب. يقول لوثر لاو، مدير السياسة العامة في يلب، وهي خدمة تجمع التقييمات المحلية للمطاعم ومحلات الصيانة وما شابه: “أنا متفائل جداً بإطلاق تحقيق أو اثنين على نطاق واسع بحلول نهاية العام”. وقد اشتبكت يلب منذ زمن في حرب تصريحات لم تنته حتى الآن مع جوجل، وتقول أنها تفضل تقييماتها الخاصة في نتائج البحث، وهي تهمة نفتها جوجل بالكامل.
إذا كان لاو محقاً، فقد ينتهي المطاف بشركات الإنترنت إلى قضاء المزيد من الوقت في المحاكم، ولكن بفضل أرصدتها الضخمة، لن تؤدي أية غرامات تفرض عليها إلى التقليل من نفوذها.
قد يكون أحد الحلول الناجعة تفكيك هذه الشركات، كما فعلت الحكومة الأميركية في مطلع القرن الماضي عندما فككت احتكار شركة ستاندارد أويل المهيمنة. وقد بدأت بعض مجموعات الضغط التقدمية في الولايات المتحدة بإطلاق حملات على الإنترنت مع شعارات مثل “فيسبوك يسيطر على حياتنا وديمقراطيتنا، وقد حان الوقت لاستعادة قوتنا”، وذلك لحث الهيئة الفدرالية للتجارة على إجبار فيسبوك على بيع إنستغرام وواتس أب ومسنجر لإحداث المنافسة في السوق.
غير أن فيسبوك ليست الشركة الوحيدة المستهدفة. ففي وقت سابق من هذه السنة، قالت لينا خان -الباحثة في معهد أوبين ماركتس، وهو أحد المنظمات التي تقف خلف الحملة على فيسبوك- في بحث منشور أن شركة أمازون بلغت حداً كبيراً من السيطرة على التجارة الإلكترونية، ولهذا يجب أن تخضع لإعادة هيكلة حكومية، وأن تُجبر على الاختيار ما بين التخصص ببيع السلع نفسها أو الاكتفاء بإدارة المنصة الإلكترونية التي تستخدمها ويستخدمها تجار الإنترنت الآخرين للوصول إلى الزبائن. وإذا اختارت أن تكون منصة وحسب، يجب أن تتخلى عن عدة شركات تابعة لها، مثل سلسلة سوبرماركت هول فودز الأميركية التي اشترتها العام الماضي.
تذهب 84% من الأموال المخصصة للإعلانات الرقمية (خارج الصين) إلى جوجل وفيسبوك.
ولكن لن يكون من السهل إيجاد المبرر القانوني لتفكيك هذه الشركات، لأن توصيف عمالقة الإنترنت لا ينطبق بالضبط على التعريف النمطي للمحتكرين الطماعين الذين يرفعون الأسعار ويخنقون الاستثمارات، لأنهم يتلاعبون بالأسواق بطريقة مختلفة توحي بأنها أكثر ميلاً للخير، فقد حققوا هيمنتهم بتطوير منتجات وخدمات يرغب أغلبنا باستخدامها، وتوصلوا إلى نفوذهم الهائل من جميع البيانات حول نشاطنا على الإنترنت.
غير أن مجرد التهديد بالتفكيك قد يكون مفيداً بحد ذاته. ففي التسعينيات، حاولت وزارة العدل إجبار مايكروسوفت على التوقف عن وضع متصفحها إكسبلورر ضمن نظام التشغيل واسع الانتشار ويندوز، لأنه كان يعطي هذا المتصفح أفضلية غير عادلة مقابل متصفح نيتسكيب. لم تنجح الحكومة في تفكيك مايكروسوفت، غير أن هذه المعركة جعلت الشركة أكثر حذراً في استخدام قوتها ضد الشركات الصغيرة في الأسواق الناشئة، مثل البحث على الإنترنت، وهو ما ساعد جوجل على الازدهار.
ردم هوة البيانات
كيف إذاً يمكن أن نحد من نفوذ أباطرة المعلومات؟ نحن بحاجة ماسة لإيجاد طرق لدعم المنافسة، بدلاً من انتظار المواجهات القانونية التي قد تنجح أو تفشل، أي التخفيف من الفرق الكبير في كمية البيانات لدى عمالقة الإنترنت وكمية البيانات لدى باقي الشركات. يمكن هنا أن تساعدنا القوانين، حيث أن نظام خصوصية البيانات الأوروبي الجديد يتطلب من الشركات أن تحتفظ بمعلومات المشتركين بصيغ يمكن للآلات قراءتها، والسماح لهم بنقلها إلى شركات أخرى في حال رغبوا بذلك. وستسمح هذه القاعدة حول “سهولة حركة البيانات” للشركات الناشئة بالاستحصال على المزيد من البيانات بسرعة.
إذا ثبت ارتكاب إحدى الشركات العملاقة لسلوك مضاد للمنافسة، يمكن أن تتوصل إلى تسوية تتطلب مشاركة بعض البيانات مع الشركات المنافسة. وعلى سبيل المثال، يمكن إجبار جوجل على تسليم بعض بيانات البحث التي يمكن أن تفيد الشركات الأخرى في مجال البحث لتدريب محركاتهم، كما يمكن إجبار فيسبوك على مشاركة بعض من البيانات الاجتماعية حول علاقات الناس على الإنترنت. ويجب التفكير بأفضل طريقة لتحقيق هذا مع حماية خصوصية المشتركين، ولكن من المؤكد أن هذه العقوبة أكثر إيلاماً من الغرامات الكبيرة، والتي يمكن لشركات الإنترنت دفعها بسهولة.
لن يكون من السهل إيجاد المبرر القانوني لتفكيك هذه الشركات، لأن توصيف عمالقة الإنترنت لا ينطبق بالضبط على التعريف النمطي للمحتكرين الطماعين.
يقول البعض أنه يجب أن نفكر بشكل أكثر جرأة، ولا نقتصر فقط على شركات الإنترنت الكبيرة. يعمل فيكتور ماير شونبيرجر كبروفسور في جامعة أوكسفورد، وقد اقترح ما أطلق عليه اسم “المشاركة الإلزامية التقدمية للبيانات” التي تطبق على جميع الشركات. وتتطلب هذه القاعدة من أي شركة تتخطى حصتها في السوق نسبة معينة (10% على سبيل المثال) أن تشارك بعض البيانات مع الشركات الأخرى في نفس المجال والتي ترغب بذلك، مع اختيار البيانات عشوائياً وتجريدها من جميع المعلومات الشخصية. تبدو الفكرة معقولة بديهياً، فكلما اقتربت شركة من السيطرة على السوق، يجب عليها مشاركة المزيد من البيانات، ما يسهل على المنافسين بناء منتجات أفضل.
قد يكون تنفيذ اقتراح ماير شونبيرجر صعباً من الناحية العملية، ولكن مواجهة نفوذ عمالقة الإنترنت يتطلب مقاربات مبتكرة، كما يتطلب سياسة دمج شركات أكثر صرامة، بحيث لا تدرس فقط مسألة تأثير الاندماج المقترح على الأسعار، بل تتجاوزها إلى التأثير على المنافسة في المستقبل. يجب ألا نوقف فقط الصفقات الكبيرة الرامية إلى تثبيت هيمنة عمالقة الإنترنت، بل أيضاً الصفقات الأصغر القادرة على إلغاء المنافسة التي قد تتحداهم لاحقاً. يقول كارل شابيرو، وهو أخصائي بمكافحة الاحتكار في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، أن هذا قد يؤدي إلى بعض “النتائج الإيجابية الوهمية” ويمنع استحواذ الشركات الصغيرة التي لا تتحول لاحقاً إلى تهديد حقيقي لجوجل وفيسبوك. ولكنه يقول أنه سعر قد نضطر لدفعه مقابل تحفيز المنافسة.
2.4مليار يورو، هو مقدار الغرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على جوجل بسبب السلوك المزعوم المضاد للمنافسة.
أصبحت الحاجة إلى تحركات كهذه ماسة أكثر من أي وقت مضى، مع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي. يعتمد الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات ليكتسب قدرته على العمل، وبالتالي، فإن الاحتياطيات الكبيرة من البيانات لدى أباطرة المعلومات تعطيهم الأفضلية في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستدير جميع أنواع الأجهزة والأنظمة، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة وصولاً إلى البرمجيات التي تحدد إمكانية منح القروض، وهو ما سيصعب على الشركات الأخرى اللحاق بالركب.
يقول كاي فو لي، المستثمر البارز في مجال الذكاء الاصطناعي، في مقالة نشرت العام الماضي في نيويورك تايمز: “كلما كان لديك بيانات أكثر، كلما أصبحت منتجاتك أفضل، وكلما أصبحت منتجاتك أفضل، كلما تمكنت من جمع المزيد من البيانات، وكلما جمعت المزيد من البيانات، كلما اجتذبت المزيد من المواهب، وكلما اجتذبت المزيد من المواهب، كلما أصبحت منتجاتك أفضل”. ليس من قبيل الصدفة أن فيسبوك وجوجل وأمازون تعمل على جمع كل ما يمكن جمعه من البيانات، وتوظيف أفضل العقول في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم.
بدأت المساعدات الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والأوامر الصوتية، والتي صممتها هذه الشركات، بالانتشار في سياراتنا ومنازلنا ومكاتبنا، إضافة إلى هواتفنا. ويتوقع منها قريباً أن تبدأ بالإجابة بشكل فعلي عن الأسئلة، بدلاً من أسلوبها الحالي في تقديم خليط من الاقتراحات المنوعة. إن الشركات التي ستختار خوارزمياتها هذه الأجوبة ستحوز على تأثير أقوى بكثير، سواء أكان علينا أو على الاقتصاد العالمي. ولتثبيت هيمنتها، ستبدأ فيسبوك وجوجل وأمازون قريباً بابتلاع المزيد من البيانات عنا.
خلال شهادته أمام الكونجرس، تقبل زوكربيرج ضرورة وجود قوانين جديدة تحكم عمل شركته والشركات الأخرى، وقال: “أعتقد أن الإنترنت أصبح أكثر أهمية في حياة الناس، وأعتقد أننا بحاجة إلى حوار شامل حول ماهية القوانين الصحيحة، لا حول وجوب تطبيقها”. وللتوصل إلى هذه القوانين، يجب أن نركز على مصدر نفوذ عمالقة الإنترنت والأخطار التي قد يؤدي إليها هذا النفوذ. ولهذا، يجب أن نوجد أساليب ذكية لتخفيف هيمنة هذه الشركات على بياناتنا، وبسرعة.
المصدر: إم آي تكنولوجي ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر