سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ديفيد جي. لينش، وفيليب روكر
اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، أنه بالإمكان أن يسعى لوقف حرب الرسوم الجمركية، متوجًا يومًا شهد فيه وصول الزعيم الأميركي إلى مرحلة بارزةفي حملته الاقتصادية الشعبوية عبر توقيع اتفاق تجاري إقليمي مع المكسيك وكندا.
وقد وجَّه الرئيس الأميركي نبرة أكثر تفاؤلاً حول آفاق لقاء العشاء مع نظيره الصيني “شي” ، والمقرر عقده يوم السبت في أحد فنادق وسط المدينة على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين السنوية. إذ قال الرئيس للصحفيين “نحن نعمل بجد، وإذا تمكنا من عقد صفقة، فهذا جيد. أعتقد أنهم يريدون ذلك؛ كما أعتقد أننا نحب ذلك، لكننا سنرى، فهناك بعض المؤشرات الجيدة”.
وخلال حديثه قبل الاجتماع مع رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي”، لم يشرح الرئيس الأميركي الأمر بالتفصيل، لكن في وقت سابق استعرض مهندس شركة “ترمب” المتشدد حيال الصين، وكبير المفاوضين التجاريين “روبرت إ. ليتايزر”، الموقف بشكل بدا أكثر تفاؤلًا.
وقال “ليتايزر” للصحفيين “سأكون مندهشًا جدًا إذا لم يكن العشاء ناجحًا”، حيث يرى كبير المفاوضين الأميركيين أنه في نهاية الأمر سيكون هناك شعور إيجابي من كلا الزعيمين، وبخاصة بعد أن قام ترمب ورئيس الوزراء الكندي “جوستين ترودو”، والرئيس المكسيكي “أنريكي بينيا نييتو” بتوقيع اتفاق ضم كلاً من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
نشير هنا إلى أن مثل هذا التفاؤل الذي يأخذ طابعًا رسميًا، بعد شهور من المساومة، يفتح آفاق الاحتمالات بأن يخرج الرئيس من هذا العشاء بإنجاز ملموس، لكن ما يبقى هو استحالة توقع أن يكون الاتفاق كاسحًا إلى درجة حل كافة المشكلات التجارية العالقة بين الولايات المتحدة والصين.
فمن بين الاحتمالات القائمة أن تقوم واشنطن بتأجيل أية زيادات أخرى في الرسوم الجمركية، مقابل قيام “بكين” بإسقاط كافة الرسوم الانتقامية الخاصة بفول الصويا الأميركي والغاز الطبيعي المسال، وفقًا لما قاله “ديريك سكيسور”، الخبير الاقتصادي الصيني بمعهد “أميركان انتربرايز” الذي يقدم المشورة للمسؤولين في الإدارة من حين لآخر.
كذلك يمكن أن يتوافق الرئيسان على تفويض المسؤولين بإجراء مفاوضات جديدة حول أكثر الاتهامات الأميركية إثارة للجدل، والتي تنصرف بدورها إلى جوهر النموذج الاقتصادي الذي تقوده الصين. فقد اقترحت غرفة التجارة الأميركية إجراء محادثات خلال مهلة تصل إلى ستة أشهر للتوصل إلى اتفاق من شأنه إلغاء التعريفات الجمركية وإتاحة الفرصة للشركات الأميركية للوصول إلى السوق الصينية. فمن الواضح أن الرئيس الأميركي يريد أن يُنظر إليه على أنه صارم تجاه الصين، إلا أنه يبدو مفاوضًا ناجحًا في مجال الصفقات، ومع ذلك من غير المرجح أن يتم التغلب على الاختلافات الجوهرية بين الجانبين في أي وقت بالمستقبل المنظور. ولكن، حتى وقف الأعمال العدائية التجارية الإضافية، سيكون بالإمكان أن نرى نتائج إيجابية خلال تلك المرحلة.
بعد محادثات سابقة قادها كل من وزيري التجارة والخزانة الأميركيين “ستيفن منوشين” و”ويلبر روس”، أراد الصينيون أن يروا “ليتايزر” منتدبًا لقيادة حوار متجدد؛ إذ باتوا لا يصدقون أن أي شخص آخر بإمكانه أن يسلم من تلك الموجة الطاحنة، حتى في ظل الاهتمام بالتوقعات المرتقبة من عشاء “ترمب – شي”، إلا أن الصورة تبدو أكثر قتامة على المدى الطويل، كما يقول “دوجلاس ريديكر” الرئيس التنفيذي لشركة “إنترناشيونال كابيتال ستراتيجيز”، وهي شركة استشارية في السوق الاقتصادي العالمي.
ويعتبر المسؤولون في الإدارة الأميركية أن الصين منافس اقتصادي مفترس وشرس، كما أنها قوة معادية تسعى إلى تقويض التفوق التكنولوجي الأميركي وإفشال واشنطن باعتبارها القوة المهيمنة على العالم، ومن ثَمَّ تشكو الولايات المتحدة من أن “بكين” تدعم شركاتها العملاقة المملوكة للدولة من أجل المنافسة في الأسواق العالمية، وأنها تقوم بسرقة التكنولوجيا الأميركية وتحتفظ بحدود صارمة على الشركات الأجنبية في الصين، وهو ما يدفع المسؤولين في بكين وواشنطن للحديث صراحة عن آفاق “حرب باردة” جديدة بين البلدين.
لقد أمضى الرئيس الأيام الأخيرة، وهو يحاول التقليل من فرص التوافق مع الصين، حيث قال لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنه من المستبعد جدًا أن يلغي الزيادة المرتقبة في مطلع يناير المقبل إلى 25% بدلاً من 10% من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية التي تقدَّر بـ200 مليار دولار. إلى جانب ذلك، فقد كانت الردود الصينية على الشكاوى التجارية الأميركية مخيبة للآمال وغير مرضية لواشنطن، كما يلاحظ “لاري كودلو”، مدير مجلس الاقتصاد الوطني. لكن بالتزامن مع عشاء “ترمب وشي”، فقد شرع الرئيس الأميركي في التأكيد على إمكانية تحقيق تقدم مهما كانت محدودية هذا التقدم. فبالنسبة لترمب، جاءت لحظة التوقيع مع التوقيع الاحتفالي الخاص بالاتفاقية التجارية لأميركا الشمالية التي تعيد صياغة القواعد التي تحكم التجارة الإقليمية بما يزيد على 1.2 تريليون وتغلق الباب على مدى ربع قرن من العولمة الجامحة.
وخلال احتفال دام نحو نصف ساعة، أثنى الرئيس ترمب على الاتفاقية واصفًا إياها بـ”الإنجاز الرائد بحق”، وأومأ إلى أنصاره من ذوي الياقات الزرقاء مدعيًا بأن تلك الخطوة من شأنها أن تعزز “وظائف التصنيع عالية الأجر” وكذلك الصادرات الزراعية. لكن الاتفاقية تواجه معركة شاقة في أروقة الكونجرس العام المقبل، حيث سيسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب وقد يترددون في دعم الرئيس على الوفاء بوعود حملته الانتخابية عام 2016، بينما يستعد ترمب – حاليًا – للترشح للانتخابات المقبلة. كما أن الصناعات الأميركية الرئيسة والمصالح الزراعية، غير متفقة مع ذلك الوضع؛ إذ إن الرئيس لم يُزِل بعدُ التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من المكسيك وكندا، كما وعد مسؤولو إدارته.
هنا يسعى “ليتايزر” لاستبدال التعريفات بالحصص التي من شأنها الحد من شحنات المعادن من الشركاء التجاريين لواشنطن. كما تخشى كندا والمكسيك من الأضرار التي يمكن أن تتعرضا لها في حالة واصل ترمب تهديداته بفرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة، وربَّما كانت صناعة السيارات هي الأكثر تكاملاً في أميركا الشمالية، حيث قامت تلك الشركات بشحن قطع غيار وسيارات نصف مصنعة عبر الحدود الشمالية والجنوبية للولايات المتحدة عدة مرات قبل استكمال الإنتاج.
لقد كان الحفل الذي أقيم يوم الجمعة، محدودًا نسبيًا باستثناء اعتراف ترمب بأن الثلاثي قد أدوا “معركة” للتوصل إلى اتفاق. فترمب و”ترودو” اللذان كانت علاقتهما صخرية، قد تفاعلا بشكل ودي رغم المقاومة الكندية لمحاولة ترمب إعادة تشكيل العلامة التجارية، ووصفت الاتفاقية بأنها “اتفاقية تجارة حرة جديدة في أميركا الشمالية”.
لقد رافق ترمب وفد كبير من الولايات المتحدة، من بينهم وزير الخارجية “مايك بومبيو”، و”ليتايزر”، ومستشار الأمن القومي “جون بولتون”، ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض “جون كيلي”. كما حضرت ابنة الرئيس إيفانكا وزوجها “جاريد كوشنر”، وكلاهما مستشاران بارزان في البيت الأبيض. وقبل ذلك بدقائق، كان “بينيا نييتو” قد منح كوشنر “نسر الأزتيك”، وهو أعلى جائزة للأجانب في البلاد، وذلك بسبب جهوده في التوصل إلى الاتفاق التجاري.
ويواجه هذا الإجراء معارضة في الكونغرس، رغم تأكيد ترمب حينما قال “لا أتوقع أن يكون لدي مشكلة كبيرة جدًا”. ففي مجلس الشيوخ، يقول السناتور “باتريك ج. تومي”، الذي يؤيد توسيع نطاق التجارة، إنه سيعارض الاتفاقية ما لم يتم إجراء تغييرات على عدة بنود بها، بما في ذلك حماية المستثمرين. كما قالت السناتور “اليزابيث وارن” (عن ولاية ماساتشوستس)، وهي مرشحة محتملة للانتخابات الرئاسية الديموقراطية، إنها ستعارض الاتفاقية التجارية.
وفي إشارة مقلقة للإدارة، ترفض النقابات العمالية الكبرى، خوفًا من الاستعانة بمصادر خارجية إضافية، دعم هذه الاتفاقية. فقد قال “روبرت مارتينيز”، رئيس الرابطة الدولية لعمال الماكينات، إن اتحاد المراقبين العسكريين الأميركيين “لن يفعل الكثير لإبقاء المزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة والحيلولة دون انتقالها إلى المكسيك”.
وكثيرًا ما وصف ترمب اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية بأنها “أسوأ صفقة تجارية على الإطلاق”، حتى إنه اقترب من انسحاب الولايات المتحدة منها في غضون أشهر من توليه المنصب. كما كانت الوعود بالتنازل عن هذه الاتفاقية واستبدالها بصفقة أفضل، هي – أيضًا – من دعائم حملات ترمب الانتخابية عبر “المجمع الصناعي” في 2016. فالاتفاقية تنص على منح 75٪ من كل سيارة معفاة من الرسوم الجمركية في أميركا الشمالية، مقارنة بـ 62.5٪ في الاتفاقية الحالية، وهو ما يتطلب قدرًا كبيرًا من التصنيع بين العمال الذين يكسبون ما لا يقل عن 16 دولارًا في الساعة.
وذلك بهدف تقليل الحوافز للعمل الأميركي للتحول إلى المصانع المكسيكية الأقل تكلفة. وتتضمن الاتفاقية أحكامًا جديدة تحكم التجارة الإلكترونية وتدفقات البيانات عبر الحدود التي لم تكن جزءًا من المعاهدة السابقة، والتي تمَّ التفاوض عليها قبل أن تصبح الإنترنت قوة تجارية.
المصدر: صحيفة واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر