سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ترمب وعودة واشنطن عبر بوابة الرياض
يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب المملكة العربية السعودية في 23 مايو الحالي ليؤكد من جديد أن الأوضاع لن تستقر ما لم يكن للسعودية دور فعّال في المنطقة. كما تأتي الزيارة كمؤشر على عودة العلاقات السعودية – الأميركية لما قبل حقبة أوباما التي شهدت فتورًا وتراخيًا بسبب سياساته الخارجية المتذبذبة، وعدم تقديره لما تمثله المملكة من ثقل سياسي واقتصادي في العالم. كما تُبرز الزيارة الدور الحيوي والفعَّال الذي يؤديه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي من أجل الدفع بدور المملكة عربيًا وإسلاميًا، ورغبة منه في لعب المملكة دورًا بارزًا يمكن من خلاله المساهمة في وضع حدٍّ للتدهور الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، وهو ما تجسَّد في الدعوة لعقد قمتين تجمع قادة العالمين العربي والإسلامي مع الرئيس ترمب.
جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن أولى زياراته الخارجية، منذ توليه منصبه في 20 يناير الماضي، ستكون إلى السعودية ثم إسرائيل، ومن ثم إلى روما، ومن ثم إعلان الرياض أنه سيُعقد ثلاث قمم خلال زيارة ترمب للمملكة، وهي: قمة ثنائية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقمة ثانية مع قادة دول الخليج العربي، يعقبها قمة ثالثة مع قادة دول عربية وإسلامية، ليؤكد الحديث مجددًا عن عمق التحولات خلال الأشهر القليلة الماضية التي شهدها مسار العلاقات بين الرياض وواشنطن، وهي التحولات التي جاءت في أعقاب الزيارة الهامة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مارس الماضي لواشنطن، والتي وصفت بأنها “نقطة تحوّل تاريخية” طبعت “تغيرًا مهمًا في العلاقات في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية ككل”.
بروز دور المملكة عربيًا وإسلاميًا
استبق الإعلان عن زيارة ترمب للمملكة والمقررة في 23 من شهر مايو الجاري، سلسلة من الخطوات الجادة التي قامت بها المملكة، بدأت بزيارة الأمير محمد بن سلمان الناجحة لواشنطن استطاع من خلالها أن يعرض المكانة الحقيقية للمملكة كزعيمة للعالمين العربي والإسلامي والدور الرائد الذي تمارسه في محاربة الإرهاب الدولي، ثم تلاها تعيين الأمير خالد بن سلمان سفيرا للمملكة في واشنطن كدليل على حرص المملكة على تعزيز علاقتها بالولايات المتحدة، لتختم المملكة هذه الخطوات بالدعوة الرسمية التي بعثها الملك سلمان لترمب لزيارة الرياض، هذه الدعوة التي لم يكتف ترمب بالموافقة عليها، بل جعل من الرياض أولى وجهاته الخارجية، ولعلَّ ترمب أراد من جعل الرياض وجهته الأولى أن يبعث برسالة للعالم بأن إدارته أذكى من سابقتها وأقدر على تقدير الأمور، فبعد أن راهنت إدارة أوباما على إيران من أجل فرض السلام في الشرق الأوسط لم تحصل إلا على العنف والدمار وانتشار الإرهاب؛ فها هو ترمب يعيد الأمور إلى نصابها ويضع يده بيد الدولة الأجدر والأقدر على مكافحة الإرهاب، بل إن اجتماعه مع قادة دول الخليج وبعض قادة دول العالم الإسلامي في الرياض تأكيد على قوة المملكة الاقتصادية والسياسية، هذه القوة التي يسعى ترمب للاستفادة منها في الفترة المقبلة من أجل استقرار المنطقة وإنهاء النزاعات وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، حيث أعلن أنه سيبدأ من الرياض بناء قاعدة للتعاون بينه وبين الحلفاء المسلمين، في إشارة منه إلى عدم ربط الإسلام بالإرهاب، كذلك رفضه لأي دور لإيران في المنطقة.
وبحسب مصادر إعلامية أميركية متطابقة، فإن البيت الأبيض أعطى ملمحًا عن شكل السياسات الخارجية التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، ومدى تأثير المملكة العربية السعودية في تشكيل تلك السياسات، وهو ما سيتوج بالزيارة التي سيقوم بها ترمب للرياض وهو الاختيار الذي يعكس الدور المحوري للمملكة في العالمين العربي والإسلامي، واحترام الولايات المتحدة الأمريكية للقيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية التي تسعى دائمًا إلى تعزيز الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم، مع الآخذ في الاعتبار أن المملكة هي الشريك الأول للولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي، وأن المملكة الشريك الأول للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب والتطرف والقضاء على داعش والقاعدة، وأن المملكة في مقدمة الدول التي تتصدى لتدخلات إيران السلبية في شؤون المنطقة، وهذا موضوع مهم جدًا بالنسبة للولايات المتحدة؛ ولذلك فإن الشراكة مع المملكة أمر مهم جدًا.
إعادة تفعيل علاقات الرياض – واشنطن
لم يكن اختيار ترمب للمملكة كأولى وجهة خارجية له محض مصادفة، بل جاء من خلال قرار أمريكي واضح يضع في الاعتبار المملكة كدولة أساسية في محاربة الإرهاب والتطرف، وهي من قدَّم مبادرة السلام العربية التي تعتبر الآن مرجعًا أساسيًا لحل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يسعى الرئيس ترمب إلى إنهائه. كما أن المملكة شريك اقتصادي قوي للولايات المتحدة وأكبر مصدرة للبترول ومن أكثر الدول استثمارًا في العالم. كذلك تربط المملكة والولايات المتحدة علاقات تاريخية واستراتيجية، وهو ما تدركه الإدارة الأمريكية، ولا سيما في إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني والقضاء على (داعش) والإرهاب والتطرف والتصدي لإيران، وتعزيز الاستثمارات والتجارة بين البلدين وإيجاد فرص عمل فيهما؛ وهو ما يؤكد – بما لا يدع مجالًا للشك – أن زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة ستكون زيارة تاريخية بكل المقاييس.
قمم ثلاث بحضور ترمب
وكما تستعد المملكة العربية السعودية، لاستقبال الرئيس ترمب، تتجه الدبلوماسية السعودية إلى جعل الزيارة قمة إسلامية عربية أميركية ناجحة، وهو ما يؤكد مساعي المملكة الحقيقية والدؤوبة من أجل إحداث حالة من التغيير في الواقع الإقليمي المضطرب والمضي قدمًا نحو إعادة تهيئة الأمور في المنطقة من خلال إعادة تفعيل العلاقات السعودية – الأمريكية من جهة، والعربية – الإسلامية مع أمريكا من جهة أخرى، ومن المقرر أن تعقد القمة السعودية – الأمريكية، وبعدها سيحضر ترمب اجتماع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في قمته نصف السنوية. وكذلك من المقرر أن يشارك ترمب في القمة الإسلامية – الأميركية، التي سيحضرها عدد من قادة الدول التي تشارك في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، إذ من المتوقع مشاركة نحو 17 دولة عربية وإسلامية لحضور لقاء القمة مع الرئيس الأمريكي، وذلك للتباحث في كافة قضايا المنطقة ومستقبل العلاقات بين العالمين العربي والإسلامي مع واشنطن.
وليس ثمة شك في حقيقة مفادها أن سياسة القوة الناعمة التي تتبعها المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر أسفرت عن العمل على عقد القمم الثلاث المرتقبة في وقت واحد، وأن القمم الخليجية والعربية والإسلامية تعكس أن هناك عزمًا وتصميمًا سعوديًا، إضافة إلى مباركة خليجية – عربية – إسلامية بالتوافق مع دولة عظمى وهي الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد حل جذرى لما يعصف بالمنطقة من أزمات، يأتي على رأسها محاربة الإرهاب والتطرف والعنف، كذلك فإن الزيارة الأولى الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمملكة ستكون خير شاهد على ممارسة هذه القوة الناعمة للمملكة سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا وإسلاميًا.
وبحسب مصادر إعلامية أمريكية متطابقة، فإن أبرز ما سيتم تناوله خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع قادة العالم الإسلامي الذين سيلتقيهم خلال زيارته المقرّرة إلى المملكة، عدة بنود؛ أهمها إيجاد حل طويل الأمد لـ”التطرّف”، واتخاذ إجراءات إضافية لوقف تمويل المنظمات المسلّحة، ومواجهة تأثير إيران وتنظيم الدولة، وزيادة التعاون الأمني بين دول الشرق الأوسط، مع التأكيد كذلك على أن زيارة ترمب إلى السعودية، ولقائه بقادة العالم الإسلامي هناك، تأتي بعد عدة زيارات قام بها عدد من الزعماء في الدول العربية والإسلامية، أكّدوا خلالها للرئيس الأمريكي رغبتهم في العمل بشكل أوثق مع الإدارة الجديدة لمحاربة التطرّف.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد صرح في وقت سابق، أنه سيبدأ وضع أساس جديد لمحاربة “الإرهاب” خلال زيارته للسعودية، مؤكدًا بقوله “سنرسي من السعودية دعائم تحالف جديد ضد التطرّف والإرهاب والعنف”، وقال ترمب: “سنعقد قمة تاريخية في السعودية بحضور قادة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي”، مضيفًا “سنسعى من السعودية لبناء مستقبل مشرق وعادل للشباب المسلم في بلدانهم”، وتوقّع ترمب نتائج ملموسة من السعودية في التصدي للأفكار المتطرّفة.
جهود الأمير محمد بن سلمان
وتعكس الرغبة الأميركية الجديدة مدى الثقة التي توليها واشنطن للجهود التي تبذلها المملكة من أجل إعادة ضبط إيقاع الأمور في المنطقة، بخاصة الجهود التي يبذلها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، منذ زيارته الأخيرة في مارس الماضي لواشنطن التي جرى خلالها أول عصف ذهني استراتيجي بين السعودية وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لبحث مستقبل الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الرياض وواشنطن. ويدور الحديث الآن عن مرحلة مغايرة تمامًا لمرحلة سابقة اتصفت بالسوء الشديد في الإدارة الأمريكية، سمحت بتفشي الإرهاب وتقويض الأمن وتكريس الفوضى وإسالة الدماء وإذكاء جحيم الطائفية والمذهبية والتعامل بغباء شديد مع أهم الحلفاء في المنطقة لصالح حسابات وأجندات جديدة ثبت عقمها وفشلها الذريع؛ لأن البدائل التي اختارتها أميركا كانت كارثية بكل المعايير، وبهذه الزيارة ستعود أميركا إلى موقعها ووضعها الطبيعي لجهة الاهتمام بالمصالح المشتركة الحقيقية مع الحلفاء التي لا يمكن تحقيقها في أجواء التوتر وسوء الفهم، كما لا يمكن تحقيقها بوجود مشروع فوضوي جندت إيران نفسها له بدفع ومباركة الإدارة الأمريكية السابقة، لتصبح أكبر راعٍ للإرهاب الرسمي وإشعال بؤر التوتر، معتبرين أن الأفكار المسبقة عن ترمب، تتلاشي الآن مع التأكيد على أن هذا الرئيس القادم من خارج ساحة السياسة هو الذي سيمارس الدور العملي الصحيح في تصحيح الأخطاء الكارثية التي ارتكبها سابقوه.
كما يمكن التأكيد على أن كسر الجمود سواء على صعيد العلاقات بين الرياض وواشنطن، أو على مسار التحرك لحل الأوضاع الراهنة في المنطقة، جاء نتيجة عمل دبلوماسي سعودي تراكمي أثمر ليس فقط بقيام الرئيس الأميركي لأول مرة في التاريخ بزيارة دولة عربية أو إسلامية في أول زيارة خارجية له، بل أيضًا بإعادة الحيوية للعلاقة التاريخية والاستراتيجية ما بين البلدين والتناغم حول قضايا المنطقة. كنتيجة مباشرة للجهد الكبير الذي بذله ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما عكس فاعلية الدبلوماسية السعودية وحضورها على المسرح الدولي في الآونة الأخيرة.
كذلك فلا بد من التوقف عند البعد الاقتصادي لهذه الزيارة كونها تأتي في لحظة تريد فيها أمريكا إحياء الشراكات الاقتصادية مع دول معينة، فهي تريد أفضل العلاقات التجارية مع بريطانيا، كما تريد تصحيح الخلل القائم فيما يخص العلاقات التجارية مع الصين، زد على ذلك أن هناك تعاونًا مع المملكة العربية السعودية على أكثر من صعيد، ليس فقط على الصعيد النفطي، بل هناك تعاون عسكري فيما يتعلق بمد المملكة بالسلاح، مع ملاحظة أن هناك تحوّلا اقتصاديًا كبيرًا يقوم به ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان في السعودية تحت عنوان «رؤية 2030»، وهو ما تريد واشنطن استثماره مستقبلًا.
ويمكن القول إن واشنطن باتت تراهن على تعزيز اقتصادها، من خلال التعويل على المملكة في إطار مساعيها للسيطرة على البطالة الداخلية، إذ إنّه من المتوقّع خلال زيارة ترمب للرياض إتمام العديد من العقود بين البلدين، التي ستحرّك عجلة الاقتصاد في السعودية وأميركا، خاصة أن البلدين يعتبران بعضهما جزءًا أصيلًا في هذه المعادلة.
ومن نافلة القول، سيكون لهذه الزيارة التاريخية وما تتضمنه من لقاءات ومشاورات وقمم، دور كبير في استقرار المنطقة بدءًا بالقضية الفلسطينية، ومرورًا بالشأن السوري والعراقي واليمني، وانتهاء بمشكلة الإرهاب والتطرف المدعوم إيرانيًا، وسيكون للمملكة دور كبير في ذلك لما تملكه من قدرات تؤهلها للقيام بدور ريادي في المنطقة ثم لرغبتها الجادة في تحقيق الاستقرار والسلام. وعلى الرغم مما تحمله الزيارة من دلالات رمزية وسياسية بالغة الأهمية، فإن النتائج التي ستنتج عنها هي ما يكرس أهميتها الفعلية على أرض الواقع، إذ يُنتظر أن تُسفِر القمم الثلاث عن بلورة تصور مشترك لحلول مشكلات المنطقة تعوض الارتباك الذي خلقته الإدارة الأميركية السابقة وتزيل الصورة المشوشة حول الدور الأميركي في حفظ أمن الخليج، ومنع إيران من امتلاك قدرات وأدوات تُمكِّنها من الاستمرار في ممارسة العبث بأمن واستقرار المنطقة والتدخل في شؤون جيرانها.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر