سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بعد عام فقط من قيام كيان “إسرائيل” بفعل قرار دولي، أي في عام 1949، بدأت خطوط العلاقة بين الصين وإسرائيل بالظهور، لكنها لم تتعمق بينهما، إلا عام ،1992 أي منذ 25 عامًا فقط.
وبالعودة إلى تاريخ العلاقات الصينية الإسرائيلية، نجد أنها مرت بمنعطفات ثلاثة قبل الوصول إلى حالة الاستقرار وازدهار العلاقات التجارية والاقتصادية، وكانت البداية في عام 1949، أي بعد عام من قيام “إسرائيل”، إثر القرار الأممي الذي منحها حق الوجود ككيان دولي، لكنها اقتصرت فقط على علاقة صداقة ودعم متبادل بين الطرفين لتحديد ملامح شخصيتهما، ومن ثمَّ تطورت العلاقة على مدار الأعوام 1950- 1977 وأصبحت تتخذ شكلًا استراتيجيًا في عام 1979، لكنه كان خفيًا حتى لا تثير حفيظة الدول العربية وتسيء للعلاقات الاستراتيجية معها. وبعد عام، تعززت تلك العلاقات بإبرام الطرفين صفقة عسكرية، حصلت الصين من خلالها على 54 طائرة إسرائيلية مقاتلة، بالإضافة إلى عدة مئات من دبابات “ميركافا”، ومدافع ذاتية الحركة، وعربات مدرعة، وصواريخ جبرائيل المضادة للسفن. كما حصلت على مضادات إلكترونية متنوعة، وقُدِّرت قيمة الصفقة – وقتها – بحوالي بليون دولار. وقد عُرفت هذه الفترة في العلاقات بين الصين وإسرائيل بسياسة الانفتاح الصينية وازدهار الصناعة في مجال المعدات الحربية، وصولاً إلى عام 1992، إذ شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين تطورًا كبيرًا في أشكال ومجالات التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي كان أهمها إحكام الصين سيطرتها على الموانئ البحرية في إسرائيل.(1)
مراحل سيطرة الصين على الموانئ الإسرائيلية
كانت أهم مراحل تداخل العلاقات الصينية الإسرائيلية، على المستوى التجاري والاقتصادي، في عام 2004، إذ قامت حكومة إسرائيل بخصخصة اثنين من أهم مرافئها التجارية، هما “أسدود” و”وإيلات” ضمن المبادرة الصينية، وأبدلت سلطة المرافئ بشركات حكومية. وبعد عقد كامل في عام 2014 وقعت شركة Ltd. Co Engineering Harbour China””، ثاني أكبر شركة حفريات بحرية في العالم، على عقد لبناء محطتين جديدتين للحاويات في مرافئ حيفا وأسدود، والذي سيكلف ما يقارب المليار دولار، على أن يستغرق العمل عليه ثماني سنوات.(2)وبذلك تكون “إسرائيل” قد منحت امتيازين كبيرين لشركات صينية في أكبر موانئها، وهو ما عزز الوجود الصيني المتصاعد في البحر الأبيض المتوسط، وساهم في تقوية التجارة بين بكين ودول أوروبا. وفي عام 2015 وقعت شركة مرافئ إسرائيل مع الشركة الصينية “International Shanghai Chinese Group Port” اتفاقية لتطوير الممتلكات وتفعيل مرفأي “أسدود” و”حيفا”. كما حصلت على امتياز تشغيل ميناء حيفا لمدة 25 عامًا، ما يعني أن الصين باتت تستحوذ على أهم بوابتين من أصل ثلاثة في إسرائيل تضم قواعد عسكرية بحرية.
عقود إدارة طويلة المدى
تطور العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والصين وتداخل المنافع بينهما، جعل الأخيرة تُحكم سيطرتها على الموانئ الإسرائيلية، ليس في إطار الاحتلال، وإنما في إطار تبادل المصالح عن طريق التجارة والاستثمار بموجب اتفاقية بينهما تنص على تولي شركة صينية إدارة ميناء حيفا.
وبموجب العقد الذي وقعته إسرائيل مع مجموعة “شنغهاي إنترناشونال بورت غروب”، فإنه من المفترض أن تبدأ المجموعة إدارة الميناء بحلول عام 2021، ولمدة تصل إلى ربع قرن، ما يجعل أسرار إسرائيل العسكرية والنووية عرضة للانفتاح أمام الغول الصيني الذي اتخذ القوة الناعمة بالاستثمار وتمويل المشروعات سبيلاً للتمدد في إسرائيل والشرق الأوسط بالعموم، وهو ما أكده “شاؤول حوريف”، رئيس أركان البحرية الإسرائيلية سابقًا، داعيًا إلى ضرورة وضع آلية جديدة لمراقبة الاستثمارات الصينية في إسرائيل.
هذه الاتفاقية – وإن كان لها نفعها الاقتصادي – يرى البعض أن فيها خطرًا كبيرًا على الأمن الإسرائيلي من حيث اطلاع الصين على القدرات العسكرية الإسرائيلية، وكذلك اطلاعها على العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة، خاصة أن الميناء المذكور يقع بالقرب من القوات البحرية الإسرائيلية التي تؤوي قوة الغواصات النووية الإسرائيلية – بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل-.(3)
إسرائيل بين فكي كماشة الحاجة للاستثمارات الأجنبية وخشية التجسس
لعل أخطر ما في الموضوع، لم تذكره إسرائيل في مؤسساتها الإعلامية، ولم يصدر عن وزاراتها الحكومية المعنية، أيّة توضيح حول الاتفاق، ما يُشير إلى أن رأس الهرم الإسرائيلي، سواء رئيس الوزراء أو الرئيس، لم يتطرق لعواقب الاتفاق، ولم يستشر أحدًا في جوانيه الاستراتيجية، ويبدو أنه لم يبحث فيما وراء الشركات الصينية التي تدين بدين حكومتها ولا تبتعد عن مسلكها ومنهجها. لقد غاب عنه، أن الصين تملك استثمارات كبيرة في عدة دول عربية، وكذلك في إيران، فالأسلحة المصنوعة في الصين تُزود – بالفعل – لإيران، وقسم منها يصل إلى حزب الله في لبنان، ناهيك عن أن موقفها الرسمي تجاه إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتشابه تمامًا مع موقف الجامعة العربية من عام 2003؛ وهو ما يُحتم عليها إعادة النظر في تمدد الصين داخل موانئها. فما يظهر أحيانًا على أنه يأتي في إطار النفع الاقتصادي، يكون باطنه مضرة، خاصة أن حديث الإدارة الصينية هنا عن الموانئ، لا يخلو من برمجيات ثنائية الاستعمال تتعلق بفحص المشاكل المتفاقمة في تصدير المعرفة ومنتجات البنى التحتية، وكذلك منتجات الأسلحة، وإن وجود شركات غريبة في هذه المجالات من شأنه أن يكشف عورة إسرائيل وينزع ثوب السرية عنها، ما يُحتم على إسرائيل تفحص الاتفاقات جيدًا، ليس على المستوى القانوني والمالي فحسب، وإنما على مستوى الضرر القائم وكشف خطره على المصالح الأمنية.(4)
لكن الواضح أن إسرائيل وجدت نفسها في حالة من الشد والجذب، فهي من جهة بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية، ومن جهة أخرى تخشى محاولات الصين في فرض سيطرتها على قطاعات حيوية تتعلق بقرارها الأمني والسياسي والاستراتيجي. لذا، يجب عليها أن تتخذ أسلوبًا معتدلاً، وأن توجد آلية واضحة ومحددة لفحص الجوانب الأمنية والوطنية لكل اتفاق، سواء مع الصين، أو غيرها من الدول المتنفذة اقتصاديًا، على أن تشترك فيه كافة الجهات الحكومية الملائمة لتُطبق التعليمات بدرجة متساوية بين كل المتنافسين من المستثمرين الخارجيين.
أسباب القلق من العقد الصيني لإدارة ميناء حيفا
خبراء في السياسات الاستراتيجية الدولية، قد عبروا نهاية أغسطس 2018 الماضي، خلال مؤتمر عقدته جامعة حيفا حول مستقبل الأمن البحري في شرق المتوسط، عن قلقهم من العقد الصيني لإدارة ميناء حيفا باعتباره مقيدًا ومانعًا للتعاون الإقليمي مع البحرية الأميركية، ناهيك عن أن إسرائيل تفتقر إلى آلية لتحليل ما تنطوي عليه الاستثمارات الاقتصادية من انعكاسات على الأمن القومي.
وتأتي الاتفاقية في إطار الهيمنة الصينية على موانئ استراتيجية وممرات بحرية في مختلف أنحاء العالم بهدف تطبيق مبادرة “الحزام والطريق” التي أعلن عنها الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، ومهمتها الدمج بين العسكري والمدني. وبحسب عقد الإدارة لميناء حيفا، فإن الجيش الصيني سيطلع نظريًا على واحد من أهم مسارات التجارة العالمية، لكن الولايات المتحدة أبدت انزعاجها من الاتفاقية كونها ستؤثر سلبًا على علاقتها مع الجيش الإسرائيلي، خاصة أن إدارة الصين لميناء حيفا سيحول دون تمكين السفن الأميركية من الاستفادة باستخدام القاعدة البحرية الإسرائيلية المجاورة بشكل منتظم، في حين ستتمكن الشركة الصينية من مراقبة تحركات السفن الأميركية عن قرب، وستطلع على الأنشطة المختلفة فيها من صيانة، وكذلك ستتعامل بحرية تامة ولفترة ربع قرن، مدة الاتفاقية، مع الطواقم الأميركية؛ لكن الأخطر الذي تراه أميركا، أن تصل الأيدي العاملة الصينية إلى المعدات المتنقلة على مواقع الإصلاح بما يكشف قدراتها العسكرية والأمنية أمامها ويُعري مخططاتها في الشرق الأوسط.(5)
الصين تتجسس على أسرار إسرائيل وأميركا
التبادل التكنولوجي كان المنصة التي انطلقت منها الصين للكشف عن أسرار القوتين العظميين في العالم (أميركا وإسرائيل)، متذرعة بالتعاون الثنائي وبمحاولة استكشاف نماذج جديدة لتعزيز الابتكار المدني والعمل على تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية والشركات في القطاعين العام والخاص.
وتُشير تقديرات وحدة إحباط التجسس في جهاز “الشاباك” الإسرائيلي، إلى وجود كتائب من القراصنة الإلكترونيين الصينيين والروس يقومون بالتجسس على إسرائيل للحصول على معلومات اقتصادية وتكنولوجية من عدة منظومات حاسوبية، بعضها مُصنف منظومات استراتيجية، والبعض الآخر منظومات مدنية.
لقد أثبتت نتائج الفحص الدفاعي الذي قامت به وحدة إحباط التجسس،أن الكثير من الحواسيب في المنظومات الإسرائيلية، سواء المدنية أو الاستراتيجية، مخترقة بواسطة برمجيات تُعدُّ الأذكى في العالم، كـ: برمجيات (malwares) وغيرها من البرمجيات التي تنتمي لعائلتها. كما أثبتت أن المخترقين هم كتائب القراصنة الصينون والروس، وكانوا قد قاموا بتلويث تلك المنظومات ببرمجيات التجسس والفيروسات عبر شبكة “واي فاي” لمعرفة كل ما يتعلق من معلومات في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي.(6)
ولم تكتفِ القوة الصينية في زراعة برمجيات التجسس للمنظومات الإسرائيلية فقط، بل عمدت إلى السطو على بعض التقنيات العسكرية الأميركية عالية الحساسية. فالصين تُريد أن تزيح واشنطن من عرش الصدار العالمية، ولم تجد بدًا لتحقيق ذلك بأسرع الوسائل، من استخدام تقنيات التجسس من قبل قراصنة معلوماتيين لسرقة المعلومات الحساسة العائدة إلى متعاقد مع البحرية الأميركية، تتضمن خططًا سرية لتطوير نوع جديد من الصواريخ المضادة للسفن التي تُطلق من على متن غواصات.
وكشفت نتائج التحقيقات أن القراصنةيعملون في وزارة أمن الدولة الصينية ويتمركزون في مقاطعة “غوانغدونغ” الصينية، وأنهم تمكنوا من سرقة 614 غيغابايت من البيانات، منها معلومات تتعلق بأجهزة الاستشعار وأنظمة التشفير، فضلًا عن مشروع يحمل اسم “التنين البحري”، الذي تمَّ إطلاقه في عام 2012، ويهدف إلى تكييف التقنيات العسكرية الأميركية الحالية مع استخدامات جديدة. كما تمكنوا – سابقًا – من سرقة معلومات مهمة تتعلق بطائرة “إف-35″، ونظام “باتريوت” المضاد للصواريخ.(7)
وأمام هذه الحقائق بإمكانية اختراق الصين للأمن العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، لم يصمت رئيس الموساد الأسبق “إفرايم هيلفي”، فقال: “إن الاتفاقات التي تُبرمها إسرائيل مع الصين، تُمكن الأخيرة من استغلال قدراتها التقنية ووظائفها الإدارية للكشف عن أسرار الصناعات العسكرية في إسرائيل، ومن ثمَّ تهديد الأمن القومي للدولة، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة والمتشبعة التي تربط بين الصين وإيران، إذ يخشى الرجل من تسريب تلك الأسرار لعدوهم اللدود إيران.
ويبدو الحل الأكثر فعالية للخروج من تلك المُعضلة، وفق “هيلفي”، هو سن قانون يُلزم الحكومة الإسرائيلية بعدم السماح للشركات الأجنبية بالاستحواذ على القطاعات الاقتصادية الحساسة التي تتعلق بأمن البلاد، وذلك أسوة بدول الاتحاد الأوروبي وكندا التي تسن قوانين تحظر استحواذ الشركات الأجنبية فيهم على أكثر من 25% من أسهم القطاعات الحساسة، كالقطاعات الدفاعية، وصناعات “السايبر” ومنتجات الطاقة والمواصلات.(8)
ومن خلال العرض السابق نخرج بعدد من النتائج أهمها:
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر