قراءة في كتاب “الخطر الإيراني: وهم أم حقيقة؟” | مركز سمت للدراسات

قراءة في كتاب “الخطر الإيراني: وهم أم حقيقة؟”

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 11 سبتمبر 2018

 

ما إن قامت الثورة في إيران عام 1979، حتى دخل الشرق الأوسط، على مشارف مرحلة جديدة من السياسات المذهبية، التي كانت إيذانًا بإشعال فتيل الحروب ونيرانها طول العقود اللاحقة، سواء بالحروب المباشرة، أو الحروب بالوكالة، بهدف إخضاع العالم العربي لسيطرة حكم رجال الدين في طهران.

في هذا السياق، استعرض الكاتب الفلسطيني الراحل أحمد أبو مطر، في كتاب من إعداده، أبعاد المؤامرة الإيرانية على أمن العالم العربي، بل والشرق الأوسط كافة، وقد عنونه بـ”الخطر الإيراني: وهم أم حقيقة؟”.

يستعرض الكتاب عددًا من الأساطير التي تأسس عليها الحلم الفارسي؛ حيث ظلت الأمة الفارسية، منذ اللحظة الأولى حتى الآن، ترفض الاندماج الكامل في الهوية الإسلامية الجامعة، وسعت دائمًا – ولا تزال – إلى الثأر من هزيمتها التاريخية أمام العرب؛ ولهذا تهافتت بسرعة لتبني الدعوة الصفوية التي حوّلت إيران من دولة سنية المذهب إلى دولة شيعية في التاريخ الإسلامي. فالمشروع الصفوي في جوهره مشروع قومي وليس دينيًا، لإعادة بناء إيران على أسس قومية فارسية تميز نفسها عن العرب وعن الخلافة الإسلامية التي ترتكز على الإسلام السني. وهكذا أسست إيران السنية لصراع مشروعين سياسيين في المنطقة لا تستفيد من تأجيجه غير القوى الخارجية الأجنبية.

فقد كان الخلاف المذهبي في الإسلام بين السنة والشيعة، محصورًا في حدود الاجتهادات الفقهية بين المشايخ وعلماء الدين، لكن إقامة الدولة الإيرانية الفارسية على أساس العصبوية الشيعية حوّل التناقض القومي بين الفرس والعرب إلى صراع ديني طائفي يمزق وحدة الإسلام والمسلمين أنفسهم.

وهي الرؤية التي تتجلى في المطامح الإيرانية بالعراق، ولا سيَّما في ضوء عدد من المعطيات التي تجعل تلك الدولة العربية مطمعًا مركزيًا في الحلم الفارسي، فهي بوابة مهمة لتحقيق الحلم الفارسي بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي؛ هذا الهدف الذي يمثل حلم إيران الصفوية منذ حدوث ما يعرف بثورة الآيات. كما يمثل العراق مخزونًا نفطيًا هامًا يضاف للثروة النفطية الإيرانية لتصبح الحصيلة ثروة هائلة في أيدي الإيرانيين، إذ يبلغ احتياطي نفط العراق ما يقارب 112.5 مليار برميل مكتشف حتى الآن، ويتوقع أن يوجد خزين آخر يقدر بـ250 مليار برميل غير مكتشف.

ومن ثَمَّ، فإن العراق تمثل عمقًا استراتيجيًا طبيعيًا لإيران، وخط دفاع أول ضد اجتياحها أو احتوائها، ومحاولة تغيير نظامها. وعلى مدى التاريخ، كان العراق الباب الرئيس للحملات العسكرية التي اجتاحت إيران (بلاد فارس)، وزاد من خطورة هذه الجبهة حديثًا، أن الثروة النفطية الإيرانية بمجملها تتركز على الحدود العراقية الغربية والجنوبية، وجاءت الحرب العراقية ضد إيران غداة انتصار ما أطلق عليه ثورة الخميني لتؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الهدف. فتصبح العراق ورقة سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية، فإيران لها مشروعها النووي، ولها مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى إيران بكل قوة لامتلاك أوراق على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين. ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل 2003، لعبت إيران دورًا انتهازيًا في المسألة العراقية، وسعت بانتظام لدعم المحتل الأميركي.

لقد كان اندفاع الأمة الإيرانية الفارسية نحو التشيع تعبيرًا عن إصرارها على استمرار الصراع مع العرب. صحيح أن التشيع لم ينشأ في أصله فارسيًا، لكن الفرس تحولوا إليه بسرعة مذهلة، تأكيدًا لتميزهم وانفصالهم القومي عن العرب، وتعميقًا لهذا الانفصال وتكريس العداء للعرب.

فقد بالغت الثقافة الإيرانية في التهجم على الصحابة وعلى الخلفاء الراشدين، وناصبت الخليفة عمر بن الخطاب، العداء المطلق، ووضعت الإمام علي بن أبي طالب، في مواجهة عدائية مع الصحابة والحلفاء. وأخطر من ذلك، هو تنصيب الدولة الإيرانية الصفوية نفسها في وضعها الراهن وصيًا على الشيعة في العالم العربي ومرجعًا سياسيًا لهم. وأعطت لنفسها بذلك، الحق في التدخل في الشؤون الداخلية لأغلب الدول العربية، متبعةً أساليب تتسم بالتآمر والعدوانية، وتفجير الصراعات الطائفية الدموية داخل الدولة الواحدة وداخل الإقليم كله، لما لذلك من تداعيات كارثية على العرب وعلى المنطقة كلها.

كما أن إيران الحالية في ظل نظام الجمهوري، هي امتداد طبيعي يجسد روح الاستعلاء الفارسي على العرب والعروبة، وحتى على الشيعة العرب أنفسهم؛ لأن الإيرانيين لم يعتبروا أبدًا دخول الإسلام على بلدهم فتحًا إسلاميًا، وإنما غزوًا عربيًا؛ ولذا يمتنعون عن تعلم العربية أو التحدث بها، ويمعنون في الاعتماد على اللغة الفارسية حتى يتميزوا بشكل استعلائي على العرب، باعتبارهم آريين وفرسًا في المقام الأول الذي يسبق حتى انتمائهم إلى الإسلام. وخلافًا لعلاقاتهم مع الشعوب الأخرى، فإن الثقافة الإيرانية تضع تناقضها الأول مع العرب وليس مع غيرهم. ويلعب النظام الإيراني على ثلاث هويات مختلفة: فهو فارسي في الأصل، ويدعي أنه إسلامي بشكل عام، وينحاز للمذهب الشيعي في جوهر تحركاته وتوجهاته. وفي الإطار الثقافي الإيراني العام لا تزال ملحمة الشهنامة، التي ألفها الفردوسي، تحتفظ بمكانة عالية في صدر التراث الشعري الإيراني الفارسي، وهي تمجد ملوك الفرس مقابل تحقير العرب والاستخفاف بهم، وتصفهم بالأعراب الحفاة، ولم تستثنِ في ذلك حتى قائد معركة القادسية، سعد بن أبي وقاص. ولا تقتصر هذه النزعة العنصرية الاستعلائية إلى العرب على الماضي الفارسي لإيران، بل إنها لا تزال سارية المفعول حتى الآن، ولا تزال الثقافة الإيرانية المعاصرة تحط من قدر العرب وتحقر صورتهم في الأدب الفارسي الحديث. ولا تعترف الجمهورية الإيرانية الإسلامية، للعرب الأهوازيين بحقهم الطبيعي في استخدام لغتهم العربية بعد أن فرضت اللغة الفارسية على كل القوميات الأخرى، وهي تواصل بذلك نفس النهج الشاهنشاهي الذي ابتدعه الإمبراطور رضا شاه بهلوي.

إن تركيز الجمهورية الإيرانية الآن على ما تسميه بعالمية الإسلام، هو مجرد غطاء تبرر به نزعتها التسلطية لفرض مركزيتها القومية الفارسية على الأمة العربية. فالنظام الراهن في إيران في ظل الجمهورية الإسلامية لا يزال يعتمد نظام التقويم الشمسي، وليس التقويم الإسلامي الهجري، وتحتفل الجمهورية الإسلامية في إيران بالأعياد القومية الفارسية، خاصة عيد “النيروز” وغيره من الأعياد والمناسبات التي ترتبط بالتاريخ والقومية الفارسية.

ولا تقتصر خطورة الوضع الإيراني الراهن على هذا الانقسام القومي الثقافي وعلى بث روح التميز والاستعلاء بينه وبين العرب، ولكنه تجاوز ذلك إلى ما هو أخطر بكثير، فقد أدى انتصار الثورة الإسلامية في إيران إلى حالة استنهاض واسعة لما يسمى بالصحوة الإسلامية المعاصرة، التي أعادت إلى صدارة المشهد العربي المعاصر، بروز حركات وأحزاب ما يسمى بالإسلام السياسي. والحقيقة أن ما يسمى بالصحوة أو النهضة الإسلامية، يموّه – في الغالب – على الطابع الأصولي السلفي لهذه الأحزاب التي جرى توطيدها في الأساس لقطع الطريق على التطور الديموقراطي والحداثي للأمة العربية. فعلى التوازي مع إحياء الأمة الفارسية الإيرانية أعادت هذه الأحزاب إحياء مشروع الخلافة الإسلامية. ويشترك المشروعان في الدعوة لاعتماد أشد نظم الحكم الثيوقراطية تخلفًا وتسلطًا على المواطنين والشعوب، وكلاهما يدعي أنه يحكم على الأرض باسم الله والدين.

ويخلص الكتاب إلى أن أزمة حركات التحرر القومي الإيرانية تتلخص وتظهر بصورة جلية في الوضع المزري الذي تعيشه أحزاب الحركة القومية الكردستانية، التي نلمسها عن كثب، وما تعانيه من انقسامات، وغربة عن الوطن، وبعد عن الجماهير، وفشل في تجديد البرنامج والقيادة والوسيلة، وتحمل المسؤولية التاريخية في عزل الكتل الكردية الإيرانية عن ساحات التأثير في المجال الوطني والمعارضة. وهنا يجب التنبه بأن السلبية هذه لن تكون أبدية على ضوء محاولات جارية لإعادة بناء الحركة السياسية في كردستان إيران مثل سائر الأجزاء الأخرى من جانب أوساط جميع المدن والفئات المثقفة؛ إذ تعمل أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية على خطين متوازيين وبكثافة متعاظمة هما: خط يجري بعلم القوى الإسلامية السياسية وعبر تعاون وثيق ومستمر معها باعتبارها الموجهة لها في نشاطها. وخط يجري بصورة سرية لا تعرف به قوى الإسلام السياسي الرسمية، بل يتم عبر الحصن الموجود داخل الأحزاب الإسلامية السياسية ومتخصصة بمختلف مجالات النشاط، حيث تسعى إلى توجيه أنظارها إلى مختلف الأحزاب العاملة في العراق، بما فيها العلمانية لغرض التجسس عليها من خلال عناصر عراقية.

معلومات الكتاب 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر