سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لم يكن صراع قوى “الإسلام السياسي” نحو السلطة بالمسيرة الهينة، فمنذ بدايتها مطلع القرن العشرين من خلال جماعة الإخوان، وهي الجماعة الأم لكافة قوى الإسلام السياسي. منذ تلك المرحلة التاريخية التي اعتمد عليها الإخوان على كافة المتغيرات، والمتناقضات التي عاصروها، تتراكم خبرات الجماعة وطموحاتها للسيطرة على السلطة في واحدة من أهم الدول العربية وأكبرها، إذ إن السيطرة على مصر تمثل حلقة مركزية في السيطرة على العالم العربي بغرض الوصول إلى تمكين مشروع “الإسلام السياسي” لتحقيق مصالح متضافرة لعدد من القوى الإقليمية والدولية.
انطلاقًا من ذلك، جاء سقوط جماعة الإخوان من سدة الحكم بعد أن وصلت إليه في أعقاب ما عرف بـ”الربيع العربي” (2013) ليدشن لمرحلة السقوط الكامل لتيار الإسلام السياسي في العالم العربي، ويفتح الطريق إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي.
في هذا السياق، يأتي واحد من أهم الكتب، وهو ذو أهمية كبيرة رغم صغر حجمه (170 صفحة)، تحت عنوان “الإخوان المسلمون.. بين الصعود والرئاسة وتآكل الشرعية”، للقيادي السابق بجماعة الإخوان محمد حبيب، إذ يتناول الكتاب بقراءة نقدية مباشرة، أهم التحفظات التي يحملها الكاتب على أداء الجماعة التي يرى أنها حملت بين طياتها الأسباب المباشرة لسقوط الجماعة بسرعة لم يكن أحد يتوقعها.
تكمن أهمية الكتاب، في المكانة التي تبوأها المؤلف، الذي وصل إلى منصب النائب الأول لجماعة الإخوان، إلى أن استقال على إثر خلافه بشأن سياسات الجماعة في مرحلة ما بعد 25 يناير 2011.
يرصد الكاتب عددًا من اللقطات الشهيرة لمرحلة تمرد جماعة الإخوان على واقع المرحلة التي كانت تموج بالزخم الثوري، ويصور لحظة ترشح القيادي الإخواني “عبدالمنعم أبو الفتوح” على غير إرادة جماعته التي انتمى إليها طيلة فترات حياته؛ وهو ما شعرت إزاءه الجماعة بالخطورة، إذ أحست أنها في مأزق أمام دخول التيار السلفي إلى حلبة الحياة السياسية والحزبية، وهي تعلم أن التيار السلفي ليس لديه أي خبرة في العمل السياسي، لكنها تعلم من ناحية أخرى مدى الشعبية التي يتمتع بها، وأنه من الممكن أن يتصدر المشهد السياسي، وهذا – بالطبع – سوف يكون له أثره على مستقبل العمل السياسي والدعوة. لذا، كان لا بدَّ لقيادة الجماعة أن تحسن أمرها، فقررت دعم ترشح شخصية محسوبة على تيار “الإسلام السياسي” لانتخابات الرئاسة، لكن ليس من داخل التنظيم.
حاولت قيادة الجماعة التفاهم مع شخصيات قضائية، كالمستشارَين محمود مكي، وحسام الغرياني، للترشح لانتخابات الرئاسة، لكن الرجلين رفضا ذلك. عند تلك اللحظة قررت الجماعة ترشيح أحد أفرادها، وهو المهندس خيرت الشاطر، خاصة بعد أن أعلن حازم صلاح أبو إسماعيل عن ترشحه. لكن أمام العوائق القانونية التي حالت دون ترشح الشاطر، زجت الجماعة بمحمد مرسي، الذي عرف – آنذاك – بالمرشح “الاستبن” باعتباره بديلاً للشاطر حال فشله في الترشح.
يستعرض الكاتب عددًا من المحطات التي آلت بمحمد مرسي، ومن خلفه جماعة الإخوان، إلى ما آلت إليه من مصير بائس على خلفية فشلها في إدراك اللحظة، وهو ما تجلى في عدد من المحطات، ومن بينها ما يسميه الكاتب “الخطاب الفضيحة”، إذ أرسل محمد مرسي خطابًا لشيمون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل بتاريخ 19 يوليو 2013، خاطبه فيه بعبارات بدت مستفزة لجموع المصريين والعرب، حيث قال في مقدمته خطابه “صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم.. لما لي من شديد الرغبة في أن أطور علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا…” إلى آخر الخطاب الذي ختمه محمد مرسي، وهو المنتمي إلى جماعة كثيرًا ما زعمت عداءها لإسرائيل تحت شعارات، مثل: “خيبر خيبر يا يهود …إلخ”، بعبارة “لي الشرف بأن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة ولبلادكم من الرغد”. ووقع مرسي بعبارة “صديقكم الوفي… محمد مرسي”. وهو الخطاب الذي ترك في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها جروحًا غائرة إلى أبعد مدى.
تحت عنوان “تآكل الشرعية” يضم الفصل الثالث من الكتاب، أهم الأحداث التي جرت خلال الأشهر الستة الثانية من حكم الإخوان، أي منذ إصدار الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2013 حتى آخر مايو 2013. ويعتبر الكاتب هذا الإعلان فيصلاً بين عهدين في رئاسة مرسي، حيث اندلعت التظاهرات بأعداد هائلة، واجتمع الفرقاء الليبراليون والقوميون واليساريون على صعيد واحد فيما سمي بـ”جبهة الإنقاذ” ضد مرسي تطالب برحيله، وبدأ الانقسام الحاد في المجتمع والاحتراب الأهلي، ومظاهر العنف والقتل، وانتهاكات حقوق الإنسان من تعذيب وحشي حتى الموت.
في هذا السياق، يستعرض الكاتب خطاب محمد مرسي الشهير لمؤيديه أمام قصر الاتحادية؛ ففي محاولة لتعضيد الإعلان الدستوري الكارثي الذي أصدره مرسي دعت جماعة الإخوان وكل فصائل تيار الإسلام السياسي إلى تظاهرة حاشدة أمام قصر الاتحادية يوم الجمعة 23 نوفمبر 2012، وألقى على المحتشدين خطابًا مطولاً عبَّر فيه عن انحيازه إلى فصيل اجتماعي وسياسي يؤيده، ما رسخ في أذهان المصريين أن الرئيس المصري لا يكترث باتجاهات الرأي العام، بل إنه لا يخرج مخاطبًا إلا “أهله وعشيرته”، وهو ما اتسع ليشمل صراعًا مؤسسيًا، ولا سيَّما مع الموقف الذي اتخذته المحكمة الدستورية العليا، والذي عبَّرت عنه في اليوم التالي لخطاب مرسي أمام مؤيديه (24 نوفمبر)، وقد حمل بيان المحكمة لهجة قوية جاء فيه “أن المحكمة استقبلت بألم وحزن بالغين ما جاء على لسان رئيس الجمهورية”، وحمل البيان – أيضًا – اعتراض المحكمة على تجاوز رئيس الجمهورية للأعراف الدستورية المتبعة حتى تتهيأ المحكمة للتعامل مع الإعلان الدستوري.
لقد فشل مرسي في تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب، كما أنه لم يسمح بإعادة وزارة الداخلية بمفهوم جديد، يحترم سيادة القانون ويحافظ على حقوق الإنسان، ويعيد للمواطن شعوره بالأمن والأمان، وكان لذلك أثره السلبي على الأزمة الاقتصادية الحادة والخانقة، كما أنه لم يفِ بوعوده، خاصة تلك المتعلقة بحق الشهداء في القصاص.
ويجمل الكاتب أسباب فشل محمد مرسي، في إدارة شؤون البلاد، في النقاط الآتية:
أولاً: انعدام الخبرة والتجربة في إدارة شؤون دولة في وزن وحجم مصر.
ثانيًا: ضعف قدرة مرسي على الاستفادة من الإمكانات والكفاءات الموجودة داخل مؤسسات الدولة والجماعة الوطنية من غير الإخوان، والاعتماد بشكل أساسي على الجماعة رغم عدم توافر الكفاءة المتخصصة لديها.
ثالثًا: تدخل قيادات نافذة في مكتب إرشاد الجماعة في شؤون الرئاسة وعمل الرئيس، وهو ما أربك مرسي بشكل كبير. نعم، مكتب الإرشاد هو الذي رشحه وأيده وحشد له ودعمه، أدبيًا وماديًا، ولولا الجماعة وتاريخها وخبرتها لما استطاع مرسي أن يفوز بمقعد الرئاسة. ومن ثَمَّ، فإن مرسي مدين لها بالفضل، لكنه أصبح رئيسًا لمصر، وعليه أن يقف على مسافة واحدة من كل المصريين على اختلاف مرجعياتهم وفئاتهم وشرائحهم، وهو ما لم يحدث.
رابعًا: فشل مرسي في الوفاء بما وعد به من أخذ حق الشهداء في القصاص، وتراخيه وتقاعسه عن اتخاذ أي خطوة نحو تطبيق العجالة الانتقالية في هذا الصدد، فضلاً عن نكثه بوعوده وتعهداته التي تمَّ الاتفاق عليها مع رموز الجماعة الوطنية قبل توليه الرئاسة، وهو ما أدى إلى انهيار الثقة به كرئيس.
خامسًا: اختيار حكومة فاقدة للحلم والخيال والطموح، ولم تستطع أن تقدم حلولاً للمشكلات القائمة.
سادسًا: استعجال جماعة الإخوان قطف ثمار ثورة ما زالت بعد في بداياتها. وقد دلت بعض ممارسات الجماعة على انتهازية واضحة.
سابعًا: الدخول في خصومة مع الجميع وآخرهم القضاة، ذلك أن مشروع قانون السلطة القضائية بشكله الذي جاء عليه، والذي يستهدف إقصاء أكثر من ثلاثة آلاف قاضٍ، سوف يكون أحد أهم أسباب تآكل شرعية مرسي.
ثامنًا: انتهاك القواعد الأساسية للدولة، مثل: الاعتداء على سيادة القانون، وعدم تنفيذ أحكام القضاء، وشيوع الفوضى والعنف والبلطجة والانفلات الأمني.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر