لماذا يتعلق شباب المغرب والجزائر بحلم الهجرة؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا يتعلق شباب المغرب والجزائر بحلم الهجرة؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 11 سبتمبر 2018

مثَّلَت الهجرة عبر أقطار العالم فيما مضى وحتى أواسط القرن الماضي، ظاهرة صحية تتبادل بموجبها المصالح والخبرات، ويُبنى بها الاقتصاد عبر تشغيل اليد العاملة. كما أنها تزايدت تحت إكراه الحروب والصراعات القبلية، غير أنها باتت في الآونة الأخيرة تتخذُ أبعادًا أخرى يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي والاجتماعي والأمني.

وقد ساهمت الأحوال الاقتصادية الصعبة في تحريك المهاجرين نحو البحث عن ظروف ملائمة. فبعد الحرب العالمية الثانية، تدفق الجيل الأول من المهاجرين من مختلف الدول الإفريقية، لا سيَّما من دول المغرب العربي، نحو العديد من الدول الأوروبية.

معطيات الهجرة لدى شباب المغرب العربي

تاريخيًا، اتخذت ظاهرة هجرة المغاربة بعد الاستقلال، منحى جديدًا إلى فرنسا وباقي الدول الأوروبية؛ إمَّا للعمل، أو للحصول على الدرجات العلمية من قبل الطلاب، وما لبثت أن ازدادت العوامل الباعثة على الهجرة لدى المغاربة من استفحال للبطالة والفقر، اللذين دفعا الشباب للخروج من عنق الزجاجة إلى رحابة الحياة الآمنة، اقتصاديًا واجتماعيًا، في الدول الأوروبية.

وتُشير دراسات مسحية نفذتها مؤسسات دولية، إلى أن عدد المهاجرين في العالم، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين، وصل إلى 258 مليون شخص(1)، تُشكل الدول العربية تحت الصراع، النسبة الكبرى للمهاجرين الفارين من بلدانهم إلى الاتحاد الأوروبي، طالبين النعيم الاقتصادي والاجتماعي الذي حرموا منه في أوطانهم بسبب فساد الحُكم والحُكام. على حين بلغ عدد المهاجرين المغاربة حوالي 4.5 مليون، مُشتتين في بلدان الاتحاد الأوروبي، ولا سيَّما فرنسا وهولندا، وكذلك ألمانيا والسويد(2). وفي إحدى دراسات مجموعة بوسطن الاستشارية الأمريكية (BGC)، تصدّرت المغرب في السنوات الأخيرة، قائمة البلدان العربية في هجرة سكانها، وأظهرت بيانات الدراسة أن قرابة 57% من سكان العالم يطمحون إلى هجرة بلدانهم إلى بلدان أُخرى أكثر رخاء اقتصاديًا وأكثر أمنًا سياسيًا، وأن ذلك العدد يتزايد إلى 80% لدى سكان المغرب، رغم أن بلادهم تتمتع ببعض الاستقرار الأمني والاجتماعي بخلاف دول عربية أخرى وجدت لديها ذات النسبة، ولكن رغبتهم نابعة من الهروب من الحروب الأهلية(3).

وبالنظر إلى حالة الهجرة وأرقامها في الجزائر، فقد بدت متشابهة مع شقيقتها المغرب. وبحساب الأرقام الواردة في نتائج استطلاع عالمي نفذته الشركة الاستشارية الرائدة في مجال الإدارة الاستراتيجية (مجموعة بوسطن للاستشارات)، فإن 84% من الجزائريين دون سن الثلاثين عامًا، يرغبون في هجرة بلادهم إلى الفردوس الأوروبي بغية الحصول على وظيفة مناسبة لخبراتهم العلمية والمهنية، وأن 86% من الطلبة الجامعيين يسعون للخروج من بلادهم رغبة في الحصول على فرص أوفى للتعلم والتطوير الوظيفي وتحقيق الاستقرار المالي(4).

فبالرغم من أن البلاد تزخر بالعديد من الثروات الطبيعية من بترول وغاز وطاقة متجددة، إضافة إلى الثروة الحيوانية والبشرية، إذ معدل الشباب فيها يربو على 70%، فإن حكوماتها المتعاقبة لم تنجح في استثمار تلك الثروات لتحسين واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكانها، فما كان منهم إلا البدء بموجات هجرة، باحثين عن خلاص من غول البطالة، الذي تجاوزت معدلاته في بعض الأحيان الـ35%.

أسباب هجرة الشباب في دول المغرب العربي

لعل البحث في الأسباب الحقيقية وراء اتساع رقعة الراغبين في الهجرة من بلدان المغرب العربي إلى الحلم الأوروبي، يُخبرك بأن انتشار الفقر واستفحال البطالة بين الشباب الجامعي، فضلاً عن انعدام الفرص وضعف مخرجات التعليم، كان دافعًا قويًا لدى هؤلاء للبحث عن حياة أكثر أمانًا ورفاهية دونما النظر للمخاطر التي قد يتعرضون لها في سبيل الوصول. كما أن ضعف الحلول الحكومية القائمة في توفير فرص عمل وتحسين واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، واعترافهم بصعوبة حل الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها بلدانهم، بالتزامن مع تقليص الدعم الاجتماعي للفئات الهشة في المجتمع، ما جعلهم يسلكون طرق الهجرة السرية غير الشرعية عبر ليبيا بدلًا عن اليونان ومقدونيا التي واجهتها بإجراءات أمنية مشددة أحبطت العديد من المحاولات.

وأدت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في زيادة أعداد المهاجرين من “المغرب والجزائر” في العامين الأخيرين، نتيجة ما تضمنته من قصص نجاح للمهاجرين في الوصول إلى بلاد الرفاه والحرية؛ ما شجع آخرين ممن يعيشون بالمناطق الفقيرة والشعبية في المغرب والجزائر على سلوك ذات الطريق هربًا من الواقع المؤلم إلى حياة الرفاهية، ناهيك عن وجود صفحات على مواقع التواصل تُوفر خارطة الطريق للراغبين بالهجرة لألمانيا أو السويد عن طريق اللجوء بجانب السوريين. وبذلك أصبحت رحلات الهجرة بمثابة “موضة” لدى الشباب العربي ممن لا يملكون شهادة أو مهنة تضمن لهم مستقبلهم في بلدانهم التي تُعاني أزمات اقتصادية متلاحقة كـدول المغرب العربي: “تونس، وليبيا، والجزائر، والمغرب”(5). .

الفرار إلى الرفاهية

وبحسب تقدير إحدى الدراسات، فإن المهاجرين المغاربة يفرون إلى الرفاهية، فتجدهم ينجذبون في المركز الأول لـ”كندا” التي تُحقق لهم سرعة الاندماج في النسيج الاجتماعي والتدرج في السلم الوظيفي، وصولاً إلى مناصب عليا نتيجة إتقانهم الفرنسية. على حين البعض الآخر يجد ضالته في فرنسا لأسباب تاريخية واقتصادية. وأخيرًا ألمانيا التي تُعد دولة مثالية في نظر المغاربة، سواء على مستوى الحريات الاجتماعية، أو على مستوى الرفاهية الاقتصادية. وتذكر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية، أن ما يُقارب من 258 ألفًا و900 مهاجر دائم وصلوا إلى فرنسا عام 2016 منهم 10.8% وصلوا في إطار الهجرة الاقتصادية، فيما النسبة الكبرى 38% وصلوا في إطار الهجرة العائلية من مختلف بلدان العالم، سواء الأوروبية كالبرتغال والمملكة المتحدة وإسبانيا، أو غير الأوروبية كالولايات المتحدة وتونس والمغرب، وأوضحت المنظمة أن الجنسيات المغربية والجزائرية والتونسية مثلت وحدَها 45% من بطائق الإقامة العائلية الممنوحة لأول مرة(6).

ويعكس عدد المهاجرين في بلاد المغرب العربي “المغرب والجزائر”، أن رغبتهم في الهجرة تتجاوز مجرد الهروب لتحقيق حلم الرفاهية والأمان إلى اتخاذها واقعًا مُعاشًا لا يقتصر على الفقراء فحسب، وإنما يلزمه الأغنياء وذوو الاستثمارات والمصالح الاقتصادية؛ إذ يتجه الفريق الأخير إلى الهجرة القانونية بالخروج من البلاد بهدف الدراسة، أو الاستثمار، أو الخروج للسياحة فقط، من أجل الحصول على تأشيرة سفر تُمكنهم من الولوج لأي دولة أوروبية، على حين تبقى الهجرة السرية غير الشرعية – وهي الأكبر نسبة – مرهونة بنجاح مرتادي قوارب الموت في النجاة والوصول إلى شواطئ إسبانيا، أو إيطاليا.

كيف يمكن محاربة الظاهرة؟

انتشار الظاهرة وتزايد وتيرة الفارين من جحيم الفقر والبطالة، جعل الحكومات تلجأ إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها أن تُخفف من الزيادة، أو تحد من التفكير في الهرب نحو أوروبا.

وبحسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فقد أشارت في تقرير صادر عنها، إلى أن الظاهرة بدأت تُقلق الحكومة الجزائرية، وأنها تسعى إلى خفض معدلاتها بكل ما تملك من إمكانيات، خاصة ما يتعلق بنشر القوات البحرية على طول الحدود لملاحقة قوارب المهاجرين أو استعمال مروحيات لمراقبة السواحل الممتدة لـ1200 كلم. وبيّن التقرير أن عام 2017 شهد إحباط محاولات أكثر من 3 آلاف شخص، بيْدَ أن عام 2016 شهد إحباط محاولات ما يُقارب 1206 أشخاص(7).

كما عمدت إلى سنِّ قوانين صارمة لمحاربة الهجرة غير الشرعية، وخلال عام 2008 أصدرت قانونًا يُجرم كل من يُحاول الهجرة وجعلت عقوبته السجن لمدة تتراوح بين 3-9 أشهر، فيما يقضي ذات القانون بحبس العناصر المديرة لشبكات الهجرة غير الشرعية لمدة تصل إلى خمس سنوات(8). أمَّا المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر- أعلى سلطة إفتاء بالجزائر- فقد أصدر فتوى تُحرم الهجرة غير الشرعية، داعيًا إلى توعية الشباب بخطورة هذه الظاهرة، وضرورة تضافر جهود الجميع لمحاربتها، خاصة أن الخطاب الديني وحده لا يحل المشكلة من جذورها(9).

وذات النهج اتبعته المملكة المغربية، إذ أقرت قانون رقم 02.03 الذي يتعلق بإقامة ودخول الأجانب إلى المملكة المغربية وبالهجرة غير الشرعية. ويعمد القانون إلى وضع عدد من التدابير القانونية تهدف إلى محاربة الهجرة السرية، ويفرض عقوبات زجرية صارمة على العصابات والشبكات الإجرامية التي تنشط وتحترف المتاجرة في البشر الحالمين بفردوس خارج الحدود، وقد تمَّ سن ترسانة قانونية في مجال الهجرة تواكب المستجدات على الساحة العالمية في العقود الأخيرة تتمثل في إقرار تدابير إدارية وقضائية فعالة للحد من الظاهرة، واستحداث أجهزة متخصصة في شؤون الهجرة ومراقبة الحدود، منها: “مديرية الهجرة ومراقبة الحدود”، و”المرصد الوطني للهجرة”، وذلك من أجل إيجاد سياسات عمومية ناجعة للحد منها، سواء على المستوى الوطني، أو الدولي.

ومن خلال القانون – المذكور آنفًا – يُجرم المشرع المغربي، الهجرة غير الشرعية والمساعدة عليها وتنظيمها. وبتفصيل بنود القانون، فإن المواد 50، 51 منه احتوت على عقوبات حبسية ومالية لكل شخص غادر التراب المغربي بصفة سرية، أو قدَّم مساعدة أو عونًا لشخص آخر من أجل نفس الغاية، سواء كان هذا الشخص يضطلع بمهمة قيادة قوة عمومية، أو كان ينتمي إليها، أو كان مكلفًا بمهمة المراقبة، أو كان من المسؤولين أو الأعوان، أو المستخدمين العاملين في النقل البري أو البحري أو الجوي، أو في أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أيًّا كان الغرض من استعمال هذه الوسائل. فيما عاقبت المادة 52 من نفس القانون بالحبس والغرامة كل شخص نظَّم أو سهَّل دخول أشخاص مغاربة أو أجانب بصفة سرية إلى التراب المغربي، أو خروجهم منه، سواء كان ذلك بالمجان أو بالعوض. وشددت المادة في العقوبة من الحبس إلى السجن والغرامة إذا ارتكبت تلك الأفعال بصفة اعتيادية، أو من طرف عصابة، أو بناء على اتفاق مسبق، وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا أدت تلك الأفعال إلى الموت. وبالاطلاع على المادة 53 من نفس القانون، فإنها تُعطي المحكمة حق مصادرة وسائل النقل المستعملة في ارتكاب جرائم الهجرة السرية أيًا كان نوعها (عامة أو خاصة)، وكذا الأمر بنشر قرارات الإدانة بالجرائد التي تحددها بكيفية صريحة(10).

التنمية بدلًا من الحلول الأمنية

تلك القوانين التي فرضتها دولتا المغرب والجزائر على قدر صرامتها، إلا أنها لم تُفلح في تخفيض معدلات الهجرة غير الشرعية، وكانت فقط مجرد حبر على ورق لم يلتزم به الحالمون بالفردوس الأوروبي؛ ما يُحتم على البلدان اتباع سُبل أخرى غير تقليدية تهدف إلى بناء الإنسان أولًا وتنميته معرفيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، عبر وضع برامج ومخططات وطنية شاملة لإنهاء حالة الصراع الداخلي أولًا، والعمل على تحقيق سياسات تنموية تمنح الشعوب الحرية لإنتاج المال.

ولا شك أن تنظيم الحملات الإعلامية، سواء في المدارس أو وسائل الإعلام المختلفة، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، من شأنه أن يؤدي دورًا في توعية المواطنين بالآثار السلبية للهجرة غير الشرعية والمخاطر التي تنطوي عليها، سواء للشباب أنفسهم أو لأسرهم(11).

وعلى الجانب الاقتصادي، لا بدَّ من تشجيع التجارة والاستثمار المُنتج والعمالة، واستحداث سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي متطلبات التطور. كذلك يُمكن وضع وتنفيذ استراتيجيات وسياسات وبرامج وطنية وإقليمية تُيسر أنشطة التجارة عبر الحدود، ولا سيَّما النساء والشباب. بالإضافة إلى إشراك المجموعات الاقتصادية الإقليمية ومنظمات المجتمع المدني في وضع وتنفيذ هذه البرامج، وكذلك توفير فضاءات ملائمة للدراسة والتكوين وتحفيز الشباب على الاختراع والبحث العلمي، وذلك من خلال تقديم بعض الجوائز والمنحات، والأهم محاربة الفساد والقضاء على المحسوبية، وإدماج مبدأ المساواة والعدل(12).

نتائج

  • ارتفاع نسبة سكان المغرب العربي “الجزائر والمغرب”، تحديدًا الراغبين في الهجرة، يعكس الحاجة إلى مراجعة خطط التنمية.
  • الرغبة في الهجرة تتجاوز مجرد الهروب لتحقيق حلم الرفاهية والأمان إلى اتخاذها واقعًا مُعاشًا لا يقتصر على الفقراء فحسب، ويظهر ذلك من اتجاه الأغنياء وذوو الاستثمارات والمصالح الاقتصادية أيضا إلى نقل استثماراتهم إلى المهجر.
  • الهجرة في الدولتين باتت المصدر الأول للتشغيل في ظل غياب سياسة التشغيل لدى حكومتي البلدين وعدم قيامهما بخلق مناصب للعمل.
  • القوانين التي سنتها الدول المذكورة لم تُثبت نجاحها في إنهاء ظاهرة الهجرة بشكل نهائي، كونها اقتصرت على الجوانب الأمنية ومراقبة الحدود وتشديد العقوبات على المهربين، وهو ما يتطلب العمل على التوازي مع إيجاد الحلول الأخرى للحد من هذه الظاهرة.

 

وحدة الدراسات الاجتماعية 

 

المراجع

1- تقرير: عدد المهاجرين في العالم يصل 258 مليونًا، موقع هسبريس.

2- أكثر من 4.5 مليون شخص عدد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وتحويلاتهم بلغت 560 مليار سنتيم، ناظور سيتي.

3- دراسة دولية: 80% من المغاربة ينوون مغادرة المملكة والعمل خارجها. موقع اليوم24

4- 84% من الشباب الجزائري يطمح للهجرة من أجل العمل. سبق برس

5- ترويج موقع فيسبوك للهجرة غير الشرعية خرج عن السيطرة. ارفع صوتك

6- تقرير: المغاربة على رأس المهاجرين في فرنسا لأسباب اقتصادية. موقع إيلاف

7- ستة أسباب تدفع الجزائريين للهجرة إلى أوروبا. عربي

8- آليات مكافحة الهجرة غير الشرعية في التشريع الجزائري. منتدى الأوراس القانوني

9- فتوى شرعية بخصوص الهجرة السرية تثير الجدل في الجزائر. الأيام24. https://bit.ly/2oQO1YB

10- قانون الهجرة المغربي. منظمة الحريات للتواصل بين موظفي قطاع العدل بالمغرب. https://bit.ly/2MX1r3N

11- التنمية بدلاً من الحلول الأمنية لمواجهة الهجرة غير الشرعية. موقع DW. https://bit.ly/2NffAVC

12- الهجرة السرية. https://bit.ly/2gZh7m2

 

 

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر