القبيلة والتنظيم ومعركة البقاء | مركز سمت للدراسات

القبيلة والتنظيم ومعركة البقاء

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 9 مايو 2017

هاني ياسين

 

تشهد سيناء في هذه الآونة، صراعاً من نوع آخر، طرفه الأول كالعادة هو تنظيم داعش، أو كما يسمي نفسه بـ”ولاية سيناء”، أما الطرف الثاني هذه المرة فلم يكن الجيش أو الشرطة، وإنما إحدى قبائل سيناء وهى قبيلة “الترابين”، والتي لم تكن هذه هي المرة الأولى لها في مواجهة تنظيم داعش، فقد تكرر الأمر خلال العامين الماضيين، بنفس الوتيرة

والحدة، ثم سرعان ما خبا.

صراع القبيلة والتنظيم ، هو صراع وجود وفرض سلطان وسطوة، ورد اعتبار وانتقام في الوقت ذاته، بدأت منذ عامين تقريباً بقيام التنظيم بتفخيخ منزل أحد شيوخ قبيلة الترابين ويدعي إبراهيم العرجاني، بعد إخلاء المنزل من سكانه، انتقاماً منه لتعاونه مع الجهات الأمنية المصرية، كما زعموا هم.

وتطور الأمر لدى التنظيم في محاولته لفرض سطوته علي بعض مناطق سيناء بدعوة الحسبة، فهم يعتبرون سيناء ولاية إسلامية وهم أولو الأمر بها ولذا يتوجب عليهم محاربة المنكرات والقيام بدور الحاكم وإقامة الحدود وغير ذلك من السلطات التي هي مخولة للدولة، فاعترض بعض أعضاء التنظيم سيارتين محملتين بالسجائر يمتلكهما بعض أفراد قبيلة الترابين، وأحرقوهما بما فيهما، فتطور الأمر سريعاً بين القبيلة و التنظيم، واستخدم كل منهم ما يمتلكه من إمكانيات ووسائل للحد من سطوة الآخر ومحاولة إثبات الوجود.

تواجه الطرفان في اشتباكات متبادلة بالأسلحة النارية والخطف والقتل، لكن ربما زاد الأمر اشتعالا إقدام قبيلة الترابين على حرق أحد أفراد التنظيم حياً، وهو ما أشعل الفتيل أكثر وأكثر بينهم، تطور لاستخدام التنظيم أسلحة ال أر بي جي في قصف منازل الترابين، والذي رد عليه التنظيم بالهجوم المباغت على عناصر التنظيم وقتل عدد منهم وأسر عدد آخر.

قبيل بدأ الصراع المسلح بين القبيلة والتنظيم، حاولت الترابين ببيان أصدرته، رفع الحرج عن نفسها، ومحاولة تجميع أعوان معها من القبائل الأخرى ضد التنظيم، لكونها تعلم أن المعركة قد تطول بعض الوقت، وأن لن تستطيع بمفردها مواجهة التنظيم، كما لا تستطيع مجابهة القبائل السيناوية التي ينتمي إليها بعض أفراد التنظيم، وخصوصاً قبيلة السواركة الأكثر عدداً والأقوى نفوذاً في سيناء، والتي قد لا تقف صامته أمام مقتل أبنائها أو حرقهم حتى لو كانوا ينتمون لداعش، فالطبع القبلي هنا قد يغلب على المصلحة الأكبر.

في البداية قد تحقق القبيلة بعض الانتصارات، وهو ما تحاول الترويج له إعلامياً، من تجييش شباب القبيلة للحرب ضد داعش، والإعلان عن انتصاراتها ونجاحاتها ضد التنظيم، وإن لا يخفى الدعم المعنوي أو المادي الذي من الممكن أن تتلقاه القبيلة من الدولة المصرية في سبيل وقوفها ضد داعش ومحاربتها إياه، كونهم هم أدرى بشعاب سيناء من غيرهم، الأمر الذي قد يسهل من مهمتهم، فضلا عن معرفتهم بشخوص بعينها من أبناء سيناء ينتمون للتنظيم.

في الجانب الأخر يقف التنظيم، في موقف غاية في الصعوبة، ومأزق حقيقي، بين صراعه مع الدولة المصرية من جهة، وصراعه مع القبيلة من جهة أخرى، بدأها ولا يمكنه التراجع عنها، فهو يرى الأمر بالنسبة له، معركة وجود وإثبات ذات، خصوصاُ بعد العديد من العمليات الناجحة ضد الجيش والشرطة في سيناء، والذي استطاع الترويج لها عبر آلته الإعلامية، وزاد انتشاءه عقب إصداره الأخير المسمى “صاعقات القلوب” والذي ظهر فيه بمظهر المسيطر، فهو لا يريد

أن تخفت هذه الصورة التي سعى جاهدا لنشرها، والترويج لها

وتراجع التنظيم في هذا الوقت عن مواجهة القبيلة، سوف يخصم من رصيده، ويرجعه إلى النقطة قبل الأخيرة، والتي قد يستغرق خروجه منها وقتا طويلاً، لم تعد إمكانياته ولا قدراته تمكنه من عبورها، خصوصاً مع الضربات الأمنية القوية التي تلقاها مؤخراً من قبل الجيش المصري، فضلا عن الدعم المادي الذي يحصل عليه من التنظيم الأم بالعراق والشام والذي بدأ يتراجع نتيجة الضربات التي يتلقاها هو الآخر، وإحكام السيطرة عليه من جهات عدة.

معركة القبيلة والتنظيم قد لا يمكن التهكن مستقبلا لمن تكون الغلبة فيها؟، فنحن أمام عدد من السيناريوهات التي قد تحدث وتسفر عنها الأيام المقبلة، ويكون المنتصر فيها هو صاحب النفس الأطول، والتكتيك الأنجع.

السيناريو الأول:  قد يحدث كما حدث في السابق ويتم التدخل من قبل باقي القبائل في سيناء لوقف الاقتتال بين الطرفين، على أن يتجنب كل منهما الأخر، وإن كان هذا الأمر ضد ما عليه عقيدة التنظيم، إلا أنها قد تقبل به على مضض ، لتتفرغ لمعركتها مع الدولة المصرية.

السيناريو الثاني: أن يستمر الصراع بين الاثنين، وهنا قد تتدخل فيه بعض القبائل الأخرى مناصرة لأبنائها وأقاربها سواء في التنظيم أو في الترابين، وهنا تتحول المعركة بين تنظيم وقبيلة لتصبح حرب قبائل، يكون الخاسر فيها الجميع.

السيناريو الثالث: استمرار المعركة، مع التنسيق بين القبيلة وبين الأجهزة الأمنية المصرية، وهنا يصبح التنظيم في

مواجهة قوتين، قد يطبقان عليه ويحكمان السيطرة على التنظيم، وقد تطول هذه المعركة بعض الوقت لأنها بالنسبة للتنظيم معركة بقاء سيستخدم فيها كل ما باستطاعته، للمحافظة على وجودة أو على الأقل يكبد الطرف الآخر خسائر،

تخفف من وطأة هزيمة التنظيم في سيناء.

باحث في ملف الإسلام السياسي*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر