استهداف باب المندب.. صواريخ إيرانية وأيادٍ حوثية | مركز سمت للدراسات

استهداف باب المندب.. صواريخ إيرانية وأيادٍ حوثية

التاريخ والوقت : السبت, 28 يوليو 2018

 بات الدعم الإيراني الموجه للحوثيين والساعي لتهديد أمن الدول العربية، خطرًا يهدد العالم أجمع، وليس منطقة الشرق الأوسط، أو الدول العربية فحسب. فالدعم الإيراني الممتد لجماعة الحوثي التي تعيث في الأراضي اليمنية فسادًا، وتحاول زعزعة أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، قد امتد ليضرب ممرًا دوليًا هامًا لنقل النفط بين دول العالم وهو (باب المندب)؛ ما يمثل تصعيدًا شديد الخطر لا يمكن السكوت عليه. فاضطرار المملكة لوقف نقل شحناتها من النفط عبر المضيق – بعد الهجوم على سفن تابعة لها – ليس بالأمر الهيِّن.

فباب المندب قد اكتسب أهميته من كونه يربط التجارة بين أوروبا وبلدان المحيط الهندي وشرق إفريقيا، ويربط البحر الأحمر من الجنوب بالمحيط الهندي. وزادت أهميته بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 التي ربطت البحرين الأبيض والأحمر. ولا شك أن نقل النفط قد ضاعف من أهمية المضيق لما يتميز به من عرض وعمق ملائمين لمرور ناقلات النفط في الاتجاهين، ويمر عبره أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويًا، أي حوالي 57 قطعة بحرية يوميًا. وتقدر كمية النفط التي تمر عبره بحدود 3.5 مليون برميل يوميًا. ولكونه يقصر المسافة التي تقطعها حاملات النفط بـ60 في المئة، فإن إغلاقه سيجبر ناقلات النفط على الدوران حول إفريقيا وسيرفع تكاليف نقل النفط بشكل كبير، ويعد النفط هدفًا للإرهابيين.

ومنذ اندلاع الأزمة اليمنية في 2011 والمخاوف تزداد من سيطرة الحوثيين على المضيق، حتى أعلن وزير النفط السعودي خالد الفالح، تعليقًا فوريًا ومؤقتًا لجميع صادرات النفط عبر مضيق باب المندب، بعد هجوم الحوثيين على سفينتين محملتين بالنفط الخام، وهو ما كان يخشى حدوثه. ولم يتوانَ الحوثيون في الإعلان عن مسؤوليتهم عن استهداف سفن المملكة؛ وهو ما اتضح من إعلان محطة تلفزيون “المسيرة” التابعة لهم، أن مقاتلي حركة أنصار الله الحوثية استهدفوا بارجة حربية سعودية قبالة السواحل الغربية لليمن تحمل اسم “الدمام”.(1)

ومن الواضح أن الهجوم يؤكد الخطر الذي تمثله إيران وميليشياتها الإرهابية والجماعات المسلحة التي تدعمها على أمن المنطقة، وأهمية كبح جماحها، لا سيَّما في اليمن وذلك عبر تحرير ميناء الحديدة الذي يتخذه الحوثيون قاعدة لتهديد الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب،خدمة لمصالح نظام الملالي الذي كان قد هدد قبل أيام بمنع صادرات النفط في المنطقة. إذ بات واضحًا أن إيران تسعى من خلال إبقاء ميليشيات الحوثي في الحديدة، إلى الإمساك بورقة باب المندب الهامة للضغط على المجتمع الدولي وتنفيذ تهديداتها الإرهابية، لما يمثله هذا المضيق من أهمية على صعيد الملاحة الدولية.(2)

المضيق منذ اندلاع الأزمة

منذ اندلاع الأزمة اليمنية في 2011، بات العالم يخشى انتقال الصراع للممر المائي الأهم في اليمن وفي تلك المنطقة (باب المندب) الذي يمثل بوابة هامة لنقل النفط، فمع تراجع الخيار السياسي والحلول الدبلوماسية بعد تعقيد الصراع، وتصدُّر الحديث عن الخيارات العسكرية المشهد، فرض الوضع في جنوب البحر الأحمر نفسه كبعد آخر للحرب، ومؤشرًا على خطورة استمرارها، وخاصة بعد أن استهدف أنصار الحوثي سفينة تابعة لدولة الإمارات، ثم مدمرة أميركية، وهو ما دفع بازدياد المخاوف من أن يتسع نطاق هجمات الصواريخ، التي قد تعطل إمدادات النفط وسلع ضرورية أخرى (3).

ويبدو أن تلك المخاوف في محلها، إذ هدَّد رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى (الحوثي)” في يناير 2018 بإمكانية قطع طريق الملاحة في البحر الأحمر، فضلاً عن تعرض ناقلة نفط سعودية في أبريل 2018 لهجوم حوثي إيراني، غربي ميناء الحديدة(4).

 بيد أنه كان ثمة تهديدات إضافية من المحتمل أن تؤثر – بالفعل – على أنماط الشحن الدولي. ففي تحذير صادر عن الحكومة الأميركية حول الألغام في باب المندب، نصحت فيه السفن بعبور المضيق خلال (ساعات) النهار فقط. وجاء في التحذير الصادر في فبراير 2017: “لدى الحكومة الأميركية ما يدعو للاعتقاد أنه في أواخر يناير، زرع المتمردون الحوثيون ألغامًا في المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر قرب مدخل ميناء المخا”. وجاءت رسائل التحذير في أعقاب وقوع عدد من الحوادث المقلقة الأخرى في الممر المائي الاستراتيجي خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد هوجمت السفن الحربية السعودية والإماراتية، بينما كانت تحاول فرض حصار على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران (5).

كل تلك المخاوف والاهتمام من قِبل القوى الكبرى والإقليمية للسيطرة على مضيق “باب المندب”، جعلته مرشَّحًا بقوة لأن يتحوّل في الفترة المقبلة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، ولأن تهدد السيطرة عليه أمن المنطقة وخط سير النفط، خاصة في ظل التقاطعات والتجاذبات الدولية والإقليمية، ويبدو أن تلك المخاوف قد باتت حقيقة.

دعم إيراني وإثارة القلاقل

الدعم الإيراني للحوثيين واضح للعيان منذ اندلاع الأزمة، فإيران لا تألوجهدًا في أن تزعزع أمن واستقرار الدول العربية والإضرار بمصالحها الاقتصادية. ولعلنا نستطيع التحقق من ذلك من سياسة إيران الواضحة في اللعب بأوراق غير مباشرة ودعم جماعات مسلحة داخل الدول لإثارة المشكلات، فإيران تسعى من خلال إبقاء ميليشيات الحوثي في الحديدة، إلى الإمساك بورقة باب المندب الهامة للضغط على المجتمع الدولي وتنفيذ تهديداتها الإرهابية.

 ويبدو أن إيران ترنو من وراء دعمها للحوثيين إلى تهديد توازن القوى في المنطقة، حيث إنه في حال تمكنت أي قوة من السيطرة على ذلك المضيق، فإن ذلك سوف يعني تغييرًا جوهريًا في ميزان القوى الإقليمي. ففي أعقاب سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 تمكنوا من نقل صواريخ باليستية بعيدة المدى إلى معسكر يبعد 10 كم عن باب المندب، وهو مؤشر يعكس سعي إيران إلى تغيير موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط(6).

فإيران لم تخفِ دعمها الواضح لجماعة الحوثي، وهو ما أكده رئيسها “روحاني” حين شدد على استمرار التدخل العسكري الإيراني عن طريق دعم ميليشياتها في اليمن، على غرار التدخل الذي يقوم به الحرس الثوري، بدعم ما أطلق عليهم “مقاتلي محور المقاومة” في العراق وسوريا ولبنان. ولعل سياسة إيران تجاه اليمن والحوثيين، قد باتت واضحة حينأيدت تصفية الحوثيين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عندما بارك القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، مقتل صالح.

 الدلائل على الدعم الإيراني للحوثي وجماعته عديدة، وهو ما يتضح مما كشفه حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” عن توجيهات إيرانية لميليشيات الحوثيين قائلاً إنه “في المستقبل القريب ستقوم جماعة (الحوثي) باستهداف ناقلات النفط السعودية في خليج عدن”. ليس هذا فحسب، فبكل وضوح ذكرت الصحيفة أن الأهداف التالية لصواريخ الحوثيين، ستكون بضرب مناطق أخرى في السعودية ودول الخليج العربي، ولم يتوانَ المتشددون الإيرانيون عن إعلان استمرار الدعم للميليشيات الحوثية والانقلابيين، بل التوغل في داخل الأراضي السعودية. ومن المعروف أن إيران قد زودت الحوثيين – علنًا – بعدد من الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى لضرب أهداف في السعودية، وقد تصدَّت لها الدفاعات الجوية بالمملكة. واعترفت وسائل إعلام إيرانية رسمية في العام الماضي، بتزويد الميليشيات والانقلابيين في اليمن بتلك الصواريخ، وهو ما يؤكد حديثنا.(7)

أضرار دولية وتوقعات مستقبلية

استهداف الحوثيين لناقلتي النفط السعوديتين، لن يلحق الضرر بالسعودية فقط، إنما يهدد نقل النفط العالمي، ويستهدف الإضرار بالاقتصاد العالمي وليس السعودي فقط، وهو ما نستدل عليه من رد فعل دولة الكويت التي أشارت إلى أنها من المحتمل أن تتخذ قرارًا بتعليق صادرات النفط الخاصة بها عبر باب المندب.

ولا شك أنه بعد هذا الهجوم، تواجه دول العالم مخاطر إغلاق المضيق، لأن تجارة النفط العالمية سوف تتأثر. ففي حال إغلاقه، من المحتمل ارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى ارتفاع بوالص التأمين على الناقلات بشكل عام، سواء للنفط أو للمنتجات الأخرى. كما سيؤدي إلى زيادة في تكاليف الشحن بشكل عام، وكل هذه الأمور سيظهر أثرها على الأسواق عامة(8).

وعلى صعيد التأثر الاقتصادي العالمي، في انعكاس سريع عقب الهجوم، ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت، بـ42 سنتًا، أي ما يعادل 0.6% إلى 74.35 دولار للبرميل، بعد أن زادت 0.7% وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 5 سنتات إلى 69.35 دولار للبرميل، بعد أن ارتفعت بما يزيد عن.%1

والإغلاق الكامل لباب المندب، الذي لا يتجاوز عرضه في أضيق نقطة 29 كيلومترًا، سيجبر ناقلات النفط القادمة من السعودية والكويت والعراق والإمارات على الالتفاف حول الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية، أو ما يعرف برأس الرجاء الصالح، ما سيرفع المدة الزمنية اللازمة لعبور إمدادات النفط ويضاعف التكلفة، وبالتالي يصعد بأسعار النفط في الأسواق العالمية.(9) 

حلول مقترحة

نقل النفط السعودي لا يجب أن يتوقف جراء الهجوم، فالسعودية لا تزال تملك خيارًا آخر يتمثل في خط الأنابيب الضخم الذي يربط شرق المملكة بغربها، وذلك لنقل النفط من الحقول السعودية على الخليج العربي إلى مدينة ينبع في البحر الأحمر، مما يغنيها عن المرور بمضيق باب المندب ويضمن وصول الخام السعودي إلى الأسواق الأوروبية، فالخط قادر على نقل حوالي 5 ملايين برميل من النفط السعودي الخام يوميًا.

وبتحليل المؤشرات السابقة، يتضح الدعم الإيراني الواضح لميليشيات الحوثي والوقوف خلفها؛ لضرب استقرار الدول العربية ومحاولة التأثير سلبًا على اقتصادها، وهو ما يستوجب تحركًا عربيًا، بل ودوليًا، وبخاصة من مجلس الأمن لاستصدار ما يضمن أمن المضيق واستمرار الملاحة فيه بشكل منتظم حتى لا تتأثر أسعار النفط العالمية، وفرض المزيد من العقوبات على طهران. وهنا نستطيع الاستدلال بما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن دعم إيران للحوثيين في اليمن لا يسمح فقط بمهاجمة دول الجوار، بل يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ومطالبته بضرورة محاسبة المرشد الإيراني خامنئي، على زعزعة استقرار أمن الخليج، فضلاً عن قوله إن الولايات المتحدة تسعى إلى ترتيب يمنع – بشكل دائم – إيران من القدرة على تطوير أو امتلاك أسلحة نووية، أو الصواريخ الباليستية، وهو ما نستدل عليه من دعوة الولايات المتحدة شركاءها الـ14 في مجلس الأمن الدولي، إلى فرض عقوبات على إيران ردًا على “سلوكها الخبيث”، متهمة طهران بتزويد ميليشيات الحوثي بالصواريخ(10).

نتائج

يبدو أن خطر إيران لن يتوقف إلا إذا كان هناك تعاون إقليمي ودولي لمجابهته، وهو ما يمكننا أن نضعه في عدة صور:

1-إقرار قادة دول مجلس التعاون الخليجي إنشاء قوة بحرية مشتركة، وتأسيس مركز العمليات البحرية الخليجي الموحد، بالإضافة إلى حرص دول المجلس على إجراء التدريبات البحرية المشتركة، ومنها التدريب البحري المشترك للقوات البحرية الخليجية بهدف زيادة كفاءتها القتالية (وهو ما تمَّ في عام 2014، إلا أنه لم يتم تفعيله بصورة واضحة).

 2- في ظل وجود الحرس الثوري الإيراني في إريتريا، فإن هناك أهمية للحد من النفوذ الإيراني في الساحل الإفريقي, إذ يمكن للمملكة العربية السعودية العمل على إنشاء قاعدة للحماية في جيبوتي، وهو ما أشارت إليه تقارير عدة.

3-إيجاد صيغة أمنية تعاونية بين الدول المطلة على مضيق باب المندب من أجل تحقيق الأمن الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال تأسيس منتدى للأمن الإقليمي للتشاور بشأن المخاطر والتحديات المشتركة.

4-التنسيق والحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي بشأن الأزمات الإقليمية التي تمثل مخاطر مشتركة، لا سيَّما في كل من اليمن والصومال اللتين تمثلان نقطة تماس استراتيجي بين أمن دول مجلس التعاون الخليجي وأمن الدول الإفريقية.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

1- 6معلومات أساسية عن مضيق باب المندب الذي علقت السعودية تصدير النفط عبره، بي بي سي عربي.

https://bbc.in/2mHUmEm

2-إرهاب إيران في باب المندب يدق ناقوس الخطر، سكاي نيوز عربية.

3-حرب اليمن تهدد الملاحة الدولية في باب المندب، روسيا اليوم.

4-إنفوغرافيك.. أهمية باب المندب ومخاطر تهديدات الحوثي، سكاي نيوز عربية.

5-الخطر يحدق بممر باب المندب المزدحم للشحن، معهد واشنطن.

6- في دراسة لمركز “دراسات” حول أهمية مضيق باب المندب.. الممر المائي نقطة تماس استراتيجي لأمن الخليج وإفريقيا، أخبار الخليج.

7-تفاصيل دعم إيران لميليشيات الحوثي والتدخل في اليمن، العربية.نت.

8- “مال” ترصد: 15 مليون برميل نفطي صادرات 4 دول خليجية يوميًا .. 33% منها يمر عبر مضيق باب المندب، مال.

9-أزمة باب المندب.. السعودية تملك بديلاً آخر لتصدير النفط، الأسواق العربية.

10-بومبيو: دعم إيران للحوثي يهدد دول الجوار ويفاقم أزمة اليمن، سكاي نيوز عربية.

https://bit.ly/2LEWL10

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر