سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوباش كابيلا
سيطرت القمة التي عقدت بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والكوري الشمالي كيم يونغ، في سنغافورة في الثاني عشر من يونيو المنصرم، على وسائل الإعلام العالمية. ففي أعقاب تلك القمة، أصبحت البيئة الأمنية لإقليم شرق آسيا، أكثر إثارة للقلق مع تزايد الشكوك الاستراتيجية والغموض حول السيناريوهات المستقبلية.
هنا تثار التساؤلات حول مدى ارتياح الولايات المتحدة تجاه اليابان وكوريا الجنوبية، خلال فترة الإعداد السابقة للقمة، مع الإشارة إلى إجراء المناورات العسكرية المشتركة بين كل من واشنطن وسيول، وكذلك التوجه الأميركي إلى خفض عدد القوات الأميركية الموجودة بشبه الجزيرة الكورية، إضافة إلى الالتزام بنزع السلاح النووي من المنطقة، الذي يمثل هدفًا مهمًا للصين.
وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الثقة التي تمتعت بها واشنطن من جانب كل من اليابان وكوريا الجنوبية على مدى العقود الأخيرة، سوف تضيع هباء؛ وهو ما من شأنه أن يدفع اليابان وكوريا الجنوبية، إلى الاعتقاد بأنه في الوقت الذي تؤمّن فيه الولايات المتحدة نفسها من تهديدات كوريا الشمالية، فإن كليهما بات بعيدًا عن ذلك التأمين.
لقد قدَّمت كوريا الشمالية ضمانات للمجتمع الدولي بتدمير البنية التحتية لمواقع الاختبارات النووية، إلا أنه لا يزال هناك ما يبنغي على “بيونغ يانغ” تدميره من وسائل نووية ومنصات مضادة للقذائف التي تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها في منطقة غرب المحيط الهادئ، وبخاصة اليابان.
ومن المنظور الاستراتيجي ربَّما تتجه كوريا الشمالية نحو “الانتحار الجيوسياسي” إذا قامت بالقضاء على ترسانتها النووية. لكن من الناحية المنطقية، ينبغي التأكيد على أن الترسانة النووية لكوريا الشمالية، هي جواز سفر الرئيس “كيم” إلى الشرعية الدولية، حيث كان ذلك واضحًا حينما اتجه الرئيس الأميركي نحو سنغافورة لحضور قمة مع رئيس لدولة “منبوذة دوليًا” منذ عقود.
وعلى ذلك، فإن السياق العام لمرحلة ما بعد قمة سنغافورة 2018، يمكن تحديده بدقة في أنَّ أمن شرق آسيا لم يتضح بشكل أكيد رغم تأكيدات الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي. ولن تتضح تلك الرؤية، إلا عندما تقوم كوريا الشمالية بنزع كامل، وشامل، وقابل للتحقق دوليًا لأسلحتها النووية؛ وهو ما يعني ضمنًا أن كوريا الشمالية تدمر كل ما تملكه من منظومة نووية.
هنا يجب أن نتذكر أن الزعيم الكوري الشمالي، في الفترة السابقة لقمة سنغافورة، قد استبعد تمامًا “النموذج الليبي” للتخلي عن السلاح النووي؛ وهو ما يعني أن “بيونغ يانغ” ستختار نزع أسلحتها النووية على مدى سنوات، ما يعزز احتمالات الصراع في بيئة الأمن بشرق آسيا.
لذا، فإن تلك البيئة المضطربة، والعلاقة المتوترة بين دول المنطقة، لا تزال قائمة؛ حيث ستظل كوريا الشمالية تمثل تهديدًا نوويًا، ما يدفع الصين – وهي الراعي الاستراتيجي لكوريا الشمالية – إلى تقويم خطوات “بيونغ يانغ” نحو نزع السلاح النووي وتحديدها بناء على دفء العلاقات الأميركية الصينية. وبعبارة أخرى، فإن “بكين” سوف تستخدم كوريا الشمالية كورقة رابحة تتفوق بها على ترمب، في الوقت الذي يقوم فيه الأخير بحرب تجارية عليها.
إن التهديد الصيني المفرط للبيئة الأمنية بشرق آسيا، لا يشهد أي تخفيف يتناسب مع “نهضتها السلمية”. ففي منتصف عام 2018، سيطرت الصين سيطرة كاملة على بحر الصين الجنوبي في انتهاك مباشر لاتفاقية الأمم المتحدة لقوانين البحار. كما تحدَّت “بكين” القيود التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بـ”لاهاي” التي أعلنت أن السيادة الصينية على “بحر الصين الجنوبي” غير قانونية.
لكن “بكين” لم تتوقف عن تهديد “تايوان” من خلال الاستعراض العسكري الضخم، كلما أدركت بكين أن تايوان تصرُّ على المزيد من الاستقلالية في مواقفها السياسية؛ ولذلك لا تزال تايوان تشكل نقطة مشتعلة في شرق آسيا حتى الآن. فوضع الصين العسكري الساحق على طرفيها الشرقيين، يرتكز على ساحل غرب المحيط الهادئ، وقد استهدف إعادة ضم تايوان بالقوة. من هنا، فإن الاستراتيجية الأميركية لنزع الأسلحة النووية بكوريا الشمالية، لن تكون ذات تأثير على التهديد الصيني لتايوان، ومع ذلك سيكون العكس صحيحًا.
أمَّا بالنسبة لليابان والادعاءات الصينية غير القانونية حول جزر “سينكاكو”، فيبدو أن بكين – حاليًا – على درجة أخف من الاستفزاز المباشر، وذلك بعد أن أجبرت طوكيو واشنطن على الالتزام بأن يتم شمول جزر “سينكاكو” في المادة الخامس من معاهدة الأمن المتبادل بين اليابان والولايات المتحدة، وأن واشنطن ملزمة بالتدخل عسكريًا إذا تدخلت الصين عسكريًا لاحتلال هذه الجزر بالقوة.
وقد تأثرت شعبية الرئيس الصيني لدى الصينيين، إذ تتجاوز القوات البحرية والصيادون الحدود في المياه الفلبينية، وبخاصة بعد أن تقبّل الرئيس الفلبيني التصرفات الصينية على أن يضمن ذلك تخفيف حدة استفزازات بكين.
وبالانتقال إلى الجزء الجنوبي من شرق آسيا، نجد أن علاقات الصين مع كل من فيتنام وإندونيسيا، تشهد توترًا ومواجهات بشأن جزر بحر الصين الجنوبي؛ إذ خاضت إندونيسيا جدلاً طويلاً حول النزاع الخاص بجزر بحر الصين الجنوبي بعد أن قامت الصين بالتعدي على جزر “ناتونا”.
وبعد أن حظيت منطقة شبه الجزيرة الكورية بالتركيز أخيرًا، ينبغي التأكيد مجددًا على أن إعلان الرئيس الأميركي ترمب، عن الدعوة إلى مناورات عسكرية كبرى بين واشنطن وبيونغ يانغ، كمبادرة لنوايا حسنة تجاه الأخيرة، لم يكن بالأمر المستحسن. فقد كانت هذه المناورات الرئيسية التي شاركت فيها القوة الثالثة لقوات المشاة البحرية، أجزاء من القوات المسلحة الأميركية الموجودة بكوريا الجنوبية، وقد مثلت عنصر ردع للصين أيضًا، وبخاصة بعد أن أثارت هذه التدريبات الصدمة والرعب لدى الصينيين. ومن ثَمَّ ينبغي أن تكون الاعتبارات الأساسية لهذه التدريبات، قد تحددت على أساس نزع السلاح القابل للتحقق من جانب كوريا الشمالية، إذ أرسلت واشنطن من وراء ذلك إشارات خاطئة إلى حلفائها في شرق آسيا، الذين يشكلون أساسًا للوجود العسكري الأميركي الأمامي في غرب المحيط الهادئ.
وهنا نشير إلى أن ثمة صيدًا ثمينًا قد تضمنته الدعوة إلى نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية ككل من قبل كوريا الشمالية التي حظيت بتأييد الصين فيما سبق؛ وهو ما يعني ضمنًا أن الولايات المتحدة قد قبلت بالإبقاء على الأسلحة النووية الأميركية الموجودة في كوريا الجنوبية، في مقابل أن يتم التخلي عن المخططات المشتركة بين سيول وواشنطن، كجزء من خطة الطوارئ الأميركية. وبالتالي، فرغم الضمانات المطلوبة من واشنطن تجاه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، فإن المظلة النووية لن تكون مطلوبة بشكل جوهري.
كما أن الإعلان الأميركي لسحب القوات الأميركية الموجودة في سيول بشكل كامل أو جزئي، إنما يمثل دعوة مفتوحة للعدوان الكوري الشمالي، ما دام هناك نوع من التعجل من جانب الولايات المتحدة بإعلان “النوايا” دون تحديدها للاستجابة الكورية الشمالية للتخلي الكامل عن الأسلحة النووية.
وهنا يبدو التساؤل منطقيًا: هل ثمة بنود أو التزامات مقلقة تعهَّد بها رئيس كوريا الشمالية لنظيره الأميركي خلال قمة سنغافورة التي شهدت تقديم ترمب للتنازلات المذكورة فيما سبق، والتي تبدو غير ملائمة بالنسبة لكوريا الشمالية؟
وإذا كان ما ورد فيما سبق صحيحًا، فإن سؤالاً تحليليًا بالغ الأهمية يلوح في الأفق، وهو: هل ما قدَّمه الرئيس الكوري الشمالي من التزامات خفيِّة للولايات المتحدة، كان بعيدًا عن أعين الصين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك من شأنه أن يهدد البيئة الأمنية لشرق آسيا بالكامل. وهنا يركز عدد من المراقبين حول خيارات الصين للهيمنة على البيئة الأمنية في تلك المنطقة.
وأخيرًا، ينبغي التأكيد على أن البيئة الأمنية في شرق آسيا، لن تخلو من احتمالات الصراع بعد قمة “ترمب – كيم” في سنغافورة في 12 يونيو 2018، بل على العكس، فإن هذه البيئة ربَّما دخلت من الآن في ذلك الجو الملبد بالشكوك والمخاوف.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*
المصدر: مجموعة جنوب آسيا للتحليلات السياسية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر