سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في ظل اضطرابات وصراعات عدة تضرب العالم، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط، والأزمة السورية تحديدًا، ازدادت أعداد اللاجئين في تلك المنطقة بصورة ملحوظة. فالبعض منهم اتجه لأوروبا، وبخاصة ألمانيا، واتجه البعض الآخر لتركيا لقربها الاستراتيجي من الدول العربية. ومع اندلاع نيران الأزمة السورية، لم يجد بعض السوريين ملاذًا إلا الأراضي التركية لقربها الجغرافي من بلادهم ولرخص تكاليف الانتقال إليها، ولأنها فتحت أبوابها أمامهم ورحبت بهم، إلا أن أوضاعهم هناك باتت صادمة.
وإذا أردنا معرفة التعريف الصحيح لمن يطلق عليه” لاجئ”، فلا بدَّ من النظر في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي أبرزت تعريف اللاجئ بوضوح – في مادتها الأولى -: “بأنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوفٍ له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة…”. فالحكومة ملزمة بإنفاذ القوانين وحماية مواطنيها، وعندما تكون عاجزة أو غير مستعدة للقيام بذلك، وفي أحيان كثيرة أثناء صراع أو حرب أهلية، يفر أشخاص كثيرون من أوطانهم. ومن ثَمَّ، فإن مسؤولية حماية اللاجئين ومساعدتهم تقع على عاتق الحكومات المضيفة؛ إذ تعتبر البلدان الـ139 على نطاق العالم، التي وقعت على اتفاقية 1951، ملزمة بتنفيذ أحكامها.(1)
أوضاع صادمة
إذا نظرنا إلى أحوال اللاجئين في تركيا، التي ظهرت منذ فترة كحامي حمى اللاجئين السوريين وأقامت مخيمات لهم، نجد أنها أوقفت تسجيلهم كليًا باستثناء “قلة”، ما يعرضهم للترحيل من البلاد، ويحرمهم من خدمات ضرورية. وهو ما وصفته منظمة” هيومان رايتس ووتش”، بأنه قد يؤدي إلى عمليات ترحيل غير قانونية، وعودة بالإكراه إلى سوريا، والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم.(2)
ليس هذا فحسب، فإن تركيا التي فتحت حدودها في السابق أمام اللاجئين، قد أغلقتها الآن. فالغالبية العظمى من اللاجئين السوريين، ومن طالبي الحماية الدولية يعيشون خارج المخيمات، وهو ما نستدل عليه مما كشفه الممثل الخاص للأمين العام لمجلس أوروبا للهجرة واللاجئين في تركيا “توماس بوشيك”.
فالعديد من اللاجئين السوريين لا يحصلون على سكن، أو مساعدة مالية، تمكنهم من إيجاد سكن؛ وهو ما أدى إلى إفقار آلاف اللاجئين الذين تزداد أعدادهم، نظرًا إلى الارتفاع المطرد في أسعار الإيجارات، وهو ما يمكن أن نرجعه إلى التزايد المستمر في أعداد اللاجئين.(3)
ويبدو أن أهالي إسطنبول باتوا منزعجين من وجود اللاجئين على أراضي مدينتهم، وهو ما دفعهم للمطالبة بإعادة السوريين الذين يعيشون في إسطنبول إلى المخيمات. على الرغم من كون البعض منهم لا يجد قوت يومه، ما يدفعه للتسول وجمع بقايا الطعام من المتاجر في تركيا، بل وصل الحال ببعضهم إلى الاعتماد على البيع في الشوارع في محاولة للحفاظ على ماء وجههم(4).
ومن الواضح أن سوء الأوضاع المعيشية للسوريين في تركيا، قد تسبب في تفضيل اللاجئين، التعرض لمخاطر الموت على البقاء في تركيا، في ظل تصاعد العنف، والاضطرابات، وغموض المستقبل، وارتفاع حدة التضييق عليهم – رسميًا وشعبيًا – ومنعهم من العمل بشكل قانوني.(5)
سوء أوضاع العمالة
حال العمال من اللاجئين لا يقل سوءًا عن أقرانهم، فالعمال السوريون غير مسجلين، ويتقاضون أجورًا منخفضة جدًا، وهو ما نستدل عليه من تقرير لجريدة “حرييت التركية” الذي أوضح أن 99.6% من الرجال السوريين العاملين في أراضي تركيا و100% من السوريات العاملات، غير مسجلين بشكل رسمي. بالإضافة إلى عمق المشاعر السلبية التي يكنها العمال الأتراك تجاه القوى العاملة السورية. ولعل ما أقره وزير العمل التركي، محمد مؤذن أوغلو، بتنامي المشاعر السلبية تجاه العمال السوريين، ودعوته للمواطنين إلى تجنب استخدام “عبارات استفزازية” في حق اللاجئين، يؤكد ذلك الحديث.(6)
بيد أن عدم تسجيل العمال من اللاجئين في تركيا يمثل – أيضًا – إحدى العقبات أمامهم، فعدم تسجيلهم يترتب عليه عدم الاعتراف بوجودهم وعدم توفير رعاية صحية لهم، وعدم وجود تأمين على حياتهم في حال تعرضهم لأي نوع من أنواع الأذى، بالإضافة إلى كونهم قد ذاقوا المر من تدني الأجور، وبعض التمييز العنصري بحقهم، والتسريح من العمل في أية لحظة، فكثيرًا ما يفصل رب العمل العمال بعد أن تنتهي حاجته إليهم.
وبالانتقال إلى جانب العمال، سنجد أنهم قد واجهوا ذلك بالإضراب، إذ نظّمت في نهاية شهر كانون الأول 2014 ثلاثة إضرابات مطالبة بزيادة الأجور والمساواة في الأجور بين العمال السوريين والأتراك، إذ يعمل عدد كبير من العمال السوريينفي معامل النسيج وورش الخياطة التركية في إسطنبول وغيرها، وتصل ساعات العمل إلى 11-13 ساعة عمل يوميًا، ويتقاضون رواتب منخفضة.(7)
عمالة أطفال
منذ اندلاع الأزمة السورية، في ربيع عام 2011، بات الأطفال هم أكثر المتضرّرين من الصراع حتى الآن؛ إذ شهدوا كل أنواع الانتهاكات وتعرضوا للقتل والتهجير إلى دول الجوار.
ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن عدد الأطفال السوريين الذين عبروا الحدود كلاجئين، تجاوز المليون طفلٍ. وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن نسبة 92 في المئة من اللاجئين تحت سن 15 عامًا، ملتحقون بنظام التعليم ضمن مخيمات اللجوء في تركيا، إلا أن السلطات التركية تتحاشى تحديد هذه النسب خارج المخيمات. لكن بعض الإحصائيات غير الرسمية، تشير إلى أنها لا تتجاوز 30 في المئة. ليس هذا فحسب، فمن كل الأطفال اللاجئين هناك، لا يذهب إلى المدرسة سوى 67 ألف طفل.
فالأطفال كالعمال وضعهم سيئ. فالعديد منهم يعملون في الشوارع، ويجمعون البلاستيك والمعادن والورق المقوى. وهناك أطفال يتعرضون للعديد من الانتهاكات في الشوارع، مثل الاغتصاب، فضلاً عن أن فتيات في سن العاشرة، تعرضن للتحرش الجنسي.(8)
فالعديد منهم يعملون لمدة 14 أو 18 ساعة، مقابل 5 أو 6 دولارات فقط. ولعل السبب في ذلك يمكن أن نرجعه إلى أن الكثير من المصانع تساعدهم على هذا، بمنحهم عربات وحقائب، وحتى عربات تجرها الخيول ويأخذون نسبة عليها، لأنهم يعملون لساعات أطول، بأجور أقل.
ويبدو أن عمالة الأطفال لا تقتصر على مدينة إسطنبول فقط، فهي منتشرة في معظم المحافظات التي يوجد فيها اللاجئون، لا سيَّما مدينة “غازي عنتاب” التي تضم أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين، وتشهد معدلات مرتفعة من عمالة الأطفال الذين يمارسون أعمالاً يومية مرهقة .
ولعل الجزء الصادم في الأمر، هو كونه علنيًا، فتشغيل الأطفال السوريين لم يعد سرًا، فجولة سريعة في صفحات “الفيسبوك” المخصصة لإعلانات العمل للسوريين في تركيا، تُطلعك على طلبات الحصول على عمال من الأطفال مقابل عائد مادي زهيد.
تزويج القاصرات
“مصائب قوم عند قوم فوائد”، حكمة عربية تلخص وضع اللاجئات السوريات واستغلال وكلاء الزواج الأتراك لهشاشة أوضاعهن الإنسانية، فهؤلاء السماسرة يبحثن عن اللاجئات صغيرات السن بغرض كسب المال، فيما يمثل نوعًا من المتاجرة بالبشر في المدن التركية التي يتشدق حكامها باحتضان اللاجئين السوريين. ولن يصبح ذلك الحديث صادمًا عندما نعلم أن معدل زواج القاصرات في تركيا قد ارتفع في 2017 إلى 26%، بعد أن كان في العام الذي سبقه 12%. ولعل ما نشره موقع “حرييت” مطلع 2018، الذي أظهر ولادة 35 قاصرة سورية في مشفى سليمان القانوني وحده في إسطنبول، خلال أول خمسة أشهر من عام 2017، يبرز ما نريد قوله.(9)
ويبدو أن حالات ذلك الزواج أيضًا – كحال العمال – تتم دون توثيق رسمي يضمن حق القاصر، فهناك رصد لحالات كثيرة لفتيات سوريات قاصرات متزوجات من أتراك في جنوب تركيا، دون أن يكون الزواج موثقًا أو مسجلاً بشكل رسمي، حيث تكون الفتاة زوجة ثانية. فالعديد من السوريين يقدمون على تزويج بناتهم من أتراك قد سبق لهم الزواج، بالرغم من أن تعدد الزوجات ممنوع في تركيا؛ وهو ما يعني استغلالاً مضاعفًا للقاصرة، حيث يتم تزويجها من دون حقوق ولا إثباتات تحفظ حقها ونسب أولادها.(10)
توقعات مستقبلية
لم تكن الحكومة التركية التي تعارض الرئيس السوري بشار الأسد، تتوقع أن الحرب في سوريا ستستمر كل هذا الوقت. فعندما فتحت تركيا حدودها للاجئين في عام 2011، افترضت الحكومة أن أيام الأسد باتت معدودة، وأن اللاجئين سيعودون لوطنهم قريبًا، إلا أنه مع مرور الوقت واشتعال الأزمة بدأ المسؤولون الحكوميون في الاعتراف بأن اللاجئين سيبقون في تركيا لفترة من الوقت.
وبناء على ما ذكر، نرى أن تركيا ليست لديها خطة أو استراتيجية طويلة الأمد لاستيعاب اللاجئين، لذا نتوقع:
1-تنامي الأوضاع السيئة للاجئين داخل الأراضي التركية، من معاملة سيئة إلى شعور بالاضطهاد والعنصرية، وسوء أوضاع العمالة، فضلاً عن عمالة الأطفال وتزويج القاصرات.
2- مع استمرار معدلات تدفق اللاجئين سوف تتناقص فرص العمل المتاحة لهم – حتى وإن كانت مجحفة – مما يزيد من صعوبة أحوالهم.
3-من المتوقع أن تقرر تركيا إغلاق الباب أمام اللاجئين – بعد أن كانت تتشدق بحمايتهم – وهو ما بدأت فيه – بالفعل – في الأيام الماضية.
وحدة الدراسات التركية*
المراجع
1-ما هي اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين؟ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
2-تركيا “تغلق أبوابها” بوجه اللاجئين السوريين، سكاي نيوز عربية.
3-أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا.. تُبكي، أخبار الآن.
4-اللاجئون السوريون يعانون سوء أوضاعهم في تركيا، الشرق الأوسط.
5-أوغلو يصدر تعليمات بتحسين أوضاع اللاجئين في تركيا، إرم نيوز.
6-دراسة صادمة.. هذه حال أوضاع السوريين في تركيا، النهار.
7-أوضاع العمال السوريين في دول الجوار، معهد ليفانت للدراسات.
8-تركيا: محنة عمالة الأطفال اللاجئين السوريين، يورو نيوز.
9- سوريون يعاقَبون في تركيا بسبب الزواج، عنب بلدي.
10- حمل الفتيات القاصرات يثير جدلاً واسعًا في تركيا، العرب.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر