سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
روبين رايت
ظل المؤرخون على مدى عقود ينظرون إلى القمة التي عقدت بين الرئيسين “جون ف كينيدي”، ورئيس وزراء الاتحاد السوفيتي “نيكيتا خروتشوف” عام 1961، على أنها “الأسوأ” بين واشنطن وموسكو، كما وصف كينيدي ذلك اللقاء بأنه إحدى المحطات السيئة في حياته؛ حيث أدى ضعف كينيدي إلى قيام خروتشوف باختبار الولايات المتحدة عن طريق نشر صواريخ نووية في كوبا.
واستئنافًا لتلك الحالة الكارثية في مسار العلاقات بين البلدين، تأتي القمة الأخيرة بين الرئيسين “دونالد ترمب”، و”فلاديمير بوتين”، مع رفض ترمب العلني لتقارير الاستخبارات الأميركية، واتهام وزارة العدل، أخيرًا، لمسؤولين روس بالتدخل في انتخابات 2016. وقد وصف السناتور “جون ماكين”، تصريحات ترمب بأنها “واحدة من أكثر المشاهد خزيًا في الذاكرة لرئيس أميركي”. كما قال “جون برينان”، المدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية، إن هذا الأمر “لا يقل عن الخيانة”؛ إذ صرح في تغريدة على موقع “تويتر”، أن الرئيس ترمب بات في جَيب بوتين، وأن ما فعله يفوق الجرائم الكبرى، ووجَّه حديثه إلى الجمهوريين قائلاً: أين أنتم؟
ورغم إدانة وزارة العدل، لاثني عشر عميلاً مخابراتيًا روسيًا بسبب تدخلهم في انتخابات 2016، فإن ترمب تبنى موقف الرئيس الروسي في هذه القضية؛ إذ قال في مؤتمر صحفي مشترك بعد لقائه ببوتين: “لقد قال للتو إنها ليست روسيا”، مضيفًا أنه لا يرى سببًا لذلك. حتى إنه أعلن أن بوتين اقترح أن يأتي المحامي الخاص “روبرت مولر” إلى موسكو لاستجواب العملاء الاثني عشر، مع السماح لروسيا، في المقابل، باستجواب أي مسئول استخباراتي أمريكي يعتقد في تورطه في عمليات سرية ضد روسيا.
وفي هلسنكي، ربَّما تجاوز الضرر ما فعله كينيدي، كما يقول “روبرت كاجان”، الموظف السابق في التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية، والذي يعمل – حاليًا – في معهد “بروكينجز”، حيث يرى أن كينيدي كان يحاول في المحصلة النهائية تقوية الموقف الأميركي، إلا أن ترمب يعمل على إضعاف موقفه، وذلك من خلال تقويض تحالفات الولايات المتحدة، وتدمير النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. كما أنه يدفع، مرة أخرى، في اتجاه ذلك النوع من المخاطر التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين؛ على أن ذلك ربَّما لا يكون بنفس الدرجة من التعقيد التي كانت عليها أزمة الصواريخ الكوبية؛ لأن روسيا ليست في وضع الاتحاد السوفيتي، إلا أنه بمرور الوقت يرجح أن ترتفع التكاليف والأخطار عن ذلك بكثير؛ فقد غيَّر ترمب سياسته عن سابقيه من الديمقراطيين والجمهوريين، حيث أصبحت الولايات المتحدة وروسيا منافسين عالميَّين، إضافة إلى كونهما قوتين نوويتين، لكن ما لم يحدث أبدًا هو أن نرى رئيسًا أميركيًا أهدافه مع موسكو.
ويعني ذلك أن الحديث عن انتصارات دبلوماسية للجمهوريين، كما يروج “هنري كيسنجر”، هو بمثابة ضجيج. كما يذهب “ريتشارد بيرت” كبير المفاوضين في “معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية” مع الاتحاد السوفيتي 1991 والمستشار لمجموعة من المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين لفترة طويلة؛ إلى أن ذلك يخلق مشكلات شديدة الخطر بين الولايات المتحدة وأصدقائها على المدى الطويل، وينطوي على اختبار لأقرب حلفائنا.
تأتي قمة هلسنكي بعد شهرين من الاستعراض الذي قام به الرئيس عالميًا؛ فخلال قمة مجموعة السبعة الكبار، اعترض على التوقيع على بيان مشترك يحدد أهدافًا مشتركة بين المشاركين. كما هاجم الرئيس الأميركي على موقع “تويتر”، “جوستين ترودو”، رئيس الوزراء الكندي، المُضِيف للقمة. وخلال قمة تاريخية مع ديكتاتور كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، انخرط في عملية كبيرة، لكنه لم يحصل إلا على وعد مبهم يخلو من التفاصيل، وهو أن تقوم “بيونغ يانغ” بنزع سلاحها النووي. وخلال قمة حلف الناتو الأخيرة، وجه ترمب إهانة للمستشارة الألمانية، “أنجيلا ميركل”، ووصفها بأن “أسيرة للروس”، وطالب بشكل غير واقعي أن تضاعف الدول الثماني والعشرون مساهماتها في التحالف، ثم انصرف مغادرًا الغرفة. وفي بريطانيا أخرج ترمب رئيسة الوزراء “تريزا ماي” حينما تحدث عن كيفية إجراء مفاوضات خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي. كما خالف البروتوكول مع الملكة إليزابيث، حينما جلس على كرسي “وينستون تشرشل” القديم، وهو ما تصدر عناوين الصحف فيما بعد، وأخيرًا فقد وصف ترمب الاتحاد الأوروبي بـ”العدو” خلال قمة هلسنكي.
وكما يقول “ريتشارد هاس”، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، فإن الأشهر الثلاثة الأخيرة، شهدت ضعفًا ملحوظًا في الموقف الأميركي من القضايا العالمية، حيث تخوض الولايات المتحدة حربًا تجارية مع شركائها الاقتصاديين الأكثر أهمية، وهو ما أثار مخاوف الحلفاء الأوروبيين، وذلك نتيجة للإفراط في الإنفاق الدفاعي والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وصولاً إلى فشل واشنطن في جذب كوريا الشمالية نحو نزع السلاح النووي، في الوقت الذي أدى فيه رفع العقوبات إلى إثارة مخاوف كوريا الجنوبية فيما يتعلق باعتمادها على واشنطن.
وقد حاول بوتين القيام بدور “الوديع” مع ترمب منذ البداية؛ فقد بدا الملل على بوتين في الصور الافتتاحية. كما تراجع في جلسته على الكرسي مادًّا ساقيه، مع النظر إلى ترمب في بعض الأحيان. أمَّا الرئيس الأميركي، فقد بدا مرتديًا ربطة عنق حمراء، وجاءت جلسته إلى الأمام على الكرسي، حيث كانت تتشابك أصابعه، مما يعكس حالة من العصبية. وكان من المفترض أن تكون هناك إشارة إلى مزاعم استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في بريطانيا، وإطلاق النار على الطائرة الماليزية التي أودت بحياة ما يقرب من ثلاثمئة شخص، أو تدخلها المزعوم في الانتخابات الأوروبية.
لم يحقق ترمب في هلسنكي سوى القليل؛ فقد أراد بوتين أن يدشن عهدًا جديدًا في العلاقات الأميركية الروسية، وهو ما قابله ترمب بترحاب واضح. ويتشابه هذا الأمر مع موقف ترمب في سنغافورة حينما بالغ فيما توصلت إليه القمة، معتبرًا أنه إنجاز. كما انتقد ترمب – بشكل واضح – التحقيق الذي قام به “مولر”، ورفض دعم الاستخبارات الأميركية والمؤسسات المعنية بذلك، لكن التطور الإيجابي الوحيد ربَّما يتمثل في التحرك الذي حدث بشأن قضايا عالقة في مجال مراقبة الأسلحة، رغم عدم الإفصاح عن أية تفاصيل.
وقد وصفت “نينا خروتشيفا”، حفيدة رئيس الوزراء السوفيتي الأسبق، قمة “ترمب – بوتين” بأنها تعكس الصورة الحقيقية لكلا الرجلين.
“نينا” التي تقيم حاليًاكمواطنةٍ أميركيةٍ وتعمل أستاذة للعلاقات الدولية، إضافة إلى كونها باحثة مساعدة للدبلوماسي الأميركي “جورج كينان”، ترى أنه يجب ألا تخدم جميع قرارات السياسة الخارجية المصالح الآنية، فربَّما تستهدف مدى زمنيًا يصل – أحيانًا – إلى خمس أو عشر سنوات. لكن الأمر بالنسبة إلى ترمب، فهذا كل شيء، أمَّا بالنسبة إلى بوتين، فهو بحاجة للبقاء في السلطة. لكن “نينا” ترى ترمب تابعًا، وليس قائدًا لهذه العلاقة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جريدة نيويوركر
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر