أثر الألعاب الإلكترونية على العنف لدى الأطفال | مركز سمت للدراسات

أثر الألعاب الإلكترونية على العنف لدى الأطفال

التاريخ والوقت : الأربعاء, 11 يوليو 2018

منصور العتيبي

خلال الفترة القليلة الماضية تزايدت الأخبار الصحفية حول حالات انتحار أطفال متأثرين بألعاب الفيديو، وأخبار أخرى عن تزايد حالات العنف والتحرش بالأطفال عبر الإنترنت؛ مما جعل هناك اهتمامًا ملحوظًا ومتزايدًا من قبل الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة من قبل أولياء الأمور الذين يسعون جاهدين لمحاولة فهم وتحديد المخاطر الصحية والسلوكية المحتملة على أطفالهم والمرتبطة بألعاب الفيديو ومشاهد العنف.

في هذا المقال المختصر، سأحاول ملامسة بعض من جوانب تلك العلاقة، ومدى إمكانية وجودها بين تعرض الأطفال لمشاهد العنف في ألعاب الفيديو، والعدوانية اللاحقة والسلوكيات المعادية للمجتمع كالانتحار، والاعتداء، والتحرش، وغيرها. وإذا كان ثمة علاقة محتملة، فهل وجود الرقابة من قبل أولياء الأمور على مقدار تعرض أطفالهم لمشاهد العنف، سيقلل من رغبتهم في أن يصبحوا عدوانيين؟

في البداية، وكمتخصص في مجال الإعلام والاتصال، يمكنني القول – بكل وضوح – إننا نواجه العديد من التحديات في هذا الشأن، والتي يعزى معظمها إلى التقدم التقني المتسارع الذي يقابله – للأسف الشديد – ندرة واضحة لدينا في الأبحاث الميدانية الجادة التي تبحث في تلك العلاقة.

أغلب الدراسات والأبحاث المتوفرة، هي لعلماء غربيين بحثوا على مدى عقود منذ ظهور وسائل الاتصال المختلفة كالسينما، والتلفاز، ثم الإنترنت والإعلام الجديد، وتناولوا العديد من القضايا حولها بهدف إصلاح مفاهيم أو تثقيف الجمهور حول المخاطر المحتملة التي تنطوي عليها مشاهد العنف على الأطفال، وطرق اتخاذ الاحتياطات للتقليل من الأثر المحتمل الذي تمارسه على الصحة العقلية لهم.

وفي الحقيقة أن بعض أولئك الباحثين تسلل إليهم شيء من الإحباط بسبب أن الكثير من الدراسات السابقة فشلت في تقديم أدلة قاطعة وأكيدة حول المخاطر الصحية والسلوكية على الأطفال التي ينطوي عليها العنف الإعلامي وألعاب الفيديو العنيفة. وبالتالي، فقد أكدوا على الحاجة لإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات التجريبية تشرف عليها الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة.

وبالرغم من ذلك، فإن هناك العديد من الدراسات التي أشارت – بوضوح – إلى العنف في ألعاب الفيديو كعامل خطر (محتمل) للعدوان لدى الأطفال والمراهقين. بينما لم يتم بعدُ تحديد مدى وحجم هذا الخطر. كما أشارت تلك الدراسات – أيضًا – إلى أن مشاهد العنف قد توفر (دافعًا إضافيًا) لتغيير السلوك لدى الأطفال من خلال ما يعرف بنموذج التعلم الاجتماعي (social learning theory)، ويختلف تأثير هذا التعرض باختلاف التكرار والمدة.

من الواضح جدًا أن الكثير من أولياء الأمور يشاهدون أطفالهم وهم منغمسون لأوقات طويلة بألعاب الفيديو العنيفة، لكنهم لا يعرفون سوى القليل عن الآثار المحتملة لهذه البرامج على سلوكيات أطفالهم. وما يزيد الأمر تعقيدًا أن الطفل بطبيعته يمتص المشاهد وما فيها من مشاعر بشكل سريع؛ وذلك لأنه في المراحل الأولى من أنماط السلوك والتعلم، بل إنه يجد صعوبة كبيرة في التمييز بين الواقع والخيال. وقد أكد المختصون أن دور الأسرة يعتبر دورًا محوريًا وهامًا في التقليل من المخاطر المحتملة لمشاهد العنف في ألعاب الفيديو على أطفالهم؛ حيث وجد أن هناك اختلافًا واضحًا في تأثير مشاهد العنف على الطفل الذي يتم الاعتناء به وتوجيهه، مقارنة بالطفل الذي يُسمح له بمشاهدة ولعب أي نوع من البرامج دون رقابة أسرية. كما وجد أن الطفل ذا الطبيعة العدوانية إذا ترك وحيدًا دون رقابة في دائرة مغلقة مليئة بمشاهد العنف وألعاب الفيديو العنيفة، فهو معرض لخطر محتمل أكبر بأن يتطور سلوكه العدواني إلى المزيد من العدوانية.

وقد زادت المخاوف مع انتشار الإنترنت وتوفره لدى شريحة كبيرة من الأطفال؛ مما جعل الألعاب عبر الإنترنت مصدرًا مقلقًا للعديد من الباحثين والمختصين حول الصلة المحتملة بين ألعاب الإنترنت والعدوان الحقيقي. ومن الأمثلة التي يشار إليها في هذا السياق، المذبحة التي حدثت في أبريل 1999 في ثانوية كولومباين في ولاية كولورادوالأميركية، وراح ضحيتها (12) طالبًا، كانت بمثابة الجرس الذي دق ناقوس الخطر لتلك المخاوف. حيث أشار الباحث الأميركي وليامز في كتابه (العنف عبر الإنترنت) إلى أن ألعاب الفيديو العنيفة لعبت دورًا رئيسيًا في المأساة، وقد أدت هذه المخاوف إلى سلسلة من التحديات القانونية التي انطوت على مشروعية تسويق وبيع الألعاب للقاصرين؛ مما أدى إلى ضغط العديد من الناشطين على الحكومة الأميركية لاتخاذ إجراءات قانونية.

لهذا، يشعر العديد من الأميركيين بالقلق المتزايد من تأثير العنف الوارد في ألعاب الفيديو عبر الإنترنت على أطفالهم وسلوكياتهم. ووفقًا للباحث سميث في كتابه (نماذج السلوك العدواني: سمات الشخصيات العنيفة في ألعاب الفيديو)، الذي أشار فيه إلى نظرية التعلم الاجتماعي، فإنه من المرجح أن يقلد الأطفال الشخصيات التي يرونها جذابة أو مشابهة لهم. وعلى الرغم من أن القليل من الأبحاث قد بحثت في سمات الشخصيات العنيفة المرتبطة بهذه المشكلة، فقد قام الباحث في كتابه بإجراء دراسة باستخدام تحليل المحتوى لدراسة مدة (10) دقائق من (60) لعبة من أكثر ألعاب الفيديو شعبية. تمَّ أخذ عينات ألعاب الفيديو من SonyوPlay stationوNintendoوSega Dream Cast. وتمَّ اتخاذ قرار اختيار الألعاب استنادًا إلى بيانات المبيعات لضمان عينة تمثيلية من الألعاب التي يتم لعبها في أغلب الأحيان. تشير نتائج الدراسة إلى أن شخصيات اللعبة العنيفة لها سمات من المرجح أن تزيد من مدى إدراك الأطفال لها باعتبارها جذابة لهم ومماثلة لرغباتهم. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الشخصيات العنيفة تنخرط في العدوان الذي يتم تقديمه على أنه عدوان مبرر ولا يتم العقاب عليه.

ولا يقتصر الخطر المحتمل على الأطفال من مشاهد العنف فقط على ألعاب الفيديو، بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك. فقد أشارت باربرا ويلسون، أستاذ علم النفس في كتابها (الأطفال والمراهقون ووسائل الإعلام) إلى أن هناك مواقع على الإنترنت تقدم تعليمات مجانية تعلم الجريمة والعنف، ومنها على سبيل المثال، كيفية صنع القنابل أو غيرها من الأسلحة القاتلة. وأشارت في كتابها إلى جريمة القتل التي حدثت في مايو 1998 في مدرسة في ولاية أريغون الأميركية، والتي قام بها جون كينكل، الذي قتل والديه قبل أن يتوجه للمدرسة ويقتل عددًا من الطلاب، حيث وصف نفسه في ملفه الشخصي على الإنترنت أنه شخص يحب مشاهدة الرسوم العنيفة على التلفزيون، ورمي الحجارة على السيارات، وكان يهوى تصفح الإنترنت للحصول على معلومات حول كيفية صنع القنابل.

وفي محاولة لوضع نظرية الغرس (cultivation theory) في سياق التأثير المحتمل لوسائط الاتصال المختلفة على سلوك الأطفال، فقد ذكر الباحث ستيفن كيرش في كتابه (الأطفال والعنف الإعلامي) إلى أن مشاهدة العنف الإعلامي لمدة طويلة تؤثر في المعتقدات والآراء حول العالم الحقيقي. لذا، يرى الباحث أن ألعاب الفيديو العنيفة تنطوي على مخاطر صحية خطيرة على الأطفال؛ لاحتوائها على أسلحة خفيفة تبدو حقيقية وتعمل عن طريق سحب الزناد تعلم الأطفال كيف يقتلون وتزودهم بإرادة القتل.

وعلى الرغم من إصدار المعهد الوطني الأميركي للصحة العقلية، تقريرًا قبل عدة سنوات، يظهر فيه أن مشاهدة العنف الإعلامي مرتبط سببيًا بسلوكيات الأطفال العدوانية، بالإضافة إلى كونه مساهمًا في إزالة التعاطف مع الضحايا، إلا أنه ينبغي التأكيد – مرة أخرى – على أن المخاوف بشأن العنف الإعلامي وتأثيره قد خلقت جدلًا غير حاسم بين الباحثين أنفسهم كما ذكرنا سابقًا. وعلى الرغم من أن عددًا من الدراسات لم تقدم دليلاً كافيًا على خطر العنف الإعلامي المحتمل على سلوك الأطفال، فإن أغلب الباحثين يؤكدون على أنه يجب اعتبار ذلك مشكلة عامة قد تؤثر في صحة الطفل النفسية. وبالتأكيد يمكننا القول هنا، إنه لا يمكن افتراض أن جميع أو حتى معظم الآباء والأمهات، لديهم أطفال عدوانيون بمجرد مشاهدتهم للعنف الإعلامي أو لعب ألعاب فيديو عنيفة، ولكن في نفس الوقت يمكننا القول – بوضوح – إنه نتيجة مشاهدة العنف قد يتعلم الأطفال كيف يتصرفون بشكل عدواني وعنيف.

وبعد كل ما سبق، وعلى الرغم من ربط بعض الأخبار الصحفية المتداولة، مؤخرًا، انتحار عدد من الأطفال بسبب لعبة فيديو، فإنه من الصعب الادعاء بأن العنف في ألعاب الفيديو أو في وسائط الاتصال المختلفة، هو السبب الوحيد الدافع للعنف أو للانتحار. فأسباب ودوافع العنف أو الانتحار معقدة جدًا، فهي كأي ظاهرة اجتماعية قد يكون هناك عدد من المتغيرات المتداخلة، مثل: الإحباط، والاكتئاب، ومحيط الأسرة، التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك؛ خصوصًا أن بعض أطباء الأعصاب وعدد متزايد من الأطباء النفسيين، يشيرون إلى أن الاضطراب العصبي يجب أن يحدث جنبًا إلى جنب مع مجموعة من الظروف البيئية لوضع الطفل في خطر ارتكاب أعمال عنيفة تجاه نفسه والمجتمع.

ونتيجة لذلك، ينبغي اعتبار العنف في ألعاب الفيديو، أو في وسائط الاتصال المختلفة، واحدًا من ضمن الأسباب المحتملة لسلوك العنف لدى الأطفال، وبالتأكيد ليس السبب الوحيد. كما يجب التأكيد على ضرورة أن يكثف الباحثون لدينا في منطقتنا من أبحاثهم الميدانية لتحديد درجة تأثير العوامل الظرفية الأخرى كالبيئة، والأصدقاء، والأبوين، والعائلة، على سلوك الأطفال العدواني؛ لأن ذلك من شأنه أن يمكّن الباحثين من معرفة العوامل التي تساهم في السلوك العنيف لدى الأطفال وعلاقتها بألعاب الفيديو ومدى تأثيرها. وأخيرًا، أقول إنه يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بدورهم الرقابي وينظموا استخدام أطفالهم لألعاب الفيديو، وخاصة تلك التي تُلعب عبر الإنترنت.

كاتب وباحث سعودي*

@MansourAotaibi

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر