السياسات الأوروبية للهجرة لا تختلف كثيرًا عن ترمب | مركز سمت للدراسات

 السياسات الأوروبية للهجرة لا تختلف كثيرًا عن ترمب

التاريخ والوقت : الخميس, 12 يوليو 2018

تيم ليستر

 

تبنى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سياسة “عدم التسامح المطلق” تجاه قضايا الهجرة غير الشرعية، وخاصة الفصل المثير للجدل بين الأطفال وآبائهم، وهي السياسة التي قوبلت بغضب عارم من جانب الأوروبيين؛ فقد قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، بنيامين جريفو، في شهر يونيو الماضي: “لا نشارك في النموذج نفسه من أجل الحضارة”، وتساءل جريفو: هل يمكن التعاطف مع موقف الرئيس الأميركي، ولا سيَّما في ظل انعدام اللياقة الإنسانية في تصرفه تجاه تلك القضية؟

أمَّا بالنسبة للرئيس الأميركي، فإنه يرى أن الأوروبيين على خطأ في هذا المسار، حيث يدلل على رؤيته تلك قائلاً “تزداد الجريمة في ألمانيا”، وذلك رغم ما تشير إليه الإحصاءات بما يخالف ذلك، لكن ترمب يؤكد على موقفه قائلاً “يخطئ الأوروبيون بشدة حينما يسمحون لملايين الأفراد بالدخول لأراضيهم في حين يقومون بتغيير ثقافتهم بقوة وعنف”.

لكن العديد من الأوروبيين يقابلون موقف ترمب بالاستهزاء والاستهجان. والملاحظ على الموقف الأوروبي إزاء تلك القضية، أنه حتى إذا لم يوافقوا على نهج ترمب المعروف بـ”عدم التسامح” مع المهاجرين، فإن الحكومات الأوروبية باتت أكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء، وحتى الأقليات المقيمة بالفعل.

ومن المعروف أن ما يزيد على ألف شخص من المهاجرين واللاجئين، قد لقوا حتفهم في البحر هذا العام، وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا، في حين لا توجد رؤية منسقة حول الإنقاذ؛ وهي المهمة التي تركتها دول الاتحاد الأوروبي للسفن التجارية والمنظمات غير الحكومية للقيام بمهمة الإنقاذ بقدر المستطاع، في الوقت الذي تمَّ فيه احتجاز اثنين من تلك المنظمات غير الحكومية في مالطا.

لكن الأوروبيين يركزون على تصدير تلك المشكلة إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث تقوم إيطاليا بدعم خفر السواحل الليبي، وتشهد تلك المنطقة أعدادًا متزايدة من المهاجرين الذين يتم اقتيادهم إلى مراكز الاحتجاز المزدحمة في ليبيا. كما أن المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” التي تناضل من أجل الحفاظ على موقفها السياسي في المقام الأول، اقترحت إقامة “مراكز استقبال” في العديد من دول شمال إفريقيا، في الوقت الذي تنصل فيه عدد من هذه الدول من أية علاقة لها بتلك الخطة. وقد عرضت بعض الدول الأخرى، المساعدة لتعزيز أمن الحدود، مثل: بلغاريا وكرواتيا وسلوفينيا. كما أن أولئك الذين يصلون ألمانيا يجدون أنفسهم محصورين لمدة تصل إلى 18 شهرًا، فيما تصفه برلين بـ”مراكز الرسو”، وهي معسكرات كبيرة قريبة من الحدود، إلى أن يتم التعامل مع طلبات اللجوء الخاصة بهم.

وفي الوقت نفسه، انخفض عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط بنسبة كبيرة، وبخاصة بعد عام 2015، من 1.07 مليون إلى 360 ألف في عام 2016، و172 ألف في عام 2017، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة. وهنا يبقى التساؤل: لماذا كل هذه التدابير الصارمة، إذا كان تدفق المهاجرين قد انحسر بالفعل؟

هنا نشير إلى أن بعض الحكومات، لا سيَّما الألمانية، تتفاعل مع الضغوط التي تمارسها الحركات الشعبية والأحزاب اليمينية التي تشكل الهجرة قضية مهيمنة عليها. لكن الدافع الأساس هو البقاء في المشهد السياسي. وهو ما يبدو جليًا في دول مثل المجر وإيطاليا، حيث تسيطر الأحزاب الشعبية واليمينية على الحركة الحزبية. لتصبح النتيجة – بالطبع – هي مجموعة من القوانين التي تجعل اللجوء أكثر صعوبة، بالإضافة إلى الإعادة للوطن بشكل أسرع، وكذا دعم شيوع معسكرات الاعتقال.

 

نستطيع فعل ذلك

لقد كانت ميركل هي التي فتحت ألمانيا أمام عدد كبير من المهاجرين واللاجئين الذين عبروا البحر المتوسط ​​عام 2015. فمن خلال هذه الكلمات التي سرعان ما انتشرت لتمثل شعارًا “يمكننا القيام بذلك” وبالألمانية :”Wir Schaffen das”وصل ألمانيا ما يقرب من مليون، والعديد من منهم فرَّ من العنف الدائر في سوريا. وفي هذا السياق ظهر شعار “ترحيب اللاجئين” المسيطر على ملاعب كرة القدم والقاعات العامة في المدن. وفي تلك الأثناء، قال ترمب “إن ما فعلته ميركل كان بمثابة جنون، وسيكون هناك أعمال شغب في ألمانيا”.وقد شهد عام 2016 زيادة كبيرة في أعمال العنف الموجه للمهاجرين في ألمانيا؛ حيث توترت الحالة المزاجية منذ 3 سنوات، لكن الأمر لم يقتصر على ألمانيا فقط؛ فقد أظهر استطلاع للرأي في خريف 2016، أنه في ثماني دول أوروبية، تشمل ألمانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، يتفق أكثر من 70% من الذين شملهم الاستطلاع على أن الناس أصبحوا أكثر سلبية حول قضايا المهاجرين أو المجموعات الأخرى التي تختلف عنهم، وذلك مقارنة بما سبق.

لكن ذلك لا يعني أن الغالبية سلبية، بل يعني أنه بالنسبة للأقلية المتنامية، أصبحت قضية الهجرة هي الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة، وهو ما أفاد به أحزاب اليمين المتطرف كثيرًا، مثل: حزب الشعب في النمسا، وفيدس في المجر، وحركة النجوم الخمس في إيطاليا. وفي ألمانيا برز تهديد حركة “البديل من أجل ألمانيا” ليثير أزمة ملحوظة داخل حكومة ميركل الائتلافية، مع شريكها الأصغر “الاتحاد الاجتماعي المسيحي” الذي يطالب باتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن الهجرة للدفاع عن نفسه ضد الحزب الديمقراطي في انتخابات بافاريا المقبلة.

وهذا ما دفع ميركل إلى موقف أكثر صرامة. فالحكومات في إيطاليا والمجر وبولندا وسلوفينيا، قد دافعت عن موقفها المتشدد. في الوقت الذي كان من أول الأعمال التي قامت بها الحكومة الإيطالية الجديدة، هو رفضها السماح لإحدى السفن التي تحمل 600 من المهاجرين المهددين بالغرق، مما أجبر السفينة على تحويل مسارها إلى إسبانيا.

وفي ربيع هذا العام، شهدت حملة إعادة انتخاب رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، مزاعم بأن رجل الأعمال جورج سوروس، كان العقل المدبر لخطة مدعومة من الاتحاد الأوروبي “لإغراق” أوروبا بملايين المهاجرين من المسلمين. ومنذ ذلك الحين، دفعت حكومته بقانون يعامل مساعدة أي مهاجر غير شرعي كجريمة.

وعلى الرغم من اعتراضات مجلس أوروبا، وهو أعلى هيئة لحقوق الإنسان في القارة، قالت الحكومة المجرية إن القانون “سيؤكد إرادة الشعب المجري بحظر إعادة توطين مجموعات سكانية أجنبية في هذا البلد”.

وفي هذا السياق، برز الحزب الديمقراطي السلوفيني (SDS) كأكبر حزب في الانتخابات الشهر الماضي؛ حتى إن رئيس الوزراء المجري شارك في مسيرة لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين، حيث قال خلال تلك المسيرة أن أوروبا ينبغي أن تكون ملجأً لمن يعيش وفقاً للثقافة الاوربية.

لكن الأحزاب الرئيسة اتخذت – أيضًا – تدابير أكثر صرامة على طالبي اللجوء والمهاجرين. لذا، عمدت الحكومة الفرنسية إلى اعتماد “نموذج الحضارة” الذي تبناه ترمب من خلال قانون جديد يشدد على قوانين اللجوء ويسهل ترحيل المهاجرين المحتملين. كما أنه يضاعف المدة الزمنية التي يمكن فيها احتجاز الأفراد الذين تمَّ رفض منحهم اللجوء إلى ثلاثة أشهر، لكنه سمح للأطفال بالاحتجاز مع عائلاتهم.

وفي الدنمارك، فإن نجاح حزب الشعب اليميني، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان حاليًا، دفع نحو سياسات أكثر صرامة، بما يمكن السلطات من الاستيلاء على أصول تتجاوز 1500 دولار من طالبي اللجوء للمساعدة في دفع ثمن معيشتهم.

وتهدف مجموعة التدابير الجديدة إلى فرض أساليب الاستيعاب في 25 منطقة ذات دخل منخفض، بالإضافة إلى المناطق التي تسكنها أغلبية مسلمة، وتشير الحكومة علنًا إلى أنها تمثل مجموعات مغلقة “غيتوهات”. كما أنها تشمل الرعاية اليومية الإلزامية – لمدة 30 ساعة في الأسبوع على الأقل – للأطفال حتى سن السادسة، وذلك بغرض تمكينهم من تعلم “القيم” الدنماركية، لكن في حالة فشل هذه العائلات في الامتثال، فقد تفقد فوائدها.

لكن رغم ذلك، فإن أوروبا تظل في حاجة إلى الهجرة حتى تبقى على قيد الحياة، إذ تشهد دول الاتحاد الأوروبي أقل معدل مواليد؛ فألمانيا وحدها تحتاج إلى 400 ألف مهاجر سنويًا للحفاظ على سوق العمل لديها وفقًا لدراسة حديثة. وأخيرًا، فقد حذر رئيس شعبة المعاشات الإيطالية من أن هذا النظام سوف يتعرض للانكسار دون أن ينضم المهاجرون إلى القوى العاملة.

لقد اعتادت أوروبا على عدد من الأزمات التي تراوحت بين الأزمات المصرفية، والإرهاب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ “بريكست”، إلا أنه نادرًا ما بدت أي من هذه الأزمات في حالة من الفوضى كما في حالة الهجرة؛ وهو ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قبل أسبوع، إلى التصريح في معرض إجابتها عن سؤال: “كيف نتعامل مع مسألة المهاجرين؟ مؤكدة أنها ستقرر هل ستظل أوروبا موجودة في المستقبل أو لا. وهو ما دفع أليس كايدل، من حزب “العمل من أجل التنمية” إلى القول: “في ظل هذا النظام، تحولت ألمانيا من ضامن للاستقرار، إلى عامل من عوامل الفوضى”.

وفي النهاية لا يمكن أن تكون المخاطر بالنسبة للمستشارة ميركل، ولألمانيا، وأوروبا، أعلى من ذلك، في الوقت الذي يستمتع فيه الرئيس الأميركي بهذا المشهد.

المصدر: شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركيةCNN

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر