سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوسن عبدالله الحربي
تمهيـد
تعود بدايات الاهتمام بالمعرفة إلى بداية خلق الله سبحانه للإنسان، ومع وجوده على الأرض بدأ يتعرف على عناصر بيئته التي يعيش فيها، ويجمع المعلومات حولها لتساعده على تحديد سلوكه والتعامل معها، وحل المشكلات التي تواجهه من أجل الاستمرار في الحياة وتطويرها. فالإنسان – بطبعه – يميل إلى الاجتماع مع غيره من بني جنسه، وبناء الجماعة التي تحتاج إلى سلطة عليا تتولى مهمة تنظيم تلك الجماعات وحماية أفرادها؛ لذلك برزت السلطة السياسية التي تشكلت مع تطور المجتمعات الإنسانية، ووفرت المقومات الأساسية المعروفة للدولة: الشعب والأرض والسلطة.
ارتبطت المعرفة السياسية، منذ الفكر اليوناني القديم، بالاعتبارات الفلسفية والأخلاقية (عبد ربه، 2002)، حيث نظر أرسطو إلى الإنسان باعتباره كائنًا يحكمه قانون أسمى، إذ إن مؤسسة الدولة من وجهة نظره، ما هي إلا “شركة بين قوم يعيشون معًا، لتحقيق أفضل حياة ممكنة وفق قانون التكامل بين أفراد وجماعات المجتمع (آل سعود، 2006).
وتمثل المعرفة السياسية الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها النظام السياسي والاجتماعي لأي دولة في العالم؛ لأنّ إغفال المعرفة والوعي السياسي في عملية بناء الدولة، سيعني أن هذا البناء لن يصمد أمام أي أزمة قد يمر بها المجتمع أو الدولة مهما كان حجم البناء السياسي أو العمراني. لذا، تُعد المعرفة السياسية من الموضوعات المهمة التي استرعت انتباه الكثير من العلماء والباحثين في ميادين مختلفة، ومصطلح “المعرفة السياسية” هو مصطلح حديث من حيث الصياغة، وقديم من حيث الأصل، ومتعدد من حيث مصادره الفكرية، وتعد المعرفة السياسية – أيضًا – عنصرًا أو بعدًا من أبعاد الثقافة السياسية (فاضل، 2003).
أولاً: مفهوم المعرفة السياسية وأنواعها
المفهوم: تجدر الملاحظة في المستهل، أن المعرفة تشير إلى “اكتساب الفرد المعلومات وتطبيقها، وهي العملية التي يتم من خلالها استيعابنا للمعلومات وتنظيمها حول الأحداث والعلاقات، حتى نتمكن من القول بأننا، على العموم، “نعرف عن العالم” (بومعيزة، 2006).
ويرى العالِم العربي ابن خلدون أن المعرفة السياسية لا تفترض سلفًا وجود الدولة أو فعلها السياسي، فهي معرفة فطرية تنبثق مباشرة من الصراع الاجتماعي؛ ولذا فهي تتجلى في شتى أنماط المجتمعات حتى البدائية. وتتشكل المعرفة السياسية من اقتران عدة أنواع من المعارف: معرفة الآخر والـ”نحن”، ومعرفة الحس السليم، والمعرفة التقنية، والمعرفة المباشرة للمعالم الاقتصادية والنفسية للمجتمع من خلال تجلياتها في الظروف الشاملة. كما أن المعرفة السياسية تأخذ مرتبتها على حسب أهميتها في البناء الاجتماعي (الجبوري، 2012، ص 134).
ويشير المصطلح إلى “مجموعة من المعلومات الواقعية حول السياسة والمحفوظة في الذاكرة طويلة الأمد” (Delli Carpini & Keeter, 1993). كما يعرفها فاضل (2003) بقوله: “هي ما يكتسبه الإنسان من معرفة ودراية تتعلق بالسلطة السياسية، أو هي كل نص مكتوب يتعلق بالسياسة” (ص36). وتعتبر المعرفة السياسية لدى Wei(2009) العنصر الأساسي للديمقراطية القوية، فمعرفة كيفية عمل النظام السياسي وممثلي السياسة ومواقفهم من القضايا، تحدد إلى أي مدى يشارك المواطنون سياسيًا. كما تعتبر المعرفة السياسية والمشاركة السياسية، محركات أساسية للنظم السياسية التي تتحقق من خلالها المصلحة الاجتماعية (ص540).
أنواع المعرفة السياسية
تنقسم المعرفة السياسية إلى عدد من الأنواع، وتتدرج تصاعديًا كالتالي (فاضل، 2003):
فالمعرفة البديهية السياسية، في الغالب، تكاد تكون موجودة لدى كل إنسان راشد تقريبًا، فالمعرفة بشؤون السياسة أولى الاهتمامات السياسية؛ فهي من هذا المنظور تكون محور اهتمام الإنسان دائمًا.
ثانيًا: ماهية المعرفة السياسية والوعي السياسي
إن المعرفة كتصور فلسفي، كان موضع اهتمام كل الفلاسفة، إذ عُرف أفلاطون باهتمامه بمفهوم المعرفة وبيان سماتها وموضوعاتها، ومن ورائه أرسطو، وفلاسفة العصور الوسطى، ومفكرو الإسلام (زيدان، 2012).
ولدى مراجعة الباحثة لمفهوم المعرفة السياسية والوعي السياسي، وجدت فرقًا بينهما، وتحديدًا عند استخدام المفهومين في الدراسات الإعلامية، وذلك بعد الرجوع إلى المعاجم، فلكل مصطلح علاقة بأصله اللغوي، حيث يتفاوت مفهوم المصطلح ودلائله وفقًا للمجال المقترن به.
فالمعرفة في اللغة: مصدر الفعل (عَرَف)، قال ابن منظور في معجم لسان العرب “العِرفان: العلم …عَرَفَهُ يعرِفُهُ عِرفةً وعِرْفانًا وعِرِفَّانًا ومعرفة”. وفي الاصطلاح: “إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم، ولذلك يسمى الحق تعالى: بالعالم، دون العارف” (الجرجاني، 1978).
وجاء تعريف المعرفة في موسوعة مصطلحات جامع العلوم بأنها: “إدراك الأمر الجزئي أو البسيط مطلقًا؛ أي عن دليل أو لا. كما أن العلم إدراك الكلي أو المركّب، ولهذا يقال عرفت الله، ولا يقال علمت الله. ولذلك فسّرت المعرفة بإدراك الجزئيات عن دليل، كما أنه لا يقال يعرف الله، بل يقال يعلم الله؛ لأن المعرفة تستعمل في العلم الموصوف بتفكر وتدبر، وأيضًا لم يطلقوا لفظ المعرفة على اعتقاد المقلّد لأنه ليس له معرفة على دليل” (نكري، 1997).
ويحدد الأطرش (2007) المعرفة بأنها أخص من العلم، لأنها علم بعين الشيء مفصلًا عما سواه، والعلم يكون مجملًا ومفصلًا”، إذ إن المعرفة تقال فيما يتوصل إليه بتفكر وتدبر لأثر الشيء، أو من خلال علاماته الظاهرة، وذلك لا يكون إلا من خلال الشيء الموجود دون المعدوم (ص281). ووصف حمادة (2005) المعرفة بأنها أحد صفات العاقل الأساسية، فمعرفة الزمان تعني أن يكون المرء ملمًا بالقوانين والضوابط التي تسير عليها أمور زمانه، وأن يكون مطلعًا على مفردات الواقع من حوله.
وانطلاقًا مما تقدم، يمكن القول إنه لا يوجد تعريف محدد للمعرفة ومتفق عليه في وقتنا الحاضر، ولا تزال هناك العديد من التعريفات التي تجمع الإدراك والفهم والوعي والقدرة على تحليل الظواهر الخارجية تحت مصطلح “المعرفة”؛ إذ إن “المعرفة” تحمل العديد من المعاني، لكن المتعارف عليه هو ارتباطها مباشرة بالمفاهيم التالية: المعلومات، والتعليم، والاتصال، والتنمية. فهو مفهوم متطور دائمًا ويرتبط بوجود الإنسان ارتباطًا وثيقًا، لفهم الأمور والأشياء من حوله، ليتفاعل معها بما يجب وبشكل صحيح. بينما مفهوم “الوعي” في اللغة من الفعل (وعى)، وورد في قاموس محيط المحيط: وعى الشيء والحديث يعيه وعيًا: حفظه وتدبره وقبله وجمعه وحواه، وأوعى الشيء والكلام: حفظه وجمعه، ووعى الغلام: ناهز الإدراك. فالوعي يعني لغة: الإحاطة بالشيء وحفظه واستيعابه والتعامل معه أو تدبره. إنها حالة إدراك الشيء وتعقله (حجازي، 2005، ص226).
تعدَّد واختلف تعريف “الوعي السياسي” بناءً على الاختلاف الأيديولوجي والبيئي للمجتمعات الإنسانية؛ لذا، على حسب كل مجتمع، تعطي تعريفًا خاصًا بالوعي السياسي لها. ويمكن القول بأن الوعي السياسي يتشكّل “عندما يكون الأفراد على معرفة بالبيئة المحيطة والقضايا المرتبطة بها، وبالتالي يصبحون أكثر وعيًا ببيئتهم ومشاكلها، ونتيجة لذلك الوعي يكون الأفراد أكثر حماسًا للعمل فعليًا تجاه بيئتهم وأكثر مسؤولية” (Aminrad, Zakaria, Hadi, & Sakari, 2013). كما يعرّف (اللقاني، 1996) الوعي السياسي بأنه “مجموعة من القيم والاتجاهات السياسية التي تتيح للفرد أن يشارك مشاركة فعالة في أوضاع مجتمعه ومشكلاته: يحللها ويحكم عليها ويحدد موقفه منها ويدفعه إلى التحرك من أجل تطويرها وتغييرها” (ص5).
من خلال الطرح السابق في الفرق بين المعرفة والوعي، يتضح أن المعرفة تسبق الوعي. فالوعي السياسي مرتبط بالمعرفة المتراكمة لدى الأفراد من معلومات وقضايا تجري حولهم مكوّنة (المعرفة السياسية). بينما الوعي السياسي، يُقصد به الإرادة في التغيير ويظهر لنا في (المشاركة السياسية).
ومن هنا تأتي أهمية المعلومات كونها مادة الوعي السياسي وبدونها لا معنى لها، وليس كل من حصل على المعلومات، قد حصّل الوعي السياسي؛ لأن تقديم المعلومات السياسية قد يخفي بين طياته شَرَكًا خفيًا يريد صرف الأفراد إلى اتجاهات معينة، وبالتالي إجبارهم على تشكيل انطباعات مخالفة للواقع، وهذا ما تقوم به وسائل الإعلام بشكل عام، وتحديدًا بعد ظهور وسائل الإعلام الجديدة التي أصبحت ساحة للحروب السياسية، وهذا ما ستتطرق إليه الدراسة. لذا، فإن المعرفة بأهم القضايا الجوهرية الموجودة في العالم تؤدي إلى فهم الأحداث الجزئية.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن المعرفة السياسية تعتبر أولى محددات الثقافة السياسية، كما وضعها حطّاب (2004) ويمكن معرفتها على النحو التالي (ص43):
محددات الثقافة السياسية
ثالثًا: علاقة الأمية السياسية بالاغتراب السياسي
يُعرف عن الأمية أنها الجهل بمبادئ القراءة والكتابة، وتتمثل – أيضًا – في الجهل بمبادئ أي شأن من شؤون الحياة. فهناك الأمية الحضارية، والأمية الدينية، والأمية التكنولوجية، والأمية السياسية… وغيرها، حيث تعتبر نقيض “المعرفة السياسية”.
لكن أخطر أنواع الأمية، هي الأمية السياسية Political Illiteracyالتي تُعبر عن غياب المعرفة والجهل السياسي. فجهل المواطنين بمعطيات الحياة السياسية، تقودهم إلى العزوف عن المشاركة السياسية (فتحي، 2013). لذا، فإن جهل الأفراد بأي معلومات سياسية وعدم اهتمامهم بأبسط أبجديات الشأن السياسي العام، أو الشأن الوطني، يُفضي إلى الاغتراب السياسي.
ويُعدُّ الاغتراب السياسيPolitical Alienationمن أكثر أنواع الاغتراب شيوعًا في المجتمع المعاصر، وقد يكون إمَّا ماديًا وإمَّا نفسيًا، ويكون الاغتراب النفسي بإدراك الفرد للفجوة بينه وبين مؤسسات النظام السياسي والنخبة الحاكمة وأداء النظام. أمَّا الاغتراب المادي، فهو الفجوة بين الفرد والأشياء المرتبطة بوضعه الاقتصادي والاجتماعي. ومن الآثار المترتبة على الاغتراب السياسي، انخفاض المشاركة السياسية معبرًا عنها بالتصويت أو بالصيغ الأخرى للمشاركة، وزيادة النزعة إلى السلبية (مكي، 2005، ص 104). ويمسّ الاغتراب السياسي الدول ذات الديمقراطية العريقة والدول حديثة العهد بالديمقراطية، فهي ليست مقتصرة على دول دون غيرها، لأنها في الأصل ظاهرة إنسانية عامة تحمل في طياتها الجانب الإيجابي والسلبي، وهي شائعة في كثير من المجتمعات بغض النظر عن النظم والأيديولوجيات والمستوى الاقتصادي والتقدم المادي والتكنولوجي.
ويعكس الواقع والظروف السياسية التي يعيشها الإنسان في معظم المجتمعات العربية، اغترابًا سياسيًا ملحوظًا. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما نشهده في حالة الانتخابات، حيث نجد إحجامًا من نسبة كبيرة من أفراد المجتمع عن المشاركة بآرائهم في مثل هذه الانتخابات، اعتقادًا منهم بأن مشاركتهم ليست لها أهمية تذكر، وأن النتائج محسومة مقدمًا (خليفة، 2003، ص 100). وللاهتمام دور في اكتساب المعرفة السياسية، لا سيَّما أنها تعتبر المرحلة الأولى من مراحل المشاركة السياسية. بيد أن التعرض للمنبه السياسي لا يكفي وحدَه لدفع الفرد إلى المشاركة السياسية، وإنما يلزم – أيضًا – أن يتوفر لديه قدر معقول من الاهتمام السياسي، وهو ما يتوقف على نوعية خبرات التنشئة المبكرة (مكي، 2005).
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن غياب المعرفة السياسية لدى الشعوب، يؤدي إلى انعدام وعيهم السياسي، ومن ثَمَّ إلى الاغتراب السياسي الذي يحوّل الفرد إلى ذات بلا انتماء ومواطنة؛ مما يجرّ الويلات على الأمم ويجعلها سهلة الانقياد للمستغلين والاختراق الأجنبي، وما يمسى بـ”الربيع العربي” أكثر التجارب القاسية التي مرّت بها أمتنا العربية.
وترى الباحثة أنه لا يجب التقليل من قوة تأثير الثورات التاريخية، كثورة أكتوبر، والثورة الصينية، والثورة الكوبية في النصف الثاني من القرن العشرين. ولا ننسى أهمية الثورة الفرنسية التي تعتبر الأقرب إلى مايعرف بالثورات العربية، ومع أنها أكثر شعبية من الثورة الفرنسية، إلا أنها أقل شعبوية. لكن صعود الأحزاب السياسية متأخرًا إلى هرم الدولة بعد قيام مايعرفبالثورات العربية، لا يعني أنها كانت نتيجة برنامج سياسي مُعلن طالب به الشعب بشكل شامل، أو أنها كانت تسير خلف خطى نخبة منظمة تمتلك رؤية واضحة وتخطيطًا سليمًا. لذلك افتقرت ما تعرف بالثورات العربيةإلى “الإدارة الحقيقية للثورة”، وغياب البرنامج السياسي الذي أدى إلى هدر الطاقات والزخم والقوة، وصدّر قوى مجتمعية غير مسيسة للحياة السياسية، حيث قاد بعضها للانهيار لا إلى التنمية. من جانب آخر، أدت بعض ما يعرف بالثورات العربيةفي الواقع إلى تخلّف المجتمعات، وتفكك في النظام الحاكم كما جرى في “العراق وليبيا”، وبالتالي تجميد تطوّرها السياسي، وانقسام في الجيوش وظهور الميليشيات حتى قضت على الحيوية الاجتماعية.
رابعًا: وسائل الإعلام ونشر المعرفة السياسية
للإعلام دور في المجال السياسي؛ فهما ليسا وليدَيْ هذا العصر، بل مرتبطان منذ عصر السفسطائيين حين استخدموا أدواتهم في ذلك العصر للتأثير على الرأي العام لغرض التغيير المنشود. وتعتبر وسائل الإعلام إحدى الطرق لاكتساب المعرفة السياسية بعد المؤسسات الأولية “الأسرة – المدرسة – الجامعة” (الأسود، 1990).
لقد شهد العالم في بدايات القرن الحالي، عدة تطورات وتحركات سياسية كبيرة؛ مما دفع الدول والحكومات إلى اللجوء لمختلف الوسائل والأساليب الإعلامية والاتصالية من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها وتعميق مبادئها والترويج لأيديولوجيتها. فظهر الإعلام السياسي الذي يهتم بالجوانب والقضايا السياسية، ويقوم بإحداث التأثير والتغيير في الآراء والأفكار والقناعات لدى الجمهور، ويساهم في عملية صنع القرار السياسي (الأمير، 2014). كذلك تخدم وسائل الإعلام النظام السياسي بعدة طرق مختلفة، سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي تساعد حكومات الدول على تكوين رأي عام حول قضية من القضايا التي تعني الدولة، وتوحّد الجمهور للوقوف ودعم الحكومة (McNair, 2003).
لذلك، يعتبر الإعلام عاملاً من عوامل التطوير السياسي في عصرنا الحالي الذي يتميز بأنه عصر الإعلام والمعلومات، لقدرته على التأثير وتشكيل الرأي العام وصياغته. ويشير آل سعود (2006) إلى الأهمية التي تمثلها وسائل الإعلام في نشر المعرفة السياسية والمساهمة في التنشئة السياسية لأفراد المجتمع، وتلبية احتياجات الجمهور السياسية، وبالتالي تأثيرها في تكوين الاتجاهات والقيم السياسية (ص31)، فهي تعتبر حلقة الوصل بين الجماهير و(النظام الحاكم) صانع القرارات.
وفي العالم العربي يشهد الإعلام السياسي، بشكل عام، ازدهارًا من خلال وسائل الإعلام الجديدة التي تعتبر أحد عوامل التأثير والتغيير، فهي تمارس دورًا فعالًا في التأثير السياسي على المجتمع، إذ تقوم بنشر المعرفة السياسية والوعي السياسي، وبالتالي تدعيم المشاركة السياسية؛ وذلك عبر توعية أفراد المجتمع بالأحداث والمواقف التي تدور حولهم، سواء كانت على المستوى الداخلي أو الخارجي بنقل المعلومات من عدة مصادر.
فالمعرفة، بشكل عام، حق للجميع مهما تعددت وسائل الحصول عليها، لذا يرى نصر وعبدالرحمن (2014) أن المعرفة شيء متوارث لا يختص به شعب دون شعب، وإلا توقفت حركة الاستمرار الحضاري، وأن هناك حضارات كثيرة سبقت الحضارة المعاصرة وظهرت في أماكن متعددة من العالم، وكل حضارة ترث ما سبقها وتضيف إليها. كما أن النمط الإعلامي لا يحدث بمعزل عن المؤثرات الثقافية الأخرى في البيئة الاتصالية الجديدة؛ لأن مفهوم الإعلام يتفاعل فيه طرفان، هما المرسل والمستقبل؛ لتصبح قاعدة معرفية.
وتؤكد جنيد (2003)، أنه إذا كانت مختلف الدراسات تؤكد دور وسائل الإعلام الجديدة في إمداد الفرد بالمعلومات، وأن التعرض لتلك الوسائل، خاصة المرئية، يزيد من معلومات الأفراد بوجه عام، وأن التليفزيون يتفوق على وسائل الإعلام الأخرى كمصدر من مصادر المعرفة والحصول على الأخبار والمعلومات؛ فإن دخول تكنولوجيا الحاسبات الشخصية إلى المجال الاتصالي يمثل إحدى نقاط التحول المهمة في مراحل تطور عملية الاتصال الجماهيري، وزيادة وعي وثقافة الأفراد وتزويدهم بالمعلومات والمعرفة. كما أن الانتقال من وسائل الإعلام الجماهيرية إلى وسائل إعلام الجماهير “من الكل إلى الكل” عوضًا “من البعض إلى الكل”، قد منح الفرد سبلًا عدة لإنتاج المعلومة والمعرفة وترويجها على نطاق واسع، بدلاً من أن يبقى الأمر محصورًا في الدولة، من خلال وسائلها في الإعلام ووكالاتها في الأنباء (اليحياوي، 2014).
ويضيف Hassan (2004)أن وسائل الإعلام تزود الجمهور، إضافة إلـى المعلومات السياسية، بمعلومات ثقافية عامة، للمعرفة بالحياة والسياسة والعالم المحيط به، وتزيد معارفه، وتدله على المبادئ التي تشكل رافـدًا للقيم الإنسانية، وكيف يحقق طموحاته وأهدافه، وكيف يتعامل مع المجتمع والقضايا الاجتماعية. ففي الوقت الحاضر، أصبحت المعلومات كنزًا ثمينًا حتى استعبد الناس أنفسهم للشبكات الاجتماعية التي يستخدمونها والأخبار التي يهتمون بها (Dimova, 2005).
إن وجود المصادر المعرفية المفتوحة (الإعلام الجديد) تلبي حاجات الأفراد والمجتمعات لتشارك المعرفة السياسية، وتعزز العمل التشاركي والتعاوني بأشكاله المتعددة، الذي قد يمتد من البيئة الافتراضية إلى البيئة الواقعية. بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام الجديدة، مكّنت فاعلين جددًا من الظهور على الساحة، وعرض قضايا وأفكار جديدة في مجال التداول العام والنقاش العلني (قضايا كانت ستبقى تحت سيطرة النخب القائمة التي تُنظّم المعرفة وتوزعها)، واستعمال قنوات للتواصل ومساحات للاتصال لم تتح سابقًا، من أجل تأسيس شبكات وفئات اجتماعية جديدة، وتقديم برامج وأشكال عمل جديدة (Anderson, 1999). فقد أدت هذه الوسائل دورًا بالغ الأهمية في تطور الأنشطة السياسية، وأصبحت هي الجهاز العصبي للدولة الحديثة (آل سعود، 2006).
وترى الباحثة أن تطور وسائل الإعلام ودخول أشكال جديدة وأدوات مختلفة، قد أدى – من دون إلغاء دور الإعلام التقليدي- إلى فتح منافذ الوصول إلى المعرفة، وتوسيع مساحات التواصل بين الأفراد والجماهير، وبالتالي أتاحت تبادل المعلومات والوصول إلى مصادرها، ومشاركة وإنتاج المعرفة وتعمّق المعنى وإيصال العاطفة؛ ما حفّز البيئة الاتصالية الجديدة على الفعل الفردي أو الجمعي، والتضامن والتعاطف الاجتماعي لمصلحة أهداف سياسية أو اجتماعية وغيرها. ومن جانب آخر، رغم فقدان الحكومات والدول، السيطرة على مصادر المعرفة السياسية في البيئة الاتصالية الجديدة، فإنه بوسع السلطة السياسية (النظام الحاكم) للدولة أن توجّه المعرفة بهدف التحكّم والسيطرة بإعادة توجيه أو تشكيل الرأي العام تجاه قضية ما.
رابعًا: دور الإعلام الجديد في تشكيل المعارف السياسية للشباب السعودي
تهتم جميع الدول بعناصر ثروتها البشرية، وتركز اهتمامها في عنصر الشباب الذي يمثّل المصدر الرئيس لنهضة الأمة؛ إذ تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل المهمة في حياة الإنسان، فهي مرحلة الطاقة المتدفقة، بها تتعدد الأنشطة تبعًا لحاجات الفرد النابعة من اهتماماته التي تختلف باختلاف المجتمعات والفئات المجتمعية.
وتتعرض مرحلة الشباب للعديد من التيارات التي تترك بصماتها في حياة المجتمعات عامة، والشباب بصورة خاصة، وتحديدًا أثناء المرحلة الجامعية، وتكون بسبب التغيرات الحضارية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية التي يمر بها أي مجتمع من فترة إلى أخرى. ويعتبر البرواري (2006) الجامعة أهم مؤسسة لإنتاج الكوادر والأفكار وتطويرها وكذلك توليدهما، فهي تمارس دورها الإيجابي إذا ما تمَّ الربط بين المعرفة والإنتاج، أي ربط الجامعة بهموم ومشاكل المجتمع، والعمل على تثقيف المواطنين، ووضع الخطط والبرامج التنموية والعملية ومراكز الأبحاث التي تعمل على زيادة الوعي السياسي ونشره بين الطلبة والمجتمع.
يشكل الشباب الغالبية الساحقة من شريحة المجتمع في العالم العربي؛ وعلى الرغم من أن المجتمع السعودي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، فإن للشباب السعودي طابعًا مميزًا يعود إلى طبيعة المجتمع السعودي من حيث نظامه السياسي والاجتماعي. إن المجتمع السعودي يتميز بالاستقرار الذي يعود إلى الاستقرار في السياسة السعودية، وإلى البناء الصحيح لهيكل الدولة على أسس متينة، وتوافق واطراد العلاقة بين مؤسسات النظام السياسي المختلفة، بحيث تبدو أدوارها واضحة في إطار عملية الحكم، مما جنّب النظام السياسي الفراغ الدستوري طوال عهده الحديث (العسكر وآخرون، 2003، ص153). كما يصف الحبيب (2008) المجتمع السعودي بأنه “مجتمع من نوع فريد في أيديولوجيته التي تتكون من مزيج سياسي ديني قبلي تناسقت في أمور لا تتناسق عادة، فهو ذو طبيعة قاريّة لتنوع شعبه من طبيعة الوطن المعتاد إلى طبيعة القارة التي تتألف من شعوب مختلفة بدرجة كبيرة يمكن لبعضها أن تكون دولاً وأوطانًا”.
يُعدُّ المجتمع السعودي، بشكل عام، إلى وقت قريب، من المجتمعات التقليدية التي تعتمد على التبادل الشفهي للأخبار في المجالس الخاصة، كما ظل مدة طويلة يعتمد في مصادر المعلومات العامة والإخبارية على المؤسسات المحلية (آل سعود، 2006، ص214)، التي تكون مملوكة للدولة، وتسير بناءً على النظام السياسي للحكومة. فالنظام السياسي يستخدم المؤسسة الإعلامية في المجتمع المدني لتحقيق أغراضه الظاهرة أو الكامنة (الطويرقي، 1994).
وفي ضوء ما سبق، فإنه لا يمكن دراسة المعرفة السياسية للشباب السعودي من حيث التطور التكنولوجي ونقل المعلومات، دون الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة التي مرت بها المنطقة العربية والوضع الراهن للمملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن. إذ إن الساحة السياسية العربية شهدت تغيرًا وتحولًا لم يسبق لهما مثيل بفعل انتشار تكنولوجيات الاتصال، وقد برز ذلك بوضوح في الثورات العربيةبداية عام 2011؛ إذ إن انغلاق البيئة العربية، إعلاميًا وسياسيًا، وعدم فتحها المجال للأفراد للمشاركة جعلهم يقبلون على وسائل الإعلام الجديدة كوسائل بديلة للوسائل الإعلامية التقليدية من أجل التعبير بحرية عن أوضاعهم ونقل آرائهم، داخليًا وخارجيًا، حول مختلف القضايا السياسية والثقافية (السيد، 2014). فكان من الطبيعي، بل ومن الحتمي، أن تُحدث ثورة المعلومات تغييرًا جذريًا وجوهريًا في القناعات والأفكار والرؤى والآمال والطموحات التي يعتنقها المواطن في العصر الحالي، ولا سيَّما الشباب، والتي تجعل منه مواطنًا له تأثير مختلف على مجمل ما يجري في مجتمعه ودولته من أحداث وتوجهات (غيطاس، 2016، ص284). ولتضاعف دور الإعلام بأشكاله في الحياة الاجتماعية، أصبح العربي عامة، والسعودي خاصة، أكثر متابعة وإلمامًا بقضايا أمته العربية، ومهتمًا بالقضايا الدولية.
أصبح الإنسان المعاصر، وثيق الصلة ببيئته، وبكل ما يجري حوله، في هذه القرية العالمية التي يعيش بها، يؤثّر ويتأثر بأحداثها، نتيجة التطور السريع في أدوات الاتصال ووسائل الإعلام. فالناس يتكيفون مع ظروف البيئة في كل عصر نتيجة استخدام حواس معينة ذات صلة وثيقة بنوع الوسيلة الاتصالية المستخدمة بناء على رأي ماكلوهان Marshal Mcluhan. ويوضحها دومنيك Dominick(1999) بشكل أكبر بأن طريقة عرض وسائل الإعلام للموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه، تؤثران في مضمون تلك الوسائل. فطبيعة وسائل الإعلام التي تسود في فترة من الفترات، هي التي تكون المجتمعات أكثر مما يكونها مضمون الرسائل الاتصالية. ويعتمد ماكلوهان على ما يسميه (Technological Determinism)، أي أن المخترعات التكنولوجية المهمة، هي التي تؤثر في تكوين المجتمعات (ص 44).
ويشير الزهراني (2015) إلى أن العلاقة بين وسائل الإعـلام والمجتمع، هي علاقة تكامل وتأثر وتأثير، فكما أن لوسائل الإعلام وظائف اجتماعية تقوم بها لخدمة المجتمع، فإن المجتمع يقوم بالتأثير في وسائل الإعلام، من خلال دعمها والتفاعل مع ما تطرحه من أفكار وآراء ومضامين سياسية واجتماعية وثقافية. ولبريس وويليامز Press & Williams(2012) رأي حول البيئة الاتصالية في المجتمع، وهو أن هناك بعض الأحداث الإعلامية التي يمكن أن تعطي فرصًا للمهمشين من العامة ليدخلوا في سياق الخطاب السائد، متحدّين التفسيرات المسيطرة التي تسود – عادة – الاعتبارات المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية، من اختلافات بين الصفوة السياسية والثقافية والاقتصادية، وبين منتجي المعلومات ومستهلكيها، وحتى بين الصفوة وعامة الشعب أصبحت أكثر مرونة (ص ص119-120).
وهذا يدل على أنه بدأت تتشكل بيئة جديدة من نظم المعلومات والاتصال والإعلام إلى جانب التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما شهده المواطن العربي في فترةما يسمى بـ”الربيع العربي”، التي أظهرت لنا مفاهيم جديدة لوسائل الإعلام الجديد وشبكات اجتماعية متنوعة، وصحافة المواطن، وغيرها من المفاهيم التي لم تكن موجودة في النظم الإعلامية التقليدية. فقد انتهى احتكار الدول لوسائل الإعلام والتفّرد بتوجيه الأخبار التي تخدم الأنظمة السياسية الحاكمة، وتحوّلت عقلية المواطن السلبية تجاه ما يُبثّ وينشر من أخبار إلى شريك فعّال في تلقيه وطرحه للآراء.
يعيدنا ذلك إلى مؤسس مرحلة (التواصل الحيInteractivity) على يد نوربرت فاينرNorbert Wiener(1948) الهنغاري الأصل في كتابه (السيبرنتيك Cybernetic)، حيث أشار إلى أنه لا يمكن فهم أي مجتمع إلا من خلال الوسائل والمعلومات المرسلة، وأنماط الاتصال التي هي من مكوناته وينتمي إليها. واستشرف المستقبل حين أشار إلى أن التطورات الاتصالية، سوف تحمل أشكال اتصال (بين الإنسان والآلة، وبين الآلة والآلة، وبين الإنسان والإنسان مباشرة عبر الآلة)، وبالتالي ستتضاعف أهمية هذا الاتصال الفريد بشكل مطرد مع الوقت.
ويضيف Ndinojuo(2015، ص172) أن وسائل الإعلام الجديدة، حوّلت الاتصال على مستوى العالم من أسلوب أحادي الاتجاه إلى أسلوب متعدد الاتجاهات، ويشمل – أيضًا – ردود الفعل التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي. فقد شكل ظهور أدوات التواصل الإنساني اللحظي، انتشارًا وتأثيرًا أكثر في السنوات الأخيرة، ومن ذلك “الفيس بوك” الذي يُعدُّ امتدادًا لفكرة المنتديات وتطويرًا لها، وموقع “تويتر” الذي يُعدُّ امتدادًا وتطويرًا لعالم المدوّنات، وشبكات الفيديو التي تُعدُّ أكبر تلفزيون تفاعلي حرّ عرفته البشرية، إضافة إلى دخول الأدوات المحمولة أو المتنقلة كالهواتف الذكية والحاسبات اللوحية اليدوية وغيرها، وسيلة للربط بين المواقع التقليدية والمدونات وحسابات “تويتر” وصفحات “الفيس بوك” وعشرات الملايين من الأشخاص يتحركون على الأرض (غيطاس، 2016، ص284).
لقد شهد المجتمع السعودي، تحولات مهمة من خلال تعدد وسائل الاتصال وتطورها، والانفتاح على الثقافات والتجارب السياسية الأخرى، واتساع هامش الحرية الإعلامية، وما نتج عنه من طرح ومناقشة العديد من القضايا التي تهم المجتمع، وتصل – أحيانًا – إلى حد الانتقاد الصريح لأداء بعض مؤسسات النظام السياسي في المملكة، وتنامي حركة الإصلاح السياسي والإداري، وزيادة الحريات المدنية، والمشاركة السياسية عبر العديد من أشكال الممارسة، سواء من خلال مجلس الشورى، أو الانتخابات البلدية، وندوات الحوار الوطني وغيرها (آل سعود، 2011، ص29). وبهذا، تجاوز المواطن السعودي، وسائل الإعلام المحلية، وتوجّه للوسائل الجديدة التي لا تخضع للرقيب المحلي، وتخطى من خلالها الحدود. ففي دراسة محلية للقحطاني (2010)، اعتمد طلبة جامعة الملك سعود على الصحف اليومية كأهم مصدر لهم في معرفة القضايا السياسية، بينما في دراسة سابقة كان اعتماد السعوديين على الإنترنت لمتابعة قضية الاحتلال الأميركي للعراق (العساف، 2009)، واعتمد المراهقون السعوديون على الإنترنت كمصدر أولي للمعلومات المحلية والعربية (النمر، 2007). ويلاحظ اختلاف الاعتماد على مصادر المعلومات بين الدراسات السابقة، ويرجع ذلك إلى أن الدراسة الأولى كانت العينة محددة بطلبة جامعة الملك سعود، بينما دراسة (العساف، والنمر) اتسعت عينة الدراسة لتشمل الجمهور السعودي، كذلك كون طبيعة الاحتلال الأجنبي تحتّم على الفرد معرفة معلومات أكثر مما تقدمه الوسائل التقليدية.
وفيما يتعلق بقدرة أفراد المجتمع السعودي على امتلاك الأجهزة الحديثة، يشير الحريري (2013) إلى أن المراقب للأقطار الخليجية لا ينكر أنها تمتاز عن غيرها من دول المنطقة بامتلاكها لأرقى وسائل الاتصال الرقمي “الإنترنت”، ووفرة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، مما يحتّم على الحكومات الخليجية الاهتمام بالتواصل مع شعوبها عبر هذه التقنيات. وفي نفس السياق، أثبتت دراسة العنزي (2013) أن غالبية طلبة جامعة الملك سعود، في استخدامهم لوسائل الإعلام الجديد، يمتلكون (أجهزة اللاب توب، والكمبيوتر الشخصي، وIpad) لدخول الإنترنت، وهذا يثبت القدرة الشرائية لأفراد المجتمع السعودي على امتلاك أحدث الأجهزة.
ويلاحظ Lifvergren(2011) أن كثافة استخدام وسائل الإعلام الجديد تزداد يومًا بعد يوم، وليس هناك ما يشير إلى أن هذا الاستهلاك سيتوقف أو يقل، مع رقمنة جميع أنواع المعلومات، مثل: الكلام والنص والصورة والفيلم، وإمكانية ربط الجميع معًا على شبكة الإنترنت، وهذا ما يزيد ارتباط نظرية ماكلوهان. وقد أشارت إحدى الدراسات الحديثة في المجتمع السعودية، إلى ارتفاع نسبة استخدام طلبة الجامعات السعودية لوسائل الإعلام الجديد بصفة دائمة بنسبة 84%، ويفضّلون في المرتبة الأولى مواقع الشبكات الاجتماعية، بينما شكّل موقع “يوتيوب” كأهم مصدر لمتابعة أحداث ثورة 25 يناير المصرية (المطيري، 2013)، وهذا مؤشر على اهتمام طلبة الجامعات السعودية بالقضايا العربية السياسية.
إن دخول الإعلام الجديد في المجتمع السعودي، أسهم في توسيع نطاق الحرية، وأتاح له التعبير عن مواقفه تجاه القضايا المحلية والعربية والدولية. ويرى سيجارد (Segaard, 2015) أن وسائل التواصل الاجتماعي، لن تصبح “مواقع للمعلومات السياسية” فقط، بل ستصبح “مواقع للعمل السياسي”، ومنصات لتبادل المعلومات، وقنوات للتواصل المباشر. وقد أشارت إحدى الدراسات المحلية إلى أن الإعلام الجديد، ساهم في إشراك طلبة الجامعات السعودية بآرائهم حول أحداث 25 يناير، بالإضافة إلى الاشتراك في الأنشطة السياسية المتعلقة بها بنسبة 46%، بينما اتصفت مشاركتهم في وسائل الإعلام التقليدية بالندرة (المطيري، 2013).
وبالنظر إلى مسار تطور تقنيات الاتصال في المجتمع السعودي، يشير بيت المال، في التقرير السنوي لمنتدى أسبار (2016)، إلى أننا أصبحنا نعيش حالة من التخمة المعلوماتية (والقول هنا معلومات وليس معارف)؛ إن التحدي هو تحويل المعلومات إلى معارف، وهذه هي التي يدخل الجهد البشري في إنتاجها. ويرى علماء الاتصال أن ما تمر به البشرية، هي ثورة ستهدأ بعد فترة المراهقة، ويعاد توزيع الأدوار بين التقنيات المتعددة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني العودة إلى الماضي؛ لكن هو واقع جديد يتم التعود عليه بانتظار ثورة أخرى تغيّر الواقع (ص 678).
وقد أثر الإعلام الجديد في إبراز فاعل سياسي جديد في العالم العربي بشكل عام، ألا وهو الشباب العربي الذي بنى الكثير من أفراده، عبر تفاعلهم المباشر على الشبكة، متخيّلًا جماعيًا جديدًا وشعورًا بالهدف المشترك (الطويسي وآخرون، 2012، ص112). وتتضح مشاركة الهدف من قبل طلبة الجامعات السعودية تجاه ثورة 25 يناير بشعورهم بالخوف والقلق على مستقبل مصر (المطيري، 2013).
لم يتعرض مجتمع عربي لتدفق في المعلومات وتركيز مكثف إخباري ودرامي، مثل المجتمع السعودي، فمنذ بداية التسعينيات والقنوات الفضائية العربية ترتب بث برامجها على التوقيت السعودي، وتستهدف الوصول للذائقة والقناعة السعودية، لعدة أسباب … أهمها العامل السياسي، فبعض الدول التي لا تتفق سياسيًا مع المملكة، تتجه للاستثمار في الإعلام وشراء قنوات وبرامج سياسية موجهة للشعب السعودي بهدف خلق حالة شرخ بين الحكومة والشعب، وقد فشلت كل تلك المحاولات بسبب انكشاف أهدافها (المطيري، 2016). ويتفق معه Kraig(2006) بأن السعودية بشكل خاص، ومنطقة الخليج بشكل عام، تمثل أهمية كبيرة في الصراع الدولي، جعلت بعض الدول الإقليمية والأجنبية توليها اهتمامًا خاصًا بها، بل ورسمت لها سياسات أمنية خاصة محددة تقع ضمن أهداف أعلنت عنها مرارًا وتكرارًا.
وفي إطار الصراعات الداخلية الأخيرة والهامة، اكتشف المراقبون أنها تتم – ومع الأسف – بمساعدة ودعم كبيرين من الخارج. لنستشف من ذلك، أن تلك الصراعات لم تنجُ من استخدام بعض الوسائل الحديثة في الصراع ضمن المجال الإعلامي، التي يمكن اعتبارها أسلحة إعلامية (البخاري، 2009)؛ لهذا يُحتّم على الدول العربية وقف الاستثمار السياسي من الدول الخارجية لقضية الأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية، وتوحيد هويتها القومية لجمع المواقف العربية؛ حتى تكون حصنًا منيعًا من الاختراقات الخارجية الأجنبية والعبث الداخلي الفوضوي.
إن السعودي عربي وإسلامي أولاً، وهو يحمل نفس الألم والأمل الذي يخامر كل مسلم وعربي، ولكنه لا ينفصل عن محليته التي يغرق في ظروفها، وهو بمرور الوقت سينغلق أكثر على جغرافيته وحدوده؛ لأن الفرص تضيق بين يديه، ومستقبل بلاده يلحّ عليه بمزيد من الاهتمام وتسييج مكتسباته وتناول مسألته المحلية أكثر من أي شيء آخر. كما أنه يتعرض إلى منظومة من المؤثرات المحلية، ويلعب في فضائه الخاص مجموعة من الفاعلين المحتكرين الذي لا يجدهم كل عربي ومسلم بالضرورة (البدوي، 2014). وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه يمكن الاستفادة من انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف القضايا، وتحديدًا التوعية والتثقيف السياسي من خلال نشر المفاهيم السياسية بأساليب مبتكرة. وخصوصًا أن التوقعات المستقبلية، تشير إلى إمكانية قيام أنظمة سياسية افتراضية تحاكي الأنظمة السياسية الحقيقية الموجودة في العالم حاليًا (عامر، 2011).
وترى الباحثة أن تطور البيئة الاتصالية في المجتمع السعودي المعاصر، ودخول السعوديين للإعلام الجديد بشبكاته الاجتماعية وتناوله للقضايا السياسية المحلية والعربية والدولية، أظهر “شخصية قومية سعودية” لها طابع مختلف عن الشخصية القومية السعودية التي تناولتها دراسة (الخطيب، 2011) في الأنثروبولوجيا. ويتضح لنا ذلك في تشكّل الرأي العام السعودي (رقميًا) تجاه القضايا المحلية أو العربية، ولنا في وسوم (Hashtags) عاصفة الحزم، والنزاع المصري – السعودي على الجزيرتين، التي تصدرت الوسوم العربية والعالمية خير مثال. وبالتالي، أصبح من الضرورة، تجديد الخطاب الوطني، والتركيز على أهمية الوطن مع وجود المواطن، بعد أن ركزت وسائل الإعلام الجديد على وجود المواطن، وأخرجت لنا مفهوم صحافة المواطن، لكنها في المقابل أهملت الوطن وأضاعت مفهوم الانتماء الوطني حتى يقاوم الأهداف الخارجية المعادية للسعودية.
باحثة في الإعلام السياسي*
@sawsan3bduullah
المراجع العربية
الكتب:
الدراسات والرسائل العلمية:
المراجع الأجنبية
المراجع الإلكترونية
[1]بحث مستل من رسالة ماجستير في الإعلام الموسومة بـ(دور الإعلام الجديد في تشكيل المعارف السياسية للشباب الجامعي السعودي تجاه العلاقات العربية – العربية)، 2017م، بجامعة الملك سعود، للباحثة سوسن عبدالله الحربي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر