معالم أخونة الخطاب الديني الإسلامي | مركز سمت للدراسات

معالم أخونة الخطاب الديني الإسلامي

التاريخ والوقت : الخميس, 5 يوليو 2018

انطلقت جماعة الإخوان المسلمين إلى عمق المجتمعات العربية، من المرجعيات الدينية التي استندت إلى خطاب يفكك المشاعر الإنسانية لإعادة رسمها من جديد سياسيًا، وفقما بدا عليه الخطاب الديني في المحيط العربي خلال العقود الماضية، مستغلين في ذلك بعض الوجوه التي تصدرت المشهد على المستوى الشعبوي، الذي نجحت إزاءه في توجيه البوصلة الدينية إلى مسارات سياسية خالصة، وهو ما يعتبر المحرك الرئيس لكافة الصراعات في الشرق الأوسط خلال السنوات السبع الماضية.

 

منهجية التوغل

اتخذت جماعة الإخوان المسلمين في منهجيتها لتسلُّل إلى الخطاب الديني، ثلاثة محاور رئيسة، هي:

الأول: ربط التطورات الاجتماعية بالتشريع الإسلامي، الذي بات يعرف بـ”فقه الواقع”، وهو المصطلح الذي أُوجِد خصوصًا لنقل المسلمين إلى المعاصرة المختلفة تمامًا عن حال المسلمين في العصور المتأخرة، لكنّ الجماعة استخدمت هذا العلم والمصطلح للعودة إلى الجذور بمفهوم حديث ينتهي إلى ما يسمونه “الخلافة الإسلامية”.
الاستغلال للعلم ظهر من التفسيرات والتأويلات والتعريفات التي صدّروها، وهو ما يظهر من تفسير شيخهم يوسف القرضاوي لـ”فقه الواقع” بأنه “هو الفقه المبني على دراسة الواقع المعيش فيه، دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الموضوع، معتمدة على أصح المعلومات وأدق البيانات والإحصاءات”؛ ذلك يعني أنّ الفقه الإسلامي الحديث الذي يرتبط بالواقع يستند إلى كلمات فضفاضة، اعتماد صوابها نسبي، فمن بمقدوره أن يجزم بـ”أصح المعلومات وأدق البيانات والإحصاءات”، إلا إذا جرى تسييسها أو توجيهها وفق أيديولوجيات الجماعة، ما يزيد من فرض توغلهم في الخطاب الديني.(1)

ثانيًا: فصل الشخصيات الجماهيرية دعويًا (مشايخ الجماعة) عن العمل التنظيمي بالجماعة، لطمس أية معالم لأخونة الخطاب الديني، وهو ما يتسق مع المشايخ المعروف انتماؤهم للجماعة، رغم نفيهم مرارًا وتكرارًا صلتهم بالجماعة، أمثال “عمر عبدالكافي، وطارق السويدان، وزغلول النجار”.(2)
كما أن تمسّك بعض الدعاة المنتمين للجماعة بالعمل التنظيمي والتحدث باسم الجماعة، أظهر حرق شخصيتهم أمام الجماهير العربية وعلى رأسهم وجدي غنيم.

ثالثًا: التوغل في المؤسسات الدينية الرسمية للدول، خاصة مؤسسة الأزهر الشريف في مصر، حتى تقلّد شيوخ الإخوان مراتب عليا داخلها، وحازوا انتشارًا جماهيريًا كبيرًا، على رأسهم الشيخان محمد الغزالي ومحمد الراوي.(3)

معالم الأخونة

التوغل الذي أحدثته جماعة الإخوان المسلمين في الخطاب الديني الإسلامي، انطلق من مقاربات عديدة تلازمت مع الأحاديث السياسية وغيرها الدينية، وظهرت من خلال ثمانية معالم:

الأول: بات واضحًا هيمنة التأويلات الدينية الوضعية والاجتماعية والسياسية على غيرها من التأويلات التي سمحت العلوم الدينية باستحداثها تماشيًا مع التطورات الحديثة.

ثانيًا: بروز نسبي لخطاب التكفير الديني إزاء الخصوم الفكريين على حساب تصاعد الخطاب الفقهي التعبدي الذي يعنى بأمور الدين الإسلامي المتعلقة بفقه التعبد، ساعد على تصاعد الحديث الديني المتعلق بالأمور السياسية؛ انطلاقًا من تسييس أمور الناس، الذيوظّفتإزاءه الجماعة الخطاب الذي بات واضحًا أنه متواطئ حينًا مع السلطة الحاكمة إزاء خصوم النظام لتحقيق مصالح وقتها، وحينًا آخر لصالح الجماعة إذا أرادت الانفراد بالسلطة لنفسها.(4)

ثالثًا: استغلال الجماعة تصاعد دعوات تجديد الخطاب الديني، انطلاقًا من مقاربة كلامية وسياسية حول التراث والتجديد، ليتحول إلى منبر لخلط الدين بالسياسة باعتبار الاثنين من مقتضيات التجديد الديني.(5)

رابعًا: بروز الفتاوى التكفيرية التي وصلت إلى حد الإفتاء بجواز العمليات الانتحارية، وفق ما أدلى شيخهم يوسف القرضاوي خلال حلقة إذاعية عبر قناة الجزيرة القطرية نصًا بـ”جواز التفجيرات الانتحارية شريطة أن تكون في إطار جماعاتي وليس فرديًا”.(6)

خامسًا:المزج بين الأفكار التي تسوِّقها الجماعة على أنها وسطية وبين الأفكار المتشددة.(7)

سادسًا: تصدير الخطاب الديني الذي يرتكز على “حتمية الصراع”، من خلال خطاب الجماعة الذي يتحدث عن ضرورة المواجهة في الطريق نحو التمكين، كان توطئة لخطاب العنف والإرهاب، بالإضافة إلى خطابهم بشأن التنافس السياسي الذي جعلوه “معركة وجودية دينية”؛ ما يعني أن انتصارهم فيها يمثل انتصارًا للإسلام، وخسارتهم تمثل هزيمة للإسلام، وهو ما عمّق مركزية الحق واحتكار الجماعة للفهم الشمولي للإسلام، وقاد أتباع الجماعة إلى حافة تكفير الخصوم.(8)

سابعًا: بروز فكرة “الغرب المتربص بالأمة الإسلامية”، حيث اختزلت الجماعة الثقافة والعلم والمشروع الاستعماري الغربي في كلمة واحدة هي “الغرب”، الذي يحتفظ بدور ممثل الشيطان في معركته المتجددة مع الإسلام من منظورهم في الصراع الوجودي، فالغرب في خطاب الجماعة لا يخرج من دائرة العدو المتربص والمتآمر الحاقد، وهو ما زكّى فكرة المؤامرة الغربية دائمًا على المجتمع المسلم.(9)

ثامنًا: تأسيس تجمعات تتحدث باسم الدين الإسلامي، بل تحتكر المرجعية الدينية، وعلى رأسهاالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يقدّم نفسه باعتباره كيانًا شموليًا فهو يتصف بـ”العالمية”، كما لا يخفي دعمه لجميع الحكومات الموالية والداعمة لجماعات الإسلام السياسي وبخاصة الإخوان، كما يظهر بموافقته للسياسات القطرية والتركية.(10)

خطايا الخطاب

انتشار الخطاب الديني الإسلامي بنسخته الإخوانية، أدى إلى بروز عدة ظواهر اجتماعية ودينية وسياسية وثقافية، أخلت بعناصر المجتمع، فضلاً عن البروز الأكبر لجماعات التكفير والعمل المسلح، والتطلع إلى الخلافة الإسلامية التي تستند إلى حد السيف، وبات ثمة ظواهر ثقافية واجتماعية لا تقل خطورتها عن الإرهاب الأمني، من بينها:

أولاً: برز على السطح سجال (سياسي – ديني – تأويلي)، يبعد كثيرًا عن الموضوعات الدينية الحقيقية للخطاب الإسلامي، وبات المستفيد الأول منه هي الجماعات الإسلامية، باعتبار ترسيخ خلط الدين بالسياسة في الوجدان الإسلامي.

ثانيًا: كثرة نقد الفكر والخطاب الديني غيّب البحث المنهجي في بعض الأبواب الدينية أو حتى الشرعية التيتماسَّمع الظواهر الفقهية المتعلقة بالأمور الحياتية.

ثالثًا: ظهور العديد من المجموعات الإلحادية، بالإضافة إلى تصدي بعض نشطائهم لنقد الإسلام كدين، بالإضافة إلى إنكار الفكر الديني النقلي انطلاقًا من تغير الزمان والمكان.(11)

النتائج

1- تأثر الخطاب الديني الإسلامي بأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، التي استخدمت في منهجيتها لتسلُّل إلى الخطاب الديني ثلاثة محاور رئيسة، هي: “فقه الواقع”، وفصل الشخصيات الجماهيرية دعويًا، والتوغل في المؤسسات الدينية الرسمية للدول.

2- التوغل الذي أحدثته الجماعة انطلق من مقاربات عديدة تلازمت مع الأحاديث السياسية والدينية، وأدت إلى بروز خطاب التكفير الديني على حساب الخطاب الفقهي التعبدي.

3- استغلت الجماعة تصاعد دعوات تجديد الخطاب الديني، انطلاقًا من مقاربة كلامية وسياسية حول التراث والتجديد، وخلطت بين ما يسمونه الفقه الوسطي، والآخر المتشدد، من خلال ارتداء الداعية الإخواني عباءة السلفية و”كرفتة” سيد قطب.

4- تأسيس تجمعات تتحدث باسم الدين الإسلامي، بل تحتكر المرجعية الدينية، وتكون أداة موالية للحكومات الداعمة للجماعة.

5- انتشار الخطاب الديني الإسلامي بنسخته الإخوانية، أسفر عن بروز عدة ظواهر اجتماعية ودينية وسياسية وثقافية أخلت بعناصر المجتمع، على رأسها المجموعات الإلحادية.

وحدة الدراسات السياسية*

 

المراجع
1- فقه الواقع.. دار الإفتاء المصرية.
2-القبض على سلمان العودة وعوض القرني، بي بي سي. https://bbc.in/2yUAkiU
3- محمد الغزالي، المكتبة الشاملة.
محمد الراوي، موقع طريق الإسلام
4- الهوس الديني وخطاب التكفير، الدكتور يسري عبدالله (الأهرام)
5- تجديد الخطاب الديني، سلمان العودة
6-صناعة الموت.. فتاوى القرضاوي، (قناة العربية)
7- أخطر اعتراف عن الإخوان في السعودية، (قناة العربية)
8- مقدمةأزمة الخطاب الإسلامي عند الإخوان، مؤمنون بلا حدود
9-أزمة الخطاب الإسلامي عند الإخوان، مؤمنون بلا حدود. https://bit.ly/2yWz0w1
10- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. ذراع الإخوان لاحتكار الخطاب الديني. https://bit.ly/2KDc863
11- محاولات ومقاربات نقد الفكر الديني، نبيل عبدالفتاح، (التحرير). https://bit.ly/2MwB8fO

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر