الظل المالي للحملة الانتخابية بتركيا | مركز سمت للدراسات

الظل المالي للحملة الانتخابية بتركيا

التاريخ والوقت : السبت, 23 يونيو 2018

تحليل/ زينب ياكيلير

 

أظهرت أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية الصادرة عن المعهد الإحصائي التركي(TUIK) بتاريخ 11 يونيو، أن الاقتصاد التركي حقق نموًا بنسبة 7.4% على أساس سنوي خلال الربع الأول من عام 2018. وقد غرَّد الرئيس رجب طيب أردوغان، قائلا: “رغم كل الهجمات التي يتعرض لها الاقتصاد والادعاءات التي تمَّ الترويج لها، فإن النمو يتواصل بقوة”، بينما أشاد نائب رئيس الوزراء محمد شمشك، والمسؤول عن الاقتصاد التركي، بنجاح تركيا في الترتيب بين القوى الاقتصادية الكبرى من حيث نمو الأداء، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والاتحاد الأوروبي، “ومجموعة العشرين”، حيث استند تزايد النمو المستدام إلى الطلب المحلي القوي، الذي أدى إلى ارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 11%، ووصل الإنفاق العام إلى 3.4%.

ويمكن تفهم الموقف الحكومي المرحب بالأرقام الواردة بشأن النمو، إذ شهدت الحملة الحالية التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في 24 يونيو، والتي بدأت في 18 أبريل، تطورات غير مرغوبة تتعلق بالاقتصاد التركي. وقد شملت تلك التطورات انخفاضًا حادًا في قيمة الليرة التركية، التي فقدت 22% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ بداية 2018، وأكثر من 30% خلال العام الماضي. كما شهد الاقتصاد التركي تدهورًا مستمرًا في معدل التضخم، حيث أعلن المعهد الإحصائي التركي في 6 يونيو، وصوله إلى 12.2%، بزيادة على الأساس السنوي لشهر مايو بنسبة 5%.

 

اتجاهات معدل سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي

وفي الخامس والعشرين من أبريل، ردَّ البنك المركزي التركي على التقلبات المالية برفع السعر الفعلي للفائدة، بمقدار 75 نقطة لتصل إلى 13.5٪. وهو ما تبعه اجتماع غير مجدٍ بين أردوغان ووزير الاقتصاد ومساعديه؛ حيث أعلن فيما بعد أنه “سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض سعر الفائدة، وضغط سعر الصرف، وبالتالي التضخم”، وكذلك “السياسة الاقتصادية التي تركز على النمو”، ليعلن عن رفع سعر الفائدة في 23 مايو، مع انخفاض سعر اليورو لأدنى مستوياته عند 4.92 ليرة، مقابل الدولار، كما تمَّ رفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة لتصل من 13.5% إلى 16.5%. وتعتبر هذه الخطوة نتاجًا لضغط متواصل من جانب أردوغان، الذي كان دائمًا معاديًا بشدة لسياسة رفع أسعار الفائدة التي كان يتبناها كلٌّ منشمشك، ووزير المالية ناسي أغبال، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم الذي قال “إن الفشل في العمل سيؤدي إلى ضرر دائم”.

ثم اتجه البنك المركزي التركي بعد ذلك إلى تبسيط سياسته النقدية من خلال اعتماد سياسة السعر المعتمدة لمدة أسبوع واحد، وجعلها متساوية مع معدل التمويل، في حين تمَّ ضبط المعدل إلى ما يقل عن 150 نقطة. وفي 7 يونيو، تمَّ رفع سعر الفائدة مرة أخرى من 16.5% إلى 17.75% بما يفوق توقعات السوق من 50إلى 100نقطة. وفي 7 يونيو، تمَّ رفع سعر الفائدة مرة أخرى من 16.5% إلى 17.75% بما يفوق توقعات السوق من 50 إلى 100 نقطة فقط. ورغم أنه من الواضح أن القرار كان مدفوعًا، بالدرجة الأولى، بالحتمية السياسية لمحاولة تثبيت الاستقرار في تركيا قبل 24 يونيو، فإن البنك المركزي التركي برر ذلك بأنه في حاجة لمواجهة المستويات المرتفعة المتوقعة من التضخم.

كما قوبل قرار البنك المركزي التركي برفع معدل الفائدة خلال الحملة التي يبلغ مجموعه 500 نقطة، بالترحيب من جانب المستثمرين الأجانب، وهو ما ساعد على استعادة الاستقلالية والمصداقية إلى حد ما، بعد تصريح أردوغان المؤسف في لندن بأنه سيصبح “الرئيس غير القابل للجدل للسلطة التنفيذية مع احترام الخطوات التي يجب اتخاذها واتخاذ القرارات بشأن هذه القضايا” فيما بعد الانتخابات. وفي هذا السياق، شعر كلٌّ من “مراد سيتينكايا” و”شمشك” بضرورة تنظيم رحلة خاصة إلى لندن في 28% مايو، للتأكيد على المستثمرين وجود تفاهم حول ما ينبغي عمله، وكذلك بشأن حرية اتخاذ تدابير إضافية إذا لزم الأمر.

 

معضلة أردوغان المالية الدائمة

بعد أن وصل إلى السلطة في نوفمبر 2002، في أعقاب أزمة مالية كبيرة، تقدم أردوغان، ومن خلفه حزب العدالة والتنمية (AKP)، ببرنامج اقتصادي يقوم عل مبادئ السوق الحر، بهدف السعي لإحكام قبضته على السلطة من خلال تنفيذ وعوده بتحقيق المزيد من الازدهار لناخبيه الأتراك من خلال استقدام أكبر قدر ممكن من الاستثمارات المتاحة بسهولة. كما سمحت البيئة المالية العالمية لـ”حزب العدالة والتنمية” بتحقيق نموذج النمو الذي يعتمد أساسًا على الائتمان المنخفض والإنفاق العام. ورغم الجانب السلبي لهذه الاستراتيجية، فقد تحقق ارتفاع حاد في معدل الدين العام، واتسع عجز الحساب الجاري، ولم يطرأ أي تحسن على ذلك الوضع حتى مرحلة لاحقة.

ومع هذا، تواجه تركيا مشكلة أساسية تتمثل في الافتقار إلى الموارد المالية المحلية لتلبية طموحاتها المرتفعة في النمو، في الوقت الذي تقوم فيه بتمويل عجز الحساب الجاري لديها؛ وهو ما يجعل الاقتصاد التركي يعتمد على التدفقات المستمرة للأموال الأجنبية. فخلال السنوات الأخيرة، كان الجزء الأكبر من رأس المال الوارد في شكل أموال قصيرة الأجل، يتم تحميله بفوائد عالية بدلاً من الاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل الأكثر صحة. ولضمان الوصول إلى معدل فائدة حقيقي يبلغ 5.1%، تحاول الحكومة ضمان استمرار استثمارات المحافظ القادمة من الخارج التي انخفضت بشكل مثير للقلق من 7.6 مليار دولار إلى 1.8 مليار دولار على أساس سنوي خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2018.

ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يعني عبئًا إضافيًا على الأسر المعيشية والشركات؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن قيام البنك المركزي التركي بزيادة كل نقطة مئوية في أسعار الفائدة، من شأنه أن يضيف ما يقرب من 15 مليار ليرة تركية إلى الديون القائمة. غير أن المشاكل المستمرة التي تواجهها مصلحة الضرائب التركية، لم تتراجع عن المعدل المرتفع الذي لا يمكن تصوره في السابق والبالغ4.45ليرةمقابل الدولار على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، كما ارتفعت مرة أخرى إلى ما يزيد على  4.7 ليرة؛ وهو ما يضفي المزيد من الضغوط على القطاع الخاص الذي يعاني ديونًا تقدر بـ336 مليار دولار. ومن ثَمَّ، فإن العديد من الشركات الكبرى التي تعاني صعوبات في خدمة ديونها، قد لجأت أخيرًا إلى البنوك التركية لإعادة هيكلة ما مجموعه 18 مليار دولار من القروض. كما أن هناك تكهنات قوية بأن الرياح المالية غير المواتية التي تؤثر سلبًا على المستهلكين، ربَّما تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام الحالي.

كما فرضت الأسواق على أردوغان، الذي وصف أسعار الفائدة في 11 مايو الماضي، بأنها “أبو كل الشرور وأمها”، التراجع عن ذلك خلال حملته الانتخابية. ومع ذلك، فقد أقدم أردوغان على ذلك دون اعترافه علانية، أو حتى التخلي عن خطابه الإيجابي بشأن الاستراتيجية الاقتصادية. وبدلاً من ذلك، قام أردوغان بإلقاء اللوم في المشاكل الاقتصادية على الجهات الخارجية “المتآمرة مع عملاء خارجيين”. ففي 5 يونيو، على سبيل المثال أوصى أردوغان بعد الالتفات إلى المؤامرات التي يتم نسجها حول أسعار الصرف، قائلا: “سنحسم النتائج بعد 24 يونيو”. وفي اليوم التالي تفاخر بأنه لم يكن هناك أدنى مشكلة في الإيرادات والنفقات، أو الاقتراض أو سداد الديون، بل على العكس، فإن تركيا باتت في وضع أفضل من حيث مؤشرات الاقتصاد الكلي مقارنة بالعديد من البلدان المتقدمة، ناهيك عن البلدان النامية. فجميع المؤشرات الاقتصادية جيدة بما فيها وضع عجز الموازنة، ونسبة الاحتياطي من العملات الأجنبية ونسبة الديون، ونسبة كفاءة رأس المال للقطاع المصرفي ومعدلات النمو. وهنا يقول أردوغان إن الاقتصاد التركي، بما يبدو عليه من مخاوف متزايده من جانب الناخبين، كما تشير استطلاعات الرأي، يستهدف زيادة أسعار الصرف والوصول بأسعار الفائدة إلى أنسب أوضاعها؛ وهو ما يفرض على الجميع الانتظار لمتابعة ما إذا كان الناخبون الأتراك سينتظرون حتى تصدق وعود أردوغان بأن كل شيء سيكون على ما يرام بعد 24 يونيو.

المصدر: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مشروع تركيا

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر