موجات الغضب في الجزائر لا تهدد النخبة الحاكمة | مركز سمت للدراسات

موجات الغضب في الجزائر لا تهدد النخبة الحاكمة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 19 يونيو 2018

روبرت إس فورد  

تمتعت الجزائر باستقرارٍ وأمنٍ نسبيٍ خلال العام الماضي، لكن الحكومة تواجه زيادة في نسبة الشباب العاطل بسبب نظام سياسي منغلق واقتصاد متباطئ من شأنه أن يؤدي إلى انفجارات اجتماعية.

وعلى الجانب الآخر، تنظر الحكومة الأميركية إلى الجزائر كشريكٍ رئيسٍ في جهود مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الإفريقي، كما صرح الجنرال توماس والدهاوزر، قائد القيادة الأميركية الإفريقية، خلال زيارة إلى الجزائر في 25 أبريل الماضي، بينما كانت الحكومة الجزائرية التي كانت تنظر إلى تأسيس القيادة الإفريقية عام 2007 بقدرٍ من الشك، قد استقبلت والدهاوزر، حيث صرح وزير الخارجية الجزائري أن بلاده تأمل في توسيع نطاق التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

لقد حققت الجزائر نجاحات متعددة ضد المتطرفين على أراضيها، إلى أن باتت البلاد تشهد وضعًا أمنيًا أفضل، على الرغم من انتشار الإرهابيين في جارتيها ليبيا ومالي. ففي رسالته إلى الشعب الجزائري في الأول من مايو، عزا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، نجاح بلاده إلى برامج العفو والمصالحة، وإلى جهود الحكومة لاستدامة برامج الرعاية الاجتماعية المكلفة.

يعاني الرئيس بوتفليقة، الذي يبلغ من العمر 81 عامًا، أحوالاً صحية متدهورة، إذ أصيب بسكتة دماغية عام 2013، نادرًا ما تسمح له بالظهور العلني، لكنه يحظى بتأييد الحزبين الكبيرين (جبهة التحرير الوطنية، والتجمع الوطني الديمقراطي) المسيطرين على الساحة السياسية منذ أكثر من 20 عامًا، اللذين يسعيان لحصول بوتفليقة على فترة رئاسة خامسة لمدة 5 سنوات بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2019.

في الوقت نفسه، لا يوجد مرشح آخر يحظى بتأييد النخبة الجزائرية، ويقول رئيس الوزراء أحمد أويحي، وهو شخصية محورية بالمشهد السياسي خلال العقدين الأخيرين، وينتمي إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إن حكومته تبذل جهدًا إعلاميًا حتى يعرف الناس الإنجازات التي تحققت خلال حكم الرئيس بوتفليقة على مدى العقدين الأخيرين.

لكن أويحي يعترف بأن الحكومة بحاجة للإجابة عن تساؤل يشغل الجزائريين وهو: أين ذهبت المبالغ التي أنفقتها الحكومة على مدى العشرين عامًا الماضية والتي تقدر بنحو تريليون دولار؟

أمَّا المعارضة الجزائرية التي تعاني ضعفًا واضحًا، فإنها تتهم الحكومة بالفساد، وتدين حالة الجمود التي يعاني منها النظام السياسي والاقتصاد الجزائري، في الوقت الذي تثار فيه مزاعم بتضييق حكومي على الأحزاب المعارضة، حيث تحتل الجزائر المركز 136 من بين 180 دولة بالتقرير السنوي الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود (في المقابل تحتل تونس المرتبة 97).

كما تهيمن النخبة الحاكمة والممثلة في كلٍّ من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي على المشهد، لكنها تتساهل مع المعارضة الواسعة والممزقة التي تتشكل من الأحزاب العلمانية والإسلاميين، حيث لا يوجد زعيم متفق عليه بين أحزاب المعارضة. ويبدو أنه من غير المحتمل أن تتفق المعارضة على مرشح واحد أمام بوتفليقة. وبالتالي، فمن المرجح جدًا، أن يفوز الرئيس مرة أخرى إذا مكّنته حالته الصحية من الاستمرار في فترة رئاسية خامسة.

وعلى الرغم من حالة السّخط الشعبي التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة، فإن المعارضة السياسية لم تتمكن من الاستفادة من تلك الأوضاع. فمنذ شهر أكتوبر 2017، قام الأطباء المقيمون بالمستشفيات والعيادات بإضراب عن العمل اعتراضًا على تدني رواتبهم؛ مما أثر في جودة الخدمات الطبية، كما دخل المعلمون، للسبب نفسه، في إضراب مماثل بداية 2018 مما أدى إلى توقف الدراسة لعدة أسابيع حيث تضرر طلاب المدارس الابتدائية والثانوية.

وفي المقابل، ردَّت الحكومة بالتصدي لأي إضراب تقوم به نقابة المعلمين وغيرها من النقابات المستقلة الأخرى، وكانت البلاد شهدت العديد من الإضرابات المماثلة على مدى العقد الماضي، إلا أنها لم تتسع بسبب سيطرة الحكومة. ومن ثَمَّ يُرَجَّح حدوث المزيد من الإضرابات الصغيرة والاضطرابات الفئوية، إلى أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية، وتعمل الحكومة على إيجاد المزيد من فرص العمل، ومعالجة الأزمات السكنية التي يعاني منها المواطنون.

وفي هذا المناخ، من غير المحتمل أن يشهد الاقتصاد الجزائري، النمو المطلوب بسبب الاستياء الاجتماعي؛ حيث أدى تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية وانخفاض معدلات إنتاج النفط المحلي، إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3.3% في عام 2016 إلى 2.1% في عام 2017، وفقًا للبنك الدولي.

لقد تبنت الحكومة برنامجًا اقتصاديًا قائمًا على التقشف، حيث زادت من نسبة الإنفاق عام 2017، مما عزز التنبؤات بحدوث انتعاش في النمو إلى 4% عام 2018، حيث لا تزال الحكومة تعتمد على إيرادات تصدير النفط والغاز في حدود 60% من إيرادات الموازنة الجزائرية، إذ أدى انخفاض أسعار النفط العالمية وارتفاع الإنفاق الحكومي إلى زيادة العجز في الميزانية عام 2017.

وهذا ما دفع صندوق النقد والبنك الدوليين إلى تحذير الحكومة الجزائرية في مارس وأبريل 2018 من الاعتماد على السياسة النقدية التوسعية لتمويل عجز الموازنة، إذ يؤدي ذلك إلى ارتفاع حاد في التضخم يصحبه عجز في الميزان التجاري.

وبالفعل يشهد الاحتياطي الجزائري من النقد الأجنبي، انخفاضًا تدريجيًا ملحوظًا؛ وللحفاظ على ما لديها من النقد الأجنبي، شرعت الحكومة في وضع قيود على الواردات، مما أدى إلى شكوى الشريك التجاري الرئيس للجزائر والمتمثل في دول الاتحاد الأوروبي.

وردًا على شكوى دول الاتحاد الأوروبي، قال وزير التجارة الجزائري في مايو 2018، إن الحكومة تتبع سياسة تقييد الواردات من أجل تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في الإنتاج المحلي. لكن الملاحظ على هذا النهج الإحصائي، الذي غالبًا ما جربته الحكومات الجزائرية السابقة، أنه لم ينجح في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن اعتماده على قطاع الهيدروكربونات.

فالحكومة الجزائرية لم تستفد من عائدات صادرات المحروقات، كما أن الاستعدادات لانتخابات 2019 لا تبدو معززة بأية إصلاحات هيكلية عميقة من شأنها جذب وتوسيع الاستثمارات الخاصة، وإحداث طفرة في النمو، وإيجاد فرص عمل للشباب.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: معهد الشرق الأوسط بواشنطن

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر