الجغرافيا السياسية للعقوبات الأميركية على النفط الإيراني | مركز سمت للدراسات

الجغرافيا السياسية للعقوبات الأميركية على النفط الإيراني

التاريخ والوقت : الأربعاء, 13 يونيو 2018

إيمي ماير جيف

 

كثيرًا ما يقال إن صفقة إيران النووية مع القوى العالمية، كانت الأمل الأفضل لحل الصراع في الشرق الأوسط. لكن بدلاً من ذلك يرى مهندس ذلك الاتفاق “جون كيري” وزير الخارجية الأميركية الأسبق، أن الإطار العام للاتفاق عام 2011، كان يتمثل في التصدي للسلوك النووي الإيراني.

وتتبنى إدارة ترمب وجهة نظر مختلفة، مع التركيز على التهديدات الإيرانية المتصاعدة تجاه حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتلوح هذه التهديدات التي تشمل الصواريخ، والطائرات بدون طيار، والهجمات الإلكترونية على منشآت النفط السعودية، في الأفق حول الاقتصاد العالمي، إذ تنعكس على تقلبات أسعار النفط مباشرة. وبالتالي يمكن القول إن القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والمشار إليه تحت مسمى “خطة العمل الشاملة”، من شأنه أن يفرض درجة أعلى من المخاطر على أسواق النفط، حيث يشعر الجميع – حاليًا – أن فرص حل الصراع في الشرق الأوسط، باتت أقل.

لكن إدارة ترمب تتبنى رؤية أخرى، حيث ترى أن واشنطن أعادت لإيران مبلغ 6 مليارات دولار كانت مجمدة لديها، وفتحت الباب لتدفق قطع الغيار إلى قطاع النفط والبتروكيماويات الذي عانى كثيرًا في إيران.

وعلى الجانب الآخر، هرولت الشركات الأوروبية نحو إبرام صفقات تجارية مع إيران. وفي المقابل، شرعت طهران في تنفيذ شروط خطة العمل المشتركة المتصلة بالاتفاق، لكن الصفقة النووية فشلت في إخماد مجموعة من الصراعات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، كما يقول وزير الخارجية الأميركية الحالي “بومبيو” في خطاب له.

ويؤكد “بومبيو” أن وكلاء إيران رفعوا معدلات المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؛ حيث تتصاعد الصراعات الإقليمية بشكل خطير.

ووفقًا لـ”بومبيو”، يمكن للاتفاق أن يستمر، لكن ذلك مستبعد قبل انصياع طهران للمطالب الأميركية؛ حيث تتوقع واشنطن أن تسهم ضغوطها في دفع المفاوضات نحو فاعلية أكثر بما يسمح لواشنطن بالربط بين إعادة الاتفاق النووي والمفاوضات السياسية من أجل تهدئة الصراعات. ورغم العقوبات النفطية المتجددة، فإنه لا تزال هناك مساحة كبيرة للعمل الدبلوماسي. لكن واقع سوق النفط، يؤكد الشكوك المثارة حول تلك الفرص، مما يعكس وجهة نظر العديد من المحللين؛ فقد وصلت أسعار النفط إلى 80 دولارًا للبرميل، ولا تزال الصناعة تعاني من بطء النمو بسبب ارتفاع الأسعار.

في عالم النفط، يصعب تجزئة الصراعات الجيوسياسية المعقدة، ففي إطار إدانة تصرفات ترمب، يتهم اليمينيون الإيرانيون، واشنطن بأن انسحابها من الاتفاق، قد أدى إلى رفع سعر النفط؛ حيث يطالبون منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بزيادة إنتاج الولايات المتحدة. ففي 11 مايو، صرح وزير النفط الإيراني أن “الرئيس ترمب يقوم بلعبة مزدوجة في سوق النفط، وأن بعض أعضاء (أوبك) ينصاعون للولايات المتحدة، التي تسعى إلى تعزيز إنتاج النفط الصخري”. وقد تزامن ذلك مع الحوار الدائر بين واشنطن وحلفائها العرب بالمنطقة حول ضرورة تهدئة الأوضاع في أسواق النفط العالمية.

وفي سعيها للحصول على شروط أفضل بشأن الاتفاق النووي الإيراني، تعول إدارة ترمب على ما تواجهه إيران من معارضة داخلية أكبر مما كانت عليه أثناء التفاوض على صفقة 2015. يفسر هذا السخط الشعبي الإيراني، أسباب رد الفعل المعتدل على إعلان واشنطن الانسحاب من الاتفاق، مقارنة بما سبق؛ فإيران تعتمد على شركاء أوروبيين وآخرين في مواجهة العقوبات الأميركية.

وخلال السنوات الأخيرة، أسست الصين شبكاتها الخاصة من القنوات والمؤسسات المالية التي يمكن أن تستخدمها للسماح للشركات الصينية بدفع حساباتها بالعملة الصينية (اليوان) بما يمكنها من استخدام نظام الرسائل المالية سويفت SWIFTالموجود ببروكسيل، الذي تتمكن واشنطن من خلاله أن تتبع التحويلات المالية وتتدخل فيها. وكانت بكين اختبرت – بالفعل – عملية دفع ثمن وارداتها من روسيا وإيران عبر بنك “كولان” التابع لمؤسسة “البترول الوطنية الصينية”. وقد اقترحت صحيفة “ذا فاينانشيال تريبيون” بطهران أنه بإمكان الدول الأخرى، بما فيها الأوروبية، أن تستفيد من “شبكات مالية صينية بديلة”. غير أن الإجراءات العملية التي تتبعها الصين، تتولى زمام المبادرة نيابة عن طهران حينما تلوح قضايا التجارة الثنائية بين واشنطن وبكين على نطاق واسع.

لقد وافقت الصين عام 2012 على طلبات إدارة أوباما بخفض وارداتها الإيرانية بنسبة 20% كحد أدنى. وبالنظر إلى رد الفعل القوي الذي تطلبه واشنطن من بكين بشأن إيران، فإن على واشنطن أن تنظر بالمثل في الأولويات الأخرى على طاولة المفاوضات مع بكين في الوقت الحالي، بما في ذلك المفاوضات المتعلقة بكوريا الشمالية.

وتقوم إيران بتصدير نحو مليوني برميل من النفط الخام يوميًا، وتشتري أوروبا ما يزيد على ربع هذه الكمية. ومن المحتمل أن تتوافق مع سياسة الولايات المتحدة، إذا لم يتم إحراز أي تقدم دبلوماسي. وحاليًا يحاول الدبلوماسيون الأوروبيون، الإبقاء على الاتفاق النووي بشكل منفصل عن الولايات المتحدة، والضغط على إيران لمعالجة بعض المخاوف المشتركة بشأن قائمة المطالب التي يقدمها “بومبيو”. وفي عام 2012، قام الأوروبيون – بالفعل – بقطع جميع وارداتها النفطية من إيران.

كانت اليابان خفضت، هي الأخرى، مشترياتها من إيران في مارس من نفس العام، وحتى شركة النفط الهندية العملاقة IOCأعلنت أنها تبحث عن مصادر بديلة لتحل محلها مشترياتها من إيران، التي تبلغ قيمتها 140 ألف برميل يوميًا؛ مما يعني فتح المجال أمام المملكة العربية السعودية. ومن المتوقع أن تقوم كوريا الجنوبية – أيضًا – بخفض مشترياتها من إيران نظرًا لحتمية إظهار أرضية مشتركة من التفاهم مع الولايات المتحدة.

كما خفضت “سيول” مشترياتها من 360 ألف برميل يوميًا في العام الماضي إلى 300 ألف برميل يوميًا حاليًا. وباختصار، فعلى الرغم من أن إيران تبادل النفط بالسلع والبضائع مع كل من روسيا وتركيا، فمن المحتمل أن تخسر مليون برميل من مبيعاتها في اليوم.

وتتعرض مبيعات النفط الإيرانية لمخاطر أكبر على المدى القصير، وخاصة منذ أن علمت طهران أن باستطاعتها العودة إلى الأوضاع الطبيعية إذا ما تراجعت الإرادة السياسية تجاه العقوبات بمرور الوقت. كما أن تقليص الاستثمارات الدولية في قطاع الغاز الطبيعي، يعد – مرة أخرى – انتكاسة كبرى لطهران التي تحتاج إلى الغاز الطبيعي على كل مستويات الاستخدام، وخاصة السكنية والتجارية. فإذا نجحت الولايات المتحدة في دفع شركة “توتال” الفرنسية للانسحاب من “مشروع الغاز الطبيعي” المهم بالنسبة لطهران، فإن فرص قيام إيران بإعادة تقديم نفسها كمصدر رئيس للغاز الطبيعي المسال تتبدد مرة أخرى، وربَّما يستغرق الأمر هذه المرة عقودًا بالنظر إلى سوق الصادرات الأميركية المحتملة، وأحوال الأسواق الأخرى. فالصين، وهي مستثمر آخر في مشروع الغاز الطبيعي الإيراني، ليس لديها خبرة في تطوير تصدير مثل هذه المشروعات.

وحتى لو كانت طهران مستعدة للتعاون في سوريا أو اليمن، فإن روسيا، وهي مصدِّرٌ رئيس للغاز الطبيعي إلى أوروبا وآسيا، تستفيد من العقوبات الأميركية التي تحد من منافسة الصادرات من إيران، فقد يمثل دعم أي اتفاق دبلوماسي يعيد التعاون الأميركي – الإيراني خطوة هامة.

ومن المتوقع أن تبدأ روسيا في توريد الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب إلى الصين من خلال خط أنابيب الطاقة في سيبيريا أواخر 2019، إلا أن شركة “جازبروم” الروسية واجهت صعوبة في خفض مبيعاتها إلى الصين عبر خطوط أنابيب إضافية. ويمكن للمفاوضات الناجحة في شبه الجزيرة الكورية، أن تقدم دعمًا مفيدًا في هذا الصدد؛ ذلك أن أحد الحلول المحتملة لاحتياجات كوريا الشمالية من الطاقة، يمكن أن يتمثل في أنبوب غاز روسي، لكن توافر صادرات الغاز الطبيعي المباشر إلى الصين وكوريا الجنوبية من الولايات المتحدة، يزيد من تعقيد الأمور.

وبعيدًا عن إبعاد إيران عن سوق الغاز الطبيعي على المدى الطويل، فإن روسيا ربَّما تكون غير متوافقة بشأن النزاعين اليمني والسوري بسبب الفائدة التي تتمتع بها من إبقاء السعودية تحت ضغط مالي وسياسي؛ ذلك أن الضغوط الاقتصادية على الرياض ترجع جزئيًا إلى إنفاقها العسكري جراء الحرب الدائرة في اليمن، مما يجعل المملكة العربية السعودية أكثر قبولاً للتعاون مع موسكو في إدارة أسواق النفط، وهو واقع جيوسياسي يعزز مكانة روسيا العالمية بشكل كبير. كما أنه من الصعوبة أن نرى ما من شأنه أن يحفز الكريملين على الحفاظ على المملكة العربية السعودية بعيدة عن الاختطاف في حال استئناف التحالف المحدود بين واشنطن وقطر، وهو ما يشكل خطرًا جوهريًا على الوضع الجيوسياسي والاقتصادي لروسيا، وهو ما يتضح عندما تعاونت الدول الثلاث في أوائل عام 2010 لإضعاف قبضة موسكو على أسواق الطاقة الأوروبية.

وأخيرًا، فإن الموقف الروسي لا يعد الحاجز الوحيد للظروف التي من شأنها أن تسمح بإحراز تقدم في حل النزاع الأميركي الإيراني، حتى لو كانت العقوبات الاقتصادية لإعادة فرض العقوبات الأميركية، كافية لحث إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات؛ فلا يزال من غير الواضح، إلى أي مدى يمكن أن تضغط طهران على وكلائها الذين لديهم أهداف مستقلة لا يمكن أن تتماشى بالكامل مع أي صفقة لحل النزاع. علاوة على ذلك، فمن غير الواضح – أيضًا – ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تجذب المملكة العربية السعودية إلى تسوية سياسية في اليمن. وهكذا، ففي الوقت الذي يمكن أن تضع واشنطن استراتيجية لتحسين الوضع الراهن في الشرق الأوسط، فإن الغوص في أعماق السياسة الواقعية في هذه المسألة توضح التعقيدات التي تقف في طريق التقدم، مع وصول الكثير من القضايا إلى مراحل فارقة ، وهو ما سيكون ضروريًا للتعامل مع جوهر المشكلة من خلال العمل مع مجموعة من القضايا الداخلية المتداخلة.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مجلة العلاقات الخارجية بواشنطن

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر