سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
حسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمره، بشأن الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقع مع القوى الكبرى عام 2015، معلنًا انسحاب الولايات المتحدة منه، عشية الثلاثاء الأخير، على خلفية بروز دليل قاطع على أن الوعد الإيراني كان “كذبة”، موقعًا أمرًا رئاسيًا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأميركية المرتبطة بالبرنامج النووي للنظام الإيراني، وفرض أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية على طهران، وإن أمكن على كل دولة تساعد إيران في سعيها لامتلاك الأسلحة النووية[1].
بالعودة إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن ترمب قراره إمَّا بإعادة التفاوض أو الانسحاب من الصفقة، وخلال الشهور الماضية تباحث مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا وعدد من الدول الشرق الأوسط، والهدف ألا تحصل إيران على سلاح نووي، ولا يمكن منع إيران من الحصول على سلاح تحت هذه الصفقة. قطعًا، كان للرئيس الأميركي أسبابه ومبرراته للانسحاب، من أبرزها:
1- منع طهران من الحصول على سلاح نووي، وتحجيم طموحاتها الخبيثة.
2- كونها دولة راعية للإرهاب تواصل تجاربها الصاروخية الباليستية وتساند الإرهاب والميليشيات مثل حزب الله وحماس والقاعدة، إضافة إلى استهدافها السفارات والجنود الأميركيين.
3- اعتبرها ترمب صفقة “سيئة”، قدّمت ملايين الدولارات للنظام الإيراني دون الحصول على قيود على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار.
4- اعتبر أن الاتفاقية لم تجلب السلام أو الهدوء.
5- الاتفاق سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بعد عدة سنوات، ورفعت العقوبات في مقابل قيود ضعيفة على النشاط النووي ودون أي قيود على تصرفات إيران في المنطقة، وخاصة في سوريا واليمن وكل أنحاء العالم.
6- أعطى مزايا لإيران والنظام الإيراني، سهلت له زيادة ميزانية الجيش بنسبة 40 في المئة، في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاده.
7- سيسمح لإيران بالحصول على سلاح بعد انتهاء (بند الغروب).
8- الخوف من بقاء الاتفاق بصورته الحالية، مما سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.
9- ادعاء ترمب كذب النظام الإيراني في نواياه، معتمدًا على ما أعلنته إسرائيل من وثائق أخيرًا.
10- ضعف عمليات التفتيش، وعدم قدرة المفتشين الدوليين على معاقبة الغش وتفتيش مواقع داخل إيران، بينها مواقع عسكرية.
وكيفما أراد ترمب، يمكن القول إن أميركا لن تسمح لنظام يصرخ “الموت لأميركا” بالحصول على سلاح نووي. ودون المبررات التي استدعت ترمب لاتخاذ قرار الانسحاب، فمن المؤكد أن قراره صدر بعد فشل جهود (فرنسا – بريطانيا – ألمانيا)، الموقعة على الاتفاق في إقناع ترمب بالبقاء في الاتفاق ومعالجة عيوبه، دون انتهاك شروط الاتفاقية. واللافت هنا أن الاتفاق نفسه لا يتضمن أي أحكام تتعلق بانسحاب أي طرف من الاتفاق، إلا أن إيران هددت باستئناف برنامجها النووي إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. في المقابل، هدد الرئيس ترمب – خلال لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر أبريل (نيسان) الماضي – بعواقب أكثر شدة من ذي قبل إذا فكرت إيران في استئناف نشاطها النووي.
ولم ينجح بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، في جهوده لإثناء إدارة ترمب عن قرارها، بل جاء إعلان الرئيس ترمب عبر “تويتر” بإعلان قراره مساء الثلاثاء قبل الموعد المحدد بأربعة أيام مفاجئًا. وحذر جونسون في لقاءاته مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، ومايك بنس، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، من تداعيات خطوة الانسحاب من الاتفاق، مشيرًا إلى أنه لا يوجد لدى الإدارة الأميركية خطة بديلة.
وهنا، يمكن القول إن الإدارة الأميركية قد تواجه مجموعة معقدة من التداعيات القانونية على البنوك والشركات المتضررة من قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق، وفي مقابل ذلك وضعت بالفعل خطط طوارئ، إلا أن الأمر يستغرق عدة أشهر لمواجهة كل التداعيات بالكامل.
قراءة في ردود الفعل على القرار
عقب إعلان ترمب عن قرار الانسحاب من الاتفاق، توالت ردود الأفعال العالمية على هذا القرار بين مؤيد ورافض، فقد دعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الولايات المتحدة على عدم اتخاذ خطوات تعرقل تنفيذ الدول الأخرى للاتفاق النووي المبرم مع إيران. وسنحاول تلخيص تلك الردود كلٌّ على حدة، كالتالي[2]:
ومما سبق، اتضح أن أوروبا تريد البقاء على الاتفاق النووي، وهو ما يحمل رسائل رئيسية نتوق لإيصالها كتفسير لماذا تسير الصفقة بنجاح؟ وأنها ليست صفقة ثنائية، بل متعددة الأطراف، وأن الاتحاد الأوروبي سيقوم بكل ما في وسعه ليضمن أن يظل الوضع كما هو عليه؛ إذ إن قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على شركات أوروبية، سيدفع الاتحاد الأوروبي للعودة إلى قانون حقبة التسعينيات، الذي يحمي الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية.
الموقف السعودي من قرار الانسحاب
وتبينت الرؤية السعودية، لهذا القرار، عبر سفير خادم الحرمين الشريفين لدى واشنطن، الأمير خالد بن سلمان، الذي كشف كل ما يتعلق بموقف المملكة الكامل، ونلخصه كالتالي[3]:
الخيارات المطروحة أمام طهران
ما العقوبات المتوقع فرضها قي وقتنا الراهن، بينما صدر القرار المنتظر منذ عدة شهور، إذ بات العالم يترقب الرد الإيراني، فلا يوجد أمام طهران سوى القليل من الخيارات المطروحة أمامها بعد قرار الانسحاب من الاتفاق، لا سيَّما تحذير الرئيس الإيراني حسن روحاني من هذا القرار، وتشديده على أن إيران ستردّ بحزم في حال لم يحترم البيت الأبيض التزاماته، كونها تتمسك بحقها بصناعة وشراء جميع أنواع الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها ضدّ ما وصفه بالقوى المحتلة في المنطقة، ومن ثَمَّ يعد الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، أحد الخيارات الثلاثة المطروحة أمام إيران، بينما يبقى الخياران الآخران غير واضحين حتى الآن[4].
ونذكر هنا المقترح المقدم من الرئيس الفرنسي، خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض، وينص الاقتراح على منع طهران من ممارسة أي نشاط نووي حتى عام 2025 ومعالجة ملف الصواريخ الباليستية، كما تضمن المقترح طرح شروط جديدة لحلول سياسية تتعلق بالوضع في إيران وسوريا واليمن ولبنان.
وفي ردّ على المقترح الفرنسي، اعتبرت طهران أن باريس لا يحق لها تعديل اتفاق تمَّ توقيعه من قبل سبع دول، وشدد على أنه أخبر ماكرون خلال عدة مكالمات هاتفية، عدم نيّة إيران حذف أو تعديل شيء من الاتفاق. وبينما ينوي الأوروبيون البقاء في الاتفاق حتى في ظل غياب الولايات المتحدة، فهناك قلق من مصير الشركات الأوروبية الموجودة في إيران بعد فرض عقوبات اقتصادية على طهران.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني الذي ألغى معظم العقوبات الاقتصادية ضد إيران، في مقابل قيام طهران بالحد من طموحاتها النووية. ترمب وعد بإضافة عقوبات جديدة “عالية المستوى”، ومن المؤكد أنّ العقوبات الجديدة سوف تمتد لتشمل شركات من دول وأطراف ثالثة ما زالت ترغب في التعامل مع إيران، وهو الأمر الذي أثار مخاوف عدة دول في أوروبا. وزارة الخزانة الأميركية أكدت أنّ واشنطن ستعيد فرض مجموعة واسعة من العقوبات المتعلقة بإيران بعد انتهاء فترة تخفيف العقوبات التي تمتدّ من 90 إلى 180 يومًا. وخلال أول 90 يومًا، ستعمل وزارة الخزانة على إلغاء تراخيص محددة صدرت طبقًا لبيان سياسة الترخيص الخاص بالطيران المدني[5].
ما هي العقوبات المفروضة على إيران؟
بعد انقضاء 90 يومًا، ستتم إعادة فرض العقوبات التالية على إيران وستدخل هذه العقوبات حيز التنفيذ في غضون ثلاثة أشهر، ومنها فرض قيود على كل من[6]:
وبعد انقضاء 180 يومًا، ستدخل العقوبات التالية حيز التنفيذ:
وفيما يتعلق بالشعب الإيراني، يزعم الرئيس الإيراني، أنّ بلاده مستعدة بشكل جيد لمواجهة إعادة فرض العقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وأن الشعب الإيراني قوي. ولكن الحقيقة هي أننا لا نعرف ما مدى تأثير هذه العقوبات الجديدة على المواطن الإيراني العادي. غير أنه وفي ظل سياسة العقوبات السابقة، انتشر قلق واسع النطاق حول ارتفاع الأسعار، وتهاوي الاقتصاد، وارتفاع نسبة البطالة، ونقص المواد الأساسية، وفي مقدمتها الأدوية.
وحول التأثير على الشركات الأوروبية، فإنه بالرغم من أنّ حكومات الدول الأوروبية ترفض التخلي عن صفقة الاتفاق النووي مع إيران، فإنّ هناك مخاطر من التأثير السلبي للعقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية التجارية مع إيران، التي يستهدفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتحديد. على سبيل المثال، شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال”، التي تأمل في الحفاظ على صفقة بقيمة 8.4 مليار يورو مع إيران لتطوير حقل للغاز البحري، وقد سبق للرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بويانيه، أن أكد أنّ الشركة تسعى للحصول على تنازل يسمح لها بمواصلة العمل في إيران إذا أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات.
ومن بين الشركات الأوروبية الكبرى الأخرى التي وقعت، مؤخرًا، صفقات مع إيران نجد “رينو” للسيارات و”إيرباص” للطائرات. والسفير الأميركي في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، كان قد وجه تحذيرًا عبر موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي، إلى الشركات الألمانية التي تتعامل مع إيران. ومن الواضح أنّ ترمب يرغب في أن تتوقف الشركات الأوروبية عن التعامل مع إيران، وإذا نجحت استراتيجيته في فرض عقوبات ثانوية، فإن ذلك سيترك لإيران محفزات ضئيلة للبقاء في الصفقة النووية؛ لأن الدول الأوروبية لن تكون قادرة على التمسك بالتزاماتها في الاتفاق، مهما كانت رغبتها في ذلك.
بدا من مواقف الأطراف الدولية وإيران بشأن البقاء في الاتفاق النووي أو عدمه، أن هناك تنسيقًا حوله نتيجة الزيارات المتتالية للدبلوماسيين الأوروبيين والإيرانيين إلى الولايات المتحدة الأميركية. وكانت لقاءات الأوروبيين مع ترمب، الهدف منها التنسيق وإقناعه ليس بالبقاء في الاتفاق النووي، وإنما قضايا أخرى، أطلق عليها مجازًا “النسخة التجريبية من الاتفاق النووي”، التي تتضمن استمرار الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة وعودة العقوبات. لكن طهران اشترطت أن يلتزم الأوروبيون بتعهداتهم وفق الاتفاق النووي.
ووفقًا للرؤية الإيرانية، فإن الاتفاق النووي مستمر ما دام بإمكان إيران بيع النفط ونقل أموالها من وإلى إيران، ولديها القدرة على جلب الاستثمار، وخلاف ذلك لن يكون اتفاق، بما يعني أن الجانب الاقتصادي أكثر أهمية من القضايا الأخرى في الاتفاق، وأن مباحثات الأوروبيين مع الأميركيين، هي لإقناع ترمب باستثناء الشركات الأوروبية والصينية من العقوبات.
وبخلاف الأطراف الدولية، تبقى المواقف المتباينة في الداخل الإيراني، التي تتلخص في أربعة اتجاهات تساهم في تأزم وتعقيد الوضع الإيراني؛ إذ إن المرشد الإيراني، سيكون له رأي مختلف عن حكومة روحاني، فقد أعلن من قبل بوضوح أنه إذا مزقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فإنه سيحرقه. وهذا الموقف يتجاهل الوضع الاقتصادي الهش. بينما تحاول حكومة روحاني، الالتزام بالاتفاق طالما تلتزم الدول الأوروبية بدعمه، ومحاولة الدفع باتجاه الهدوء في الأسواق عبر حملات دعائية وإعلامية واسعة تسلط الضوء عبرها على الضمان الأوروبي[8].
وفي كلتا الحالتين، قطعًا، ستتأثر الأسواق الإيرانية، فمثلًا سوق الذهب والعملة على مدى الأيام القليلة الماضية تأثرت بالمواقف الأوروبية إيجابًا وتراجعت الأسعار قليلاً، لتعود الأسعار إلى مسار الارتفاع؛ والمتوقع استمراره، وزيادة أسعار الذهب والعملة وتراجع سوق الأسهم في إيران.
ونذكر هنا ارتفاع أسعار النفط أكثر من 2 في المئة لتصل إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة الأعوام ونصف العام، بعدما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من اتفاق نووي دولي مع إيران، وهي خطوة من المرجح أن تحد من صادرات الدولة العضو في منظمة أوبك من الخام في سوق يعاني – بالفعل – شح المعروض. وارتفع خام القياس العالمي إلى 75.76 دولار للبرميل إلى أعلى مستوى خلال جلسة يوم الأربعاء مسجلاً أفضل أداء له منذ نوفمبر – تشرين الثاني 2014. وكان بلغ 76.66 دولار للبرميل في الساعة 01.37 بتوقيتجرينتش، مرتفعًا 1.81 دولار أو ما يعادل 2.4 في المئة عن آخر إغلاق له. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.51 دولار، أو ما يعادل 2.2 في المئة، إلى 70.61 دولار للبرميل ليقترب أيضًا من أعلى مستوياته منذ أواخر 2014.
وفي الأخير، تقوم النسخة التجريبية، إلى جانب ما سبق من مفاوضات قائمة، على موافقة ضمنية من الحكومة الإيرانية للتفاوض حول الملفات الأخرى؛ وعلى رأسها الدور الإقليمي والنشاط الصاروخي، وهذان الملفان بيد “الحرس الثوري” على خلاف الملف النووي الذي كان بيد الحكومة. ومن الواضح أن الاتفاق الجديد، لن يكون في صالح “الحرس”. ومن الممكن، أن تكون النسخة الجديدة، بداية مفاوضات حول إيران بشأن الملفات المهمة بيد “الحرس الثوري”، وذلك في أوضاع تتجاوز التابوهات المخيفة لانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وبموجبه لا تعود العقوبات بشكل كامل على إيران وتبقى الملفات عالقة ومن دون حل. وبذلك فهو انسحاب ناقص، ويمكن أن يكون كارثيًا.
وحدة الدراسات السياسية
المراجع
[1]ترمب يعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني ويعيد العمل بالعقوبات على طهران، فرانس24.
[2]ردود الفعل بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، صحيفة الأهرام.
[3]خالد بن سلمان: أيّ اتفاق جديد مع إيران يجب أن يتضمن هذه النقاط، صحيفة سبق.
[4]ماذا بعد قرار ترمب.. ومن المتضرر من استئناف عقوبات إيران؟ – سكاي نيوز.
[5]https://bbc.in/2rqjLW7الاتحاد الأوروبي:ملتزمون بالاتفاق النووي مع إيران ولن نفرض عقوبات جديدة، بي بي سي.
[6]تعرف على العقوبات التي سيعاد فرضها على إيران وتأثيرها، يورو نيوز.
[7]مصير الاتفاق النووي من دون واشنطن، الشرق الأوسط.
[8]قيادات عسكرية إيرانية: الأوروبيون مرتبطون بأميركا وأخطأنا بالجلوس مع الولايات المتحدة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر