سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ميرفت محمد
“خرجت من المحكمة والتقيت بأحد أصحابي مخبرًا إيّاه بأني جُلدتُ في الدولة التي جئتها مهاجرًا قاطعًا آلاف الكيلومترات”، من كتاب )كنت في الرقّة( الذي يتزاحم القراء على قراءته الآن بشغف، فقط وصف بـأنه خطير فكريًا.
يتناول الكتاب قصة الشاب التونسي (محمد الفاهم) الذي ولد في (دورتموند) الألمانية العام 1990، وعندما وصل الخامسة من العمر عجل ذويه بالعودة إلى تونس خوفًا عليه من الانحلال الأخلاقي في الغرب كما قالوا، وفي تونس نشأ الفتي في وسط محافظ لكنه بعد عشرين عامًا سقط في براثن التطرف، حدث ذلك عندما تعرض لعملية غسيل دماغ لأتباع (داعش) الذين تواصل معه على شبكة الانترنت حتى الوصول إلى الرقة.
مؤلف الكتاب هو الصحفي (هادي يحمد) الذي يحمل أيضًا الجنسية التونسية التي تتصدر قائمة المقاتلين الأجانب تحت لواء (داعش) في العراق وسوريا، أراد المؤلف فهم طريقة تفكير هؤلاء الشباب وأسباب انجذابهم إلى (داعش)، كان هناك شيء يخص هؤلاء التوانسة الذي طالبهم التنظيم بإثبات أنهم ليسوا أقل (غيرة على الدين) من غيرهم من أجانب التنظيم، لأنهم آتوا من بلد متحررة حسب ما يعتقد (داعش)، لذلك يشهد (الفاهم) أنه كان على التوانسة أن يكونوا أكثر تطرفًا وتطبيقًا للحدود التي سنها التنظيم من قتل وذبح وإسقاط من علو وحرق.
يروى الكتاب في الغالب على لسان (الفاهم) كيف بدأت الرحلة من الصحراء التونسية التي مضى منها نحو ليبيا قبل الوصول إلى تركيا ومن ثم إلى أراضي (داعش)، فتحقق حلم عاشق موسيقى “الراب” والحياة، وانتقل لعيش تجربة القتال والعيش في الرقة.
تلك الرحلة التي غيرت خطة (يحمد) فقد أراد في البداية البحث في ظاهرة (الجهاديين) التونسيين بعد كتابه السابق “تحت راية العقاب”، لقد وجد (يحمد) الذي أصدر بسرعة الطبعة الثانية من الكتاب أن شهادة الفاهم وحدها قد تمكنه من تفكيك حصون تنظيم (داعش) القوية.
المفاجأة، أن هذا الكتاب يختلف عن الروايات الأخرى لما يمكن أن نسميهم (الهاربون من داعش) الذي تحدثوا كثيرًا لوسائل الإعلام أنهم هربوا من التنظيم لأنهم صدموا بمخالفته للشريعة واحتجاجًا على تطرفه، فبطل قصة (كنت في الرقة) ترك التنظيم لأنه رأى ضلال داعش في عدم تطبيقها للشريعة الإسلامية بصرامة، لقد تفاجأ بعد قطع آلاف الكيلومترات لتطبيق الشريعة بكل قوة وصرامة تحت راية (داعش) أن ذلك غير واقعي، لم يخفي (الفاهم) ذلك على التنظيم، أبدى عدم قناعته بأسلوب قادة التنظيم الذين لا يريدون أي مجادلة أيديولوجية، وهو أمر عرضه لحد الجلد لتقاعسه عن تلبية أمور القادة.
إذ خاب ظنه في قيادات التنظيم حتى كفرهم غلوًا وتشددًا أكثر منهم كما روى لـ(يحمد)، بل يكشف هذا الشاب أن هناك الكثير ممن انشقوا عن التنظيم أرادوا تشكيل تيار (جهادي) أكثر تطرفًا من داعش، فمدار اختلاف قضية “العذر بالجهل وتكفير العوام” كبيرًا جدًا بينهم، لقد رأوا هؤلاء أن التنظيم أقل متساهل أحيانًا مع من يسميهم (عامة الناس) في الرقة.
يمكني أيضًا تسجيل محطة خطرة أخرى في كتاب (كنت في الرقة)، وهو التأكد أن المستقبل لن يكون جيد البتة بغياب داعش، توصل (يحمد) لذلك وهو يمضي في سبر أغوار مقاتلي (داعش) فرادى وجماعات، كان حديث الفاهم عن رحلة انضمامه للتنظيم يظهر ذلك بوضوح، فكم من تارك لـ(داعش) خاض رحلة مثيرة، قبل أن يبيع بندقيته الكلاشنيكوف ويبدأ رحلة الهروب من التنظيم باتجاه تركيا ليلقي بنفسه في مرحلة ما بعد (داعش) كما حدث مع الفاهم.
في النهاية، يمكن القول أن هذا الكتاب الذي شكل محطة مهمة في الإنتاج العلمي في مسيرة (داعش)، يجب إن لا يكتفى به، فنحن بحاجة إلى غزارة في الإنتاج الفكري الذي يسبر أغوار التنظيمات المتطرفة بغية تحقيق أمن وحماية شبابنا مستقبلًا.
صحفية وباحثة فلسطينية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر