تشوهات الصحوة في المعايير والفكرة المركزية لدى الإنسان السعودي.. (دعوة للبحث والدراسة) | مركز سمت للدراسات

تشوهات الصحوة في المعايير والفكرة المركزية لدى الإنسان السعودي.. (دعوة للبحث والدراسة)

التاريخ والوقت : الأربعاء, 4 أبريل 2018

 

عبدالله الذبياني

الحديث عن الصحوة ليس ذا شجون، لسبين أساسيين: أولاً كونها فترة سوداوية في تاريخ بلادنا لا يجلب تذكرها إلا مزيدًا من الجدل والإعاقة، والثاني كونها أُشبعت بحثًا ونقاشًا ومداولة، حتى نكاد نجزم أنها تعرّت، ولم يعد هناك من يعتقد بوجود أثر إيجابي أنتجته أو تركته، إلا فئة لا تريد للمجتمع أن يكون في الركب الإنساني، ولا تريد أن يكون الطريق سالكًا أمام التنمية.

رغم ذلك، وبالنظر إلى السقف الذي يتيحه هذا المركز (سمت للدراسات والبحوث)،نطرح هنا عنصرين كرستهما الصحوة في المجتمع السعودي خلال ثلاثة عقود، وهذان العنصران لا يقتصر أثرهما على الفرد، بل إنهما كانا سببًا في الإعاقة التنموية والثقافية والفكرية (الثقافة الفنية)التي عانت منها المملكة في فترة سطوة ذلك التيار، والتي مازال بعضها يحدث أثرًا حتى اليوم نتيجة قوة دفعه، أو نتيجة تسرب إلى أدق المفاصل في الإنسان والمكان.

وليس هناك أدنى شك، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حين قال تصريحه الشهير حول الصحوة والتطرف، لديه يقين علمي، أنه لا يمكن معالجة التشوهات ذلك التيار دون تحييده وكشفه وإرسال رسالة للمواطنين أن القضية ليست صراعًا فكريًا بين طيفين أحدهما محافظ والثاني مجدد، والحكومة تقف على مسافة واحدة بين الفريقين باعتبارهما يتشكلان من المواطنين، والمواطنون سواسية في نظر الدولة، بل إنها صراع التنمية والتخلف.

 

ولأنه – محمد بن سلمان – عرَّاب الرؤية ورجل الإصلاح، يتيقن جيدًا، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ومهما بلغت قوة الدفع، أن يتمكن من إنجاز رؤيته ومشروعه الإصلاحي، وهناك نطاق واسع من المجتمع كان يتسرب إلى ذهنه أن الدولة تميل لذلك التيار، وبالتالي فإنه حين يؤيد مواقفها إنما يؤيد الدولة. هذه نقطة خطيرة جدًا تحديدًا، فهناك فئة من المجتمع تعتقد (كامل الاعتقاد) أن الصحوة كانت تمثل منهج الدولة، هذه التسربات كانت ستبقى – وربَّما تدوم – لو لم يملك محمد بن سلمان، الشجاعة الكافية ليقول للمجتمع بما يعزز لديه – أي المجتمع – أن الصحوة ليست من الحكومة وأن الحكومة ليست منها.

ليس هناك أدنى شك – لدى أي مراقب عادي أو باحث متخصص – بأن تصريح ولي العهد، لم يكن أبدًا خارج سياق مشروعه الإصلاحي التنموي. فالتنمية بمفهومها الضيق في جانبها الاقتصادي، وحتى لا نذهب بعيدًا ونتحدث عن جانبها الإنساني والمعرفي، ما كان لها أن تتحقق وتلبي أهداف رؤية 2030، لو بقي ذلك التيار نشطًا يستمد قوته من إيهام المجتمع بأنه يمثل صوت الدولة.. محمد بن سلمان، حين قال ذلك، لم يكن يعنيه إرضاء فئة على حساب أخرى، أو ترضية طيف يرى أنه تضرر من طيف آخر، بل كان يضع نصب عينه مقومات نجاح رؤيته ومشروعه الإصلاحي.

والآن، بعد أن فتح ولي العهد، صفحة جديدة في تاريخ البلاد، هل يمكن بهدوء وبعيدًا عن التناحر أو التناصر، رصد التشوهات التي أحدثتها تلك المرحلة في بنية المجتمع والدولة. لا أظن الأمر يسيرًا، لكنه ملح جدًا، لجهة أن دراسة الماضي والتعلم من دروسه سيكون عاملاً مهمًا لمواجهة تحديات المستقبل وظروفه.

لكن، كيف أحدثت الصحوة ذلك التأثير في التنمية والنمو المجتمعي، ولم تكن تملك قوة الدولة ولا سلطتها، لكنها استطاعت أن توقف العجلة أو تديرها في الاتجاه الذي تريد.

نكرر كيف حدث ذلك؟

لم يكن يغفل عنها أبدًا، إنها حين تسيطر على العقل الجمعي للناس، فهي بذلك تحقق ما تريد دون أن تحدث أي تصادم فعلي مع الدولة، وإن حدث ذلك في بعض الوقائع التاريخية، مثل حرب تحرير الكويت، لكنها في الجوانب التنموية والاقتصادية والفكرية لم تضطر للاصطدام؛ لأن المجتمع الذي بات يحمل أفكارها كان ينوب عنها بصورة جمعية في مواجهة قرارات الدولة أو أفكارها، للحد الذي كنا نعتقد، ذات يوم، أن قيادة المرأة للسيارة – بالفعل – مرفوضة اجتماعيًا، وليس للتيار المتشدد أي علاقة بتعطيلها.

فكيف حدث ذلك للمجتمع؟ أولاً أن الصحوة أحدثت خللاً وتشوهات في مفهومه للحقوق والعدل ومعايير التقييم للجيد والرديء. فتكوين الثروة أو المال أو الترقي في العمل، كان يتعارض مع مبدأ الزهد الذي يفتح أبواب الجنة، هذا تشوه، لكن الخلل تشكل في أن هناك أفرادًا أو فئات مستثناة من ذلك، فرموز الصحوة يحق لهم تكوين الثروات، ويحق لهم في الوقت نفسه تحذير العقل الجمعي منها.. (اختلال وتشوه في المعايير والمفاهيم).

الابتعاث للدراسة في الخارج، مثلاً، يمثل سفرًا لبلاد الكفر وما قد يحدثه من ارتباك لدى الفرد يمس عقيدته، لكن هذا لا يمنع أن هناك فئة محصنة من ذلك يمكنها السفر.. (اختلال وتشوه في المعايير والمفاهيم).

ثم جاء العنصر الثاني في إحداث تلك الإعاقة في المجتمع والدولة، وهو جعل (الموت) هو الفكرة المركزية للفرد في المجتمع السعودي، مع أن ذلك يتعارض أصلاً مع سنن الله في كونه.

هذا العامل، الذي لا شك في أنه يحتاج إلى دراسة مستفيضة تعتمد المنهج العلمي والاستقصائي، أقدر بدرجة عالية، إنه كان العنصر الأساس في عرقلة مكابح الدولة والمجتمع في تلك الفترة؛ لأن الإنسان السعودي بصورة فردية وبصورة مجتمعية، كان يرى في (الموت) خلاصه الأمثل والأوحد، بل إن الأمر لم يسكنإلى سيطرة هذه الفكرة على عقله، بل تعدت إلى استعجال الموت والبحث عنه، وليس أوضح من ذلك عدد الذين شدوا الرحال للقتال في مناطق النزاع حول العالم.

الخلاصة

 إن تيار الصحوة أحدث خللاً مقصودًا وممنهجًا في المعايير لدى الإنسان السعودي، وجعل الموت هو الفكرة المركزية لدى نطاق واسع في المجتمع، وبالتالي أصبح هذا الإنسان نائبًا لدى التيار في مواجهة خطط الدولة وبرامجها.

– إن ولي العهد، حين صرح عن التطرف والصحوة، أراد أن يخلع عن هذا التيار الغطاء الوهمي الذي كان يزعم طوال ثلاثة عقود أنه يمثل الدولة، وبالتالي من حق المواطن أن يعارض توجهات هذا التيار دون أن يعتقد أنه يعارض الدولة.

– إن أفكار الصحوة ليست هشة كما نردد أحيانًا، بل هي متجذرة في بنية المجتمع، والأمر يحتاج إلى برامج مستدامة أو طويلة الأمد، لإعادة تقييم المعايير وتصحيح المفاهيم في ذهنية المجتمع، وإعادة تشكيل الفكرة المركزية لديه.

كاتب وباحث سعودي*
@abdullah_athe

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر