سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تركي صالح العتيبي
الذي زار سوريا في فترة الألفية، أو بعد ربيع دمشق المزعوم، لا بدَّ وأنه رأى الخلل السياسي والفكري والبون الطبقي بين سلطة (علوية) مستأثرة بالسلطة والمال، وبين خزان سني كبير يعاني من فقر وتوجس وتحييد وقبضة أمنية مرعبة.
هذا الخلل كان ينذر بصدام حتمي لا زمن محدد له، لكنه قادم. وهذا ما حصل حين ثارت التجمعات السنية الكبيرة في المدن وضواحيها وكسرت القبضة الحديدية للنظام.
لا أحب الكتابة في الشأن الطائفي، لكن الواقع هو الحقيقي والثابت، وهو الصحيح في أي تحليل سياسي، هناك أرضية طائفية للصراع في سوريا.
(أمة علوية واحدة)
قام النظام السوري الحالي، منذ انقلاب حافظ الأب واستئثاره بالسلطة، على عقيدة طائفية وشكل عسكري (علماني تجاوزًا) وحلف يساري، وهي بنية استراتيجية لن يتخلى عنها النظام لأنها هويته، وهذا ما يفسر للكثيرين العلاقة الأبدية بين سوريا وإيران والغطاء الروسي، حتى في زمن الحرب العراقية الإيرانية كان العامل الطائفي يذهب بالموقف السوري تجاه إيران، رغم أن الذي يمثل السلطة في العراق الفرع الآخر من حزب البعث، إيران الدولة الدينية ذات الهوية الطائفية والمرجعية الغيبية، كل ذلك لم يكن ذا أهمية في التأثير على القرار السوري المنحاز لها.
وهذا الموقف في التحليل السياسي يمكن تبريره، لأن الطائفة العلوية (الحاكمة) هي أساسًا أقلية في بحر من الوجود السني، وهي أيضًا تعاني من عدم اعتراف ديني وقومي، ونحن هنا نحلل دون موقف من هذه الوقائع، لكن النظر لسلوك الأقليات يفسر لنا المواقف السورية المرتمية في أحضان النظام الإيراني والابتعاد عن المحيط العربي.
لذلك، فإنه من الخطأ النظر للدولة السورية الحالية كدولة مؤسسات حقيقية دون إعطاء البعد الطائفي الأهمية التي يستحقها.
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنَّا لاحقانِ بقيصرا
قيصر موسكو الخارج من هزيمة مذلة في الحرب الباردة، وريث الإمبراطورية السوفييتية المفككة، الدب الروسي الذي يبحث عن مكان في مزرعة الحيوان (رواية لجورج أوريل)، القيصر الذي يعاني من صراعات في حديقته الخلفية (الشيشان، جورجيا، أوكرانيا)، وجد في الصراع السوري فرصة ذهبية في دخول لعبة الأمم، وجد الذريعة السياسية عبر استنجاد الأسد وشماعة محاربة الإرهاب.
روسيا التي وطأت أرضًا غريبة وجدت ضواري تنتظرها تصيد، لتغنم معها، أولها الحليف الإيراني، ثم الجار التركي، ناهيك عن الأكراد الحالمين باغتنام الفرصة لتأسيس دولة تطل على المتوسط، وهي في خضم عملياتها تريد المحافظة على سلطة صورية للرئيس منزوع السلطات (بشار).
بسط بوتين سيطرته على ثلاثة أرباع سوريا رغم إعلانه الانسحاب مرتين، لكنه في – ذات الوقت – عرف أنه دخل في عش دبابير يشبه الحالة الأفغانية التي نشب فيها أسلافه السوفييت، حكومة حليفة ضعيفة وأكثرية معارضة مدعومة من الخارج، لكن الشبه رغم قربه في الخطوط العريضة، لكنه يحمل في داخله الكثير من الاختلاف الذي يطول شرحه وهو ليس موضوعنا الآن؛ لأن الهدف من التقدمة أن الدب الروسي ولغ في دم الصراع السوري وأصبح خصمًا رغم تقديمه لنفسه كوسيط في أستانة وغيرها من المؤتمرات الفاشلة.
لذا، فإن نهاية العمليات العسكرية في الكثير من الجهات عبر تهجير المقاتلين لجهات أخرى، ليس حلاً ولا نهاية للصراع.
بوتين تورط، وهو يعرف أنه سيتورط، لكنه مجبر لخلق توازن يواجه به زحف الناتو تجاه الحدود الروسية، عبر امتلاك ورقة تفاوض.
نعود لامرئ القيس وصاحبه الذي بكا وأيقن، لكن قيصر موسكو ليس بأحسن حال من المستجير به.
العم سام وقيلولته الشرق أوسطية
في مؤتمر تونس الذي عقد لدعم المعارضة السورية، كان معظم الحضور ينادون، علنًا وسرًا، بدعم المعارضة السورية في صراعها مع النظام، وفرض حزام آمن في شمال سوريا، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون تبتسم للكاميرات بخبث (الرجل الأبيض)، كانت أميركا قد حسمت قرارها واستفادت من الدرس العراقي جيدًا، “لا حل في سوريا”، هذا هو القرار الأميركي الذي نفذته مرحليًا عبر غض الطرف عن تجاوزات النظام واختراقه للخطوط الحمراء مرارًا وتكرارًا.
كان الدرس العراقي يعني للأمريكان أن الدخول مجددًا في صراعات صغيرة ومعقدة يضر كثيرًا بالقدرة على المناورة، خاصة أن الصراع السوري يعني الحلفاء والأعداء على حد سواء، هذا غير أن الديمقراطيين ذاهبون إلى اتفاقية تاريخية مع الإيرانيين. هذا في عهد أوباما.
لم تتغير الاستراتيجية الأميركية كثيرًا في سوريا في عهد ترمب، لكنها بدلت التكتيك ودخلت الصراع من بابه الخلفي عبر دعم الكرد في شرق الفرات. كان التدخل بهدف منع سيطرة كلية لروسيا واختراق حزام شيعي يتشكل من العراق باتجاه لبنان وهزيمة “داعش”.
كان الدور الأميركي، وهو مالك خيوط اللعبة، يعني انعدام الحل، وهو هدف مرحلي في دوامة صراع أممي كبير.
صراعٌ ثم سلمٌ ثم حلٌّ
حديث خرافة يا أم عمرو
هذا البيت (المتصرف به) هو الحال الذي تجري فيه الأمور في سوريا، كلما خفتت نار الحرب في جهة اشتعلت في أخرى، ولن تنتهي الأزمة، وهذا حال أطرافها، ولن تجد الأطراف حلاً رغم مؤتمراتها، وهي سواد عظيم وبئر قعرها بعيد، ولن تحل باتفاق، بل بغلبة قوة على أخرى، وهذا ليس حينه.
كاتب سعودي*
@turkysaleh
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر