أصولي أم إصلاحي.. قراءة في الانتخابات الإيرانية | مركز سمت للدراسات

أصولي أم إصلاحي.. قراءة في الانتخابات الإيرانية

التاريخ والوقت : الإثنين, 24 أبريل 2017

عبدالرحمن كمال

 

في التاسع من مايو المقبل، تتجه الأنظار إلى الجمهورية الإيرانية، عندما يذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد، بعد انتهاء ولاية حسن روحاني الرئيس الحالي، وهي الانتخابات التي تأتي في ظروف استثنائية جدا سواء في الداخل الإيراني أو فيما يخص متغيرات العالم الخارجي.

أهم هذه الظروف الداخلية أنها قد ينتج عنها أول رئيس إيراني لفترة ما بعد خامنئ، في ظل ما يتردد عن تدهور الحالة الصحية للمرشد الإيراني، وكان آخرها ما نشر حول إرسال تقارير إلى إدارة الرئيس الأمريكي ترمب حول هذا التدهور.

وأما عن الظروف والمتغيرات الخارجية فيأتي على رأسها الرئيس الأمريكي نفسه، ترمب، ذلك اللغز المحير الذي لا يعرف العالم حتى الآن في ما يفكر وما هي خطوته التالية؟

ترمب وانتخابات إيران

إن العالم بعد فوز ترمب ليس كالعالم قبله، فليس من قبيل المفاجأة أن أكثر من دولة قد دعت مجالس أمنها القومي للانعقاد لدراسة التداعيات، فتطبيق ترامب لبرنامجه على صعيد السياسة الخارجية كفيل بإحداث زلزال على النظام العالمي، وعلى الرغم من أنه خرج عن طوره لتأكيد دعمه لإسرائيل، إلا أن كثر في إسرائيل قلقون من فوزه، على اعتبار أنه شخص متقلب علاوة على خوف الإسرائيليين من حدوث تراجع على مكانة الولايات المتحدة العالمية ما يعني تقليص الفضاء الدولي أمام الصهاينة.

بنظرة سريعة للانتخابات التي تزامنت أو تلت الانتخابات الأمريكية، سنجد العالم يضبط حكامه ليتلاءموا مع الساكن الجديد للبيت الأبيض، ففي أسبوع: جامبيا، أنجولا، أوزبكستان، إيطاليا، نيوزيلندا، اسبانيا، كل تلك الدول سقطت في عباءة المحافظين واليمين، وينتظر أن يسقط كبار أوروبا أيضا في حجر اليمين لاسيما فرنسا وهولندا وألمانيا، بعد بريطانيا.

قبل معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية، كانت غالبية القراءات والاستطلاعات تصب في مصلحة هيلاري كلينتون، ورغم ذلك ذهبنا في الاتجاه الآخر لعدة أسباب، لا مجال هنا لإعادة الحديث عنها.

وبعد فوز ترمب، رأينا أن العالم كما هو معتاد، سيعيد تشكيل نفسه وفقا للجالس على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ونماذج “ريجان وتاتشر” و”بوش وبلير” و”أوباما وكاميرون” تظل حاضرة وبقوة كدليل على صحة هذه النظرية.

الرد بأحمدي نجاد

وانطلاقا من هذه النظرية، رأينا أن إيران سترد على ترمب بأحمدي نجاد، رغم أن وقتها لم يكن الحديث عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية وقتها لم يكن ذائع الصين لابتعاد موعد الانتخابات. وحتى مع اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية، وبدء الحديث عنها في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، ورغم أن نجاد نفسه لم يكن قد أعلن ترشحه بعد.

لكن نجاد أعلن ترشحه، رغم رفض المرشد الأعلى، وهو ما أسفر عن رفض ترشحه. “قلت له ألا يترشح لأنني أعتقد أن ذلك ليس في مصلحته أو مصلحة البلاد إذ سيخلق ترشحه استقطابات وانقسامات أرى أنها ستكون ضارة”، كانت هذه الكلمات التي قالها المرشد الإيراني، على خامنئي، مخاطبًا بها أحمدي نجاد،  لتعطي ضوءًا أخضر لمجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه رجال الدين في إيران برفض أوراق ترشح نجاد حسبما رجح محللون.

حينما تحدثنا عن رد إيران على ترمب بأحمدي نجاد، لم يكن الغرض والهدف الأعم من الطرح هو شخص أحمدي نجاد، خاصة انه لم يكن قد أعلن ترشحه وقتها، بالعكس من ذلك، أعلن أحمدي نجاد تأييده لترشيح نائبه السابق حميد رضا بقائي، ولكننا قصدنا نجاد كفكرة ومنهج ومدرسة وأيدولوجيا أصولية متشددة.

من سيفوز؟

وافق مجلس صيانة الدستور على قبول طلبات 6 مرشحين فقط لخوض منافسات الدورة الثانية عشرة للانتخابات المقرر لها التاسع عشر من مايو المقبل. والمرشحون هم:

حسن روحاني (إصلاحي) – محمد باقر قاليباف (أصولي) – إسحاق جهانغيري (إصلاحي) – إبراهيم رئيسي (أصولي) – مصطفى مير سليم (أصولي) – مصطفى هاشمي طبا (إصلاحي محافظ)

ورغم استبعاد أحمدي نجاد، يبقى للتيار الأصولي المحافظ 3 أسماء على الأقل، هناك اسمان حظوظهما قوية ولها شعبية جيدة، وهما قاليباف ورئيسي، وهو ما يعني تفتيت أصوات جمهور الأصوليين، في مقابل حسن روحاني الأكثر حظا بين الإصلاحيين، والمستفيد الوحيد من معركة قاليباف ورئيسي.

لكن، رغم تكسير العظام بين الأصوليين، واحتمالية أن ينجو روحاني، يبقى الاحتمال الأكبر هو الإعادة بين روحاني وأحد الرمشحين الأصوليين كائنا من كان، ما يعني أن روحاني في حالة الإعادة سيكون أمام معركة طاحنة، لاسيما إذا نجح المرشح الأصولي في لم شمل جمهور التيار المحافظ في جولة الإعادة.

ربما يكون من المرجح أن يحافظ روحاني على منصبه، إلّا أنّ طريقه لا يخلو من الصعوبات. فعلى الرغم من دبلوماسيته الناجحة في المجال النووي، كان روحاني قد فاز في الانتخابات السابقة بنسبة 50.88 في المائة فقط من الأصوات. وقد يؤدّي فشله في الوفاء بتعهداته الاقتصادية والسياسية إلى تردّد بعض مؤيديه المحتملين. وبالفعل، كان يوم 15 أبريل الموعد النهائي لتسجيل المرشحين الجدد. وفي اللحظة الأخيرة، وفي محاولةٍ واضحة من روحاني للتحوط من [عدم ترشيحه] في حال قيام “مجلس صيانة الدستور” باستبعاده، دخل نائب الرئيس إسحاق جهانغيري المنافسة الرئاسية. كما أن الإيرانيين بعد الاتفاق النووي رفعوا من منسوب طموحاتهم بشكل كبير، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بالصورة التي ترضيهم، مما تسبب في تراجع مستوى الرضا الشعبي حيال سياسات روحاني خاصة بعد الفجوة الكبيرة بين شرائح إيران المجتمعية.

أيضا، شعبية روحاني قد تتأثر كثيرا على خلفية ما تم الكشف عنه مؤخرًا بشأن قائمة مرتبات كبار الموظفين في بعض القطاعات والتي تبلغ عشرات أضعاف مرتب المواطن الإيراني العادي، مما أثار حفيظة الشعب الإيراني بصورة كبيرة، حين استشعر أن هناك فئة من الشعب تسيطر على الغالبية العظمى من قوت الفئة الأكثر. وبلغت هذه الأزمة مداها حين فتح البرلمان الإيراني تحقيقًا مع شقيق حسن روحاني، حسين فريدون، بعد تورطه في تعيين بعض رؤساء البنوك المتورطين في قائمة المرتبات الخيالية، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على حظوظ روحاني في الفوز حال استغلال مثل هذه المعلومات من قبل المرشحين المنافسين.

على الجانب الآخر، توفر الحالات السابقة حظوظاً جيدة لروحاني للفوز في الانتخابات. فمنذ تأسيس الجمهوية الإسلامية، فاز جميع الرؤساء الإيرانيين بالانتخابات لفترة ولاية ثانية باستثناء رئيسين فقط.

كما أن خامنئي له أسبابه الخاصة لدعم فترة ولاية ثانية لروحاني بشكلٍ ضمني. ويتمثّل الدافع الأول بأنّ الرؤساء الإيرانيين يميلون إلى أن يصبحوا أكثر ضعفاً بكثير في فترة ولايتهم الثانية، ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى زيادة سيطرة المرشد الأعلى ومؤسساته عليهم. ويساعد ذلك على تفسير احتمال امتناع خامنئي عن دعم المرشحين المتشددين بشكلٍ فعال. ومن جهةٍ أخرى، ساعد خامنئي في حملة روحاني الانتخابية عام 2013، بما في ذلك من خلال دعوته غير العادية لمعارضي النظام للتصويت “من أجل بلادهم”. ومن الواضح أنّ مثل هذه المواقف مبنيةٌ على القلق من أن يؤدّي الاستقطاب إلى حشد المواطنين بطريقة تؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث اضطرابات، كما حصل في انتخابات عام 2009. ومن خلال معارضة خامنئي لترشح أحمدي نجاد هذه المرة، اعتبر المرشد الأعلى أنّ ذلك قد “يؤدّي إلى استقطاب البلاد ويلحق الضرر بها”.

ترمب مرة أخرى

حتى الآن، لم تتطرق الحملات الرئاسية في إيران إلى ملف السياسة الخارجية، بل غالبية التركيز على القضايا الاقتصادية، وليس هناك دليل يدعم الادعاءات الغربية المتكررة بأنّ موقفاً أمريكياً أكثر صلابةً يضر روحاني ويساعد المتشددين.

ترمب أعلن موقفه من إيران مرارا وتكرارا، وقت أن كان مرشحا وبعد أن صار رئيسا، وخياراته لمساعديه تكشف حقيقة رأيه في إيران، وهو الموقف الوحيد الذي قد يكون الأكثر وضوحا بين كل مواقف وسياسات ترمب الغامضة. ومن هنا، فإن إيران تعلم أن شهر العسل مع البيت الأبيض قد انتهى برحيل أوباما ومجئ ترمب، لذلك فالتماهي مع ترمب سيكون مستحيلا لإيران. وإن كنا لن نستبعد أن يتصالحا -بدون تماهي- .

النقطة الأخيرة تجعلنا نعتقد أن رئيس إيران القادم ربما لن يكون إبراهيم رئيسي المحافظ المتشدد بشكل مؤكد، وفقا لتوقعات كثيرين، كما انها لا تعني أيضا أن يكون الإصلاحي روحاني الرئيس المقبل بشكل قاطع.. فهل يكون عمدة طهران محمد باقر قاليباف هو الرئيس المقبل؟ خاصة أنه حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الماضية بعد روحاني، ورغم كونه محسوبًا على تيار المحافظين فإنه من القلائل الذين ينادون بأفكار التغيير والإصلاح، وهو ما حقق له شعبية كبيرة في الشارع الإيراني خاصة بعد نجاحه في إبرام العديد من المشروعات الضخمة في طهران.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر