النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا.. حماية أم جباية؟ | مركز سمت للدراسات

النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا.. حماية أم جباية؟

التاريخ والوقت : الأحد, 18 مارس 2018

في القرن الماضي، اتجهت فرنسا إلى إفريقيا كرد على توسّع منافستها الاستعمارية، في ذلك الوقت، الإمبراطورية البريطانية، في آسيا. ومنذ ذلك التاريخ، بقيت فرنسا تمسك بمفاتيح الثروة الإفريقية حتى بعد أن انسحبت منها، وحصلت دول المنطقة على استقلالها. ورغم أن الحكومات التي تعاقبت على الإليزية، منذ نهاية الحرب الباردة، أعلنت فشل تجربة “فرنسا كشرطي إفريقيا” والعمليات العسكرية الأحادية، فإنه وبدل تراجعها يبدو أن التدخلات العسكرية تضاعفت، وبعد ساحل العاج وليبيا في 2011، جاء دور مالي وإفريقيا الوسطى في 2013، وهو الأمر القائم حتى الآن في إقليم الساحل وغرب إفريقيا[1].

في هذا التحليل سنتطرق إلى أسباب وأهداف الوجود العسكري الفرنسي في غرب إفريقيا، وسنشير إلى حجم هذا التدخل، وأبرز العمليات والقواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة، وهو ما سيحيلنا – مباشرة – إلى المكتسبات الفرنسية من هذا الإقليم الذي يمثل منطقة رخوة تتصارع عليها قوى الإرهاب والتطرف من ناحية، ومن ناحية أخرى يشكل ورقة صراع دولي ونفوذ بين قوى دولية متعددة، في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة والصين، بهدف إحكام السيطرة على الإقليم لحماية مصالحها في هذه المنطقة الغنية بالنفط والثروات المعدنية (الذهب، البوكسيت، اليورانيوم، الحديد، النحاس، الليتيوم، المنجنيز، الفوسفات، الملح…)، وتقدر الاحتياطات النفطية بها بنحو 120 مليون برميل[2].

النطاق الجغرافي للإقليم[3]

يشمل الفضاء الجغرافي لإقليم الساحل والصحراء الإفريقية، المنطقة الفاصلة بين شمال إفريقيا، وإفريقيا جنوب الصحراء، الممتدة من البحر الأحمر شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، شاملة السودان، وتشاد، والنيجر، وموريتانيا والسنغال، ويوجد تقسيم آخر لإقليم الساحل الذي يغطي القوس الممتد من السودان إلى موريتانيا، ويعتمد على بلدان ثلاثة رئيسية، هي: مالي والنيجر وتشاد، وتكمن أهمية الصحراء الإفريقية في اتساعها، وقلة عدد سكانها، وقربها من منابع النفط والعديد من المعادن الثمينة الأخرى، وهي على مسافة واحدة بين أوروبا والمشرق العربي، وكذلك على نفس المسافة بين الجزائر ونيجيريا، أول وثاني منتج للبترول في إفريقيا.

وفي القلب من هذا الإقليم، توجد بعض المحاولات من جانب الولايات المتحدة الأميركية والصين، وأخرى من تركيا وإيران وإسرائيل، بخلاف ذلك يبقى الحضور الأقوى لفرنسا، على كافة الصُعد العسكرية والسياسية والاقتصادية، لتتمتع باريس بنفوذ قوي داخل الإقليم، والفضل في ذلك يعود أولًا إلى أنها كانت مناطق استعمارية قديمة للدولة الفرنسية، ومن ثَمَّ الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للإدارة الفرنسية، تتجلّى في ثرواتها الطبيعية، فتنتج فرنسا ما يقدّر بنحو 20% من كهربائها من الطاقة النووية، ومن شركاتها: شركة “أورسن”، وشركة “أريفا” العملاقة لإنتاج الطاقة النووية، ويتم استخراج اليورانيوم في كلٍّ من الحدود المالية النيجيرية وإفريقيا الوسطى. وهكذا نلاحظ أنّ المصالح الفرنسية مرتهنة بوجود الأمن والاستقرار في المنطقة[4].

أبرز عمليات فرنسا العسكرية في إفريقيا

خلال الفترة 2006 – 2016، قادت فرنسا سبع عمليات عسكرية رئيسية في إفريقيا، يندرج بعض تلك العمليات في إطار المبادرات الدولية، مثل: “سانغاريس” (في إفريقيا الوسطى)، أو “هارمتان” في ليبيا (جزء من العملية العسكرية الدولية لحماية المدنيين الليبيين من هجمات قوات الرئيس الراحل العقيد معمر القذافي). والبعض الآخر يشكّل مبادرات فرنسية، ومن ذلك بعثة “كوريمب” في خليج غينيا، الهادفة إلى دعم العمليات العسكرية الغينية في مواجهة القرصنة البحرية، ويضم خمسًا من أبرز العمليات العسكرية.

وفيما يلي أبرز العمليات الفرنسية في إفريقيا[5]:

1- برخان[6]: استلمت عملية “برخان” المشعل من عمليتي “سرفال” و”إيبرفييه”، في كل من مالي وتشاد، في الأوّل من أغسطس/ آب 2014، لتتخذ بعدًا إقليميًا برّرته مصالح فرنسا الاستراتيجية في الساحل الإفريقي والتهديدات التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها محاربة “الإرهاب”. وترتكز المقاربة الاستراتيجية لهذه العملية العسكرية التي تغطي خمسة بلدان إفريقية، هي: بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد، على “منطق الشراكة” بين هذه البلدان. وتضمّ هذه القوّة نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة جندي مكلّفين بمطاردة المجموعات “الإرهابية” الناشطة في الساحل الإفريقي، وموزّعين على خمس قواعد متقدمة مؤقتة، وثلاث نقاط دعم دائمة ومواقع أخرى، لا سيّما بالعاصمة البوركينية (واغادوغو)، وعطار الموريتانية.

2- سانغاريس: في ديسمبر/ كانون الأول 2013، انطلقت عملية “سانغاريس” في إفريقيا الوسطى، في إطار الأزمة الطائفية التي هزت البلد الأخير، وذلك بقرار من الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وبموافقة من منظمة الأمم المتحدة، لتتسلّم المشعل عن عملية “بوالي”. وطبقًا للقرار الأممي الصادر بشأنها، فإنّ مهمّة هذه العملية تشمل “دعم البعثة الأممية في إفريقيا الوسطى (ميسكا) في تنفيذ مهامها”؛ ما يعني أنّ العملية الفرنسية مكلفة بحماية المدنيين، واستعادة الأمن والنظام، وتحقيق الاستقرار في البلاد، واستعادة سلطة الدولة على كامل أراضيها، بالإضافة إلى تهيئة الظروف الملائمة لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين.

3- سرفال: نشرت هذه القوة العسكرية الفرنسية بطلب من حكومة باماكو، لمواجهة تفاقم الأزمة في مالي، إثر الانقلاب العسكري في مارس/ آذار 2012، في إطار مهمّة تقضي بمساعدة قوات الجيش المالي على وقف تقدم الجماعات المسلحة، من المنطقة الشمالية للبلاد، وضمان سلامة المدنيين. ولتصفية المتمرّدين المتحالفين، في تلك الفترة، مع التنظيمات المتطرّفة، حشد الجيش الفرنسي قواته الخاصة المتمركزة في منطقة الساحل الإفريقي، والتابعة لجيوش البر والجو والبحر. وعقب انتهاء المعارك في أبريل/ نيسان 2014، تم التخفيض تدريجيًا في عدد جنود “سرفال” الذين وصلوا إلى أربعة آلاف عسكري تقريبًا، لتحل محلّها البعثة الأممية التي تحوّل اسمها من “ميسكا” إلى “مينوسما”. وفي أغسطس/ آب 2014، انتهت “سرفال”، التي خلفت بدورها عملية “إيبرفييه”، لتفسح المجال لـ “برخان”.

4- هارمتان: بموجب تفويض من الأمم المتحدة، انطلقت عملية “هارمتان”، إثر اندلاع الثورة الليبية عام 2011، لوضع حد لـ”المجازر”، التي كانت تقترف، حينها، بحق المدنيين، وقد انطلقت خلال الفترة من 17-31 من مارس/ آذار 2011. ومنح القرار رقم 1973، الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي يوم 18 مارس/ آذار 2011، الضوء الأخضر لتدخل عسكري دولي في ليبيا للتصدّي لنظام القذافي، وحشدت أسطولاً جويًا باشر عملياته من قواعد جوية متقدمة (اليونان وإيطاليا)، أو من فرنسا، بمعدل “15 طائرة في اليوم”. كما سخرت قوة المهمّات 473، التابعة للبحرية الفرنسية، عتادًا بحريًا وجويًا هامًا، لتنتهي العملية، يوم 31 مارس/ آذار من العام نفسه، وتواصل مهامها تحت اسم عملية “الحامي الموحّد”، التي نفّذها الحلف الأطلسي في ليبيا (وضمّت كلاً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا) حتى يوم 31 من أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أي إثر 11 يومًا من مقتل العقيد القذافي.

5- ليكورن: استنادًا إلى اتفاقيات الدفاع الموقّعة مع كوت ديفوار، نشرت فرنسا، في سبتمبر/ أيلول 2002، قوة “ليكورن” العسكرية في وقت كان فيه البلد الأوّل غارقًا في أتّون حرب أهلية وضعت في المواجهة شمالاً خاضعًا لسيطرة المتمرّدين، وجنوبًا تهيمن عليه القوات الموالية لسلطات البلاد، وذلك في أعقاب محاولة انقلاب، واستمرت تلك العملية حتى يناير/ كانون الثاني 2015، وخلال الأسابيع الأولى، اقتصرت أهداف العملية الفرنسية على “تأمين الرعايا الفرنسيين” الموجودين بكثرة في كوت ديفوار. لكن، ومع تصاعد وتيرة العنف، وبطلب من المجتمع الدولي، “تطور الحضور العسكري الفرنسي، خلال أسابيع قليلة، ليتّخذ شكل قوّة لحفظ السلام بين قوات الجيش الإيفواري والمتمردين” وفق وزارة الدفاع الفرنسية، وإنّ حجم هذه القوّة يتغيّر وفق الحاجة. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، وفي ذروة الأزمة الإيفوارية، ضمّت نحو خمسة آلاف جندي، وإثر “بلوغ” الأهداف المرجوة، قامت فرنسا مطلع 2015، باستبدال “ليكورن” بقاعدة عسكرية متقدمة أطلقت عليها “القوات الفرنسية في كوت ديفوار”.

6- بوالي: “بوالي”، التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 حتى ديسمبر/ كانون الأول 2013، كانت تتكفل بدعم تأسيس أول قوة إفريقية متعددة الجنسيات بإفريقيا الوسطى، التابعة لـ”المجموعة الاقتصادية والنقدية لمنطقة وسط إفريقيا” (سيماك)، ففي أعقاب الانقلاب الذي نفذه مسلحو “سيليكا” ضد الرئيس فرانسوا بوزيزي في مارس/ آذار 2013، عززت فرنسا قوة “بوالي”، في العاصمة بانغي، بهدف حماية الرعايا الفرنسيين في إفريقيا الوسطى، ليصل عدد الجنود بالمدينة المذكورة إلى خمسمئة عسكري، بعد أن كان حوالي ثلاثمئة. غير أنّ تأزم الأوضاع الأمنية في البلاد وارتفاع منسوب العنف، دفعا فرنسا لتعويض “بوالي” بعملية “سانغاريس”.

7- إيبرفييه: انتشرت قوة “إيبرفييه” في تشاد، في فبراير/ شباط 1986، بطلب من سلطات البلاد، في إطار الصراع المندلع بين ليبيا وتشاد، ضمن مهمّة تقضي بحماية مصالح فرنسا، وتقديم الدعم اللوجستي لقوات الجيش والأمن التشاديين، واستمرت تلك العملية حتى يوليو/ تموز 2014. ووفق موقع وزارة الدفاع الفرنسية، فقد بلغ عدد جنود تلك القوة، قبل أشهر قليلة من انتهاء مهامها، نحو 950 عسكريًا موزعين على قوات برية (320 جنديًا و80 سيارة)، وأخرى جوية (150 جنديًا وحوالي 12 طائرة بقاعدة نجامينا)، وقاعدة دعم مشتركة تقدم الدفع الميداني والفني للوحدات المتمركزة في مختلف المواقع.

الأسباب والأهداف[7]

في هذه الأثناء، وجدت فرنسا في “الحرب على الإرهاب”، حجّة قويّة لتبرير تدخّلها، سياسيًا وعسكريًا، في دول إفريقية تمرّ بأزمات. وليس خافيًا أن المصالح الاستراتيجية، هي السبب الحقيقي وراء اندفاع فرنسا وإصرارها على أن تكون حاضرة بقوة في قلب الحدث الإفريقي رغم خطورة الوضع ورغم ضعف الدعم الخارجي لها. لكن، ذلك يعتبر، “أهون الشرّين”، إذا كان سيساعد على تحجيم دور الجماعات الإرهابية في المنطقة.

ولذا، يعدّ بناء قاعدة عسكرية فرنسية في هذه المنطقة ذات الظروف القاسية، تحديًا لوجستيًا، بالإضافة إلى أن العناصر الإرهابية التي غالبًا ما تكون غير مرئية، تتطلب نشر قوات استطلاع كبيرة من مروحيات وطائرات، لتحديد موقعها واستهدافها، سواء بقتلها أو إصابتها، والقوات الفرنسية الموجودة في المنطقة تضم حوالي 4000 جندي، في حين يقدر عدد الإرهابيين في المنطقة بحوالي 2000 مُقاتل، بعضهم تابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبعضهم الآخر تابع لتنظيمات أخرى تشترك جميعًا في فكرها المتطرف، مما يجعل القضاء عليهم ليس بالأمر السهل، وإنما سيكون هناك أشبه بحرب عصابات تستنزف فيها القوات الفرنسية.

وكذلك يبدو الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، وراءه أهداف غير معلنة، تتعلّق برغبة باريس في ترسيم حدود مناطق نفوذها في مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وهذه الأهداف لها علاقة بالإرهاب وما تعتبره باريس تهديدات أمنية، لكن أيضًا له علاقة بالتهديدات الاقتصادية مع تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة الإفريقية ودخول منافسين آخرين من دول مجموعة البريكس إلى جانب الحضور الأميركي، مما ضيّق من حلقة المستفيدين من ثروات المنطقة. ولعلّ الهاجس الأكبر عند الفرنسيين، في النيجر بالتحديد، هو حماية “ملكيتهم” لمناجم اليورانيوم. فتعتبر النيجر رابع منتج عالمي لليورانيوم، وفي المنطقة المحيطة.

ويبدو في كثير من الأحيان، أن إنشاء هذه القاعدة، جاء لتدعيم الوجود العسكري، بهدف حماية المصالح الاقتصادية الفرنسية في شمال القارة وغربها، كما له دوافع سياسية تتمثل أساسًا في التأثير في الصراعات الدائرة في المنطقة، وخاصة الصراع الليبي، وكان نائب في البرلمان البلجيكي، قال إن “الهدف من الحرب الفرنسية على مالي، هو السيطرة على اليورانيوم، ونحن لسنا مغفلين”، وأكد أن فرنسا تقوم بهذه الحرب لإنقاذ شركتها العملاقة أريفا (AREVA)، ومجابهة القوة الصينية، وللثأر من التدخل الأميركي في المنطقة التي تعتبرها فرنسا ملكًا لها[8].

وخلال الحرب في مالي، شكّلت فرنسا قوات خاصة بحماية مواقع تعدين اليورانيوم في النيجر التي تديرها شركة “أريفا”. وتدخلت باريس عسكريًا في مالي لمنع المتطرفين من تجنيد وتدريب المقاتلين، ثم إعداد هجمات على الغرب. وهي اليوم، وإن لم تدعُ صراحة إلى تدخّل عسكري في ليبيا، ما تفتأ تحذّر من مخاطر الفوضى والإرهاب في ليبيا على دول الجوار وعلى أوروبا عمومًا.

مستقبل الوجود الفرنسي في الإقليم

قطعًا، من المستبعد تمامًا تخلي فرنسا عن منطقة نفوذها في الغرب الإفريقي، ولكن من المحتمل أن تشهد تغيرات استراتيجية، ومن المتوقع أن تسحب باريس تدخلها المباشر وتكتفي بالمشاركة بالقوة العسكرية المشتركة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، وهو ما يسمح بالقضاء على الإرهابيين والمجرمين في منطقة الساحل. وبالفعل أسس زعماء مجموعة دول الساحل الخمس[9]، وهي: مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد – رسميًا – قوة جديدة متعددة الجنسيات، ستعمل بالتنسيق مع القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، حازت دعمًا وتمويلاً من قبل العديد من الجهات والدول المعنية، وهذا باختصار، يقلل من العقبات الكثيرة التي تواجه التدخل العسكري المدفوع بحماية المصالح الفرنسية[10].

وأخيرًا، في ضوء ما تمَّ تناوله في هذا التحليل، يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط الأساسية على النحو التالي[11]:

1- التدخل العسكري الفرنسي في غرب إفريقيا، يتم بذريعة حماية الرعايا الفرنسيين وتحرير الرهائن في هذه الدول، أو محاربة المجموعات الانفصالية والمتمردين الذين لهم مشاكل مع الحكومة المركزية في هذه البلدان، كما حدث في مالي، بيد أنّ حقيقة هذا التدخل مرده للمصالح الاقتصادية الفرنسية، وذلك بعد تراجع نفوذ المستعمر السابق مقابل تنامي وتزايد نفوذ قوى صاعدة في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية في مالي، خاصة الولايات المتحدة والصين والهند، وكذا اليابان وغيرها.

2- تعرضت دول الاتحاد الأوروبي لأزمات اقتصادية بما فيها فرنسا، فلم يكن للأخيرة أي منفذ غير اللجوء لاسترجاع مكانتها في القارة الإفريقية، واستغلال ما تملكه القارة من ثروات وموارد متنوعة، فضلاً عن تخوفها من سيطرة الجماعات الإسلامية على الشمال الذي يمكن أن يمثل تهديدًا أمنيًا وعسكريًا للشمال الأوروبي، وكذلك إمكانية سيطرة هذه الجماعات على مناطق تحتوي على ثروات معدنية ضخمة، وخاصة البترول، والفوسفات، الحديد، واليورانيوم، فبعد هذا التدخل وقعت فرنسا صفقات اقتصادية كثيرة مع شركات استغلال مناجم الذهب والفوسفات والبحث عن البترول.

3- أن التدخّل العسكري الفرنسي في مالي، حقّق – على الأقل – بعض أهدافه المعلنة، أولها: وقف تقدم المجموعات الإسلامية المتطرفة نحو جنوب البلاد، والحيلولة دون تهديد العاصمة (باماكو)، وتدمير ما كانت تملكه من أسلحة متطورة. وثانيها: تحرير معظم المدن الرئيسة في الشمال، ممّا دفع هذه المجموعات للاحتماء بالمناطق الجبلية الوعرة في الشمال الشرقي لمالي على الحدود الجزائرية.

4- يبدو أن فرنسا حريصة استراتيجيًا على الوجود في مناطق الأزمات والصراعات في إفريقيا، وخصوصًا في الدول الفرانكفونية، وأنها على استعداد للقيام بمهام عسكرية كبيرة على غرار ما قامت به في ليبيا – على سبيل المثال – على الرغم من كونها دولة غير فرانكفونية، طالما أن ذلك سيعزز من بقائها واستمرار وجودها في إفريقيا. ومن ثَمَّ، فإن الرؤية المستقبلية للتدخلات العسكرية الراهنة والمحتملة، تتحرك باتجاه تعظيم هذه الآلية والتعويل عليها، طالما كان هناك توافق أميركي وأوروبي، لهذا التوجه الفرنسي على الأقل في المستقبل المنظور.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

[1]  السياسة الفرنسية في إفريقيا، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية.

[2] المصدر السابق.

[3]  “الساحل والصحراء” الإفريقية.. حكاية أخطر منطقة استراتيجية في العالم، بوابة فيتو المصرية.

[4] السياسة  الخارجية الفرنسية تجاه الصراعات العرقية في إفريقيا، المركز الديمقراطي العربي.

[5] في 10 سنوات.. 7 عمليات عسكرية فرنسية في إفريقيا، وكالة الأناضول.

[6] النيجر: إيمانويل ماكرون يؤكد أن عملية “برخان” ستستمر “بهدف تحقيق انتصارات ضد العدو، فرنس 24.

[7]  السياسة الفرنسية في إفريقيا، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية.

[8] فرنسا تسعى لجمع الأموال لتشكيل قوة لمكافحة الإرهاب غرب إفريقيا، موقع 24 الإماراتي.

[9] رؤساء فرنسا ودول غرب إفريقيا يعلنون تشكيل قوة للساحل، وكالة رويترز.

[10] إيمانويل ماكرون في النيجر للاحتفال بأعياد الميلاد مع الجنود الفرنسيين، موقع فرنس 24.

[11] https://bit.ly/2zrvxmZ التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه إفريقيا، المركز العربي للبحوث والدراسات.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر