الفصل بين الدين والموروث في تمكين المرأة | مركز سمت للدراسات

الفصل بين الدين والموروث في تمكين المرأة

التاريخ والوقت : الخميس, 8 مارس 2018

مي الشريف

اتخذت السعودية خطوات جادة وفعالة في عملية تمكين المرأة السعودية تعليميًا، وعمليًا، واجتماعيًا، وسياسيًا. وتسعى الدولة جاهدة لتحقيق المناخ المناسب وتيسير وصولها إلى مواقع أكثر فعالية، نظرًا لما تمتلكه من قدرات كبيرة علمية وعملية، ودعمًا لخطواتها التي أثبتت فيها نفسها ذاتيًا ومحليًا ودوليًا في كافة المجالات. وقد يعتقد البعض أن القرارات الأخيرة الداعمة للمرأة وتمكينها، لا تناسب مجتمعنا وديننا، ولكن هي قرارات تصحيحية لكل الأوضاع الجائرة التي أحدثها موروث ثقافي باطل وصحوة جاهلة، فاتخذت الإجراءات لرفع المظالم التي أحيقت بها وإعادتها إلى مكانتها في المجتمع.

إن تمكين المرأة غير مرفوض إسلاميًا.. بل واجب! فإذا راجعنا أدوار المرأة الحيوية والفعالة في بدايات الإسلام، فسنجد أن المرأة لها دور جلي، وأنها ساهمت في إثراء العمل الإنساني والثقافي والإداري، وكمثال على ذلك الصحابية “الشفاء العدوية”، رضي الله عنها، التي تعتبر أول امرأة تولت إدارة الأسواق بعدما عينها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد كانت “أهلاً لذلك” برواية ابن حزم. فإن الدور الذي أدَّته الشفاء العدوية، يماثل دور “وزير التجارة” في عصرنا الحالي، حيث إن المهام التي أوكلت إليها، مقاربة لوزير التجارة في تفاصيل الأعباء. ولم يتوقف عطاؤها هنا، فبدعم من الرسول، عليه الصلاة والسلام، وصحابته، كانت “الشفاء” أول معلمة في الإسلام، وخير من زرع حب العلم والمعرفة بين نساء المدينة، وكانت أم المؤمنين حفصة بنت عمر، رضي الله عنهما، ممن علمتهن. وشاركت كذلك في غزوات الرسول، عليه الصلاة والسلام، لتقوم بدور المطببة لمهاراتها في التطبيب والعناية بالجرحى. فهذه الأسباب وغيرها فضَّلها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على الرجال في تولية إدارة السوق، فكانت خير من اختار.

وقد يرى البعض في مجتمعنا، حرجًا في تمكين المرأة، إداريًا وسياسيًا، بحجة أن المرأة لا تليق بها الوظائف القيادية ولا تناسبها، بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى، في كتابه المحفوظ، أشاد “ببلقيس” ملكة سبأ لحكمتها ورجاحة عقلها. ففي خمس وعشرين آية قرآنية كريمة حكت “سورة النمل” قصة نبي الله سليمان عليه السلام، مع الملكة بلقيس. فتتجلى حكمتها الدينية والسياسية في قوله تعالى: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ* اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ* قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) صدق الله العظيم; فيلاحظ في الآيات استقلال بلقيس في الحكم السديد، وتقديرها كان أفضل من العرف، وأن حكمتها التي أظهرتها ليست محصورة على أحد، ويستطيع المرء أن يتحلى بها ذكرًا أو أنثى. ولكن، وبالرغم من ذكر القرآن الكريم لهذه القصة وغيرها عن رجاحة عقل النساء، إلا أننا نجد الموروثات الثقافية وربط العادات البالية بالدين، دون وجه حق، تشكك بقدرات المرأة وتقلل منها.

إذن، كيف وصل إلينا الفكر الناقص عن المرأة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، علينا العودة إلى تاريخ ما قبل الإسلام لنجد – على سبيل المثال – مشاركة بعض التعاليم اليهودية في عملية امتهان المرأة. فبعدما كانت المرأة ذات مكانة اجتماعية عالية أوصلتها سيادتها إلى أن صارت “آلهة” تُعبد حتى بقي بعضها عند العرب كاللات ونائلة والعزى ومناة، فتلك الأصنام التي عبدتها قريش إلى ما بعد ظهور الإسلام، ليست سوى أسماء نساء تمَّت عبادتهن في الماضي، ثم نحتوا لهن التماثيل ليستمروا في تقديسهن من خلالها; وقد ذكر القرآن الكريم في سورة النساء، قوله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا). فكانت المرأة تعبد قبل الديانة اليهودية، وبعد ما عرف اليهود توحيد الله عبر الرسل الذين أرسلهم الله إليهم، رفضوا عبادة غير الله، وقد كانت المرأة من ضمن ما كان يعبد قبل اليهودية، فبالغوا في رفضها إلى أن جعلوها في مرتبة دونية، فتمَّت شيطنتها وتجريدها من حقوقها الإنسانية والاجتماعية، ومنها تغلغلت الإسرائليات وغيرها من ثقافات وديانات وثنية إلى الجزيرة العربية وشاركت في رسم صورة المرأة ناقصة.

إن الرؤية الإسلامية لتمكين المرأة، هي ما تعمل به حكومتنا الرشيدة، في دفع وتوظيف الطاقات والإمكانيات النسائية من أجل عملية تغيير حقيقي وتنوير اجتماعي متكامل. فكلما تقدمت المرأة تقدم المجتمع، وكلما تأخرت تأخر المجتمع، وهذا ما تسعى له بلادنا كداعمة للمسيرة المتنامية للمرأة وفتح المجالات لها لخدمة وطنها، كما نصت عليه رؤية المملكة ٢٠٣٠ لتجعل المرأة أحد الأركان المهمة لبناء المستقبل.

كاتبة وباحثة سعودية *

@ReaderRiy

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر