في جولة ولي العهد تحقيق الرؤية 2030.. حاضرٌ بقوة! | مركز سمت للدراسات

في جولة ولي العهد تحقيق الرؤية 2030.. حاضرٌ بقوة!

التاريخ والوقت : الأحد, 4 مارس 2018

 د.إحسان علي بوحليقة 

مصر هي المحطة الأولى لجولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الدولية، وكان سموه قد زار مصر قبل عامين في أبريل 2016، وكان تحقيق “الرؤية السعودية 2030” حاضرًا آنئذٍ، كما هو حاضر اليوم. وقتها لم يكن واضحًا التوجه الاستراتيجي للعديد من المشاريع التي أُعلنت في تلك الزيارة لمصر، بقيمة تتجاوز 25 مليار دولار لتضاعف الاستثمارات السعودية هناك عدة أضعاف من مستواها الحالي (5.8 مليار دولار). لكن مصر، شأنها شأن السعودية، تسعى لتحقيق خطة طويلة المدى بحلول عام 2030. وهكذا، فمن المحطة الأولى من الجولة، فإن الاقتصاد حاضر بقوة، ويؤكد هذا الأمر تصريح رئيسة وزراء بريطانيا المُرحب بالزيارة الأولى لسموه للندن، حيث بينت أن السعودية تمر الآن بمرحلة من التغيير، وأنها شهدت قرارات للسماح للنساء بقيادة السيارات، اعتبارًا من يونيو (حزيران) من العام الحالي، موضحةً أن المرأة السعودية ستمثل ثلث نسبة القوى العاملة في المملكة بحلول 2030، وتوجه السعودية نحو تطوير قطاعات، مثل: الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، والترفيه، والسياحة. وقد شددت رئيسة الوزراء على أن هذه القطاعات جميعها، تعتبر المملكة المتحدة رائدة عالمية فيها، وتتوافر فيها فرص جديدة للتعاون بين بلدينا. هذا حديثٌ اقتصاديٌ بامتياز. ومن الناحية السعودية، فهذا ينسجم مع الملفات التي ما برح سمو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، يعطيها الأولية، وهي الرؤية 2030 وبرامجها المتعددة، بما في ذلك برنامج الشراكات الاستراتيجية، رغبة في تنويع الاقتصاد من أجل نموه، والنمو الاقتصادي هو الطريق لتحقيق الازدهار والبحبوحة.

وهذا النسق الاقتصادي، من المتوقع أن يكون حاضرًا في جولة الأمير بمحطاتها المتعددة، في فرنسا والولايات المتحدة، كما هو في مصر وبريطانيا. ولبيان هذه النقطة، لا ننسى أنه في زيارة سمو ولي العهد، السابقة للولايات المتحدة، زاحم الاقتصاد فيها ملفات السياسة والدفاع بعناد، بل وتقاطع معها وكان حاضرًا في ثناياها، في المناقشات مع الشركات العملاقة، مثل: بوينج، وريثون، ولوكهيدمارتن، وداو كميكال، ومايكروسوفت، وسيسكو.

ولا يفوت أن السعودية وفرنسا، تسعيان للتعاون في مجالات عدة، لا سيَّما في القطاعات البحرية، والطاقة، والنقل، وسبق أن بين وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، موقف بلاده، بقوله: “نحن معجبون بالإصلاحات التي تقومون بها اليوم في إطار رؤية عام 2030 التي تحمل خطة طموحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة”، مشيرًا إلى أن البلدين ملتزمان بتعزيز شراكة “قوية”، بأن قال: “حددنا منهجًا لتمكين فرنسا في مواكبة الإصلاحات الطموحة لرؤية 2030 في المجال الاقتصادي على وجه الخصوص”.

وخلال الوقت الفاصل بين الزيارتين تحققت أمور عدة، منها اتخاذ المملكة إجراءات عديدة لإصلاح مناخ الاستثمار، وسوق العمل، ولا سيَّما تحسين فرص المرأة للحصول على عمل، وتحريك ملف المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والانطلاق في زيادة المعروض من منتجات الترفيه، إضافةً إلى الإعلان عن عدد من المشاريع العملاقة غير التقليدية، مثل “نيوم” والقدية والبحر الأحمر، والتقليدية ولا سيَّما في قطاع الصناعة التحويلية لتعزيز وضع المملكة في الصناعات التحويلية النفطية وغير النفطية بما في ذلك التعدين والصناعات البحرية.

وتأتي جولة ولي العهد، بعد أن بذلت المملكة جهودًا حثيثة ومنسقة على أعلى مستوى لدفع برنامج الشراكات الاستراتيجية مع بلدان عدة وبالتوازي، إدراكًا أن الفرص التي لا تُستغل تضيع، وأن مصالح المملكة وتحقيقها رؤية 2030 وتطلعاتها الاقتصادية الهائلة، لا بدَّ لها من أن توظف علاقاتها الدولية المتميزة مع الدول الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد العالمي من جهة، والاقتصاد السعودي من جهة أخرى.

وهكذا، وضعت السعودية هيكلية وجهازًا تنفيذيًا ليسهر على تحقيق نتائج برنامج الشراكات الاستراتيجية، تصب في تحقيق مستهدفات الرؤية السعودية. وكدليل على الدافعية العالية لهذا البرنامج، فقد شهدنا كيف بدأ في تحقيق نتائج ملموسة وعلى مستوى عالمي، ليس أقلها ما تحقق في مجال النفط بتكاتف السعودية وروسيا لبث الحياة في اتفاق “أوبك+”، وهو الاتفاق الذي جلب للدول المنتجة للنفط مئات المليارات من الدولارات.

ما تقدم يبرر القول، إن جولة سمو ولي العهد، هي لتحقيق نتائج في ملفات متنوعة مع أربع دول ذات ثقل، بما في ذلك عقد اتفاقيات جديدة، ومتابعة اتفاقيات سابقة، واستجلاب المزيد من المنافع للمملكة، التي اليوم تعمل وفقًا لجدول زمني تقوده خارطة طريق، لها مستهدفات ومُعلمات (milestones)، لن يقبل طموح أميرنا إلا أن تتحقق، لتؤكد الدور المحوري للمملكة عربيًا وإقليميًا وإسلاميًا ودوليًا.

الجولة الأولى الدولية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليست بالتأكيد سلسلة من زيارات المجاملة، على الرغم من أهمية المجاملات والاهتمام بالبرتوكولات بين الدول. لكن جولة الأمير، وإن كانت رسمية، إلا أن تتبع الحراك بين المملكة والدول التي تشملها الجولة سيتضح منه أن الملفات أقرب ما تكون إلى زيارات العمل من ازدحام الملفات.

وكما نعلم أن المملكة كانت دائمًا تتمتع بعلاقات إيجابية مع معظم دول العالم. وفي الوقت الراهن، فإن الزخم الذي ولدته رؤية المملكة ٢٠٣٠ يتطلب توظيف العلاقات الخارجية توظيفًا حصيفًا يجلب للمملكة منافع اقتصادية ملموسة، ويساهم في تمكين المملكة من تحقيق رؤيتها عبر شراكات استراتيجية تجلب منافع متبادلة.

مصر العملاق العربي، الذي نتصل به وجدانًا ومصيرًا قبل تلاقي الأراضي والمتاخمة البحرية، بالإضافة إلى الملفات الأمنية والسياسية. لننظر إلى الملفات الاقتصادية، والمنتخب من أحد تلك الملفات، هو مشروع “نيوم” الذي تقدر تكلفته الإجمالية بنحو ٥٠٠ مليار دولار، ليحدث نقلة نوعية في دخولنا للاقتصاد المعرفي دخولاً بالتعاضد مع شركاء عالميين، قدم بعضهم للرياض ليقول ذلك على الملأ وأمام حشد ضخم حضر مؤتمر مبادرة الاستثمار. هذا المشروع سيحتضن جسر الملك سلمان، الذي يربط بين البلدين السعودية ومصر بوشيج اجتماعي- اقتصادي متين.

لنتذكر أن “نيوم” حقيقة يصنعها، كما ذكر سمو ولي العهد، الحالمون. ويبدو ملائمًا القول إن ذلك الحلم المتحول لحقيقة بازغة – بإذن الله – سينجب حقيقة عربية جديدة تقوم على العمل وليس الحكي، للملمة الشتات العربي بتوظيف قدراتٍ وطاقاتٍ لطالما أُهدرت، وكثيرًا ما هاجرت لتأتي لنيوم. فتحقق ما قتلته بحثًا، وليضخ المتمولون جراءتهم وأموالهم في جعل براءات الاختراع ونماذج التصميم وتجارب المعامل.. جعلها حقائق لها قواعد في “نيوم”… ومن مصر سيأتي مددٌ وفيرٌ.

خبير اقتصادي سعودي*

@ihsanbuhulaiga

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر