سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. رامي المنشاوي
ثلاثة أيام هي مدة الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي، بالأراضي المصرية، ثلاثة أيام تبدأ من الأحد من شهر مارس الجاري. زيارة رسمية أعلنت عنها المؤسسة الرسمية لرئاسة الجمهورية المصرية على لسان السفير باسم راضي، الناطق باسمها، بأنها زيارة:” لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن الاستمرار في التعاون في مجال مكافحة الإرهاب”.
زيارة ولي العهد، إلى القاهرة بحسب العديد من المراقبين – تحديدًا في هذا التوقيت – تحمل في طياتها العديد من الرسائل باعتبارها شاهدًا على المكانة التي تحظى بها مصر في قلوب السعوديين، فضلاً عن كونها “تعبيرًا عن متانة العلاقة القائمة بين القيادتين”. وهو ما يحملها مسؤولية كبيرة في أن تعود هذه الزيارة بالخير على الشعبين الشقيقين, فضلاً عن سائر شعوب المنطقة، التي ترى في تعاون البلدين إنقاذًا لها من أزماتها، كونهما شريكين أساسيين في العمل لإنقاذ اليمن من الإرهابيين الحوثيين، كما أنهما يعملان سويًا لوقف قطر عن سياستها التحريضية الداعمة للإرهاب، هذا فضلاً عن جهودهما المعروفة لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق”.[1]
المواثيق الرسمية لزيارات الرؤساء وولاة الأمور، تقتضي جملاً تلغرافية، ربَّما تعاد بنفس النمط والمفرد اللغوي والكتابي على غرار” بحث وتعزيز العلاقات وتعزيز فرص الاستثمار بين البلدين… إلخ”. والمراقب لما بثته الصحف المصرية والسعودية، يجد أن جمل تعزيز العلاقات والكليشيهات المكررة هي الوتيرة السائدة بين الجانبين، وهو أمر متعارف عليه في الزيارات الرسمية، غير أن العلاقات السعودية المصرية تحظيان بواقع مختلف على كافة المستويات نظرا للثقل الكبير لهما في المنطقة وعلى الصعيد الإسلامي، ولذا فإن من البديهي أن تتجه الأنظار إلى عدد من الملفات شديدة الأهمية من قبيل ملف الحرب اليمنية والعلاقات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
نقاط تستدعي التحليل والإجابة
الزيارة الرسمية التي يقوم بها ولي العهد السعودي، هي الزيارة الأولى أو المرحلة الأولى، عقب تولي الأمير محمد بن سلمان، ولاية العهد، وهي تطرح العديد من التكهنات بأن المشهد بحاجة إلى قراءة من نوع عميق، وبخاصة أن هذه الزيارة هي المحطة الأولى، تعقبها زيارة شديدة الأهمية للبيت الأبيض بالولايات المتحدة الأميركية، ثم زيارة إلى بريطانيا. وهو ما يطرح تساؤلاً: لمَ مصر أولاً؟
المعطى الثاني الذي يستوجب التوقف، هو فترة الانتخابات الرئاسية المصرية، التي تمَّ الاستعداد لها. نستطيع أن نصف المرحلة الزمنية بالوهج الحركي للمرشحين، وبخاصة أن تصويت المصريين، لم يتبقَ له سوى بضعة وعشرين يومًا، والتوقيت أيضا بحاجة إلى قراءة عميقة وإجابة تتماس مع الواقع.
هناك ملفات شائكة – ربَّما – يطرحها الساسة على طاولة مفاوضات يتم فيها اتخاذ تدابير وإجراءات من شأنها تغيير شكل الخريطة السياسية بين بلدان المنطقة، ربَّما يتم الإعلان عنها، وربَّما يتم الإعلان عن نواة بسيطة للاتفاق فيها… نهاية الزيارة هي التي ستحدد. بيد أن السؤال الآن هو: ما هي أهم الملفات التي يمكن أن نتوقعها لتكون مطروحة على طاولة ولي العهد السعودي والرئيس المصري؟
مما لا شك فيه، أن العالم الغربي قبل العربي، يلاحظ أن المشهد السعودي بدا عليه العديد من التغييرات جراء حراك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. العديد من القراءات والتحليلات السياسية، تشير إلى أننا أمام نموذج جديد ومختلف، يتبع نمطًا غير كلاسيكي في قواعد اللعبة السياسية، فالهوية الفكرية لولي العهد تنتمي لجيل الشباب، والشباب يمتاز بالطموح والحراك والأمل، والشباب أيضًا يتطلعون لغد من نوع مختلف. كما أن الهوية الفكرية تشي بأننا أمام قيادة تتبنى فكرًا تنويريًا يميل إلى كسر الجمود. وبلغة الشطرنج هناك فارق بين الوزير والحصان، الوزير في فقه اللعبة العسكرية يمتلك الثقل والرصانة، لكنه لا يستطيع أن يتخطى قطعة على الرقعة، بينما الحصان هو القطعة الوحيدة التي يمكنها القفز أمام العوائق، وكان نجم نابليون قد بزغ عبر تكنيك خطته الشهيرة باستخدام الحصان والوزير. وكان للحصان الدور الأكبر لما يمتاز به من حيوية.
مقتطف من مقال لكبريات الصحف الغربية: يتطرق الكاتب Bethan McKernan[2] عبر مقاله الذي حمل متن “من هو الأمير؟” إلى عرض دقيق وقراءة للشخصية السياسية صاحب رؤية السعودية 2030م. وعلى الرغم من أن المقال يتحدث عن الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي إلى لندن، فإنه تطرق إلى قراءة في صفات الزائر، موضحًا أن سمو ولي العهد، سياسي من طراز مختلف، ربَّما تشهد لندن بهذا عبر تشريفه، لما يمتاز به من صفات وإيديولوجيا مختلفة، تجعل الشعب البريطاني والأسرة الحاكمة تعي أنها أمام شخص يمتلك مفردات وخطابًا سياسيًا مختلفًا، وهو الرأي الذي نسعى إلى أن نبينه، والحكمة تقول إن المهر الشاب لا يمكن التكهن بتنقلاته، أو معرفة خط سيره، أو نمط حراكه، فهو يمتلك عينًا – ربَّما – لا نستطيع حصر كل زوايا رؤيتها. غير أن الكاتب يؤكد في مقاله، أن ولي العهد السعودي، هو من سيحدد طبوغرافيا الحراك السياسي داخل السعودية.
وبداية بالسؤال الثالث والمختص بأبرز القضايا والملفات المطروحة مع الرئيس المصري، خلال زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها الدولة المصرية في حربها على الإرهاب الداعشي في سيناء، وهو الأمر الذي يتوازى مع محاربة المملكة العربية السعودية للتمرد الحوثي في الجنوب، نحن أمام بلدين، أحدهما يحارب الإرهاب في شماله الشرقي، والآخر يحاربه في جنوبه. لذا، فإن الملف الحوثي ربَّما يشغل الحيز الأكبر بين وزير الدفاع السعودي، ولي العهد، وبين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. غير أن مفردات ما يتم اتخاذه من تدابير ربَّما يكون داخل الملفات السرية من اللقاء، ولا يمكن الإفصاح إلا عن جزء قليل منه لخطورة المعركة على الجانبين.
لذا، فمن الطبيعي أن ترقب إيران الوضع عن كثب، لما تحمله تبعات هذه الزيارة من قرارات ربَّما تغير كثيرًا من شكل وطبيعة العلاقات في المنطقة العربية، بل قل الشرق الأوسط أجمع. غير أن السؤال المنطقي للساسة داخل طهران هو: كيف يمكن التنبوء برد فعل ولي العهد السعودي، وبخاصة أن اللاعب السياسي ليس لديه قوالب مكرر أو حركة اعتيادية، يمكن التكهن بها نتيجة معرفة خطواته السابقة. باختصار النموذج الجديد ما زال يحمل شفرة الحراك والتحرك، وكما سبق وذكرنا في الحكمة العربية “أن المهر لا يمكن التنبؤ بخطوات سنابكه”.
ثم يتبقى تساؤل شديد الأهمية حول زمن الزيارة التي فيها يستعد الشعب المصري للتصويت الانتخابي لرئيس البلاد، وهي الفترة التي تسبق الذهاب للصناديق بأيام قليلة لا تتجاوز شهرًا: ما سر اختيار ولي العهد لهذا التوقيت تحديدًا؟ وما هي الرسالة التي يريد توصيلها للفصائل السياسية المعارضة لحكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؟
هل يمكن القول بأن ولي العهد السعودي، يعلن عبر اختيار الزمن كعنصر مقاتل هنا في الخريطة السياسية، دعمه للرئيس المصري ضد تيار الإخوان المسلمين أبرز المعارضين لوجود الرئيس المصري؟.. هو سؤال لا يمكن المجازفة والإجابة عليه بسهولة… الأيام القليلة وحدها هي من تجيب عليه.
ثم إلى التساؤل الأول في صدر التحليل، وهو اختيار القاهرة كمحطة أولى لجولة ولي العهد، ثم اتجاهه إلى لندن، ثم واشنطن .. لماذا القاهرة هي بداية انطلاق الرحلة؟.. هل يتبع ولي العهد فلسفة العرف في لقاء الأشقاء قبل لقاء الأغراب؟ هل يريد ولي العهد السعودي طمأنة المصريين إلى رباط الأخوة بين الخلين اللذين يفصلهما بحر فقط؟ لمَ قصد القاهرة تحديدًا كمنطلق أولي لقطار الجولة؟
أكاديمي وباحث مصري*
المراجع
[1] – جريدة اليوم السابع، رئيس تحرير صحيفة سعودية: زيارة ولي العهد للقاهرة رسالة ردع لـ”داعمى الإرهاب”
الجمعة، 02 مارس 2018 .
[2] -Mohammed bin Salman UK visit: Who is the Saudi Crown Prince, independent.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر