سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالرحمن كمال
بعد سويعات قليلة من تهديدات ترمب بشن ضربات عسكرية ضد سوريا، ردا على مجزرة خان شيخون الكيماوية التي راح ضحيتها أكثر من 500 بين قتيل وجريح غالبيتهم من الأطفال، لم يدم الأمر طويلا حتى فؤجئنا بغارات أمريكية على مطار الشعيرات العسكري في حمص.
وتمت الضربة الأمريكية فجر اليوم انطلاقا من مدمرتين أمريكيتين في شرق البحر المتوسط، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جيف ديفيس، إنه “بتوجيه من الرئيس (دونالد ترمب) نفذت القوات الأميركية هجوماَ بصواريخ كروز (نوع توماهوك)”، مشيرا إلى أن الضربة جاءت كرد على “قيام النظام السوري بهجوم كيمائي في خان شيخون قتل وجرح مئات من المواطنين الأبرياء”. وبيّن ديفيس أن 59 صاروخا استهدف “طائرات وملاجئ الطائرات ومستودعات للوقود والدعم اللوجستي ومستودعات الذخائر ونظم الدفاع الجوي وأجهزة الرادار”.
رسائل كثيرة مهمة أراد ترمب إيصالها إلى أطراف عديدة من خلال هذه الضربة، ونتائج أكثر أهمية لتلك الضربة، فالاختبار الحقيقي لترمب هو ما سيحدث بعد الضربة وليس الضربة فقط، كما أن العمليات العسكرية دائما لا يكون من السهل توقع ما سيحدث بعدها، لذلك سنحاول فهم ورصد ما وراء الضربة الأمريكية من رسائل ومن المقصود بهذه الرسائل:
1- الرسالة الأولى التي وصلت للعالم أجمع، هي أنه لا يوجد من يمكنه التوقع بخطوات ترمب أو معرفة ما يفكر به، ففي مطلع هذا الأسبوع فؤجئنا بتصريحات لإدارة ترمب تقول إن الإطاحة ببشار الأسد ونظامه لم يعد من الأولويات الأمريكية وأن مصير الأسد يقرره الشعب السوري فقط. ولم تمر أيام قليلة حتى تغير موقف ترمب كليا بشنه ضربة جوية بصواريخ توماهوك على مطار تابع للجيش السوري، في انقلاب واضح غريب في مواقف إدارة ترمب، أي أن العالم أمام رئيس مزاجي يصعب التكهن بقفزاته التالية، رئيس يختلف كليا عن كل رؤساء أمريكا السابقين، فالرجل الذي لم يكن مهتما بالسياسة من قبل، وجد نفسه في منصب يجبره على الاهتمام بالعالم بأسره، وقلة الحنكة السياسية ستجعل كل خطواته تعتمد على نقطتين : المزاجية والمكاسب الاقتصادية بحكم كونه رجل أعمال قبل أن يكون رئيسا.
2- الضربة الأمريكية تؤكد يقين واشنطن بمسئولية بشار الأسد عن مجزرة خان شيخون، فترمب لم ينتظر إجراء تحقيق دولي محايد كما طالبت موسكو، ولم يصغ كثيرا لرواية روسيا وسوريا، فهل ستكون كل مواقف أمريكا بعد ذلك معتمدة على ما تراه بمفردها؟ وهل ستتصرف بشكل منفرد مستقبلا؟ هذا ما سيخبرنا به ترمب لاحقا.
3- الخارجية الأمريكية أكدت أنه تم إخطار موسكو مسبقا بالضربة واتخذ المخططون العسكريون الأميركيون احتياطات للحد من خطر وجود طواقم روسية أو سورية في القاعدة، فهل يعني ذلك قابلية الموقف الروسي للتغير بخصوص التمسك ببقاء الأسد؟ أم أن موسكو لم ترد التصعيد مع إدارة ترمب التي تبدو لغزا محيرا حتى الآن بمواقفها المتناقضة؟ وهل أخبرت موسكو بشار الأسد بنية ترمب قصف سوريا؟ وأين منظومة اس 300 التي يتفاخر بها الروس وسبق وأعلن تقديمها إلى سوريا؟ “نيويورك تايمز” قالت إن الساخرين قد يخرجون بمقولة إن الولايات المتحدة حذرت مسبقا سرا الروس وحذروا الأسد من عدم الإقدام على أي رد فعل، ورجحت الصحيفة أن الإدارة الأميركية أرادت أن تتأكد من معرفة موسكو بما ننوي القيام به بحيث تبقي قواتها بمنأى عن الأذى ولا تبالغ في ردّة الفعل.
4- بحسب صحيفة “يو اس ايه توداي” كان ترمب من ضمن الذين حذروا أوباما من توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا في 2013، إثر هجوم كيماوي مماثل لمجزرة خان شيخون، فما هو سر التغير؟ بحسب الصحيفة ذاتها فإن ترمب تأثر بشدة من صور الأطفال ضحايا مجزرة خان شيخون، ورغم عاطفية التبرير الذي تقوله الصحيفة، إلا أنه قد يتماشى مع رئيس مزاجي لم تكن السياسة على رأس اهتمامته قبل توليه منصبه، لكننا أيضا لا نرى هذا السبب كافيا
5- في 2013، كانت الظروف متاحة أمام ضربة أمريكية إثر هجوم كيماوي مماثل، لكن اوباما لم يفعل ذلك، بينما اليوم، بعد أن أقدم ترمب على الضربة الجوية فإن المشكلة الكبيرة اليوم وفق صحيفة “واشنطن بوست” هو ما سيليها وتحديدا ما هو مرتبط برد روسيا. إذ إن الاختلاف الكبير بين 2013 حين هدد الرئيس الأميركي باراك أوباما بتوجيه ضربات ضد الأسد واليوم هو أن مخاطر اتساع الصراع أكبر بكثير. الفارق الكبير هو أن ترمب وقيادته العسكرية يواجهان اليوم حضور القوات الروسية في الميدان ومنظومات الدفاع الجوي الروسية القادرة على إسقاط الطائرات الأميركية. اليوم القوات الروسية متشابكة مع القوات السورية وأي ضربة على هدف عسكري سوري يمكن أن يتسبب بخسائر عسكرية روسية.
6- الضربة الأمريكية تأتي قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى موسكو، فهل كانت الضربة لربط التعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب ببذل روسيا جهودا “لكبح جماح نظام الأسد” ودفعه نحو مفاوضات حقيقية مع المعارضة. وهل تهدف لجعل روسيا تبدأ بدفع ثمن دعمها للأسد، لاسيما أن موسكو تشعر أنه لا حافز لديها للتفاوض حول إنهاء الأزمة السورية لأنها ترى نفسها على طريق الانتصار الخالي من أي تكلفة تقريبا، وبالتالي فإن هذه الحسابات قد تتغير حين ترى ارتفاع تكلفة تدخلها.
7- الضربة العسكرية السريعة حصلت في الوقت الذي كان يتناول فيه العشاء مع الرئيس الصيني، ما يعني أن الرسالة أيضا لم تكن قاصرة على روسيا وسوريا، بل إن الرسالة موجهة أيضا إلى ما تسميه أمريكا “الدول المارقة” وعلى رأسها كوريا الشمالية وإيران، خاصة أن الأولى تنعم بعلاقات وطيدة مع الصين، التي ربما أيضا تكون مستهدفة من الضربة رغم موعد العشاء. إن الولايات المتحدة بعثت رسالة للعالم أن لديها خطوط حمراء، سيكون الرد على تجاوزها عسكريا.
8- ربما أراد ترمب بهذه الضربة توجيه رسائل داخلية أيضا، مفادها نفي التهمة البغضية التي تلفق له ولرجال إدارته، بالتعاون السري والتطبيع مع روسيا، فالرجل يقع تحت ضغط إعلامي رهيب منذ قدومه، والتقارير التي تتحدث عن دعم المخابرات الروسية لحملته لا تتوقف، ومن هنا، قد يكون ترمب استغل مجزرة خان شيخون من أجل الرد على هذه التقارير بضربة تبدو تأديبية أكثر منها حاسمة لنظام بشار الأسد، وبالتالي لم يفرط في علاقته الوطيدة ببوتين، كما ذر الرماد في عيون منتقدي هذه العلاقة.
9- الرسالة الأهم والأكثر وضوحا والتي يجمع عليها كل الأطراف، أن أمريكا أوباما انتهت إلى غير رجعة، وإذا كان أوباما في حواره الشهير والأخير مع مجلة “ذي أتلانتيك” -الذي عنونته المجلة بـ”مبدأ أوباما”- قال أن الولايات المتحدة تركز على أماكن نفوذ جديدة مثل جنوب شرق آسيا وجنوب أفريقيا، وهو ما فسره البعض بالانسحاب من الشرق الوسط والسماح لروسيا بملء الفراغ الأمريكي، فإن الضربة الأمريكيى تعني أن ترمب يرغب في العودة إلى الشرق الأوسط واستعادة الدور الأمريكي الفاعل في المنطقة، أي أن الأمر كما قال محلل صهيوني: الشرطي الأمريكي عاد إلى المنطقة مرة أخرى.
10 – رغم فجائية الضربة وتخليها عن منهج أوباما التوبيخي للأسد، إلا أن ترمب لن يدفع باتجاه الإطاحة به رغم أمنيات ودعوات وتصريحات تركيا ودول الخليج، فالواقع أن ترمب لا ينوي التخلص من الأسد، بل معاقبته وردعه من استخدام أسلحة كيماوية، ومن هنا نستبعد إقدام روسيا على خطوة عسكرية ضد الولايات المتحدة، وسيقتصر الرد على الطرق الدبلوماسية الدولية، شريطة ألا تتكرر مثل هذه الهجمات مستقبلا. لجأ ترمب إلى عملية آمنة نسبيا، وهي قصف بالصواريخ من مسافة بعيدة، مقارنة بشن هجمات جوية أو إنزال قوات عسكرية أرضية”. فهل ينوي ترمب الاستمرار في هذه السياسة الهجومية أم أنها عملية أحادية ليس متوقع أن تستمر؟ وعلى يعي أن المواصلة في هذا الخط الهجومي يعني الاصطدام بروسيا؟
في الأخير، كل ما سبق مجرد اجتهاد ومحاولة لفهم طلاسم ورسائل الضربة الأمريكية ضد سوريا، ولا يعني ذلك تأييدنا لضرب سوريا، لكننا نجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه، بعد أن صارت دماء شعوبنا العربية مستباحة على أيدي من يفترض بهم حمايتهم، كنا نأمل ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، كنا نتمنى أن يستجيب الأسد لإرادة الشعب ويرحل، كنا نتمنى أن يكون الرد على مجازر الأسد عربيا خالصا، لكن ما نيل المطالب بالتمني.
صحفي وكاتب مصري*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر