سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فشلت قطر في تدعيم سياستها الخارجية الهادفة إلى الخروج من “عقدة الدولة الصغيرة”، وأن تصبح دولة فاعلة ومؤثرة في إقليم الشرق الأوسط وفي إفريقيا، فشلًا ذريعًا. حظي الحضور القطري المكثف والمتنامي في المنطقة الإفريقية، بكثير من التوجس والريبة، حيث لا تكاد تخلو دولة إفريقية من وجود قطري ظاهره الاستثمار، وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار، فقد امتطت قطر صهوة المال السياسي والاستثمار الاقتصادي بأرقام فلكية تفتح الشهية الإفريقية للوصول لأهدافها المعلنة وغير المعلنة، مسنودة بالذراع الإعلامي المتمثل في قناة الجزيرة، الذي تضغط به على هذه الدولة أو تلك، بالتضخيم والمبالغات في عرض وتناول الإشكاليات السياسية للدول، إذا لم ترضخ للمطالب القطرية، وهو ما فشلت فيه الدوحة أيضًا، لتتوالى إخفاقاتها على كافة الصُعد.
والشاهد هنا، ما بدا من استماتة قطرية في الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لإقليم غرب إفريقيا – 20 ديسمبر الأخير- في محاولة للخروج من “العزلة الإقليمية”، المفروضة عليها منذ يونيو 2017، على خلفية قرار المقاطعة الخليجية والعربية، بسبب دعمها للجماعات الإرهابية في العالم؛ وهو ما أدى إلى تراجع مكانة قطر في محيطها الإقليمي والجغرافي، ومن ثم قارة إفريقيا، ولكنها تسعى إلى ذلك بدعم ومساعدات إيرانية وتركية. ويقف وراء هذه التحركات، بجانب كسر العزلة الخليجية، عدد من الدوافع المهمة داخل القارة السمراء[1]، نبرز بعضًا منها كالتالي:
لماذا تفشل الدوحة دائمًا؟
بالعودة إلى سنوات ما سمي بـ”الربيع العربي”، نرى أن قطر ابتعدت عن دورها التقليدي في السياسة الخارجية، لقبول التغيير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودعم الدول التي تمر بمراحل انتقالية؛ لتبالغ في مقاربتها مع القوى السياسية الفاعلة، وازدادت الشكوك حيال دوافع الدوحة السياسية. وفي ظل القيادة القطرية الجديدة، التي تسلَّمت سدة الحكم منتصف عام 2013، اعتمدت الدوحة سياسة خارجية أكثر براغماتية، ورفعت مستويات دعمها للحركات الإسلاموية والإرهابية في الشرق الأوسط وشرق وغرب إفريقيا، وغيرها من الأسباب نلخصها إجمالاً كالآتي:
مما لا ريب فيه أن الدوحة شكلت شريانًا دائمًا للإرهاب في عدد من بلدان إفريقيا، ونستشهد بدولة مالي التي تحولت إلى أرض خصبة للإرهابيين، بسبب دعم قطري منقطع النظير، خلف ستار المساعدات وتوطيد العلاقات الثنائية، وتركزت عناصر الإرهاب القطري على 5 تنظيمات رئيسية باتت جميعها تحت لواء كتائب “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة، في إقليم الساحل وغرب إفريقيا.[2]
وانتبهت إليه دولة تشاد حيث كشفت تحركات مريبة في مناطقها الشمالية تشارك فيها قطر بالتمويل والتسليح، بعد أن دعمت المقاتلين على الحدود مع ليبيا ليصبح المتمردون التشاديون جزءًا من الميليشيات المسلحة كقوة الدرع الثالثة، في الهلال النفطي وأجدابيا والجفرة وبراك الشاطئ في ليبيا[3].
ومن الغرب إلى الشرق، عملت قطر على تقويض أمن واستقرار القرن الإفريقى، وزرع بؤر الخراب فيها، فقد دعمت الدوحة الحركات المعارضة الإسلاموية المتشددة فى إريتريا (حركة الجهاد والحزب الإسلامي وجبهة التحرير الإريتيرية وجبهة الإنقاذ) لإثارة المشاكل في العاصمة “أسمرة”، ومحاول إسقاط نظام الرئيس إفورقي، المعادي لسياسات تنظيم الحمدين التخريبية بالقارة.
وقدمت قطر، خلال الفترة من يناير 2016 وحتى نهاية العام الماضي، دعمًا سخيًا للجماعات الإرهابية في أرض الصومال، فقد دعمت شراء 29 سيارة دفع رباعي، لحركة “الإصلاح الإسلامي” التابع لتنظيم الإخوان الإرهابي الدولي، بالإضافة إلى الدعم العسكري لبعض الحركات المتشددة الأخرى في الصومال.
ولم يسلم الوسط الإفريقي أيضًا من خراب قطر، فقد عملت الدوحة على ربط التنظيمات الإرهابية المنتشرة في وسط القارة وتوحيد جهودها لإشاعة الفوضى، وإضعاف السلطة المركزية فيها، وإسقاط الأنظمة المعتدلة لتمكين المتطرفين التابعين لها من الحكم، وتحقيق مصالحها من خلالهم، حيث تدعم في هذا الإطار حركة “بوكو حرام” الإرهابية في نيجيريا والدول المجاورة لها.
وفي شمال إفريقيا، عمل نظام تميم بن حمد، على دعم الفصائل المتطرفة في موريتانيا لإسقاط الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، أحد الرؤساء العرب المناهض للمخطط الإرهابي القطري في المنطقة. وقطعًا الوضع في ليبيا خير دليل على العبث القطري في الدولة الليبية، التي تعتبر أكثر دولة من الدول الإفريقية المتأثرة سلبًا، بل أكثرها تدميرًا بالدعم القطري للميليشيات الإرهابية على أراضيها، فقد تصدَّر إرهابيو تنظيم “القاعدة” الذين عادوا من أفغانستان المشهد السياسي، وأضحى الإرهابي عبدالكريم بلحاج، محررًا لطرابلس في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، وحصل على دعم لوجستي ومالي رهيب من الدوحة[4].
وقد اتهمت مؤسسات شرعية ليبية، وعلى رأسها مجلس النواب والقيادة العامة للجيش، قطر بدعم الجماعات الإرهابية في ليبيا بالمال والسلاح، وأن قطر تستضيف عددًا من قادة الميليشيات الإرهابية، كالجماعة الليبية المقاتلة، وتنظيم القاعدة، وجماعة الإخوان.
أظهرت التطورات التي حدثت في ربيع عام 2013، مدى ضعف النفوذ القطري، في أرجاء الشرق الأوسط كافة. ففي الدوامة الناجمة عن الصدام بين سلطة النظام القديم الراسخة وبين العديد من المجموعات الجديدة الناشئة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، أصبح واضحًا أن ما من لاعب واحد يستطيع أن يتحكّم بوتيرة الأحداث أو باتجاهها. كما كشفت الصراعات السياسية المطوّلة والمعقّدة وقتها، عن حدود قدرات قطر، وافتقادها للدبلوماسية الكبيرة التي تسمح لها بدور معتدل على أقل تقدير[5]، مما يجعلها مستمرة في دعمها للقوى الإسلاموية والفصائل الإرهابية الموجودة داخل مناطق الصراع بالقارة السمراء.
ومن الدواعي التي أدت إلى الحال المزري لقطر، ارتباط استقرارها السياسي والاقتصادي بجماعة الإخوان الإرهابية، ذات الدور التدخّلي والمؤثر في أحداث “الخريف العربي” – إن جاز التعبير – نتيجة سمعة الجماعة دوليًا ووجودها الفاعل على الأرض حينذاك، وصاحب ذلك تأييد قيادات قوى سياسية إسلاموية صاعدة في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية، لا سيما الاضطرابات في ليبيا وسوريا، تحت شعار البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية. لذا، بات من المؤكد أن قطر لن تستعيد ذلك الدور الذي حققته في سنوات ما قبل مرحلة ما يعرف بـ”الربيع العربي”، إن لم تتخذ خطوات إيجابية في تحقيق شروط المصالحة مع محيطها العربي والخليجي، لكن الظاهر حتى اللحظة من جانب القيادة الحالية أنها باقية في عزلتها، وتسلك في مقابل ذلك اتجاهًا آخر بالبحث عن حلفاء في إفريقيا[6].
مستقبل العلاقات القطرية الإفريقية
رغم التحركات والجهود القطرية المبذولة في إفريقيا، فإن هناك العديد من مظاهر تراجع الدور القطري في إفريقيا[7]، كدليل قاطع على انكماش دور الدوحة الخارجي، عبر توظيف الأموال لاستقطاب فواعل إفريقية من الدول وغير الدول. لم تفلح سياسة “الشيكات” القطرية، نظرًا لأن أكثرية دول القارة السمراء أدركت أن أمنها واستقرارها أهم من تقديم التمويل الاقتصادي، والعلاقات الدبلوماسية المزيفة. كما يتضح أن السياسات القطرية الداعمة للتطرف في منطقة الساحل الإفريقي كانت أشبه بالألغام التي تنفجر تباعًا أثناء جولة تميم الإفريقية[8].
والسابق على ذلك ما تلقته الدوحة من صفعة قوية عندما أعلنت جيبوتى – التي خفضت تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة – وإريتريا اصطفافهما خلف المملكة العربية السعودية وشركائها في قرار مقاطعة الدوحة[9]. القرار الجيبوتي والإريتري، يكشف أن الأموال التي صرفتها قطر لاستقطاب فواعل إفريقية من الدول والجماعات المتمردة والتنظيمات المسلحة، لم يضمن لها خضوع تلك الأطراف لولائها التام، ما يعني أن وجودها الذي سعت إلى ترسيخه في العمق الإفريقي، ليس بالمتانة التي تضمن لها الاستقرار والاستمرار.
كما أعلنت الحكومة الموريتانية، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بدعوى عمل الأخيرة على تغذية الإرهاب والفكر المتطرف. وأشارت الحكومة الموريتانية، إلى أن قطر مسؤولة عمَّا آلت إليه الأمور في سوريا وليبيا، ولخص بيان وزارة الخارجية، الموقف الموريتاني استنادًا إلى المصلحة الوطنية، وأنه لا يوجد تهديد لأمن ومصالح موريتانيا الاستراتيجية، أخطر من الدور القطري في دعم التنظيمات الإرهابية وتغذية التطرف العنيف في منطقة الساحل. وكذلك السنغال استدعت سفيرها من العاصمة القطرية الدوحة، وحذت تشاد والنيجر وحكومة شرق ليبيا وجزر القمر حذوها، كما أن المزيد من الدول الإفريقية المسلمة قطعت علاقاتها مع قطر.
والدلالة الأخيرة هنا هي إخفاقات الدوحة في فرض زعامة وهمية ونفوذ في القارة الإفريقية من خلال زرع خلايا تابعة لها تعمل على الاستيلاء على السلطة في هذا البلد أو ذاك. فلم تستثنِ السياسة القطرية أي شبر من القارة السمراء، فقد بات استغلال قطر العوز المالي لبعض الأفارقة واضحًا للعيان، من أجل التغلغل داخل المجتمعات لتجنيد إرهابيين وتكوين جماعات متطرفة مسلحة تخدم أجندتها المشبوهة، وبفعل هذا المخطط – بدأ مع اعتلاء الأمير الأب حمد بن خليفة آل ثاني، الحكم في الدوحة عام 1995- أثيرت المشاكل والأزمات داخل دول القارة، بسبب الجماعات الإرهابية المسلحة، التي دعمتها الدوحة لسنوات طويلة.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
[1] جولة أمير قطر بغرب إفريقيا.. محاولة للخروج من العزلة الإقليمية، مركز الأهرام للدراسات، د.أميرة عبدالحليم.
[2] قطر في إفريقيا.. نشر الفوضى وإذكاء الصراعات، إعداد نيفين الحديدي، موقع 24 الإماراتي.
[3] قطر في إفريقيا.. دور الإرهاب الثابت، سكاي نيوز.
[4] تحت شعار العمل الخيري.. قطر راعية الإرهاب في إفريقيا، بوابة الحركات الإسلامية.
[5] قطر والربيع العربي.. الدوافع السياسية والمضاعفات الإقليمية، مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
[6] نفس المصدر السابق.
[7] النفوذ التمويلي.. تداعيات الأزمة الخليجية على الدور القطري في إفريقيا، مركز البديل للتخطيط، مصطفى صلاح.
[8] “ألغام” قطر في الساحل الإفريقي تنسف جولة تميم، جريدة الخليج،
[9] ماذا يريد أمير قطر من غرب أفريقيا؟ الحبيب الأسود، تونس.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر