سيناء المعضلة والحل (٢) | مركز سمت للدراسات

سيناء المعضلة والحل (٢)

التاريخ والوقت : الإثنين, 3 أبريل 2017

هاني ياسين

 

 

نمت في فترة من الفترات في صعيد مصر ظاهرة بروز بعض المجرمين على فترات متفاوتة يثيرون الرعب، ويستوطنون الجبال، واصطلح على تسميتهم بـ”خط الصعيد”، الاسم الذي كان يثير الفزع لدى القلوب، وتعارف الناس فيما بينهم أن كل من يحمل هذه الصفات فهو “خط الصعيد” الذي لم يكن واحداً، ولم تكن حالة فردية، بل كانت ظاهرة تبرز بين الحين والحين متنقلة إلى أماكن مختلفة، بحكايات وقصص تتشابه في البدايات والنهايات كذلك.

وراء كل “خط” قصة جعلته يسلك هذا الطريق، كان القاسم المشترك فيها جميعاً ظلم وقع عليه، وتعدٍ لم يستطع دفعه، وحق مسلوب لم يتمكن من رده، فعمد إلى شرعة الغاب، ليقتص لنفسه، ويأخذ بيده ما عجز عن أخذه بالقانون، وإن كان هذا السلوك في ذاته خاطئا، إلا أنه يلزمنا البحث فيه، ومعرفة مسبباته وطرق حله، فالوقاية كما يذكرون خير من العلاج.

لا تختلف كثيراً حالات خط الصعيد الفردية، عن حالات “الخط” الجديد الذي ظهر بصورة جماعية، في سيناء وغيرها ، ربما يكون الخط الجديد أشد و أقسى، لاسيما وأنه يتحرك من خلال عقيدة دينية يراها صواباً، ولا يقتنع برأي سواها، وهذا ما يجعل من الأمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى العمل على محاور عدة ومتشابكة، وليست سيناء فقط معنية بهذا الأمر، بل معني به كل مكان ومنطقة غزاها الإرهاب أو الفكر المتطرف الشاذ عن صحيح الدين ووسطية الإسلام واعتداله.

بداية من الضروري أن نعرف أن السيل لابد له من مجرى يرشده، وأعني هنا، أن بعض الشباب لديه طاقة دينية وبدنية يحتاج إلى تفريغها في مجرى طبيعي تحت رعاية الدول وعنايتها، وبطريق رسمي، فكل محاولة للوقوف أمام السيل ستصيب الإثنين بالخسارة، أما التعامل بعقل و حكمة، فلا يترك السيل ليهلك الحرث والنسل، وأما الوقوف أمامه فلن يجعلنا نسلم منه، والحكمة تقتضي أن أتركه يمر لكن تحت سمعي وبصري وعنايتي ورعايتي، واستغل تلك الطاقة في الشباب وحبهم لدينهم ورغبتهم في الإصلاح لأستفيد منهم، والنجاة من أذاهم ومن أذيتهم لأنفسهم ومن حولهم.

وقد نجحت الجماعات الإسلامية عن المؤسسات الدينية الرسمية في جذب الشباب لاعتمادهم على آليات وطرق جذب لهم، والتفكير بعقلية الشباب ومعرفة اهتماماتهم وكيفية استغلال ذلك في دعوتهم و تجنيدهم، في الوقت الذي تتعامل فيه المؤسسات الرسمية بوسائل وأدوات بالية عفى عليها الزمن، ولا تجد لها موطئ قدم في قلوب وعقول الشباب ، ولذا توجب أن يعكف علماء الدين، والاجتماع و النفس ومعهم المختصون بالرياضة و الفن و الاتصالات لوضع قواعد جديدة ووسائل جديدة لجذب الشباب مرة أخرى.

الأمر الآخر الذي نحتاجه لعلاج هذه المعضلة، هي رفع الظلم ، وفتح المجال للتعبير عن الرأي بحرية وسلمية دون الخوف من المحاسبة على الرأي طالما يتبع فيه السبل القانونية المتعارف عليها والتي تنظمها القوانين بلا إفراط ولا تفريط، فكل من يعلم ان حقه سيعود إليه إذا اتبع السبل القانونية فلن يفكر أبدا في اللجوء إلى الوسائل المجرمة للحصول على حقه المسلوب.

وسيناء في ذاتها تحتاج إلى عناية ورعاية خاصة، تحتاج لتنمية واهتمام بكل المناحي التعليمية و الصحية و الاقتصادية، لتوفير حياة كريمة و فرص عمل  للشباب ليجد ما يشغله عن الانجراف إلى مزالق الإرهاب ، وما تتكبده الدولة من خسائر بشرية ومادية لمحاربة هذه الجماعات يفوق بكثير أضعاف ما قد يبذل لو اعتمدت خطة واضحة في الارتقاء بالمحافظة.

أمر آخر لابد من الإشارة إليه ،يتمثل في تغذية روح الانتماء و الوطنية لدى المجتمع السيناوي، الذي يمثل حائط الصد الأول ضد هذه الأفكار، فشعور الإنسان بالانتماء لوطنه وأنه المسؤول الأول عن سلامته وأمنه يكون بالدرجة الأولى وسيلة الدفاع الأقوى و الأنجع في علاج هذه المشكلات،ففقدان هذا الانتماء و الحب لا يبالي بعدها صاحبه في أي واد  رمت الأقدار موطنه غير باك ولا منتحب عليه .

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر