قراءة في “الحراك الفكري السعودي” | مركز سمت للدراسات

قراءة في “الحراك الفكري السعودي”

التاريخ والوقت : الأربعاء, 29 مارس 2017

معاوية الأنصاري

 

“تنقل البوصلة الفكرية السعودية بين اليسار والحداثة والصحوة”

صدر كتاب الحراك الفكري السعودي “أوراق فكرية من سجالاته التاريخية” للدكتور وليد الهويريني بطبعته الأولى عن “تكوين” للدراسات والأبحاث عام 1437 – 2016م في 367 صفحة من الحجم المتوسط، أهداه المؤلف إلى “كل شاب سعودي.. وإلى كل فتاة سعودية.. وإلى الجيل السعودي الجديد الذي يستعد لالتقاط راية صدارة المشهد الثقافي في العالم العربي”…

استهل الدكتور وليد الهويريني كتابه بمقدمة أوضح فيها قلة الكتب والمصادر التي تؤرخ الحراك الفكري في العالم العربي باستثناء مصر. وعدّ المملكة العربية السعودية أحد أبرز الفاعلين في العالم العربي والإسلامي خلال النصف الثاني من القرن المنصرم على كل المستويات ومنها الفكري “الجانب الذي اهتم البحث برصده ودراسته” وجعل تبنيها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مدخلا للتأثير الفكري للمملكة الذي ترافق مع الرخاء الاقتصادي وهو ما انعكس على انتشار الدعوة السلفية وشيوعها في كافة البلاد العربية والإسلامية. وهذا ما جعل السلفية أو “الوهابية” كما يسميها أعداؤها الذخيرة الفكرية والخزان المالي الوفير لتمويل الإرهاب كما قرر الأمريكان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر!

وأوعز الهويريني اهتمام مراكز الدراسات الغربية بالبحث في الفكر السعودي لسد فجوة غياب التدوين السعودي لهذا الجانب، وأثنى على صرامة الكتابات الغربية الأكاديمية المعهودة وتميزها في قراءة الأبعاد السياسية المؤثرة في الحراك الفكري، واستدرك عليها ضعف استيعاب المرجعية الدينية والخلفية الثقافية المحلية في فهم الحركات والمواقف، واعتذر لها بفجوة البعد الجغرافي الذي لم تسدّه الزيارات البحثية القصيرة والمقابلات الخاطفة فهو بحاجة لمعايشة طويلة وتأملات عميقة في نطاق زمني ممتد. وانتقد أيضا الرواية التاريخية للفكر السعودي وعدّها قراءة رغبوية لتيار فكري مهيمن، وجلّ ما كتب فيها يغلب عليه الاختزال والتبسيط تارة والانحياز والتزييف تارة أخرى باستثناء كتاب السعودية: سيرة دولة ومجتمع للأستاذ عبدالعزيز الخضر.

ويتهم الهويريني وسائل الإعلام بتزييف وتشويه مكونات الحالة الإسلامية في السعودية وتزويرها والتلاعب بها لصالح أجندة فكرية منحازة حتى غدت الصورة النمطية للفكر السعودي مرتبكة متجافية عن الحقيقة، ويعدُ في كتابه الذي بين يدينا بمعالجة مواطن الخلل والاضطراب فيما أسماه بـ”الرواية السبتمبرية” للتاريخ الفكري السعودي.

وخلص الباحث إلى أن الفترة الممتدة من (11 سبتمبر 2001 – 3 يوليو2013م) محورية وتعتبر أكثر السنوات سخونة وسجالا في التاريخ الفكري السعودي وأوصى بدراستها من قبل مؤسسات بحثية متخصصة قبل رسم أي خارطة إصلاح اجتماعي أو فكري أو سياسي في السعودية.

ثم شرع في الفصل الأول من كتابه وافتتحه بمدخل حول المجتمع السعودي وعدم تأثر منظومته القيمية بمخرجات الحداثة الغربية كما حدث في نفس الحقبة لمجتمعات عربية أخرى؛ بسبب ما أسماه بـ”العزلة القدرية” والاستعمار الذي بقيت غالب نواحي المملكة في منأى عنه. وعرج على الدعوة السلفية وتأثيرها في خلق هوية محافظة للسعودية في بدايات تشكل الدولة.

وعنون أول مباحث الفصل بـ”حقبة ما قبل الصحوة” استعرض فيه فترة صعود اليسار السعودي وبدأها باستعراض المناخ العربي والمحلي وظروف تشكل هذا الاتجاه في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي متزامنا مع حقبة التحرر وتقاسم النفوذ بين المعسكر الشرقي والآخر الغربي، وتبعا لذلك تسللت الاتجاهات الأيدلوجية للشباب العربي وكان التيار اليساري الشيوعي أكثرها تأثيرا عليه، ومن هنا انتقلت تلك العدوى لشبان الخليج العربي، وخصوصا أبناء الطبقة الوسطى المهتمة بالإصلاح والتغيير، وكانت “أرامكو” ببيئتها العلمية الثرية محضنا مثاليا لتبادل الأفكار والتسويق لها بين الطلاب والعمال والأساتذة العرب لاسيما المتأثرين بالقومية والشيوعية والبعثية، ولم تمض سنوات قليلة حتى كانت تلك الأفكار هي الأكثر رواجا بين الطلاب السعوديين. ونقل الهويريني عن إسحاق الشيخ يعقوب أسماء أبرز المنتسبين للشيوعية في تلك الفترة وذكر منهم محمد العلي، ونجيب الخنيزي وعلي الدميني وعقل الباهلي وآخرين، واستعرض أيضا أبرز التنظيمات القومية كـ “شباب الطليعة العربية السعودية” و”نجد الفتاة” ومن أبرز أعضائها عبدالرحمن منيف وعبدالله الطريقي ومحمد سعيد طيب وتركي الحمد.

وعنون القسم الثالث بـ”الانقسام والتفكك ثم التلاشي” وذكر فيه عوامل زوال تأثير اليسار على الساحة السعودية فكريا وسياسيا واجتماعيا وأوجزها في:

1-​نخبويتها وانعدام تجذرها الشعبي.

2-​حمولتها الفكرية المستوردة.

3-​تواضع إمكانيات أفرادها.

وعنون رابع الأقسام بـ “التجربة اليسارية.. دروس التاريخ” أشار فيه إلى تأثير الوافدين العرب على السعوديين ومساهمتهم في نشر تلك المذاهب الفكرية، ويسخر الهويريني من بعض المماحكات الفكرية المعاصرة التي تروج لتأثر الاتجاه الإسلامي في المملكة بالإخوان المسلمين في سياق التأليب والاستعداء مع تجاهل تأثير الأساتذة العرب في الاتجاهات الأخرى. كما ألمح أيضا إلى شح المصادر والعناوين في رصد التجربة اليسارية السعودية، وأرجعه لتدني المستوى التعليمي تلك الفترة إضافة للمخاوف من تبعات التصدي لمثل هذه الجوانب، وضعف ثقافة التدوين، وأخيرا الرغبة في التخلص من الماضي لدى كثير من أصحاب تلك التجارب عقب التحولات التي طرأت على أفكارهم وتوجهاتهم. وكانت الرواية الأدبية مع ضعف مصداقيتها في تدوين التاريخ هي بداية تدوين أحداث تلك المرحلة كما نجد في “شقة الحرية” لغازي القصيبي”، و”ثلاثية” تركي الحمد، وعلي الدميني في “الغيمة الرصاصية”.

وعقب ذلك بيّن الهويريني الموقف الشرعي تجاه الحصاد الفكري للتجربة اليسارية في المملكة وقسمه إلى قسمين:

الأول: مناقض للشريعة الإسلامية ومصادم لمحكماتها؛ لأن الأيقونة الجامعة لكل تلك المذاهب الفكرية تدور حول نبذ الإسلام وتنحيته كإطار مرجعي للمجتمعات الإسلامية.

والثاني: قسم أمرت به الشريعة أو أباحته كالمطالب بزيادة أجور العمال، وغيرها من العناوين الإصلاحية، وعدّ قسما منها من النوازل المعاصرة تتباين فيها الآراء تبعا لاختلاف الأحوال.

ويرى أيضا أن التعرض لتلك الحقبة كان بطريقة مختزلة مخلة جانبت الموضوعية في غالب جوانبها بسبب ما أسماه بـ”القراءة التبجيلية” التي ركزت على المحتوى الحقوقي والمطلبي لدى اليساريين وعملت على تضخيمه مع غض الطرف عن المحتوى الأيدلوجي القومي والشيوعي، وتزعم أحيانا بتبني الشيوعية كشعار وعنوان وليس كأفكار وعقائد. وبموازاة تلك القراءة ظهرت أخرى وصفها بـ”التبخيسية” كانت تركز في تقييمها على المحتوى الفكري وتغض الطرف عن عضيده الحقوقي وتحاول الربط بينه وبين الإضرابات وبقية الأنشطة؛ لحث السلطة على إقصاء أصحاب هذا الفكر باعتباره مهددا لوجودها واستمراريتها.

ويختم الفصل بالاعتراف بعزيمة وتضحية بعض رموز الاتجاه اليساري بشبابهم ومستقبلهم في سبيل تحقيق ما يؤمنون به، وأشار إلى خفوت الخطاب الديني في مواجهة هذا التيار، وأرجع ذلك لتواضع إمكانياته الفكرية وعدم مواكبته للتغييرات والمنطلقات التي تمكنه من محاورة هذا الاتجاه ومناوأته.

محطات فكرية فاصلة

في المبحث الثاني من الكتاب يتعرض الهويريني لعدد من الأحداث الفكرية الكبرى في المملكة تحت مسمى محطات فاصلة. توقف في أولها عند حادثة الاعتداء الآثم في الحرم المكي الشريف تحت قيادة جهيمان العتيبي وفي تناوله للحادثة أفرد جهيمان بقراءة مستقلة عن الجماعة السلفية المحتسبة تعرض فيها لشخصيته وأهم العوامل المؤثرة في تشكيلها ولخصها في:

1-​الموقف الحاد من التمذهب الفقهي والتأثر بمدرسة أهل الحديث التي توجب الأخذ بالكتاب والسنة دون الرجوع لكتب المذاهب الفقهية، وجعل المؤلف هذا العامل سببا في جرأة جهيمان ورفاقه في الاجتهاد مع ضعفهم البيّن في التأهيل العلمي والبناء التأصيلي؛ ما تسبب في اضطراب منهجيتهم الاستدلالية.

2-​التعصب القبلي والتأثر بمحنة “إخوان من طاع الله”.

3-​التأثر بالرؤى والمنامات.

وفي المحطة الثانية لهذا المبحث يتناول الكتاب قضية “الصحوة وتيار الحداثة” ويبدؤه بتعريف الحداثة التي تدور حول فكرتين هما: الثورة ضد التقليد ومركزية العقل. ويشير إلى ظهورها في السعودية فترة الثمانينيات الميلادية وتمثل فصيلا من المثقفين ذوي النشاط والحضور اللافت في المجال الأدبي، وقد تمكنوا من السيطرة على عدد من الملاحق الأدبية في الصحف والمجلات لنشر أفكار التيار الحداثي وذكر من ضمن رموزها د. عبدالله الغذامي وسعيد السريحي  من المدرسة الفلسفية الغربية ومحمد العلي وعلي الدميني من المدرسة اليسارية حسب تقسيم د. عوض القرني في كتابه “الحداثة في ميزان الإسلام”، ويزعم الهويريني بأنهم مارسوا أقصى حالات الإقصاء لمخالفيهم في الوسط الثقافي إلى أن ظهر شريط “كاسيت” للدكتور سعيد الغامدي يتعرض فيه لتيار الحداثة في السعودية ولقي إقبالا واسعا لدى شباب الصحوة وتبعه الدكتور عوض القرني بكتابه السابق الذي قدّمه الشيخ عبدالعزيز بن باز بمكانته الاستثنائية في المجتمع آنذاك وهو ما جعله “رصاصة الرحمة” التي أجهزت على تيار الحداثة في السعودية كما يقول.

ويضيف أن “العشرية السبتمبرية” شهدت حملات إعلامية ضد تاريخ الصحوة ورموزها تصل إلى تزوير التاريخ وقلبه، ولم تقتصر على سجال الحداثة والصحوة بل امتدت لكافة أنشطة الأخيرة ومواقفها الفكرية والشرعية والسياسية. ويحمل رموز الصحوة بعض مسؤولية ما حدث؛ بسبب انشغال أبطال تلك الحقبة -على حد وصفه- عن تدوين تفاصيلها المؤثرة في التاريخ السعودي الحديث.

وعنون المحطة ثالثة بـ “سجال القصيبي وعلماء الصحوة” واستهل فيها الحديث عن القصيبي وسيرته العلمية والعملية والإبداعية قبل أن ينتقل للحديث عن سجالاته الفكرية مع شيوخ الصحوة (سلمان العودة وناصر العمر وعائض القرني) وعرج على علاقة القصيبي بعلماء ما قبل الصحوة وتعليقاتهم على بعض أحاديثه وكتاباته المتجاوزة. استنتج منها الهويريني أن سجاله وخصومته مع الصحوة ليست إلا استمرارا لتوجه سابق دشنه مع شخصيات شرعية ودينية رسمية. وأشار أيضا إلى تأثره الفكري بالقومية العربية إبان مجدها. واستعرض أبرز السجالات بين الجانبين وأهمها مقال القصيبي المعنون بـ”يوميات كاسيت”  الذي تمنى فيه من العلماء احترام تخصصاتهم وعدم الزج بأنفسهم في بحار السياسة دون أن يحسنوا السباحة فيها…

وكان الرد ثلاثيا من أقطاب الصحوة الأول لعائض القرني في خطبة بعنوان “سهام في عين العاصفة”. والثاني في محاضرة لناصر العمر بعنوان “السكينة.. السكينة” وأهمها محاضرة سلمان العودة “الشريط الإسلامي.. ماله وما عليه”. ويعلق صاحب الكتاب على هذا السجال متفقا مع عبدالعزيز الخضر بأن ردّ العودة كان الضربة الموجعة التي أربكت القصيبي؛ لأنه اعتمد خطابا حجاجيا غير مألوف لدى علماء ودعاة المملكة.

وفي آخر محطات هذا المبحث يتعرض الكتاب لمظاهرة قيادة المرأة للسيارة التي نظمت في الرياض عصر السادس من نوفمبر من عام 1990م وشاركت فيها 14 سيارة بقيادة 48 سعودية من الأكاديميات وسيدات الأعمال كعائشة المانع وحصة آل الشيخ وغيرهن.

ويرى الهويريني بأن استيعاب هذا الموقف بحاجة لفهم طبيعة التكوين الاجتماعي والثقافي للمجتمع السعودي آنذاك. وخروج المسيرة أثناء اندلاع حرب في البلاد في مجتمع محافظ كالسعودية كان حدثا صادما ومربكا؛ إضافة لغياب فكرة المظاهرات واقترانها في الذهنية الاجتماعية بالفوضى والإخلال بالأمن، فكان الموقف الاجتماعي بعيدا عن ما أسماه بالصراع الليبرالي الإسلامي رافضا لفكرة القيادة ومستنكرا لها ما انعكس على قوة الخطاب الديني في التصدي للحادثة. قبل أن يصدر بيان من الداخلية يمنع قيادة المرأة للسيارة استنادا إلى فتوى كبار العلماء. وفي ختام المبحث يرى بأن رمزية القضية في الذاكرة السعودية كمعركة بين الليبراليين والإسلاميين ساهم لحد كبير في تفاقمها وأصبحت بزخمها أداة لاستيعاب طاقة المجتمع وإشغاله عن قضايا أهم وأجدى.

وأخيرا يقرر بأن أغلب الكتابات التي تناولت ظاهرة الصحوة كتبت بلغة هجومية صدامية أكثر من كونها لغة نقدية مبنية على معايير علمية وثمة ثغرات في تعاطي عامة تلك الكتابات مع الصحوة الإسلامية بوصفها ظاهرة اجتماعية شاملة تتلخص في:

1-​اختزال بواعث ظهور الصحوة وتناميها في أسباب محلية.

2-​ تفسير ظاهرة تمدد الصحوة بأنه جاء نتيجة القهر والإجبار.

3-​محاولة تقييم مخرجات الصحوة وفق معايير أجنبية عنها.

“الحقبة السبتمبرية والربيع الفكري في السعودية”

يفتتح الدكتور وليد الهويريني ثالث مباحث الفصل الأول من كتابه “الحراك الفكري السعودي” بقراءة للمناخ العربي العام وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة على المنطقة العربية بدعوى حفظ المصالح الاستراتيجية مع ترك إدارة الشأن الداخلي لنظم محلية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية إلا في حدود تحقيق المصالح والمكاسب. إلى أن بدأ الأمريكان في الحديث عن نشر الديمقراطية في العالم العربي بنية تفكيك الأنظمة العربية تمهيدا لتقسيم المنطقة وفق أسس طائفية وإثنية وعرقية.

ثم انتقل إلى تبويب بعنوان “السعودية في عين العاصفة” نصًص في مستهله كلمة الجنرال الأمريكي رالف بيترز (إن تزايد ثروة السعوديين وبالتالي تزايد نفوذهم كان أسوأ شيء حدث للعالم الإسلامي منذ وفاة النبي وأسوأ شيء حدث للعرب منذ الغزو العثماني إن لم يكن الغزو المنغولي)

وتحدث عن الهزة الطارئة على العلاقة السعودية الأمريكية إثر تورط 15 سعوديا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتحولت المملكة بعدها لوجبة دسمة لوسائل الإعلام الأمريكية ولمفكريها وساستها، حتى ظهرت دعوات متطرفة عدوانية ضد السعودية باعتبارها نواة الشر والخصم الأكثر خطورة في الشرق الأوسط.

وبدورها اتخذت المملكة حزمة قرارات في ملفات سياسية واقتصادية وأمنية مكنتها من تفادي تلك التداعيات الخطرة. ويؤكد الهويريني بأن هناك قناعة أمريكية تجعل “الوهابية” خزانا فكريا للإرهاب وأن “الفكر السلفي”  بيئته المنتجة وحاضنته المخلصة. وينبه على أن الأمريكان لا يستهدفون بحديثهم هذا التنظيمات المسلحة فحسب وإنما يعنون بالدرجة الأولى الفكر السلفي بكل تجلياته.

واختتم المبحث بذكر ملامح الحقبة السبتمبرية على حد وصفه وأجملها في:

1-​الحوار الوطني.

2-​ربيع السعودية وسميت تلك الفترة بذلك نتيجة ظهور عدد من البيانات الإصلاحية.

3-​انطلاق شرارة العنف القاعدي.

4-​دعاة الحوار والتعايش على مائدة السلفية.

5-​تحولات الإسلاميين.

انتقل الدكتور وليد الهويريني في الفصل الثالث إلى المرحلة التي أسماها بـ”الربيع الفكري السعودي” وحددها بحقبة الثورات العربية “الربيع العربي” حيث شهدت الساحة السعودية سجالات فكرية نوعية لم يشهدها التاريخ السعودي الحديث حسب رأيه لا من حيث تنوع الشخصيات والآراء وتداعياتها ولا من حيث الشريحة المتفاعلة معها، ونسب هذا الأمر لتوسع الطبقة الوسطى في المجتمع وارتفاع معدل نسبة الشباب السكانية والانفجار التقني عبر شبكة الانترنت.

وانتخب ثماني سجالات فكرية تغطي أربع حقول:

1-​الحرية الفكرية

2-​الشريعة والديمقراطية

3-​المرأة

4-​الفن والتمثيل

وبسط الحديث في كل حقل منها بعد أن قسمه إلى عناصر تتناول أبرز ملامحه. وفي أولها بدأ بالحرية الفكرية وعرض تحتها ثلاث سجالات:

• حرية المنافقين بين التنوير والسلفية، وناقشه من زاوية اتساع هامش حرية المنافقين في المجتمع النبوي وما يمكن القياس عليه في التسامح مع الآراء المصادمة والمناقضة لأصول الإسلام.

• حادثة الإساءة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت مع ما يصفه الهويريني بالانفتاح الذي شهدته السعودية خلال “الحقبة السبتمبرية” ولم يقف هذا الانفتاح عند حدود شرعية ولا مسلمات دينية وألمح لأكثر من حادثة تجاوز فيها أبطالها تلك الحدود ثم تناول بشيء من التفصيل  قضية تغريدات حمزة كشغري المسيئة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم والتي أحدثت ضجيجا إعلاميا واجتماعيا انتهى باعتقاله بعد استعادته من خارج البلاد. وأعقب ذلك برسم حدود الحرية الفكرية في الشريعة بعد أن أوضح معالمها عند الليبراليين مشيرا لأهم الفروق الجوهرية بينها.

• ملتقى النهضة الشبابي وهو ملتقى خليجي فكري سنوي أقيمت أولى دوراته عام 2010 في البحرين والثانية في قطر 2012، وكان من المفترض أن تستضيف الكويت ثالث دوراته 2013 قبل إلغائها لدواع أمنية، وكان الملتقى تحت إدارة د. مصطفى الحسن وإشراف الشيخ د. سلمان العودة.

وفي ثاني مباحث الفصل الثاني يتعرض لـ “سجالات الشريعة والديمقراطية” ويقسمه إلى الديمقراطية والوثنية ومفهوم السيادة بين الشريعة والأمة. ومهد لهذا القسم بمسرد تاريخي لبدايات تأثر الحضارة الإسلامية بالفكر الغربي ومنشأ الخلاف بين النخب الثقافية حول معايير ما يمكن قبوله والاستفادة منه وما يمكن رفضه من تلك الثقافة المستوردة ومنها “الديمقراطية” التي يشكل مفهوم سيادة الأمة/الشعب أحد أهم ركائزها في الفكر الغربي. وقام الهويريني بفرز موقف الإسلاميين منها إلى ثلاثة مكونات:

الأول محرم وهو ما يمنح الشعب أو البرلمان الحق في تحريم أو إباحة “الأحكام المنصوصة” فهم متفقون على رفض وتحريم الديمقراطية التي تمنع جعل الوحي مرجعا فوق الدستور.

والثاني يوجب الإسلاميون إقامته كحق الأمة/الشعب في اختيار الحاكم والرقابة على السلطة وإقامة العدل وسن القوانين الإجرائية.

والثالث المباح وغالبه ما يتعلق بالمكون الإجرائي للديمقراطية كالانتخابات وتشكيل الأحزاب وتعيين الأغلبية وغيرها. وينص الباحث على أن النظر في هذا القسم نظر فقهي مجرد لا يدخل في الجدل العقدي حول تقييم النظام الديمقراطي. وينتقل بعد هذا التمهيد إلى السجال الفكري في هذا الباب بين فريقين السلفية الإصلاحية والمجموعة التنويرية كما يسميهم فالأول يتبنى الموقف الثلاثي المركب من الديمقراطية (محرم/ واجب/ مباح) والثاني يميل إلى جعل القسم المحرم من صميم الشرع. ويرى الهويريني بأن من ايجابيات سجال الديمقراطية والشريعة أنها جعلت هذه القضايا تدخل ميدان الفضاء الفكري السعودي بعد أن ظل اهتمام النخب الفكرية سطحيا لا يلامس أعماق المشكلة ولا يخوض في مناطق الاشتباك بين الشريعة والديمقراطية الغربية.

وفي سجال الاختلاط  في المبحث الثالث يمهد للسجال بذكر خلفيات المشهد والتي اختصرها باستهداف كل ما يتصل بالهوية الإسلامية في المشهد الفكري والإعلامي منذ أحداث 11 سبتمبر متهما ما أسماه بالإعلام الليبرالي بشن هذا الهجوم معرضا عن “الحرية” التي تعد أبرز قيمه التي ينادي بها في سبيل قمع كل المخالفين. الأمر الذي حدا بالدكتور الغذامي بوصفها بـ “الليبرالية الموشومة” و”لبرالية الدشير” كما سماها العروبي محمد سعيد طيب.

ثم انتقل إلى الحديث عن قصة الاختلاط في جامعة الملك عبدالله في ثول “كاوست” والتي بدأت بعدما أجاب الشيخ د. سعد الشثري أحد المستفتين عن حكم الاختلاط في الجامعة ذاتها وأوصى بإشراك لجان شرعية في إدارتها للنظر فيما هو مخالف للشرع واستبعاده ومن ذلك الاختلاط. وهو ما اعتبره المؤلف خطابا متسقا ومنسجما مع طبيعة خطاب المؤسسة الدينية الرسمية منذ 30 عاما، ويتهم الصحافة السعودية بشنّ حرب شعواء ضد الشيخ سعد ولم تتوقف الحملة إلا بعد صدور قرار ملكي بإعفاء الشثري من عضوية هيئة كبار العلماء.

ويخلص الهويريني إلى أن هذا التيار الذي يمسك بالإعلام ليست قضيته “أسلوب الدعوة” ولا شعارات المواطنة وعدم الإقصاء. بل ليس أكثر من “عصابة” لديها مشروع واضح في “تهتيك البنية الأخلاقية للفتاة السعودية”!. ثم يرسم الهويريني خارطة لاتجاهات النخب السعودية تجاه  سجال “الاختلاط” ويرى أن عامة العلماء وطلبة العلم والإسلاميين ذهبوا لمنع الاختلاط الذي يمتنع فيه عادة الالتزام بضوابط الشريعة في العلاقة بين الجنسين. بينما يؤيد التيار الليبرالي الاختلاط في كل مجالات الفضاء العام. ويضيف قسما لوجوه شرعية أيدت الاختلاط لفت فيه النظر إلى استدعاء الصحافة لآراء وفتاوى علماء الأزهر وآخرين مستقلين كالشيخ يوسف القرضاوي وقامت بتقديمهم كرموز للفقه المستنير، ويشير إلى التناقض والتحول الذي نقل القرضاوي ذاته إلى خانة رموز التطرف والإرهاب “مع اندلاع الثورات” بعد عامين فقط من التصنيف الأول!. وأنهى السجال باستعراض ومناقشة أدلة المانعين وذرائع المؤيدين للاختلاط في التعليم.

وفي المبحث الرابع يتناول سجالات الفن والتمثيل وتعرض فيه لمسلسل عمر والجدل الدائر حوله ومسلسل سيلفي وريث “طاش”. بدأ حديثه عن الأول بتمهيد حول ظروف إنتاج المسلسل بالشراكة بين مجموعة “mbc” والتلفزيون القطري وتناقلت الأنباء وجود مجموعة من العلماء شاركوا في مراجعة وتدقيق النص التاريخي للمسلسل وهم: يوسف القرضاوي وسلمان العودة وعلي الصلابي وعبدالوهاب الطريري وأكرم العمري وسعد العتيبي. وكانت مسألة تمثيل شخصيات الصحابة مدار النظر والنقاش وعدها الهويريني من النوازل التي لم يعرفها المسلمون إلا بعد دخول فن التمثيل من الحضارة الغربية، ويرى بأن منع عامة المجامع الفقهية المعاصرة من تمثيل الصحابة؛ سبب الإثارة المصاحبة لإعلان بث المسلسل ليعيد المسألة إلى واجهة الاهتمام الفقهي والفكري والشعبي. وختم السجال بأضواء حول مسلسل عمر كانت في مجملها تميل إلى المنع وتعتذر للمؤيدين خصوصا العودة والعتيبي.

وينتقل إلى مسلسل “سيلفي” حامل راية “طاش” كما يقول ويمهد الحديث حوله بمقدمة بعنوان الشاشة وتزييف الوعي يلمح فيها إلى التضليل الممارس من وسائل الإعلام لخدمة أجندتها المشبوهة ويؤكد على قوة تأثير الميديا في صياغة عقول المواطنين وتصورات السواد الأعظم من الجماهير ومواقفهم الاجتماعية. ويبدي أسفه على نجاح الإعلام العربي في جعل شهر رمضان أكبر موسم لإنتاج وعرض المسلسلات الخادشة لكل فضيلة على حد وصفه. ويخص حديثه بالحالة السعودية التي أدخلت التمثيل كأداة من أدوات السجال الفكري والمجتمعي ويستشهد بمسلسل “طاش ما طاش” لاسيما في سنوات مابعد 11 سبتمبر2001م. والذي أحدث سجالا طويلا دفع اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة المفتي العام للبلاد أن تصدر فتوى ضد المسلسل ومع ذلك ظل على خطه دون انقطاع. وفي عام 1436هـ عاد ناصر القصبي ليقدم مسلسلا جديدا في مسماه “سيلفي” ليعيد محتوى طاش القديم.

ويستعرض عددا من الحلقات المثيرة ويحاول تفكيكها وتسليط الضوء على رسائلها المصاحبة والجدل الذي دار حولها بين تيار داعم يمثله عدد من أصحاب الزوايا الصحفية وآخر مستنكر كما الحال لدى بعض المشايخ وأهل العلم.

وفي آخر فصول “الحراك الفكري السعودي” يتعرض الدكتور وليد الهويريني للتحديات التي تواجه هذا الحراك وأجملها في مبحثين الأول تحت عنوان “الفضاء العربي والإسلامي” وأدرج تحته:

1-​تداعي النظام العربي الرسمي.

2-​مركزية الدور السعودي.

3-​تنامي الولاءات المناطقية والقبلية والإقليمية.

4-​أطماع الأقليات (الشيعة العرب نموذجا)

وجاء المبحث الثاني بعنوان (“جهاد” ما بعد السلفية الجهادية) واستهله بمدخل يبين فيه مسار تناوله للموضوع أكد فيه أنه سيقيّم مدى دقة وعي السلفية الجهادية بالواقع الذي بنت عليه نظريتها ومنهجها للتغيير ثم البحث عن أثر هذا الوعي على نوازل الأمة في ظل ما أسماه بـ “حالة الفوضى والسيولة السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة وفي ضوء حالة التشظي التي عاشتها خلال السنوات الأخيرة”. وذكر بأن سبب إدراجه لهذا المبحث:

– أن للسعوديين نصيبا ملموسا في مسيرة السلفية الجهادية.

– حالة السيولة الأمنية والفوضى التي تعم العالم العربي تؤذن بالمزيد من نشوء الجماعات المسلحة.

– تحليل مشروع السلفية الجهادية في التغيير.

وقسّم حديثه في هذا المبحث إلى محطات الأولى باسم “السلفية الجهادية من النشأة إلى الأفول” تعرض فيها لأطوار تكوين السلفية الجهادية وكيف كانت محطة الجهاد الأفغاني ضد الروس في الثمانينيات المصنع الفكري والميدان التدريبي الذي انبثقت منه عامة الجماعات الجهادية، ويضع ثلاثة اتجاهات لحركة الجهاد المعاصر هي الجهاد الدفاعي، والجهاد الثوري، والجهاد العالمي.

ويتناول في المحطتين الثانية والثالثة عولمة الجهاد وصولا إلى انهيار تنظيم “القاعدة”، وأخيرا يتعرض لفجوة الوعي السياسي للسلفية الجهادية ويشرك معها كافة التيارات الإسلامية وغيرها في القرن الماضي ولكنها أكثر وضوحا في المدرسة السلفية المعاصرة بكل اتجاهاتها ويلخص أزمة الوعي تلك في عدم إدراك الواقع الذي تطبق فيه الحضارة الغربية على الأمة الإسلامية وأمم أخرى تعيش الأزمة ذاتها؛ تحت مظلة نظام دولي نشأ في نشوة انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية يمسك سدنته وحراسه بأدوات قوة هائلة تسعى لمنع أي أمة من الأمم المنافسة من النهوض والاستقلال. وضعف استيعاب أدوات القوة والتمكين وفق مقتضيات الواقع المعاصر مع وجود أصول غالية في التكفير أنتج وسينتج في المستقبل نتائج كارثية على أي حركة مقاومة وجهاد تظهر في البلاد الإسلامية ضد أي احتلال روسي أو إيراني أو غيره.

ويعقب الهويريني تلك المحطات بأخرى خصّها بـ “خلاف داعش مع السلفية الجهادية” تعرض فيها لجذور الخلاف القاعدي الداعشي وانتقال جبهة النصرة من “داعش” إلى “القاعدة” وتحولها إلى سنارة للجهاديين وسكين للتقسيم والغطاء الدولي للمليشيات الصفوية قبل أن يختم الفصل بدعوة إلى ترشيد فقه الجهاد.

وينتقل الكتاب بعد ذلك إلى المبحث الثالث تحت عنوان “تحديات فكرية مستقبلية” نتجت عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الأخيرين أوجزها في الغلو في الدين والعلمانية والإلحاد والتغريب.

وفي رابع المباحث يتحدث عن مواطن القوة والقيادة لدى السعوديين وعرّج فيه على بعض تلك المواطن ومنها تماسك الجبهة الداخلية وقيادة المحيط السني الجريح والأجيال الواعدة. وختم الدكتور وليد الهويريني كتابه بورقة أخيرة أشار فيها إلى أهمية إدراك الشباب السعودي لضرورة الخروج من حالة الاضطراب إلى التوازن ومن الانخراط المستمر والانهماك في سجالات سياسية وفكرية واجتماعية إلى مرحلة البناء العلمي والفكري وفق خطة محددة المراحل وواضحة الأهداف. فمن لا يقرأ التاريخ محكوم عليه أن يعيده والسعوديون أحوج من أي وقت مضى لرصّ صفوفهم وتوحيد كلمتهم للحفاظ على الهوية الثقافية لمجتمعهم والإعداد لصد الأخطار المحدقة بأمنهم ووطنهم.

 كاتب *

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر