سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لا يمكن للقمع، والاستبداد، الاستمرار إلى ما لا نهاية في طهران.. لوهلة ظنَّ البعض أن الاحتجاجات الإيرانية قد خمدت، ونجح النظام الإيراني في وأدها، ولكن الغلبة بقيت لهذا الحدث الرئيسي، الذي تخطت مجرياته مجرد احتجاجات ضد الغلاء، إلى استحالة المعيشة في ظل سياسات المرشد آية الله خامنئي، وتبقى الانتفاضة نقطة تحول من أجل الحرية والكرامة، في مواجهة الفساد المستشري، والأزمة الاقتصادية الحادة،(1) وارتفاع نسبة البطالة، والفشل في التعامل مع الملفات الحساسة. الأيام الأخيرة أثبتت فشل نظام الملالي في امتصاص زخم غضب الشعب الإيراني وتهدئته، مع بقاء وتزايد الممارسات القمعية، ما يعني أن دوافع وأسباب اندلاع انتفاضة أقوى ضد النظام أمر قائم.
اندلاع المظاهرات بشكل عفوي ومفاجئ وامتدادها لمختلف أنحاء البلاد في أيام قليلة، له دلالات قاطعة على أن الاستقرار الظاهر على السطح، لا يعبر عن حقيقة الرفض والسخط الذي تمور به البلاد، وهذا ما يبدو جليًا في تآكل شرعية النظام وتفاقم أزماته الهيكلية الداخلية، ولا سيما معاناة طهران الراهنة من أزماتها المركبة، المتعلقة بالهوية ونموذج بناء الدولة.
لا ريب في أن کل المعطيات تؤکد، بصورة أو بأخرى، أن أزمات النظام أکبر وأعمق بكثير من أن يتمكن من معالجتها، وإصلاحها، وهو أمر يبدو مفهومًا من جانب الأوساط السياسية المعنية بالشأن الإيراني. شهدت الأيام الأخيرة، سلسلة متواصلة من التظاهرات والاحتجاجات،(2) تحمل دلالات قاطعة على الفشل الذريع لنظام الملالي في التعامل مع تحديات الواقع الإيراني.
ومن خلال رصد الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية وشعارات المتظاهرين، خلال الأيام القليلة الماضية في عموم البلاد، من قبل النساء، والعمال، والمزارعین، وباقي الشرائح الأخری،(3) يظهر لنا أن بعضها جاء نتيجة العديد من الأسباب التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
– حرية المرأة:(4) تجرأت المرأة الإيرانية ضد النظام الإيراني، فقاد عدد من النساء تظاهرات وسط شوارع طهران احتجاجًا على الأوضاع السياسية القائمة التي يعتبرن أنها تحد من حقوقهن، وعلى إثرها جرى اعتقال 4 منهن، وشوهد بعضهن في مواقع فيديو تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، يخلعن حجابهن اعتراضًا وتمردًا ضد النظام، وهو ما يعد استكمالاً لما حدث في ديسمبر الأخير حينما اعتقل الأمن امرأة بسبب خلعها للحجاب في الشارع.
– كراهية خامنئي: مساء الاثنين 29 يناير، أبرز أهالي بندر عباس، كراهيتهم لنظام ولاية الفقيه الذي یحكم البلاد ويدمرها منذ 4 عقود، ووقف حشد من أهالي وشباب مدینة کرمان في شارع وساحة کوثر بالمدینة متشابكي الأیدي، في حين تحيط بهم قوات الأمن وهم یهتفون “دعمك أیها الشرطي”، وتجمع عدد من سكان مشروع مهر السكني في سربول ذهاب، أمام القائم مقامیة بالمدينة، محتجين على الهيئات الحكومية التي باعت هذه المجموعات السكنية للمواطنين بحجة كونها تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية والأمن، واحتج أهالي کان في طهران في أعقاب الحالة الخدمیة المأساویة في المنطقة في فصل الشتاء.(5)
– أزمات الموظفين العمال: أضرب الملايين من العمال والموظفين، لعدم حصولهم على حقوقهم المالية خلال الشهور الأخيرة، ناهيك عن تضرر 85 بالمئة من العمال الإیرانيين، ما يوازي 11 ملیونًا یعملون بعقود مؤقتة.
– أزمة البنية التحتية:(6) هاجم مسافرو مترو محطة غولشهر بمدینة كرج، مبنى إدارة المترو وأنزلوا صورة الجلاد خامنئي، احتجاجًا على توقف القطار رغم أخذ ثمن التذاكر منهم، والاختلال في حركة المرور وعدم وجود أقل بديل ممكن لأولئك الذين اختل عملهم وحیاتهم، وهم یهتفون “بلا شرف بلا شرف”. كما احتج المسافرون في مطار خميني الدولي في طهران بشعار “اخجل أیها المدیر غير الكفؤ” بسبب إلغاء الرحلات وعرقلة حركة الناس والمسافرين.
– احتجاجات المزارعين: استمر التجمع الاحتجاجي للمزارعين المحرومين في مدینة رابُر بمحافظة كرمان، أمام مبنى المحافظة، واحتج تجار السوق في قضاء بجستان بمحافظة خراسان، على الوضع المعیشي المأساوي بغلق متاجرهم. ونظم مزارعو الذرة والشمندر الأحمر في جهارمحال وبختیاري، تجمعًا أمام مصنع “هفشجان” لصناعة القند، احتجاجًا علی التأخیر في دفع مستحقاتهم.
– الحركات الاحتجاجية ومجاهدو خلق:(7) بإلقاء الضوء على التطورات السياسية في إيران خلال الـ 18 شهرًا الأخيرة، وتحديدًا منذ مهزلة الانتخابات في يونيو، تظهر أرضيات واضحة وصريحة من الناحية السياسية تقودنا بشكل واضح نحو منظمة “مجاهدي خلق” التي أطلقت شعار “الموت لخامنئي”، كما تجدر الإشارة هنا إلى دراسة إحصائية حول النشاطات والاحتجاجات الاجتماعية، كشفت عن 43 ألف حركة احتجاجية وقعت في فترة الولاية الحالية لروحاني.
– غضب الشباب وطلبة الجامعات: كان للطلاب دور في الاحتجاجات الحالية، فنظموا احتجاجات في العاصمة طهران، في ساحة الثورة وسط البلاد، واحتشدوا أمام المداخل الرئيسية للجامعات، ورددوا هتافات، مثل: “إصلاحيون ومحافظون.. كل شيء انتهى”.
– استعدادات استباقية وصراعات سياسية: لا شك أن الصراعات السياسية في الداخل الإيراني، ساهمت في تأجيج الأوضاع ثانية، فمع تراجع حدة الاحتجاجات نسبيًا، صعدت القوى المناوئة لحكومة روحاني، في إطار التحركات الاستباقية التي تتبناها تلك القوى استعدادًا للتحولات المحتملة التي قد تشهدها التوازنات السياسية الداخلية في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة التي فرضتها تلك الاحتجاجات.
ويبدو أن هذه الصراعات سوف تتفاقم أكثر خلال المرحلة القادمة، على ضوء الضغوط التي تتعرض لها إيران، بسبب الاحتجاجات الشعبية والمسارات الغامضة للاتفاق النووي، سواء من ناحية الرئيس السابق أحمدي نجاد وفريقه، أو من ناحية تيار المحافظين الأصوليين والمرشح المحتمل تصعيده، إبراهيم رئيسي، المشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد. وبالنظر إلى تحركات الفريقين يتبين التالي:
1 – سعي تيار المحافظين الأصوليين في إيران في المرحلة الحالية، إلى إعادة ترتيب توازناته السياسية الداخلية من جديد، من أجل الاستعداد مبكرًا للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تُجرى في عام 2020، وانتخابات رئاسة الجمهورية التي سوف تُنظم بعدها بعام. ويتمثل أحد أهم التحديات التي تواجهه في هذا السياق، في التوافق على تسمية قيادة أو شخصية جديدة تكون رمزًا للتيار خلال المرحلة القادمة، التي ربَّما تشهد أيضًا سباقًا على اختيار مرشد جديد للجمهورية في حالة غياب المرشد الحالي علي خامنئي عن المشهد.
وفي هذا الإطار، يبدو أن اتجاهات عديدة داخل التيار، بدأت تدعو إلى منح رجل الدين المشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد، إبراهيم رئيسي، فرصة جديدة لتولي تلك المهمة.
2- تقديم فريق الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، طلبًا لوزارة الداخلية لتنظيم مظاهرات منددة بالسياسات التي تتبناها الحكومة، بالتوازي مع الحملة التي تقودها في بعض المدن والقرى البعيدة عن العاصمة طهران، وتسعى من خلالها إلى إلقاء الضوء على المشكلات الاقتصادية التي تسببت فيها السياسات الحكومية.(8)
ووردت هنا عدة أهداف تسعى إليها مجموعة نجاد، عبر التصعيد ضد النظام الحالي، منها مواجهة الضغوط بالرد على الحملة التي تروجها الحكومة وتحاول عبرها تحميل المسؤولية عن المشكلات الاقتصادية الحالية على عاتق الحكومة السابقة. ومنها أيضًا محاولات استقطاب دعم الطبقة الدنيا لها، على سبيل الاستعداد المسبق للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها انتخابات مجلس الشورى التي سوف تجرى في عام 2020 وبعدها انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2021.
– الفساد وأزمة المرتبات والبنوك: حظي ملف الفساد باهتمام خاص على الساحة الداخلية الإيرانية، لتمتد اتهامات الفساد إلى أعلى رجالات السلطة، وعلى رأسها عائلة لاريجاني، خاصة الشقيقين علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، وصادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية.
ويذكر هنا أن الفساد المالي والسياسي داخل النظام الإيراني، ليس وليد اللحظة، فقد لقي شقيق الرئيس روحاني ومستشاره، حسين فريدون، تهم ارتكاب جنح مالية واستغلال النفوذ في تعيين أحد المقربين منه على رأس مصرف “رفاه”، وبناء عليه اعتقلته السلطة القضائية في يوليو 2017.
وبخلاف ذلك، أثارت ما سمي بـ”أزمة المرتبات الفلكية”، الغضب في صدور الإيرانيين، فقد تمَّ الكشف عن مرتبات ضخمة تمنح لبعض المسؤولين والموظفين الحكوميين، ولا سيما ما كشفه فريق أحمدي نجاد، عن بعض حالات الفساد الكبرى التي وقعت في بعض المصارف الإيرانية وطالت مسؤولين في الحكومة.
• كيف تعامل النظام الإيراني مع الانتفاضة في الأيام الأخيرة؟
وفي المقابل، حاول النظام الإيراني مواجهة هذه الانتفاضة، عبر الاستفادة من الأزمة الداخلية التي اندلعت في يونيو 2009، فانتهج عددًا من الآليات على اعتبار أن الاحتجاجات بدت ذات طبيعة مطلبية اقتصاديًّا واجتماعيًّا ارتبطت باستنزاف الأموال في الخارج، فلم يقتصر في تعامله مع الاحتجاجات على الآلة العسكرية فقط، وإنما اتجه إلى تبني آليات أخرى موازية.(9) وثمة تحركات متداخلة لا يزال لها أثر على المسارات المحتملة، تمثلت في:
وهي السياسات التي اعتمد عليها النظام الإيراني، لتزايد اهتمام المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الحقوقية، بانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة في إيران، لا سيما مع فرض عقوبات أميركية يوم 12 يناير 2018، شملت 14 كيانًا وشخصًا، وُجهت ضد بعضهم اتهامات بارتكاب انتهاكات في هذا الشأن.
سيناريوهات محتملة
وأخيرًا، يجدر بنا القول، إن الانتفاضة الإيرانية ليست حركة تلقائية من شأنها أن تتوقف بقمع مرحلي، فهذه الحقائق بداية من الانتفاضات الشعبية للإطاحة بالديكتاتورية الحاكمة في إيران، أو التغيير الذي حدث في سياسات واستراتيجيات الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، كلها نتاج شرعية وصواب الطريق الذي سلكته القوى الإيرانية منذ البداية، سواء في داخل إيران أو خارجها، ودفعت ثمنًا باهظًا في سبيله. ووفقًا لذلك، فنحن أمام سيناريوهين لا ثالث لهما:
1- السيناريو الأول: يرتبط بمدى قدرة النظام الحالي، على احتواء الاحتجاجات حتى انتهاء الفترة الرئاسية الراهنة، والدفع بمرشح رئاسي جديد، بدلاً من روحاني. وهو ما يبدو في تحركات تيار المحافظين الأصوليين الساعية نحو الدفع بـ”الملا الشاب” إبراهيم رئيسي، وربَّما يساهم في ذلك، عامل الخوف الذي ينتاب قطاع لا بأس به من الطبقة المتوسطة، خشيةَ الانزلاق إلى الفوضى والارتباك.
2- السيناريو الثاني: نجاح أصحاب شعار “الموت لخامنئي” (10) كشعار تردد صداه في أكثر من 140 مدينة إيرانية، واستهدف النظام بكافة أركانه، ولم يفرق بين إصلاحي أو محافظ، بل رفضهم قاطبة، وبالتالي فإن بقاء هذا النظام هو “أمر مؤقت”، كما تخطط المقاومة الإيرانية، وتراه “أسوأ ديكتاتورية في العالم”، و”الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم”. ويستند أصحاب هذا الشعار إلى موافقة الأغلبية الساحقة في الداخل الإيراني من ناحية، وتدهور الوضع الاقتصادي إلى حد الاقتراب من الإفلاس،(11) الذي يرى البعض أنه لا مفر منه، من ناحية أخرى.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1 – إفلاس النظام الإيراني لا مفر منه – منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، رابطة العالم الإسلامي.. خطاب جديد يحيّد التطرّف ويتصدى للإسلاموفوبيا
2 – موجة جديدة من الانتفاضة تربك الملالي- مجاهدي خلق الإيرانية.
3 – تواصل الاحتجاجات والإضرابات العمالية في إيران- جريدة الأيام.
4 – احتجاجات جديدة في إيران بقيادة النساء- الجريدة الكويتية
5 – الانتفاضة لن تمر بسلام.. انظروا إلى سوريا وليبيا- المحللة الأميركية هولي داغريس
6 – إيران.. تجمعات احتجاجية وإضرابات عمالية مستمرة- العربية نت. http://ara.tv/9yasp
7 – خلفيات الانتفاضة في إيران وإلى أين تسير؟- مهدي عقباني – جريدة الرياض
8 – لماذا ينتقد فريق أحمدي نجاد حكومة روحاني؟- المستقبل للأبحاث
9 – حلقة نقاش .. تحولات الداخل والخارج الإيراني بعد الاحتجاجات – مركز المستقبل
10 – نهاية أسوأ ديكتاتورية في إيران قريبًا- عبدالرحمن مهابادي
11 – نهاية أسوأ ديكتاتورية في إيران قريبًا- عبدالرحمن مهابادي. https://bit.ly/2DkG2eD
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر