أطفال اليوم .. وحوش المستقبل “لاجئين مفقودين” | مركز سمت للدراسات

أطفال اليوم .. وحوش المستقبل “لاجئين مفقودين”

التاريخ والوقت : السبت, 25 مارس 2017

بيسان عناب

 

 الحرب عبارة عن سلسلة لا تنتهي من الويلات والفواجع والآلام، تماماً كثوبٍ مهترئ، تحاول رتقه من جانب فيتمزق من جانب آخر، ومن كل مكان تغدو سوأتك مباحة للعلن. فما بين قتل ورعب وبيوت مهدمة فوق رؤوس أصحابها، وعائلات مشردة تمضي المساءات الباردة متراصة ملتحفة السماء، ونساء وفتيات بعمر الزهور تفض بكارتهن ويغتصبن عشرات المرات أمام ذويهن وأمام صمت العالم المخزي فإن الأمر لم ينته الى هذا الحد، بل تمادى العالم بصمته وقسوته وتنصله من المسؤوليات الملقاة على كاهله ليطال تجاهله مصائر زمرة كبيرة من الأطفال المساكين الذين فضت برائتهم قبل أوانها وقُنّعوا بوجوه ليست لهم، وملامح غريبة مخيفة استبدلت بها طهارتهم، وغدوا مشاريع وحوش على المدى البعيد.

    هؤلاء الأطفال المنسيون ضحايا الحروب والصراعات الوحشية بين الفرق المتناحرة، باتوا صغاراً وحيدين تائهين انتهت بهم الأحوال المأساوية في بلادهم بالبقاء بلا عائلة. قد تكون عائلاتهم أبيدت وقتل جميع أفرادها ولربما تشتتوا لظروف الهجرة واللجوء أو أثناء عمليات النزوح والاختطاف وما إلى ذلك مما لا يُحزر أثناء الحروب واحتمالاتها المتعددة؛ فغدوا لسوء حظهم وفرط تعاستهم لقمة سائغة وسهلة في فك تجار الحرب الملاعين.

    وفيما تشير العديد من التقارير وشهادات الأهالي في المناطق المنكوبة الى اختفاء الكثير من الأطفال الذين لم يجاوزوا الثامنة عشر من أعمارهم بعد، تفصح تقارير أخرى بأن التنظيمات الإرهابية تسعى للوصول الى هؤلاء الصغار وتتلقفهم الى أحضانها، إما بالاختطاف المباشر وإما بدفع الأموال لمهربي البشر. حيث يقوم هؤلاء باختطاف الأطفال قسراً، أو شرائهم من ذويهم مقابل دفع مبالغ مالية ثمناً لهم!

    ورغم بشاعة تصور تخلي الوالدين عن أبنائهم وبيعهم الى هؤلاء الأشرار إلا أن ذلك يحصل بالفعل على أرض الواقع، ويدفع المهربون لهؤلاء الأهالي مبالغ قد لاتجاوز الألفي دولار في بعض الأحيان ويتم نقلهم وتجنيدهم إما ليلتحقوا بتنظيمات إرهابية، أو ليتم استغلالهم في أمور أخرى، مثل أغراض الاستعباد الجنسي والشذوذ أو لتجارة الأعضاء البشرية، وهما شكلان من الاستغلال رائجان جداً في هذه الفترة بالذات..

                                    *****

    أما في جبهات الحرب فتسعى التنظيمات الإرهابية للاستفادة من هؤلاء الأطفال على عدة أوجه فقد يتم استغلالهم كدروع بشرية يُحتمى بها لتفادي الضربات، والقيام بالمهام الحساسة كإيصال الأخبار والمراسلات بين أعضاء التنظيم دون إثارة أي من الشبهات أو الشك.

    كما يقوم هؤلاء الأطفال أيضاً بأعمال السخرة والتنظيف ونقل الطعام وغير ذلك في المرحلة الآنية؛ ويتم تجنيدهم للمدى البعيد –بعد10 أعوام تقريباً- ليصبح الواحد منهم أما مقاتلاً أو جاسوساً أو انتحارياً!

    ذلك أن عملية أدلجة هؤلاء الأطفال وإمكانية التحكم بعقولهم أسهل وأقل تعقيداً من الأشخاص البالغين، فما بين زرع القيم التي يبتغيها القائمين على شؤونهم، وتربيتهم على أهداف التنظيم وغرسها عميقاً داخل نفوسهم؛ يغدو أمر تنشئة هؤلاء الأطفال وتجييشهم وغرس الولاء فيهم أسهل من التعامل مع أي بالغ آخر..

إنها كتيبة مقاتلين مخلصين مع وقف التنفيذ..

    أيضاً مما يساعد على تجنيد الأطفال واستغلالهم دوناً عن غيرهم كون تكلفة الاطفال بشكل عام منخفضة خلافاً للبالغين. أضف الى ذلك فإن الجانب النفسي يلعب دوراً كبيراً في الخنوع والطاعة؛ فيطيع الأطفال المستَغَلين أربابهم إما خوفاً من ضربهم وبطشهم والاستبداد بهم، وإما طمعاً بالمال والطعام والقرب مِن مَن له بعض السلطة والسطوة على الآخرين.

                                    *****

    أما عما فعله العالم على أرض الواقع من أجل هؤلاء المساكين المجهولي المصائر، فلم يتجاوز الاهتمام الأممي بهم سوى بضع محاولات خجولة لإحصاء أعدادهم، ولا ندري أصحيحة هي أم مجرد محاولات مغبونة مفتقرة الى الدقة نظراً لعدم وجود أوراق رسمية ولا إحصاءات أو سجلات موثقة لدخول البلاد -فقد تمت الكثير من عمليات النزوح بطرق التهريب غير الشرعية.

    إحدى تلك الدراسات تشير الى أن أكثر من 88 ألف طفل حسب منظمة يوروبول مفقودين لايعرف مكانهم ولا أين انتهت بهم السبل.

    ولا يوجد أحد يعمل حقاً لإيجاد حلول لهذه المشاكل الملحة، فالأمر لا يتعدى بضع وريقات تتلى على الملأ بمساعدة مكبرات للصوت في محافل دولية تنتهي بتناول طعام العشاء وتبادل الابتسامات والوعود الزائفة!

    الحرب ليست طائرات تحلق ولا قذائف تسقط وبنادق ترشق الموت في كل مكان، ليست أشلاء ونواحاً يهز صمت الأماكن المنكوبة وحسب، فتردد صدى الغارة ينتهي بانتهائها، والميت يُذهب به الى قبره والركام سيبنى يوماً ما، لكن الأحياء الذين لم تسحقهم جنازير الحرب ولم تجهز عليهم مدافعها، أولئك الذين تغاضت عنهم آلة الموت وسمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة، هاهم يعيشون ويروون قصصاً يشيب لها الولدان.. الكثير من الألم والكثير من الخيبات..

    لربما تسمح لنا الأقدار بأن نروي فجائع عاشها بشر لا أرقام وإحصائيات جامدة باردة لا روح فيها ذات يوم.. لكن حتى تسنح لنا الفرص لامانع لو عزفنا على وتر ضمائرنا قليلاً وأيقظنا صوت الرحمة وحس المسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال المنسيين فكلنا مسائلون.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر