سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عشرات المعتقلين من المحتجين والسياسيين والصحفيين، منهم من أفرجت عنهم السلطات السودانية، ومنهم من لا يزال رهن الاحتجاز، وذلك في خضم المظاهرات التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم، وبعض الولايات الأخرى، منذ بداية العام. احتجاجات اندلعت اعتراضًا على قرارات اقتصادية حكومية، من بينها خفض قيمة العملة، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وتفشي الغلاء.
التظاهرات اندلعت بسبب عناء ظروف معيشة المواطنين، حيث بات السودان يعاني من وضع اقتصادي صعب، لم يعد فيه النظام قادرًا على الاستمرار في دعم السلع الاستهلاكية وتوفير الحاجيات الأساسية بأسعار منخفضة هذا فضلاً عن أن الاحتجاجات ليست اقتصادية فقط، بل تخفي وراءها جانبًا سياسيًا يتمثل في رفض ترشح الرئيس البشير لولاية رئاسية جديدة، ورفض لحالة الاحتقان السياسي والحروب الداخلية في السودان.[1]
الموازنة المالية لعام 2018تضمنت مضاعفة أسعار الخبز ورفع الدولار الجمركي
تضمنت الموازنة المالية لعام 2018، مضاعفة أسعار الخبز ورفع الدولار الجمركي من 6.8 جنيه إلى 18 جنيهًا؛ ما أسفر عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني أثار حفيظة العشب السوداني الذي استجاب لنداء المعارضة في تنظيم احتجاجات سلمية بالخرطوم وأم درمان يومي 16 و17 يناير، على أثرها تعاملت معها الشرطة بعنف، واعتقل جهاز الأمن مئات الناشطين بينهم قيادات من الصف الأول في الأحزاب المناهضة لارتفاع الأسعار، مما جدد دعوة قوى المعارضة السودانية لتنظيم احتجاجات ضد الغلاء بمدينة الخرطوم بحري يوم 31 يناير.[2]
مسيرة الخلاص الكبرى
وقال بيان لقوى المعارضة، إن المعارضة ستسير “مسيرة الخلاص الكبرى” في الثالثة من بعد ظهر يوم الأربعاء 31 يناير انطلاقًا من ميدان “الشعبية” في مدينة الخرطوم بحري.وأكد مواصلة الاحتجاج والمواكب السلمية وكافة أشكال المقاومة المدنية ضد ما أسماها بـ”ميزانية التجويع” بالعاصمة والولايات والمهجر.ومنذ أكثر من أسبوعين تتعامل السلطات مع احتجاجات ضد الغلاء في عدة مدن، ما أسفر عن اعتقال العشرات من قادة الأحزاب والناشطين والصحفيين.
وأفادت قوى المعارضة في بيانها بأن “مستوى الاستجابة الجماهيرية للمواكب السابقة التي دعت إليها يومي 16 يناير بالخرطوم و17 يناير بأمدرمان، يؤكد أنه تلوح في الأفق بشائرنهوض جماهيري عظيم، يستوجب أن نضاعف الجهد في طريقه وصولاًإلى غايات الشعب السوداني في التحرر والانعتاق من تسلط نظام الإنقاذ البغيض”.وأدانت اعتداء السلطات على المعبرين سلميًا عن الرأي بالضرب والاعتقال والإفراط في ممارسة العنف، كما استنكرت الاعتداء على الصحفيين ومنعهم من القيام بواجب التغطية الإخبارية.
هنا الخرطوم ..سيناريوهات استشراف الأزمة
ما يعرف بثورات الربيع العربي التي اعتلى عرشها الإسلاميون، كانت صورة واضحة لمطامع البرغماتية السياسية بمسمى الدين، وكانت الدولة المصرية شاهدة بأحداثها على مسار أحداث يناير ومن قبلها تونس الخضراء وتحول الحكم بيد تيار الإسلام السياسي،غير أن الوضع في السودان يسير بشكل ومنحى مختلف إذا وضعنا في اعتبارنا أن حكومة البشير تنتمي إيديولوجيًا وفكريًا لمعسكر الإسلام السياسي؛ لذا يجب وضع معطيات شديدة الأهمية كلبنات لبناء سيناريو استشرافي لاحتجاجات السودان.
أولاً: طبيعة الحكم في السودان
ينتمي معسكر البشير إلى تيار الإخوان المسلمين، والحقائق الماضية والدعماللوجستي بين حكومة البشير ومعسكر إخوان مصر، يؤكد ويوضح هذه المسلمة الفرضية والمعطى الأصيل، وبالتالي علامَ يثور السودانيون؟
السودانيون يثورون على نظام الحكم الإيديولوجي، بمعنى أن الشعب السوداني قرر أن يحتج ويغير هوية النظام الحاكم التي رآها – بحسب احتجاجاته – اتصفت بالنفعية ولم تقدم حلاً للشعب يرضى الفقراء.
ثانيًا: الهوية السودانية وطبيعة الشخصية السودانية
ربَّما يجهل الكثير من أبناء المجتمعات العربية حقيقة البنية النفسية والاجتماعية للمواطن السوداني، بسبب ترهات الإعلام التي أخرجت الهوية السودانية في صورة متكاسلة، لكن الحقيقة تتنافى من كون السوداني شخصًا قليل الفهم، أو كسولاً. الحقيقة المجردة تفترض أن المواطن السوداني يتمتع بالآتي بحسب التكوين الجغرافي والبيئي:
1- المواطن السوداني عكف خلال السنوات الأخيرة على تبني فكرة التعلم الذاتي وتعليم نفسه بنفسه، وبالتالي أصبح الجيل الثلاثيني من حاملي الهوية السودانية من حملة الدرجات العلمية، إضافة إلى تميزهم في مجالات البرمجة العصبية والترجمة وعلوم الإنجليزية؛ لذا نحن أمام مواطن يعي أدواته جيدًا، ويتفهم طبيعة المرحلة المعرفية والتسلح بالتعلم الذاتي القائم على الممارسة الفردية واكتساب المعلومة.
2- المواطن السوداني يتمتع بهوية روحية مختلفة عن أقرانه في الوطن العربي، وهي تركيبة تحتاج إلى تحليل جغرافي أكثر منه اجتماعي كنموذج الدكتور جمال حمدان، الذي قام بتشريح الشخصية المصرية من زاوية جغرافية، وبالتالي فإن وجود شريان النيل الأزرق وعطبرة، لهما بالغ التأثير في هوية الشخصية السودانية وتركيبها.هذا النيل الذي يتسم بالانسيابية، لكن في الوقت نفسه له لحظات فيضان يغرق فيها الأخضر واليابس.
وعبر تضفير المعطى الأول والثاني نخرج بنتيجتين:
النتيجة الأولى: إن محاولات إحداث التغيير من خلال الاحتجاجات السودانية، هي فورة على نظام الإخوان المسلمين، وبالتالي لن تأتي الإرادة الشعبية بإخوان مسلمين آخرين؛ لأن الفورةعلى الماضي لن تقدمه بديلاً.. وهنا نبقى أمام خيارات ثلاثة:
الخيار الأول: ارتفاع الصوت اليساري داخل السودان واحتمالية الانحياز الجماهيري لفكر اليسار بمختلف توجهاته، نظرًا لتبنيه دعم الطبقات الكادحة، ناهيك عن دور المثقف السوداني والشريحة الشبابية التي ستؤيد هذا المنحى.
الخيار الثاني: ارتفاع صيحة الفكر القومي، وتبني فلسفة القومية العربية التي هي نتاج للفكر الناصري داخل الوطنالعربي.
الخيار الثالث: وهو الأقرب للتحقق: ارتفاع صيحة فكر توليفي يجمع بين الأفكار السياسية، ولكن هذا لن يحدث إلا في وجود زعيم ملهم يؤدي دور القائد الجماهيري الذي تلتف حوله صفوف وفئات الشعب السوداني. ومن هنا يمكن تحريك شرائح متنوعة داخل الخريطة السودانية ودعمه، ومن ثم الخروج بتجربة جديدة مغايرة شريطة أن نضع في الاعتبار أن الرهان القادم هو رهان على الشريحة الشبابية التي تنتظر وتنظر للأوضاع ولم تقرر أو تحسم كلمتها بعد.
الخلاصة تكمن في أن صاحب القرار الأصيل لأي متغير أو معترك، هو الصوت الشبابي فيما بين 18 و35 داخل المجتمع السوداني.. ولكن لماذا؟
إن التجارب الدولية والثورية في المجتمعات العربية وما نتجت عنه من تجارب مؤلمة، جعلت الشباب السوداني في حالة من الحكمة وعدم الرعونة، مخافة أن يقتنص صنيعهم تيار سياسي مثلما حدث في مصر وليبيا واليمن، وبالتالي فإن الهوية السودانية قد اكتست بحكمة فرضت عليها جراء التجارب العربية التي عاصرتها.
المراجع
[1] بي بي سي العربية،حديث الساعة: احتجاجات السودان .. دلالات وتبعات، كانون الثاني 2018.
[2]سودان تربيون، المعارضة السودانية تدعو لاحتجاجات جديدة بالخرطوم بحري، يناير 2018.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر