التنافس الأميركي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي | مركز سمت للدراسات

التنافس الأميركي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 18 فبراير 2025

د. عبدالله المدني

بمجرد أن أطلقت الصين في 20 يناير 2025، تطبيقها الخاص للذكاء الاصطناعي المعروف باسم “DeepSeek”، وما أعقب ذلك من قيام مجموعة من الباحثين الصينيين بنشر ورقة بحثية تفيد بأن “ديب سيك” هو أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي، وأنه يحقق أداء مشابهاً لمثيله الأميركي “ChatGPT” وأن هذا الإنجاز، الذي تحقق بتكلفة منخفضة وباستخدام عدد قليل من الرقائق.

جاء رداً على “الغطرسة والقيود والضغوط الأميركية”، راح بعض العرب يهلل ويطبل للإنجاز الصيني، وكأنه إنجاز يُعزى لوطنه، وراح البعض الآخر، من منطلق عدائه لكل ما هو غربي، يبشر بسقوط العهد التكنولوجي الأميركي قريباً، حتى قبل أن يستخدم التطبيق الصيني عملياً للتعرف على مميزاته “العظيمة”.

ولا حاجة لنا للقول إن الحدث جاء في إطار التنافس الأميركي – الصيني القائم منذ سنوات في مختلف المجالات العسكرية والعلمية والجيواستراتيجية والتجارية والصناعية، ووصل اليوم إلى مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي يُعزى فضل ابتكار نماذجه وإطلاقها إلى العالم للولايات المتحدة، التي استثمرت فيه مواردها الذاتية وأموالها وعقولها البشرية.

وبطبيعة الحال، وجد الصينيون أنهم سوف يتخلفون عن الأميركيين إن لم يبادروا إلى عمل شيء موازٍ، خصوصاً بعد أن أغلقت واشنطن الطريق أمامهم، وفرضت عليهم حصاراً تجارياً وتكنولوجياً ومعرفياً.

لا يمكننا هنا التقليل من الإنجاز الصيني الجديد، والذي نجم عن استثمارات صينية هائلة في الذكاء الاصطناعي فاقت 50 مليار دولار في عام 2023.

ويتوقع أن تتواصل لتصل إلى 120 مليار دولار بحلول 2027، طبقاً لبيانات “مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي العالمي”. لكن يبقى السؤال هو: هل “ديب سيك” إنجاز صيني بحت؟ أم أنه اعتمد جزئياً أو كلياً على تكنولوجيات ومكونات أجنبية؟

في 29 يناير الفائت، وفي جلسة استجوابه أمام مجلس الكونغرس الأميركي للبت في تعيينه وزيراً للتجارة في إدارة ترامب الجديدة، قال هوارد لوبتيك، إن شركة “ديب سيك” لم تكن لتنجح في إنجازها لولا شراؤها كمية كبيرة من رقائق (شركة متعددة الجنسيات مقرها كاليفورنيا .

وتعد الأبرز في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي) قبل أن تحظر الولايات المتحدة صادرات شركة إنفيديا من الرقائق إلى الصين في أكتوبر 2022. وأضاف أن الصينيين نجحوا في الالتفاف حول ضوابط التصدير الأميركية من خلال الاستعانة بدولة ثالثة.

وفي هذا السياق، نتذكر أن صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت في يوليو 2024 ما مفاده أن مؤسسات سنغافورية تعمل لمصلحة الصين اشترت كميات من شرائح الذكاء الاصطناعي المتطورة من Nvidia ودفعت أموالاً لطلاب صينيين من أجل مساعدتها.

وفي السياق نفسه، لا بد من الإشارة إلى ما قاله مستشار البيت الأبيض لشؤون الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، ديفيد ساكس لشبكة فوكس نيوز:

“إن “ديب سيك” استخدمت طريقة تسمى “التقطير المعرفي” أو knoelrdge distillation لاستخراج البيانات من نماذج “OpenAI” لمصلحتها”، علماً بأن “التقطير المعرفي” تقنية يتم فيها استخدام مخرجات نموذج الذكاء الاصطناعي الأكبر لتدريب نموذج أصغر وتحسينه، وهي تقنية شائعة في تدريب الذكاء الاصطناعي وتتطلب قوة حاسوبية أقل بكثير ما استخدمته شركة “OpenAI” لتدريب “ChatGPT”.

ومن جهتها، أكدت “OpenAI” ما قاله ديفيد ساكس حول عملية التقطير المعرفي، وانتقدت شركة “ديب سيك” لانتهاكها حقوق الملكية الفكرية.

والغريب هنا أن كاتب عمود صينياً مقيماً في بكين ومعروفاً كخبير في مجال تكنولوجيا المعلومات هو “وانغ تشي يوان” قال: “إنه من الواضح بعد فحص بعض الخصائص أن برنامج DeepDeek V-3 الذي تم إصداره في 26 ديسمبر 2024 استخدمت فيه تقنية التقطير عند التدريب”.

ولم يكتف الخبير الصيني بذلك فحسب، وإنما أخبرنا أيضاً بأن ورقة أكاديمية نشرتها مجموعة من الباحثين الصينيين في 25 نوفمبر الماضي بينت بالتفصيل عملية التقطير وفعاليتها.

مضيفاً أن نموذج الذكاء الاصطناعي المصنوع من البيانات المقطرة مثل “ديب سيك” قادر على الإجابة عن أسئلة أو حل مشكلات من تلك الشائعة في مرحلة الدراسة الثانوية مثلاً، لكنه غير قادر على الإجابة عن الأسئلة الصعبة والمعقدة على نحو ما يفعله “ChatGPT”.

ونختتم بالقول إن الإنجاز الصيني لا يمثل خطراً على موقع الولايات المتحدة التنافسي في الذكاء الاصطناعي، وإنْ قيل خلاف ذلك، إذ تبقى الأخيرة متفوقة بمراحل بسبب إمكانياتها المالية والاقتصادية الهائلة، وقدراتها الفريدة في استقطاب المواهب العالمية، ونظامها الجامعي المتقدم، ومراكزها البحثية المذهلة، وقدرتها على بناء تحالفات قوية وسريعة حول الذكاء الاصطناعي ومنصات التكنولوجيا المستقبلية، ناهيك عن تصدر شركاتها عملية تطوير نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

المصدر: البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر