سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مع أفول عام 2017 م, شهد المجتمع الإيراني، وتحديدًا مع نهايات الشهر الأخير منه، احتجاجات وتظاهرات ضمَّت – في الغالب – طلبة الجامعة الإيرانية ضد النظام الحاكم بإيران، ووفق التحليل الصحفي الذي قامت به وكالة أنباء الـ”بي بي سي” البريطانية، فإن “مئات الإيرانيين نظموا احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، وبلدات أخرى. وتفيد تقارير بأن المحتجين ركزوا في انتقاداتهم على حكومة الرئيس حسن روحاني. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) عن محافظ مشهد، محمد رحيم نورزيان، قوله: إن المظاهرة كانت غير قانونية، ومع ذلك واجهتها الشرطة معهم بالكثير من التسامح. كما خرج الآلاف من مؤيدي الحكومة الإيرانية في مسيرات حاشدة فيما يبدو أنه استعراض للقوة”.[1]
أسباب التظاهرات
اندلاع شرارة الاعتصامات التي” بدأت من مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية في ديسمبر الماضي، مدفوعة في البداية بالقلق على اقتصاد البلاد الذي يعاني من التقزم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل البيض الذي شهد قفزة نسبتها 40 في المئة. وستتحول الاحتجاجات في أكثر من عشرين مدينة إلى تمرد مفتوح ضد القيادة الإسلامية الإيرانية نفسها”[2].
إن أشهر أسباب الاحتجاجات الأخيرة بإيران تمثلت في الآتي[3]:
المفارقة بين المشهدين “تظاهرات 2009 – احتجاجات 2017م
هل هذه الاحتجاجات مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2009؟
الاحتجاجات الجديدة مكثفة، لكنها حتى الآن ليست كبيرة في أي مكان، مثل تلك الموجودة في حركة الأخضر التي شارك فيها الملايين بعد اتهامات واسعة النطاق لتزوير الانتخابات في عام 2009. وقال الماراشي للمجلس الوطني الإيراني، إن المظاهرات اليوم قد تكون حركة حقوق مدنية أكثر منها حركة ثورية. وهناك اختلافات هامة أخرى. في حين أن الاحتجاجات السابقة في المقام الأول، كانت في طهران، كان لها أهداف محددة وتسلسل هرمي منظم للقيادة، ويبدو أن تلك الحالة تحدٍّ معلن وواضح لحكم المرشد الأعلى مباشرة، وقد شوهدت في جميع أنحاء البلاد. فمن الصعب تحديد الأصول الدقيقة للاحتجاجات، إلا أن المتشددين الدينيين المعارضين لما يرونه اعتدال روحاني، يعتقدون أنهم بدأوا في قم ومشهد. وسرعان ما انتشروا إلى قسم أوسع من السكان يركز على بث مظالمهم الاقتصادية – والأهم من ذلك – عدم رضاهم عن حكم خامنئي. وقال نيك روبرتسون، المحرر الدبلوماسي الدولي لشبكة سي إن إن: “هذا أمر لم يحدث في عام 2009. هذا أمر ضخم يحدث في إيران”. الناس لا يقولون علنًا في الشوارع”. وقال أحد السكان لشبكة سي إن إن: “إن متظاهرًا قام بتمزيق ملصق لخامنئي بالقرب من جامعة طهران”.[4]
على الجانب الآخر هناك مظاهرات تؤيد الحكم الراهن وتتهم المتظاهرين بالعمالة للكيان الأميركي:
على الجانب الآخر، فإن: “المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أشاد الثلاثاء بـ”النشاطات الشعبية المنسقة في مجابهة مؤامرات الأعداء”، متهمًا الولايات المتحدة وإسرائيل، ومجموعة معارضة في المنفى، بالوقوف وراء الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. ويشير الإعلام الرسمي الإيراني إلى تنظيم تظاهرات تأييد يومية للسلطات منذ حوالي 15 يومًا عبر البلاد، تنديدًا بأعمال العنف والاضطرابات التي طالت عشرات المدن الإيرانية بين 28 كانون الأول/ ديسمبر، والأول من كانون الثاني/ يناير، وسقط فيها 21 قتيلاً، بحسب الحصيلة الرسمية.
وصرح خامنئي في كلمة بث الإعلام الإيراني تسجيلاً صوتيًا لها بأن “خروج الشعب الداعم للنظام الإسلامي في إيران ليس طبيعيًا ولم يحدث في أي مكان بالعالم”، بحسب ترجمة عربية لكلمته نشرتها وكالة فارس. واتهم خامنئي “مثلث أعداء” بالوقوف وراء الاضطرابات، “يتمثل أحد أضلاعه بالمخططات الأميركية والصهيونية التي وضعت منذ أشهر، حيث يتم البدء في المدن الصغيرة والتقدم باتجاه العاصمة، والضلع الثاني لهذا المثلث يتمثل بالأموال الطائلة التي تمنحها الأنظمة المحاذية للخليج الفارسي، حيث إن هذه الممارسات تتطلب نفقات باهظة والتي لا يتقبلها الأميركيون، والضلع الثالث لهذا المثلث يتمثل بزمرة المنافقين الإرهابية”.
وتستخدم السلطات عبارة “المنافقين” للإشارة إلى حركة مجاهدي الشعب، مجموعة المعارضة الإيرانية الرئيسية في المنفى. وأكد المرشد الأعلى، أن على “المسؤولين الأميركيين… أن يفهموا أن الأضرار التي لحقت بنا خلال هذه الأيام لن تمر دون عقاب”. وتابع “لقد دعوا الناس إلى الاحتجاج “تحت شعار + لا لغلاء المعيشة+ الذي يرضي الجميع”، لكن “الشعب انتبه إلى أن جواسيس الأعداء لا يكفّون عن أعمالهم، فلذلك بدأ منذ ذلك الوقت بالقيام بالمظاهرات على مدى الأيام الماضية”، بحسب وكالة تسنيم. وشدد المرشد على “وجوب الفصل بين المطالبات المحقة للشعب والتصرفات الوحشية والتخريبية لمجموعة ما. يجب الفصل بين هذين الأمرين”، معتبرًا أن الاحتجاج للمطالبة بحقوق لا علاقة له “بالإساءة للقرآن الكريم والإسلام وإحراق علم إيران وتدمير مسجد”، وفق ما نقلت فارس.[5]
تدوينة الرئيس الأميركي على تويتر تشعل الموقف
كتب الرئيس الأميركي دونالد ترمب: أولاً: “يشاهد العالم!” وأن “الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد”. وقال ترمب إن القيادة الإيرانية تهدر الثروة لتمويل الإرهاب في أماكن أخرى، وذلك عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر).
على أثر هذه التدوينة، نقلت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الرسمية عن روحاني، قوله: “لا يحق لترمب أن يتعاطف مع إيران، لأنه وصف الشعب الإيراني كـ(إرهابيين)”. وأعلن التلفزيون الإيراني، اليوم الأحد، أن ترمب “يخلق باستمرار مشاكل بالنسبة إلى الإيرانيين، بما في ذلك التأشيرات والمسائل المالية”.
ثم واصل الرئيس الأميركي دعمه للاحتجاجات المناهضة للحكومة في الوقت الذي تمَّ فيه التفاوض بشأن الصفقات في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني في ظل الرئيس باراك أوباما.
وعلى أثر التصريح الأميركي الأخير، اتهم خامنئي “أعداء” إيران بإثارة الاضطرابات في البلاد، على الرغم من أنه لم يذكر ترمب بالاسم، في حين اتهم أمين مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، علي شمخاني، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باستخدام الهاش، في حملات إعلامية داخل إيران للتحريض على أعمال الشغب. فيما قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، تيريزا ماي، اليوم الثلاثاء، “إن بريطانيا دعت إيران إلى الدخول في مناقشة هادفة حول القضايا التي طرحها المتظاهرون”.[6]
تقنية دلفي لاستشراف مستقبل الاحتجاج داخل إيران
تقنية دلفي، سميت بهذا الاسم نسبة إلى معبد يوناني قديم، كان مزارًا للكهان ورجال الدين والعرافين، للتكهن بمستقبل الظواهر الاجتماعية، وفقًا لما يستحوذون عليه من معلومات دينية واجتماعية، تمكنهم من صياغة الآفاق المستقبلية للظاهرة الاجتماعية محل التكهن. وتتمحور هذه التقنية حول عرض كل الاحتمالات لتطور ظاهرة معينة في المستقبل بالاعتماد على طرق الاستبيان، ثم الاستبعاد التدريجي عبر خطوات عن بعض الاحتمالات إلى أن تستقر عند احتمال معين. وهي التقنية الأكثر شيوعًا لدى المدرسة الأميركية للدراسات المستقبلية. ولتقنية دلفي في الدراسات المستقبلية مراحل لتطبيقها، والتي يمكن حصرها فيما يلي:[7]
المرحلة الأولى لمنهاجية دلفي لاستشراف الوضع الاحتجاجي داخل إيران:
وتتمثل في تحديد الظاهرة موضوع الدراسة والتحليل. وموضوع الظاهرة عبر استخدام العينة المراد تطبيق التقنية عليها، هي عينة المجتمع الإيراني والمشهد الاحتجاجي، مؤخرًا، داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
المرحلة الثانية:
ويتم فيها اختيار مجموعة من الخبراء والمختصين من ذوي الخبرة في الجانبين النظري والعملي بشأن الظاهرة المدروسة، وهي ظاهرة الاحتجاج التي تسود الشارع الإيراني. ونبدأ بعرض تحليل لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يقول التقرير الصحفي: “لقد اكتشف الإيرانيون أن مليارات الدولارات تذهب إلى المنظمات المتشددة، والجيش، وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، والمؤسسات الدينية التي تثري النخبة الكتابية. وفي الوقت نفسه، اقترحت الميزانية إنهاء الإعانات النقدية لملايين المواطنين، وزيادة أسعار الوقود وخصخصة المدارس الحكومية.
ويبدو أن التسريب الذي ظهر على موقع انستغرام، يهدف إلى الاستفادة من الاستياء الشعبي، وبخاصة أن التطبيق يستخدم من قبل أكثر من 40 مليون إيراني، ففجر تعليقات غاضبة.[8]
حيال ما تقدم أعلاه، مطلوب من النظام في إيران أن يستمع إلى المطالب المشروعة لشرائح واسعة من شعبه، وأن يعمل على معالجتها، وخصوصًا المتعلقة بالأوضاع المعيشية والحريات، وبنفس الوقت على صانع القرار الإيراني أن يعمل على مد جسور الحوار مع دول مجلس التعاون الخليجي التي يختلف معها، بهدف الوصول إلى إقامة أفضل علاقات التعاون والصداقة معها، والابتعاد عن مفهوم تعزيز النفوذ والتوسع وفرض الأمر الواقع، من أجل تفويت الفرصة على القوى الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراعات والخلافات بين بلدان المنطقة على حساب استقرارها وازدهارها خدمة لمصالحها اللامشروعة”.[9]
صوت جديد للطبقة العمالية في الدولة الإيرانية:
زاوية نظر أخرى، يرقبها الكاتب الماركسي، عادل أحمد، عبر مقاله الذي عنون بـ”حول التظاهرات الأخيرة في إيران”، فهو يرى أن: “سقوط أميركا في العراق يعني صعود الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق، وأن سقوط الجمهورية الإسلامية في إيران يعني سقوط الإسلام الشيعي في العراق أيضًا، ويؤدي إلى صعود أميركا. هذا إذا ما استثنينا الدور الجماهيري في تغيير الأنظمة في كلا البلدين. ولكن الدور الجماهيري سيكون له عواقب أخرى وهي إفشال كل هذه الصراعات والتنافسات السياسية وتدخل الإرادة الجماهيرية والوعي في حسم الأمور ومستقبل البلدين.
إن التظاهرات الأخيرة في أكثرية المدن الإيرانية ضد الجمهورية الإسلامية، كانت على الرغم من عفويتها، تعبر عن السخط الجماهيري من حكم الملالي ورفض الجمهورية الإسلامية بكل أجنحتها المحافظة والإصلاحية وقوانينها وبدائلها الاقتصادية والسياسية. إن هذه هي بداية الثورة الحقيقية من الأسفل، أي من قبل الجماهير المحرومة، وخاصة الطبقة العاملة والكادحة في المجتمع الإيراني. إن هذه البداية للثورة، على الرغم من تباطؤها في الوقت الحاضر نتيجة القمع الدموي من السلطة الإسلامية، بإمكان تسريع وتيرتها في أقرب وقت نتيجة تأزم البديل الإسلامي للمجتمع الإيراني. إن سقوط الجمهورية الإسلامية في إيران بات حتميًا، وإن تاريخ سقوطها يحدد بعوامل النفس الجماهيري والتمرينات السياسية اليومية للنهوض الثوري. إن الجماهير في إيران كانت تراهن في الماضي على الإصلاحيين لتغيير أحوال معيشتهم، واليوم تراهن على النزول إلى الساحة بعيدًا عن الأجنحة الإسلامية المختلفة للإسلام السياسي، ولأول مرة تعتمد على الشارع وعلى قوتها الثورية كما حدث في عام 1979. وإن هذا التغيير في نمط المواجهة، على الرغم من إدامته لأربعة عقود، فإنه سيكون مؤثرًا في إسقاط الإسلام الشيعي في إيران والمنطقة.[10]
تأثير احتجاجات إيران على “التوازنات الإقليمية”:[11]
ما زلنا في المرحلة الثانية عبر استخدام منهاجية دلفي، الخاصة برصد وجمع آراء الخبراء حول الظاهرة: يقول راجح الخوري “إن النظام الإيراني يتقدم بخطى حثيثة على طريق الاتحاد السوفياتي الذي بدأ ينهار مع البيريسترويكا عام 1987، ولكن الأهم من كل هذا الآثار العميقة التي ستنتج عن ذلك على مستوى الأحداث والتوازنات الإقليمية”. ويرى خطار أبو دياب أن “هذا الحدث ستكون له تداعياته على (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ومستقبل منظومتها الحاكمة، وستشمل انعكاساته الإقليم و(اللعبة الكبرى الجديدة) المحتدمة فيه منذ 2011”. ويرى رفيق خوري أن “موقع إيران الجيوسياسي مهمّ جدًا بالنسبة إلى المنطقة والعالم، مهما يكن نوع النظام. وليس اندفاع أميركا نحو تدويل ما يحدث في إيران وتصدّي روسيا في مجلس الأمن للخطوة التي تراها ضارّة ومدمّرة سوى دليل على شدّة الاهتمام، سواء من موقف العداء أو من موقف التحالف”.
ويحذر رؤوف شحروري من “الحرب الكبرى… التي سيشنها على إيران حلف المغامرين بقيادة ترمب، مما يعني أن الرد سيكون شاملاً المنطقة بأسرها من ضفاف إيران على الخليج إلى المتوسط، بمشاركة مئات الألوف من المقاتلين الذين سيحوّلون التهديد إلى فرصة”. فيما يقول إبراهيم غرايبة “ربَّما تفشل حركة الإيرانيين للتحرر من الهيمنة الدينية السياسية كما فشلت عام 2009، لكنها تعكس على نحو واضح الأزمة الكبيرة والعميقة في عالم العرب والمسلمين اليوم”. ويضيف: “لقد غيّر الإيرانيون المنطقة والعالم أيضًا منذ عام 1979، وربَّما كان (الربيع العربي) في عام 2011 من متواليات الثورة الإيرانية، وها هو (الربيع) يستأنف في إيران كما بدأ قبل أربعين عاما”.
المرحلة الثالثة لاستخدام التقنية “ضبط المؤشر الزمني”:
وتتصل بضبط الظرف الزمني للظاهرة محل الدراسة والتحليل. وهو السؤال الذي طرحته صحيفة الواشنطن بوست، حول مقارنة أحداث تظاهرات 2018 بأحداث تظاهرات 2009م، ومنها إلى تساؤل آخر قد طرح من قبل، عبر كلام أحد المتخصصين في المجال السياسي والاستشرافي؛ كون هذه الاحتجاجات – ربَّما – تكون نواة لاعتصامات، وتمهيدًا لثورة شعبية لن تقف أمامها قوى الحرس الثوري الإيراني، ولن تصمد أمامها أي قوة عنيفة تستخدم للردع. وربَّما – كما ذكر أحد الساسة – أن تكون هذه هي بداية عصر البيروستريكا الإيرانية التي تنبأت بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي.
المرحلة الرابعة:
ويتم فيها توجيه سلسلة من الاستبيانات تتضمن مجموعة من الأسئلة والاحتمالات المتوقعة بشأن الظاهرة المدروسة في المستقبل. وهذه الأسئلة من قبيل:
المرحلة الخامسة:
وهي المرتبطة بالنتائج المتحصل عليها من خلال احتساب عدد الإجابات المتكررة من تلك الاستبيانات. غير أن السيناريو الذي يرقبه الجميع، هو سيناريو الأيام القليلة الماضية حول تعامل الدولة ومؤسساتها مع قوى التظاهر الطلابية التي سينضم إليها العديد من فئات الشعب بمختلف اتجاهاتهم.
حيث يرى محللون أن قادة النظام الإيراني، باتوا مشوشين وحائرين، وقد تفاجؤوا بهذه المظاهرات العفوية.
ففي الوقت الذي كانوا يعتقدون بأن الوضع الداخلي مسيطر عليه، خاصة في ظل الإقامة الجبرية المستمرة على قادة الحركة الخضراء، وتغيير بوصلة الرئيس الإيراني حسن روحاني، نحو اليمين وتخليه عن شعاراته الإصلاحية، كما أنهم اعتقدوا أنه بعد قمع الثورة السورية، أصبح النظام الإيراني المهيمن بالمطلق على المنطقة، وسيستطيع التفرغ لامتداد نفوذه إلى دول أخرى والعبث بها كاليمن ولبنان، لكن جاءت هذه الانتفاضة الشعبية لتعرقل كل حساباته ومخططاته.
في حين يرى مراقبون” أن هذه المظاهرات الاحتجاجية العفوية التي امتدت إلى جميع أنحاء إيران، خاصة في المحافظات الأكثر تهميشًا ستستمر بقوة حول مطلب إسقاط النظام ورحيل خامنئي ورموز نظامه، خاصة بعدما واجه الحرس الثوري المحتجين بعنف وقتل العديد منهم لحد الآن”.[12]
في حين يرى الدكتور علي ثابت، الباحث في شؤون العلاقات الدولية، أن هذا الأمر يعد بادرة تنذر بعدم استقرار الأوضاع على الساحة الإيرانية، وجاء ذلك متزامنًا مع ارتفاع التكاليف الإيرانية في محاولات إشعال الوضع في عدة دول عربية، حيث أصبح من غير المنطقي أن تترك الإدارة السياسية الإيرانية، الشعب يواجه الغلاء في ظل تمويلات ضخمة لخدمة مشروع سياسي بصبغة شيعية، حسب قوله.
مضيفًا أن الاتهامات المتبادلة بين إيران وأميركا، واتهام ترمب للنظام الإيراني بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، كذلك التصريحات الإيرانية التي تخرج من المرجعيات الشيعية بأن الولايات المتحدة هي الشيطان الأعظم، تنبئ بتحول الأوضاع إلى تدخلات خارجية لتصبح ثورة كبيرة.[13]
ثلاثة مسارات لمستقبل الاحتجاجات في إيران[14]:
“المسار الأول، يفترض نجاح المظاهرات، واتساع رقعتها لتشمل كل مناطق ارتكاز النظام، مما يؤدي إلى قيام النظام بقتل عدد كبير من المواطنين، هذا السيناريو قد ينتهي نهاية تشابه 1979، عندما خرج الملايين ضد نظام الشاه، وأسقطوا النظام في النهاية، لكن فرص هذا المسار لا تتعدى 20%؛ لأن النظام الإيراني يختلف عن كل الأنظمة التي سقطت في عام 2011 ، حيث يمتلك قوات خاصة بالنظام، وهي الحرس الثوري الذي يدين بالولاء للنظام وليس للشعب، إذ عدد قوات الحرس الثوري يتجاوز 300 ألف جندي، ويسيطر على ما يقرب من 35% من الاقتصاد الإيراني، وأعلن أنه لم يتدخل حتى الآن في المظاهرات، بالإضافة إلى أن مشاركة إيران لسوريا واليمن في الأحداث التي اندلعت منذ 2011، جعل النظام الإيراني يكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع مثل هذه الاحتجاجات. ونتيجة هذا السيناريو لو تحقق، هو تغيير النظام بالكامل، لتتحول إيران من “محور الشر” إلى حمامة سلام في الإقليم العربي. كما أن تحقق هذا السيناريو، سينعكس تأثيره على كل الملفات الإقليمية، بداية من غزة ولبنان وسوريا، إلى اليمن والعراق ومنطقة الخليج، بل حتى في باكستان وأفغانستان.
المسار الثاني، يعتمد على نجاح المظاهرات بشكل يجعل النظام بأكمله على المحك، مما يدفع قادة النظام للمناورة والتضحية بالحكومة والرئيس روحاني، والدعوة لانتخابات مبكرة تنهي عهد الإصلاحيين، وهذا قد يحقق 50% من مطالب الجماهير الغاضبة بعدم الاندفاع الإيراني للخارج مؤقتًا لامتصاص غضب الجماهير بشكل تكتيكي، مع بقاء رهان النظام على أذرعه الخارجية، وفي نفس الوقت يحافظ على النظام، بل يحقق هذا المسار مطالب المتشددين بالتخلص من روحاني وأنصاره، ولا تزيد فرص نجاح هذا السيناريو على أكثر من 35%.
المسار الثالث، وهو الأقرب ونسبة نجاحه تقترب من 65%، وهو تكرار نموذج القمع والتخلص من الاحتجاجات على غرار سيناريو 2009، عندما تظاهر الإيرانيون لأشهر طويلة اعتراضًا على فوز الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في ولايته الثانية”.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
[1] – بي بي سي العربية، كيف بدأت المظاهرات في إيران؟ ديسمبر 2017م.
[2] -Washington post،Tens of thousands of people have protested in Iran. Here’s why،Marwa El Tagouri.
[3] – بي بي سي العربية،6 أسباب أدت لاندلاع الاحتجاجات في إيران ،2 يناير 2018م.
[4] -Here’s why the Iran protests are significant، Phil Gast, Dakin Andone and Kara Fox, CNN, January 3, 2018.
[5] – شبكة وكالة فرانس برس العالمية، خامنئي يشيد بالتعبئة الشعبية الإيرانية ضد “الأعداء”، أ.ف.ب.
[6] -How have global leaders responde، CNN, January 3, 2018.
[7] – محمد إبراهيم منصور، “الدراسات المستقبلية: ماهيتها وأهمية توطينها عربيًا”، مجلة المستقبل العربي، العدد 416، أكتوبر 2013، ص ص 34-35.
[8]– The New York Times ،Hard-Liners and Reformers Tapped Iranians’ Ire. Now, Both Are Protest Targets. By THOMAS ERDBRINKJAN. 2, 2018.
[9] – لمن ستكون الكلمة الأخيرة في حالة اتساع التظاهرات المناوئة للنظام في إيران؟ JANUARY 7, 2018، جريدة رأي اليوم، http://www.raialyoum.com/
[10] – حول التظاهرات الأخيرة في إيران! عادل أحمد، الحوار المتمدن – العدد 5750، 7-1-2018.
[11] – في الصحف العربية: تأثير احتجاجات إيران على “التوازنات الإقليمية”، قسم المتابعة الإعلامية، بي بي سي،6 يناير/ كانون الثاني 2018.
[12] – جريدة المستقبل اللبنانية، انتفاضة إيران تتطور.. سقوط مراكز بيد المتظاهرين almustaqbal.com
[13] – “ثورة كبيرة أم حرب أهلية”.. سيناريوهات متوقعة للمظاهرات الإيرانية، جريدة الوطن المصرية، سمر صالح.
[14] – إيران على صفيح ساخن.. “الأهرام العربي” تكشف السيناريوهات المستقبلية ما بعد المظاهرات، أيمن سمير.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر