سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أنصتوا عن كثب، يمكنكم سماع المؤثّرين ينوحون. في 13 مارس/آذار، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يمنع متاجر التطبيقات والمؤسسات المزودة لخدمات الإنترنت من توزيع “التطبيقات التي يسيطر عليها خصم أجنبي”. الهدف واضح: “تيك توك”، وهو تطبيق ناجح للفيديوهات القصيرة يلتصق به 170 مليون أميركي لمدة 56 دقيقة في المتوسط يومياً.
لطالما كان وضع “تيك توك” في الولايات المتحدة الأميركية محفوفاً بالأخطار. على الرغم من أن مقر شركة “تيك توك” في لوس أنجلوس وسنغافورة، إلا أنها شركة تابعة لـ”بايت دانس”، وهي شركة صينية في مجال التكنولوجيا تحظى بشعبية. وغذّى ذلك مخاوف الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة من إمكان استخدام الحكومة الصينية التطبيق للتجسس على المواطنين الأميركيين أو تشكيل الرأي العام. نفت “تيك توك” أن يكون للحكومة الصينية أي تأثير فيها، وسعت إلى تهدئة المخاوف من خلال تجنيد “أوراكل”، شركة البرمجيات الأميركية العملاقة، لعزل بيانات المستخدمين الأميركيين إلى خوادم محلية وفحص شيفرة مصدرها. وتشير إلى أن مؤسسات استثمارية أميركية، مثل “كارلايل” و”جنرال أتلانتيك”، هي من بين أكبر الجهات المساهمة في “بايت دانس”.
واكتسب الاقتراح زخماً جزئياً نتيجة للقلق في شأن تعامل التطبيق مع المعلومات المضللة والمحتوى المعادي للسامية في أعقاب هجوم “حماس” على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول. وفشلت جهود “تيك توك” لتعطيل مشروع القانون في شكل ذريع. في 6 مارس/آذار، أرسلت إشعاراً يشجع المستخدمين على الضغط على الكونغرس لعدم تمرير التشريع. ويبدو أن ذلك جاء بنتائج عكسية: أُقنِع بعض المشرعين المترددين بأن “تيك توك” له بالفعل تأثير في الناخبين. وفي الجلسة، أيد 352 مشرعاً مشروع القانون؛ وعارضه 65 فقط.
لكن قبل أن يتمكن الرئيس جو بايدن من توقيع مشروع القانون ليصبح قانوناً، وهو يقول إنه سيفعل ذلك، يجب أن يمر مشروع القانون أولاً في مجلس الشيوخ. ونظراً إلى شعبية النص لدى الحزبين، قد يعتقد المرء بأن مصادقة مجلس الشيوخ إجراء شكلي.
لكن الأمر ليس كذلك. دونالد ترامب، الذي كاد كرئيس أن يجبر “بايت دانس” على بيع شركة “تيك توك” عام 2020، غيّر موقفه. في 8 مارس/آذار، اشتكى من أن حظر “تيك توك” سيفيد “ميتا”، الشركة العملاقة في قطاع وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلك “فيسبوك” و”إنستغرام” – والتي عمدت، في شكل لا يُغتفَر، إلى طرد السيد ترامب من منصاتها بعدما اقتحم أنصاره الكونغرس في يناير/كانون الثاني 2021. قد لا تكون المصلحة العامة هي الدافع وراء تدخله بالكامل. فقبل أسبوع، التقى ترامب بجيف ياس، وهو ملياردير يمتلك صندوق تحوط ومتبرع محتمل تمتلك شركته الاستثمارية، “سيسكويهانا”، حصة في “بايت دانس”.
قد يحذو الجمهوريون في مجلس الشيوخ حذو ترامب – لقد نال للتو ترشيح حزبهم للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. في 10 مارس/آذار، قال ليندسي غراهام، الذي كان صاخباً في انتقاداته لـ”تيك توك” ومداهناً في تملقه للسيد ترامب، إنه غير متأكد مما إذا كان سيصوت مع مشروع القانون أو ضده.
وإذا أصبح مشروع القانون قانوناً، فمن المرجح أن يواجه طعوناً في المحاكم، ربما لأسباب تتعلق بحرية التعبير. ومع ذلك، هناك فرصة معقولة لأن تضطر “تيك توك” إلى وقف العمل في أميركا. قبل سنة أفادت الحكومة الصينية بأنها ستعارض بيع الشركة. وقبل ساعات من تصويت مجلس النواب، نددت بأميركا بسبب “لجوئها إلى خطوات الهيمنة عندما لا يتحقق لها النجاح في المنافسة العادلة”.
ويُعتقَد بأن “بايت دانس”، التي يُقَال إنها كسبت إيرادات بقيمة 110 مليارات دولار العام الماضي، تحقق نحو أربعة أخماس ذلك في الصين، حيث تدير تطبيق “دويين”، شقيق “تيك توك”، إلى جانب “توتياو”، وهو تطبيق يجمع الأخبار. وعلى الرغم من أن المستثمرين في “تيك توك” سيضغطون من أجل السماح بالبيع، يمكن الحكومة الصينية أن تتعنت، فيكون الإقفال من نصيب الشركة. وقد تشعر الحكومة الصينية أيضاً بالحاجة إلى الانتقام من الشركات الأميركية العاملة في البر الرئيس
وإذا أُجبِر المعلنون على تحويل إنفاقهم من “تيك توك”، فستحقق شركات وسائل التواصل الاجتماعي المحلية في أميركا مكسباً غير متوقع. لن يستفيد الجميع على قدم المساواة. وفق “كيبيوس”، وهي شركة أبحاث، يستعمل 82 في المئة من مستخدمي “تيك توك” العالميين “فيسبوك”، ويتصفح 80 في المئة “إنستغرام”، ويشاهد 78 في المئة “يوتيوب”، المملوك للشركة الأم لـ”غوغل”، “ألفابيت”. ولا يستعمل سوى 53 في المئة “إكس”، منتدى المناظرات المعروف سابقاً باسم “تويتر”، ويستخدم 35 في المئة فقط “سناب تشات”، وهو تطبيق مراسلة. وإذا أعاد الأميركيون توجيه ما يقرب من ثلاثة تريليونات دقيقة من الاهتمام الذي أغدقوه على “تيك توك” العام الماضي إلى تطبيقات أخرى موجودة بالفعل على هواتفهم، فستفوز “ميتا” و”ألفابيت”، الثنائي المهيمن في مجال الإعلان عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من ضغينة ترامب إزاء “ميتا”، قد يكون على حق عندما يتذمر من أن “ميتا” ستكون المستفيد الأكبر. اكتسبت فيديوهات “ريلز” التابعة لـ”إنستغرام”، وهي تشبه “تيك توك”، قوة جذب أكبر من العروض المماثلة من “يوتيوب” و”سناب تشات”. ويعيد الكثير من المؤثرين في “تيك توك” بالفعل نشر محتواهم على منصة “ميتا” هذه. وبعدما حظرت الهند “تيك توك” (وعشرات التطبيقات الصينية الأخرى) عام 2020 بعد مناوشات عسكرية وقعت على حدودها مع الصين، قفزت مكانة “إنستغرام” في البلاد. عام 2019، كان سادس أكثر التطبيقات تنزيلاً في الهند. وفي عام 2021 حلّ على رأس القائمة.
لن تكون “ميتا” محظوظة للغاية إذا نجح مستثمرو “بايت دانس” في إقناع الحكومة الصينية بالسماح بتصفية الاستثمارات. مما لا شك فيه أن الشركة الأميركية ستُمنَع من اقتناص “تيك توك” لأسباب تتعلق بمكافحة الاحتكار، وكذلك “ألفابيت”. أما قائمة العارضين المحتملين الآخرين فمحدودة بسعر “تيك توك”، الذي يمكن أن يصل إلى 12 رقماً إذا قامت “بايت دانس”، خوفاً من حملات قمع غير مباشرة في أماكن أخرى، بضم عمليات “تيك توك” في بلدان أخرى إلى الصفقة.
ربما تعيد “أمازون”، رائدة التجارة الإلكترونية في أميركا، النظر في الصفقة المحتملة، بفضل تركيز “تيك توك” المتزايد على دمج التسوق في تطبيقها (على الرغم من أنها أيضاً ستواجه مقاومة من سلطات مكافحة الاحتكار). وقد تعيد “أبل” و”نتفليكس” النظر، بعدما تمنعتا عندما أعلنت “تيك توك” عملية بيع عام 2020، في ضوء تباطؤ النمو في مبيعات “آيفون” واشتراكات البرامج المبثوثة، لدى الأولى والثانية على التوالي. في ذلك الوقت، تعاونت “أوراكل” مع “والمارت”، شركة البيع بالتجزئة العملاقة، لشراء حصص أقلية في “تيك توك”. لكن هذه الصفقة فشلت بعدما ترك ترامب منصبه. وبعد استحواذ “أوراكل” على شركة “سيرنر” للسجلات الصحية بقيمة 28 مليار دولار عام 2022، ربما أصبحت الآن مدينة للغاية بحيث لا يمكنها تقديم عرض.
وكذلك “مايكروسوفت”، وهي شركة تكنولوجية أميركية عملاقة أخرى، يمكن أن تشارك. انتهى عرضها الخاص قبل أربع سنوات للاستحواذ على أعمال “تيك توك” في أميركا وأوستراليا وكندا ونيوزيلندا بعدما رفضت “بايت دانس” منحها السيطرة الكاملة على بيانات التطبيق وشيفرة المصدر. لكن الشركة تطمح منذ فترة طويلة إلى وجود أكبر في حياة المستهلكين، مما قد يعيدها إلى “تيك توك” – إذا خففت “بايت دانس” شروطها.
كذلك تُقترَح عمليات مختلطة أخرى. بوبي كوتيك، الرئيس السابق لـ”أكتيفيجن بليزارد”، وهي أستوديو لألعاب الفيديو استحوذت عليه “مايكروسوفت” العام الماضي، طرح فكرة عرض “تيك توك” على شركاء مختلفين، بما في ذلك سام ألتمان من “أوبن إيه آي”، صانعة “تشات جي بي تي”.
مع ذلك، وفي ضوء احتدام السباق في مجال الذكاء الاصطناعي، يبدو من المشكوك فيه أن ترغب الصين في تسليم بيانات “تيك توك” أو خوارزمية ذكية إلى أي مصالح أميركية. سيكون البديل هو بيع “تيك توك” كشركة مستقلة بدلاً من دمجها في شركة قائمة. وهذا من شأنه أن يتفادى مخاوف مكافحة الاحتكار. لكن حجم الصفقة قد يمثل مشكلة، مرة أخرى. كان أكبر مبلغ جُمِع على الإطلاق في طرح عام أولي لحصة بقيمة 26 مليار دولار في “أرامكو السعودية”، وهي شركة نفط حكومية عملاقة، عام 2019. وكانت أكبر عملية شراء بمال مقترض في التاريخ، تلك التي استهدفت “تي إكس يو”، وهي شركة مرافق، في مقابل 45 مليار دولار عام 2007. ستتجاوز قيمة صفقة “تيك توك” حتى ذلك، على الرغم أن من المفيد للمستثمرين الأميركيين في “بايت دانس” مبادلة حصصهم بشريحة في الشركة الجديدة.
وفي حال إمكان فك التشابك بين “تيك توك” و”بايت دانس”، ستحتاج “تيك توك” المستقلة إلى توظيف كثير من التقنيين ليحلوا محل أولئك الموجودين في بكين. مع ذلك، يمكن للانفصال أن يؤتي ثماره. يعتقد مارك شموليك من “بيرنشتاين”، وهي شركة للوساطة، بأن الشركة أصبحت أقل عدوانية في توسيع أعمالها مما كان متوقعاً، إذ سعت إلى الابتعاد عن الأنظار. ويمكنها أن تفعل المزيد لربط خوادمها بخوادم المعلنين – من الأفضل متابعة فاعلية إنفاقهم، كما فعلت “ميتا” – ولتسريع طرح “متجر تيك توك”، منصة التجارة الإلكترونية الخاصة بها.
في أقل من عقد من الزمن، تمكنت “تيك توك” المرتبطة بالصين من قلب أعمال وسائل التواصل الاجتماعي في أميركا وخارجها. أما “تيك توك” غير المرتبطة، فستواصل زعزعة السوق – إذا سُمِح لها بالوجود.
المصدر: ذي إيكونوميست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر