سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
منيف الصفوقي
الأعوام الأخيرة شهدت سلسلة من الأزمات بين المملكة ودول الخليج من جهة، ولبنان في الجهة الأخرى. وأغلب هذه الأزمات كان نتيجة أخذ بيروت مواقف سياسية مناهضة لدول الخليج أو فتح الأراضي اللبنانية؛ لتكون قاعدة انطلاق وعمل لتهديد أمن دول الخليج العربي.
في الأزمات الماضية دأبت حكومة لبنان على تصوير أن الأزمة محصورة بين دول الخليج وطرف لبناني لا يمثل الدولة اللبنانية.
هذا التمييز الذي ساقته أطراف لبنانية متعددة، لم يعد مقبولاً في المملكة، خاصةً أن “حزب الله” طرف رئيسي في الحكومة اللبنانية، ومتحكم في مفاصل القرار فيها من خلال وزرائه ووزراء حلفائه الآخرين الذين يشكلون جميعهم الأغلبية المطلقة في تشكيلة الحكومة، إلى جانب تشكل حالة تحالفية تقودها طبقة سياسية متنفذة في الكيانات السياسية المتحالفة مع المملكة؛ من أجل تمرير كل ما من شأنه أن يعطي الغطاء الشرعي لجميع أفعال “حزب الله” العدائية مقابل منافع سياسية ومالية في الداخل.
المملكة تخوض منذ عقود، مواجهةً مع إيران ودورها التخريبي في المنطقة العربية، وهذه المواجهة تنسحب بالضرورة على جميع أدوات إيران، بما فيها “حزب الله”. لكن الأزمة الأخيرة أظهرت أن الرياض أيضًا تواجه تحولاً جذريًا في توجهات حلفائها في لبنان. هذا التحول لا يقل خطرًا على أمنها الوطني؛ كونه يعطي غطاءً شرعيًا لـ”حزب الله”.
التحدي الجديد الذي تواجهه المملكة مؤشر على بداية مرحلة جديدة تجاه العلاقة مع لبنان؛ فالكيانات السياسية التي صُنفت على الدوام على أنها حليفة للمملكة على مستوى الأداء الفعلي، لا تقوم بأي دور من شأنه أن يكبح الاعتداءات المستمرة لـ”حزب الله” تجاه المملكة ودول الخليج العربية؛ فهذه الكيانات على الرغم من أنها مشاركة في الحكومة اللبنانية وتقودها، فإن دورها لا يزيد عن دور أي مجموعة أو شخص في المعارضة في إصدار البيانات.
وعلى مستوى الأزمة الأخيرة التي رافقت استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، تفاوت أداء هذه الكيانات، وجاءت حركتها ملتبسةً، وأكثر تماهيًا مع خصوم المملكة في لبنان.
هذا الالتباس وذاك التماهي في المواقف يدفعان إلى التساؤل: لماذا وصلت حالة مَن يُصنفون حلفاء للمملكة إلى هذا المستوى؟ وهل هي حالة مؤقتة وعفوية؟
وللإجابة تجدر العودة إلى الوراء قليلاً لتثبيت نقطة أساسية؛ نقطة قادت – لاحقًا – إلى حالة من التخلي العام لدى هؤلاء الحلفاء.
النقطة الأساسية هي أنه بعد “اتفاق الطائف” دعمت المملكة مشروع لبنان الدولة، من خلال المساهمة في دعم الاقتصاد الذي بدوره سيدعم الاستقرار، ثم تدور عجلة إعادة الإعمار؛ لتبدأ الحياة في العودة إلى مفاصل الدولة في مختلف القطاعات. وظل هذا العنوان العريض حتى الوقت الراهن.
المنطق السعودي في لبنان، لا خلاف على سلامته، تجاه دعم الدولة اللبنانية، لكن الإشكالية الكامنة هي في الحالة اللبنانية التي لم تكن حالة طبيعية في الأساس؛ أي منذ تشكل هذا الكيان. فالدعم السعودي السياسي والاقتصادي، تلقفته بعض القوى السياسية اللبنانية التي اصطفت في شكل كيانات تجمعها المصالح وأغراض التربح السياسي والمالي؛ ما جعل الدولة اللبنانية ملتبسة المعالم طيلة الفترة الماضية. ومع ذلك، ساد النظرة السعودية أن اللبنانيين هم المعنيون بتحديد مصلحتهم الوطنية؛ لهذا ظلت الرياض تؤكد على موقفها الثابت بأنها لا تزال على مسافة واحدة من الجميع، مع كل ما يلحق بها من أذى؛ وذلك سعيًا منها إلى عدم التأثير سلبًا في الاستقرار الداخلي.
العقود الماضية طُبعت بهذه السياسة السعودية، لكن مع اختلال مراكز القوى السياسية في المنطقة؛ حدث خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة انكشاف لهذه الكيانات التي تربطها علاقة جيدة مع الرياض.
في الفترة السابقة كانت الرياض تنسق مع دمشق حول الكثير من الملفات المتعلقة بلبنان والمنطقة، وهذا التنسيق وفر على حلفاء المملكة وضعهم تحت الاختبار. لكن مع تحول النظام السوري إلى أداة إيرانية، وضلوعه في رعاية المجموعات الإرهابية المرتبطة بطهران ساءت العلاقة السعودية معه، إلى أن وصلت إلى مرحلة العداء بعد تفجُّر الثورة السورية.
مع نهاية التنسيق السعودي – السوري، واحتدام العداء بين الطرفين، مع ما تشهده المنطقة من مجابهة سعودية؛ لتخليص العالم العربي من الأثر السلبي للتوسُّع الإيراني؛ بات أداء حلفاء المملكة في لبنان عنصرًا أساسيًا في مشروع المملكة لتخليص الدولة اللبنانية من أخطار دويلة إيران في لبنان أو – في الحد الأدنى- تحجيم هذا النفوذ؛ ولهذا كان أداؤهم في الأعوام الماضية تحت الرصد، وأداؤهم السابق محلَّ تقييم.
من الرصد يمكن القول – باطمئنان- إن هؤلاء الحلفاء لا يزال أغلبهم على حالهم قبل ثلاثة عقود؛ مجرد كيانات جمعها توقها إلى رافعة سياسية سعودية تسوقها داخليًا وخارجيًا، ومجموعات منتفعة ماليًا من جميع أشكال الدعم السعودي الموجَّه إلى الدولة اللبنانية، بل زاد عليه أن هذه الكيانات تشعبت مصالحها إلى الفريق الآخر، ودخلت معه في شراكات معلنة وغير معلنة توجب تغطية أفعال “حزب الله” في المنطقة؛ وذلك لضمان استمرار الشراكة معه.
في الأزمة الأخيرة التي واكبت استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، لم يعد خافيًا أن هناك أشخاصًا مؤثرين ومحركين للكيانات المتحالفة مع الرياض يمكن تسميتها بـ”الطبقة النافذة”، باتوا أكثر استعدادًا للتخلي عن العلاقة مع الرياض، مقابل الاحتفاظ بالمكاسب التي تحققت من خلال الأوضاع الداخلية للبلاد، والشراكة الجديدة – القديمة مع خصوم المملكة في لبنان وخارجه.
من السهل وصم أداء هذه “الطبقة النافذة” بالتنكر لمَن ساعد ودعم، لكن في المقابل هم مُعبِّر حقيقي عن طبيعة الحياة السياسية في بلاد تعوَّدت الفعاليات السياسية فيها التلوُّن بحسب مصالحها السياسية والمالية. هذه “الطبقة النافذة” تؤمن أن السياسة لا مبادئ فيها، ولا ولاءات ثابتة، وأن العلاقة مع الرياض كلٌّ أخذ منها ما يريد؛ فهناك من أخذ النفوذ، فيما أخذوا هم مكاسب سياسية ومالية. ولبنان اليوم بالنسبة إليهم وسيلة تكسُّب وبضاعة رائجة إذا بقي غير مستقر؛ فالأوروبيون لا يريدون أن يتحول إلى قاعدة هجرة نحو قارتهم، والأميركيون لا يريدون أن يتحول إلى ملاذ للجماعات الإرهابية، والعرب لا يريدون مزيدًا من التغلغل الإيراني، وإيران تريد وضع ميليشياتها على ما هو عليه؛ لتبقى الورقة اللبنانية بيدها، والنظام السوري يُمنِّي نفسه بالعودة إلى سطوته ونفوذه السابق، وإسرائيل تريد الإبقاء على حالة اللا حرب واللا سلم.
وهذه الطبقة مدركة تمامًا أنها بوابة كل هذه التفاهمات، وأن موقفهم أقوى، وأن بإمكانهم إملاء الشروط على الآخرين.
هذه “الطبقة النافذة” هي التي أضرت بالعلاقة التاريخية بين المملكة ولبنان؛ فهي التي روَّجت أن غضب الرياض مردُّه أنها تتطلع إلى نفوذ أكبر في لبنان، وأنها تدفع باللبنانيين في اتجاهات خطرة، وسوَّقت هذه الفرية بين جماهيرها؛ لتسميم العلاقة التاريخية بين المملكة وبعض الطوائف اللبنانية، فيما أن الرياض اعتراضها واضح وجليّ حول تغطية جرائم “حزب الله” تجاه المملكة والخليج، وأنها لن تجامل على حساب أمنها.
التلوُّن السياسي، والرقص على الحبال الذي تجيده “الطبقة النافذة” في الكيانات المحسوبة على الرياض، آخذان في التوسع وصولاً إلى الترويج لفكرة أن إيران ونظام الأسد انتصرا في النزاع القائم بالمنطقة، وأن المصلحة السياسية للاستمرار في صدارة المشهد السياسي تتطلب التحالف مع المنتصرين، وأن هذه المصلحة تستحق أن يُخيَّر المعترضون بين قبول هذا التحول في لبنان – كما هو الآن – أو فك الارتباط.
في المقابل، لا شك أن “حزب الله” استطاع أن يخترق صفوف خصومه؛ ذلك أن هذه الكيانات جمعتها المصلحة والانتفاع في ظل غياب مواقف مبدئية، إلى جانب أنه استطاع أن يوجد منافسين لكل خصومه السياسيين من داخل طوائفهم، بل وصل الأمر إلى تأسيس ميليشيات وعصابات من مذاهب أخرى تتبع قيادة “حزب الله”؛ وذلك لقمع أي تحرك مضاد، وكلٌّ على يد أبناء طائفته.
هذا الاختراق لا يريد بعض المحسوبين على الرياض الاعتراف به. وعلى الرغم من أنه من الصعب معرفة ما تمَّ الاتفاق عليه في الغرف المغلقة واللقاءات الثنائية، لكن الواقع يقول خلاف ذلك؛ فالواقع يقول إن “حزب الله” بات اللاعب المؤثر في الساحة اللبنانية، ويتجه إلى أن يكون اللاعب الوحيد؛ فقد دفع الآخرين إلى السير في ركابه؛ لانتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية.
هذا الدفع كشف أن معادلة جديدة وسمت المشهد السياسي، لكنها بالتأكيد ليست “التسوية السياسية” التي روَّج لها حلفاء الرياض على أنها تفكير خارج الصندوق أو تدوير للزوايا، بل هي في حقيقتها عملية استسلام منظمة مقابل منافع خاصة، والدليل أن الذين ظلوا رافضين لما عُرف بـ”التسوية السياسية” خرجوا خالي الوفاض تمامًا، بل تُشن عليهم حاليًا حرب تهميش وملاحقة.
موقع رئيس حكومة لبنان، كان آخر المواقع الحكومية التي لم تسقط في يد “حزب الله”. ولحساسية هذا الموقع وما يمكن أن يتسبب به سقوطه في حضن “حزب الله” من عزوف دولي عن التعاون مع الدولة اللبنانية؛ تمَّ إخراج التحول الجديد من خلال تمرير كثير من الملفات الشائكة تحت سقف التفاهم مع رئيس الجمهورية وفريقه، وهم الحليف الوثيق لـ”حزب الله”؛ ما حول الحكومة اللبنانية إلى السير في فلك “حزب الله” بطريقة غير مباشرة، لكنها بالتأكيد علاقة مرضية لجميع الأطراف المنخرطة فيها؛ فهي تؤمن استمرار الخصومة مع “حزب الله” في الظاهر، أمَّا الباطن، وهو مناط الأفعال، فهي مع “حزب الله” تغطيه بدايةً بقمع المعترضين في الداخل؛ من خلال تسخير أجهزة الدولة لذلك، ومرورًا بدفع الأجهزة العسكرية إلى تأمين ظهر الميليشيا الإيرانية والمشاركة معها في عملياتها الحربية، وانتهاءً بالغطاء السياسي؛ لتجنيب “حزب الله” ومؤسساته العسكرية والأمنية أي أخطار خارجية قد تؤثر فيها.
هذه “الطبقة النافذة” التي تتصدَّر مشهد القرار في الكيانات المتحالفة مع الرياض يجب ألا تُختزل في أشخاص بعينهم؛ لأن تغيير الأشخاص ليس حلاً بالضرورة؛ فهذا النوع من الشخصيات يتلوّن بحسب التغيرات، وليس تكيُّفًا مع الواقع، بل انتهازية؛ لغياب المبادئ والأسس السياسية. ولهذا، فإن تغيير “الطبقة النافذة” هذه بأشخاص آخرين يجب ألا يكون مشجعًا على ترميم العلاقة في المدى البعيد، مع الشك في أن الكيانات المتحالفة مع الرياض قادرة على استبعاد أحد من هذه “الطبقة النافذة”؛ لأنها تمتلك زمام الأمر في هذه الكيانات، إلى جانب أن القيادات السياسية تخشى من هذه الطبقة، وتخشى أن تنقلب عليها؛ فزعامة الكيانات حاليًا هي زعامة اسمية.
بعد توصيف التحولات التي أوصلت حلفاء الرياض إلى حالة من العجز أمام قيادة كياناتهم؛ وفقًا لأسس ومبادئ سياسية، وتحولهم إلى سجناء لـ”الطبقة النافذة” يحركونهم كيف يشاؤون، وما ترتب على ذلك من نكسة في العلاقة مع المملكة ودول الخليج.
هذا التوصيف أضاء على الكيانات المتحالفة مع الرياض، لكن يظل الشق الآخر، وهو القاعدة الشعبية من الشعب اللبناني التي تتوق إلى دولة ذات سيادة لا مكان فيها للميليشيات من جهة، ومن جهة أخرى ليست مع التسويات السياسية التي تضعف الدولة مقابل الدويلة أو الدويلة والإقطاعيات المتحالفة معها.
وبسبب السطوة السياسية والأمنية على بعض الطوائف ومصادرة قرارها الوطني وحصرية تمثيلها السياسي، والضغط عليها بالهواجس الأمنية والاثنية؛ بات الحديث عن تطلعاتها الوطنية تجاه دولة سيدة مستقلة، أشبه بالترف. لكن تظل هناك الطائفة الأكبر في البلاد، وهي الطائفة السُنِّية التي تعاني فقط مصادرة التمثيل السياسي واحتكاره، والتي يتطلع غالبية أبنائها إلى دولة طبيعية.
الطائفة السُنِّية في لبنان على النقيض اليوم مع خيارات ممثليها السياسيين، وترى أنها تدفع ثمنًا باهظًا لحصر تمثيلها في جهة لم تتفاعل معها على المستويين الثقافي والإنمائي، بل ساهمت في تحويلهم إلى طائفة مهمَّشة، لا تعدو في أفضل الأحوال كونها خزانًا بشريًا يتم ترويضه ببعض الفتات؛ لضمان أصواته في الانتخابات.
وفي بلدٍ الأحزابُ فيه قائمة على أسس طائفية، تمثلت الطائفة السُنِّية حصرًا بتيار طرح نفسه عابرًا للطائفية، وهذا أمر محمود لو كانت العملية السياسية لا تخضع لحسابات طائفية، أو أقله كانت الطائفية السياسية ملغاة، وكلا الأمرين لم يحدثا.
المشكلة ليست في أن ممثلهم عابر للطائفية، بل على العكس عُرفت هذه الطائفة بأنها قاعدة الاعتدال والتسامح في لبنان. المشكلة أن هذا التيار اتخذ من السُّنَّة ملكية خاصة محتكرة، دون أن يعبر عنها ثقافيًا؛ فقد شكل للغالبية من الطائفة حالة لا تمت لها بصلة؛ فقدَّم نفسه على أنه تيار ليبرالي يتسع للجميع. وهنا اختلفت المرجعية الثقافية “الدينية” بين القاعدة الشعبية والممثل السياسي لها.
التيار – باتساعه للجميع – خطا أيضًا باتجاه تسنُّم النخب المستغربة لمفاصل الأمور فيه؛ ما أسهم في تكريس حالة الانفصام الثقافي بين طرفي العلاقة، مضيفًا حالة انفصام أخرى على مستوى الانتماء القومي العروبي؛ فالطائفة السُنِّية جمعت بقية الطوائف حولها؛ لأنها بيت العروبة في لبنان، لكن ممثل الطائفة كان الأبعد عن العروبة، ومن السهل ملاحظة ذلك من خلال ما يُطرح في وسائل الإعلام التابعة له.
حالة الإحباط التي يعيشها السُّنَّة في لبنان، سببها هذا الاعتلال في العلاقة مع ممثلها، والحالة تزداد سوءًا مع تزايد التقارب مع “حزب الله”. والخطورة على المدى البعيد، أن الخيارات أمام سُنَّة لبنان تتقلص وتنحصر إما بالقبول بمزيد من التفريط، أو الرفض والذهاب في سياق الجماعات المتشددة. وهنا من الممكن أن يُجهز على المساعي المحقة للطائفة السُنِّية في لبنان بعد أن تختلط المطالب المشروعة بتطلعات المتشددين.
الأغلبية في الطائفة اليوم لا ترى لنفسها خلاصًا من الأزمات المعيشية والإنمائية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا من خلال ممثل سياسي أولوياتها أولوياته؛ ممثل يعمل على أرض الواقع على التأسيس لدولة ذات سيادة تحترم جميع أبنائها، لا الدخول في تسويات بحجة تجميد الصراعات وتقطيع الوقت.
المزاج العام يقول إن الكيانات المتحالفة مع الرياض – بصورتها الحالية – فقدت الكثير من شعبيتها. هذا التردي في الشعبية مثل الفراغ لن يطول حتى تشغله قوى بديلة في أقل الأحوال ستؤدي إلى ظهور أقطاب سياسية سُنِّية جديدة، وفي أفضل حالاتها ستقود إلى تشكل نواة لجبهة معارضة وطنية لبنانية حقيقية للمشروع الإيراني. هذه المعارضة من شأنها أن تشكل حالة استقطاب في الأعوام المقبلة.
بالنسبة إلى الانتخابات النيابية المقبلة – بحسب القانون الانتخابي الجديد في المدى المنظور – فمن شأنها أن تعزز مواقع خصوم المملكة، فيما التأثير السلبي سيطال حلفاء المملكة، ولا سيما المسيحيين منهم، خصوصًا أن هناك تحالفاتٍ انتخابيةً، يجري التحضير لها من خلال “الطبقة النافذة” وحلفائهم في “حزب الله” والتيار الوطني؛ من أجل تأمين أكثرية تجعل استمرار الشراكة مطلبًا داخليًا وخارجيًا.
لا يمكن للمملكة المُضي قُدمًا في علاقتها مع حلفائها وفقًا للأسس ذاتها، كما أن ترميم العلاقة – وفق الأسس الحالية أو أخرى جديدة أكثر تحديدًا – قد لا يكون بدوره حلاً؛ فالعلاقة يجب أن تقوم في الأساس على رغبة حقيقية لدى الأطراف اللبنانية في التغيير باتجاه قيام دولة ذات سيادة لا سلطة فيها للميليشيات. وهذه الرغبة عند الأطراف الحالية تعد رغبة غير جديرة بالتضحية.
على المملكة أن تركز على المسألة الأمنية المتمثلة في التهديدات التي يشكلها “حزب الله” على أمنها الوطني وأمنها الخليجي؛ فالعلاقة التحالفية في أفضل حالاتها سابقًا لم تمنع الاعتداءات من قبل “حزب الله”. كما أن الفترة الماضية أظهرت أن أيَّ دعم للبنان سيجد “حزب الله” طريقًا للإفادة منه، وأن أي مظلة سياسية أو اقتصادية تُوفر لحماية لبنان ستتحول إلى مظلة لحماية “حزب الله”.
أمَّا بالنسبة إلى المعارضة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة، فستكون في الغالب كتلة نيابية صغيرة، وستكون ممثلاً لسُنَّة شمال لبنان، على وجه التحديد. وأغلب الظن أنها لن تكون جزءًا من الحكومة المقبلة؛ ولهذا من غير الوارد أن تشكل تأثيرًا على القوى السياسية التي تغطي “حزب الله”، لكنها قد تكون مجموعة جيدة لإعادة تشكيل الحلفاء.
على الصعيد الدولي، هناك أولويات للدول؛ فالولايات المتحدة أولويتها الحد من نفوذ إيران، والعمل على إضعاف دور سلاح “حزب الله”؛ من خلال إزالة الحاجة إليه عبر حلول سياسية إقليمية من ناحية، وتقوية المؤسسة العسكرية اللبنانية ودعمها من ناحية أخرى، وفي أقل الأحوال – إن لم تفلح مساعيها – أن يظل الوضع على ما هو عليه.
أوروبيًا، الأولوية تنحصر في أن يظل لبنان قادرًا على منع اللاجئين من المغادرة باتجاه البر الأوروبي. ولتحقيق هذه الأولوية هناك استعداد لغض النظر عن أي ممارسات تقوِّض الأمن في الإقليم.
عربيًا، إذا استثنينا دول الخليج العربية والأردن؛ فإن غالبية الدول العربية لا ترى أي خطورة من “حزب الله” على أمنها الوطني، ولا ترى إشكالاً في تغطيته من قبل الحكومة اللبنانية. كما أن بعضها قد يرى أن أخذ مواقف أقل تشددًا تجاه الميليشيات المرتبطة بإيران من شأنه أن يوجد لها أدوارًا إقليمية مستقبلية.
كل ما سبق يوضح أن أولويات المملكة ودول الخليج الراهنة، بعيدة جدًا عن أولويات الآخرين في لبنان، وأن تلاقي الجميع على مساعدة لبنان في التحول إلى دولة طبيعية في الإطار العام، مماثل للتلاقي على الهدف ذاته لتحول دول أخرى إلى دول طبيعية. لكن من المؤكد أن المملكة ودول الخليج، لن تحصل على أي ضمانات حقيقية وفعلية لحماية أمنها من أي جهة كانت، وعليها أن تعمل في أسرع وقت على تجهيز حزم من العقوبات والتدابير للتعامل مع المرحلة المقبلة تجاه الحكومة اللبنانية.
رئيس تحرير موقع الجزيرة أونلاين الإخباري*
@safoghi
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر