سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لم يكن مفاجئًا أن يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزمه بتر علاقاته بالكامل مع تل أبيب، حال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، تنفيذًا للوعود التي قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية له.
حتى إن السيد ياسين أقطاي، كبير مستشاري رجب طيب أردوغان، وعضو مجلس النواب التركي، خرج عقب بيان دونالد ترمب بخصوص موقفه من القدس، في إحدى القنوات المحسوبة على التنظيم الدولي للإخوان التي تبث من تركيا، ليعلن بشكل واضح عبر تصريحات تليفزيونية جلية، أنه في هذه اللحظة قررت تركيا قطع علاقاتها مع إسرائيل.
وسمحت السلطات التركية لعشرات الآلاف من المواطنين الأتراك، فضلاً عن العرب المهاجرين، بالتظاهر عقب صلوات الجمعة فيما يقارب الـ40 منطقة على مستوى الجمهورية التركية في استغلال جماهيري شعبوي إعلامي جيد لأزمة القدس من جانب الحكومة التركية وطيب أردوغان.
وسبق التصعيد الشعبوي، تصعيد في التصريحات تارة على لسان الرئيس التركي، وتارة أخرى على لسان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالن، الذي شدد على موقف أنقرة من القدس وموقفها المستقبلي بقطع العلاقات.
كل هذه الحالة مفهومة من جانب أنقرة، خاصة في ظل الاشتباكات العسكرية والسياسية لحكومة أنقرة خارج الحدود، سواء في سوريا، أو العراق، أو حتى اشتباكاتها الداخلية مع فتح الله جولن وجماعته، والأكراد وحزبهم، وانهماك أنقرة في تلك المشاكل؛ ما أثر سلبًا في الواقع الاقتصادي وتراجع العملة التركية الواضح أمام الدولار الأميركي. إضافة إلى الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن بسبب أزمة مصرف “هالك بنك” التركي الإيراني، والاتهامات الموجهة لحكومة أردوغان بغسيل الأموال لصالح طهران من جانب القضاء الأميركي.
بيد أنه غير المفهوم لقطاع كبير من الإسلاميين، بخاصة أسرى التجربة المصرية وأبناؤها، الذين يعجزون عن فهم تداخلات الحالة التركية في ظل عمق علاقاتها مع تل أبيب في الوقت الذي تزداد وتيرة خطاب الرئيس التركي ضد تل أبيب وواشنطن، بل ويذهب إلى التهديد بقطع العلاقات مع حكومة نتنياهو بسبب مدينة القدس.
هوامش على علاقات أنقرة وتل أبيب
– بعد وصول رجب أردوغان لرئاسة الحكومة في عام 2002 رفض الموافقة على لقاء السفير الإسرائيلي في تركيا، حتى إنه التقى كل السفراء العرب في بداية توليه الحكومة للتأكيد على سياسة تركيا المستقبلية في ظل حكومة العدالة والتنمية الوليدة والمنشقة من جعبة حزب السعادة المحسوب على الإخوان في تركيا، والتأكيد على رغبته في التقارب مع العالم العربي والإٍسلامي.
– كل ما سبق عمَّق من الأزمة بين البلدين، خاصة مع تخوفات تل أبيب ساعتها من قدوم رئيس حكومة ذي خلفية إسلامية يسحق قدومه كافة العلاقات العسكرية والاقتصادية التاريخية والحالية بين البلدين. إلا أن قيام عبدالله جول بزيارة تل أبيب في 2005 أحدث صخبًا كبيرًا داخل إسرائيل لخلفية الرجل الإسلامية، وزيارة أولى لمسؤول تركي تبعت تلك الزيارة، هي زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لتل أبيب ولقاؤه بأرييل شارون رئيس الحكومة في ذلك الوقت؛ وهو ما فسر ساعتها رغبة أنقرة في طي صفحة الخلافات بينها وبين تل أبيب، وفتح صفحة جديدة والمضي قدمًا وفق الخط الواضح للسياسة والعلاقات المتينة بينهما.
– إلا أنه ومع بعض النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية وبزوغ نجم أردوغان باعتباره رئيس حكومة ناجحًا استطاع النهوض جزئيًا بالواقع الاقتصادي في تركيا، بدأ في تصدير نفسه إلى العالم الإٍسلامي باعتباره الرمز الإسلامي الحريص طيلة الوقت على الانتصار لقيم الأمة الإسلامية. بدأ في تصدير الرمزية الدينية البطولية لشخصه من خلال الأبواب الإعلامية واستغلال كافة المحافل الدولية لتحقيق ذلك، وكانت بدايتها في 2009 حينما تلاسن في مؤتمر “دافوس” العالمي مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، عندما أعطى مدير جلسة النقاش 25 دقيقة للأخير، و12 دقيقة فقط للمسؤول التركي، مما دفعه للانسحاب، وقد اتهم أردوغان المسؤولين الإسرائيليين بارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في حرب غزة التي انتهت أوائل عام 2009.
– الواقعة السابقة دفعت الشعب التركي لاستقبال رئيس حكومتهم استقبالاً حافلاً داخل أنقرة عند عودته، فضلاً عن تزايد شعبيته في العالم العربي والإسلامي باعتباره الشخص الوحيد الذي استطاع تسجيل موقف أمام الكاميرات حول العالم انتصارًا للقدس. ومن هنا بدأت ظاهرة طيب أردوغان الإعلامية في البزوغ، حيث التصريحات الجهورية المتصاعدة والمتصادمة أمام الناس، إلا أن الواقع لا يتعارف مع تلك التصريحات، وتمضي سياسة تركيا في اتجاه آخر تمامًا حتى داخل حزبه الحاكم، من خلال الإصرار على المضي نحو تمتين العلاقات مع تل أبيب وعدم التفريط فيها. حتى بدا للعيان أن خطاب أردوغان في اتجاه، وقرار الحكومة التركية في اتجاه آخر، وأن تركيا الحقيقية لا يمثلها أردوغان ولا تصريحاته، ولا أدل على ذلك، إلا المواقف التالية:
1- في 2010 مايو تأزمت العلاقات بين البلدين بسبب مقتل أتراك على يد قوات كومندوز إسرائيلية في أسطول الحرية. فقامت تركيا بسحب سفيرها من تل أبيب وأبقت على تمثيل منخفض، وارتفع الخطاب الإعلامي التركي إلى أقصى مدى له، عربيًا وإسلاميًا وسياسيًا، على الرغم من أنه قد منع كل رموز حزبه في البرلمان من المشاركة في الأسطول، ولكن جاءت حادثة القتل لتسبب له إحراجًا أمام الرأي العام الدولي. كل ما سبق، لم يمنع الدبلوماسية التركية وموقف الحكومة الرسمي من أن يكون في موقف مضاد لتوجهات أردوغان السياسية. ففي 2010 سعى أحمد داود أوغلو وزير الخارجية، إلى ترميم العلاقات مع تل أبيب، حتى إن الحكومة قامت بإرسال طائرات لإخماد حرائق نشبت بقوة في تل أبيب، كبادرة حسن نية من أوغلو لمحاولة استعادة العلاقات مرة أخرى مع تل أبيب.
2- فضلاً عن لقاءات سرية أجراها، في ذلك الوقت، داود أوغلو مع ممثلين إسرائيليين من أجل إيجاد حل مناسب للطرفين بخصوص أسطول الحرية لاستعادة العلاقات بين البلدين مرة أخرى.
3- موافقة تركيا في 2010 على نصب الدرع الصاروخي على أراضيها باعتباره توجهًا من حلف الأطلسي، الذي تشارك فيه تركيا بالعضوية، وكانت رسالة واضحة من أنقرة أن نصب الدرع الصاروخي هو حماية لأنقرة من الصواريخ الإيرانية.
4- معوقات التقارب الإسرائيلي التركي بدأت في التلاشي نسبيًا في ظل غياب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان، عن الساحة بعد الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة.
5- رأت تركيا أن مقاطعتها سياسيًا مع تل أبيب، هو عدم قدرتها على اللعب بالملف الفلسطيني وبروز دورها بشكل واضح فيه، خاصة مع بروز الدور المصري في السنوات القليلة الماضية بشكل واضح.
6- جاءت خطوات التطبيع مرة أخرى مع تل أبيب بشكل يوضح أن تركيا الحقيقية لا علاقة لها بتوجهات أردوغان الإعلامية الهلامية، فاتفاق معاودة العلاقات الثنائية بين البلدين تمَّ التوقيع عليه داخل القدس، ثم أنقرة، في إشارة واضحة إلى اعتراف تركيا الحقيقية، ومعها أردوغان، بأن القدس عاصمة إسرائيل وليست تل أبيب.
7- فضلاً عن باقي البنود التي تضمنت تنسيقًا أمنيًا واستخباراتيًا عسكريًا ضخمًا في المنطقة، والتنسيق الاقتصادي بخصوص الغاز الطبيعي.
مما سبق تجب الإشارة إلى أن الخطاب الإعلامي لطيب أرودغان، مفهوم في إطار محاولاته دغدغة مشاعر الإسلاميين حول العالم، خاصة أنه فتح أراضي بلاده لكل الإسلاميين ومؤيديهم، ومن ثَمَّ لا يريد أن يخسر ما يسعى إليه من خلق الرمزية السياسية والدينية له كرئيس دولة يسعى أن يكون راعيًا للمسلمين حول العالم في استعادة لدور الدولة العثمانية القديم. في المقابل تتحرك الدولة التركية وفق قناعاتها الحقيقية غير مهتمة برمزية أردوغان، وإن كان هناك العديد من الشواهد، أن خلافات جمة تضرب جنبات الحكومة وحزب العدالة والتنمية بخصوص زعامة أردوغان الديكتاتورية.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع:
(1) يوسف شيخو، إسرائيل وتركيا من أربكان إلى أردوغان، صحيفة الحياة 9 ديسمبر 2017،
(2) محددات فهم العلاقات التركية – الإسرائيلية، مركز أمية للبحوث والدراسات،
(3) هل تعانق أنقرة تل أبيب؟ قراءة في دراسة لمركز الزيتونة عن “مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية”، موقع إسلام أونلاين،
(4) العلاقات التركية – الإسرائيلية وثورات الربيع العربي “2015-2002″، المركز العربي الديمقراطي،
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر