سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فهيد العديم
لم يعد “الريتز” مجرد ماركة تجارية شهيرة, إذ تشكلت له في الأسابيع الماضية رمزية جديدة في الذهنية السعودية, فأصبح يرمز إلى المكافحة (الجادة) للفساد. ومن مفارقات “الريتز” ليس فقط أنه تحول من مكان رفاهية للنخبة إلى مكان تحقيق للمتهمين بالفساد, بل لأن اسمه أصبح رمزًا يستخدم للسجن بشكل عام, والذاكرة الشعبية العربية تفيض بحمولات كثيرة تحمل ذات الرمزية كـ(أبو زعبل, وقلعة وادرين) وغيرهما مما يتجادل حوله المؤرخون؛ ولكنه جدل لا يعني المتلقي العادي الذي حسم أمر ذاكرته ومضى. الفرق بين تلك السجون و(الريتز) يحمل مفارقة أيضًا, فهو السجن الوحيد (حسن السمعة) في ذاكرة الناس, الجميع – عدا المتهمين بالطبع – ينطقون الاسم في سياق أقرب للفرح المشوب بالدهشة والثقة, والكثير من التفاؤل والأمل.
الحديث – بالطبع – ليس عن (الريتز), ولو كان الحديث عنه، فإنني لن أكون الرجل المناسب للحديث, فأنا ليس لدي من الرفاهية ما يؤهلني لزيارته عندما كان فارهًا, وليس لدي من الشبهات ما يجعلني أُساق إليه متهمًا, ولهذا سيكون حديثي عنه تعويضًا عن حرماني من دخوله بكلتا الحالتين! حديثي هو عن الحذر الإعلامي في تناوله ليس كمكان، بل كحالة جديدة في المجتمع السعودي, وهو حذر أجد له بعض المبررات لرجل الشارع العادي الذي تغلل إلى لاوعيه أن الفساد شيء مرتبط بالتدين والأخلاق الشخصية، إضافة إلى أنه اعتاد حتى تعايش وتقبّل فكرة أن المسؤول لن يُعاقب مهما عاث في الأرض. العتب المر الذي شعرت به، هو من ردة فعل من نصطلح على تسميتهم (النخبة)، حيث ظهروا وكأنهم تحت تأثير صدمة لم يتوقعوها, رغم أن سمو ولي العهد، كان صريحًا قبل أشهر، وهو يعلن بوضوح أن مكافحة الفساد لن تستثني أحدًا. إذن: لماذا اختار النخبة الحذر؟ وهذا يفتح سؤالاً آخر: هل فعلاً كانوا حذرين؟ الحقيقة أنني لم أقرأ أو أسمع في وسيلة إعلامية اسم (الريتز) برمزيته الجديدة قبل مقال توماس فريدمان, بعدها كتب المثقفون والكتّاب عمَّا قاله فريدمان عن (الريتز)، وليس عن (الريتز) ذاته!
وبالعودة للسؤال: لمَ الحذر؟ لن أرتكب أي إجابة تحاول أن تحاكم النوايا, كل ما حاولت أن أستشفه هو كلام (عاطفي) من بعض النخب في تويتر، كالقول إن ما حدث صدمة؛ لأن بعض المتهمين كانوا رموزًا في وجداننا لسنوات ومن الصعب تقبّل فكرة أنهم كانوا ممن عاثوا في الأرض فسادًا, وهذا التبرير اللاواعي يتحدث بمنطق (المعزّب/ والخوي), وقتها تذكرت كلمة لسمو ولي العهد، عندما سئل عن عدم تقبّل البعض للتغيير القادم, فقال باختصار: “سيصدمون من الشارع”, وهذا ما حدث بالفعل, فرجل الشارع أحس بمسؤولية رهان سمو الأمير عليه. الأمير وقف بوجه الشخصيات المؤثرة اقتصاديًا واجتماعيًا لأجل الوطن والمواطن, وكان يراهن على وعي الناس. وسأقول (معترفًا بالتطرف هذه المرة) إن أي محاولة للحياد والوقوف بالمنتصف تجاه الفساد، هي خذلان لسمو ولي العهد, وخيانة للوطن, وفي النهاية لن يحاكمك أحد على صمتك؛ لكن عليك أن تتذكر قول لوثر كينغ: أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المواقف الأخلاقية الكبرى ..
كاتب صحافي سعودي*
@Fheedal3deem
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر