سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بثينة اشتيوي
لم يكن مفاجئاً اغتيال القيادي القسامي” تونسي الأصل”، محمد الزواري في منطقة العين بمدينة صفاقس التونسية مؤخراً، فسجل الإغتيالات الإسرائيلية وأجهزة الموساد المتغلغلة بقوة داخل عديد الدول العربية والغربية حافل بحق قيادات وازنة من المقاومة الفلسطينية، ومن يحذو حذوهم من أحرار العالم.
اغتيال المهندس “الزواري”، والذي نعته كتائب القسام، وأطلقت عليه لقب ” طيار حماس”، بعدما استفادت من مهاراته العلمية في تنفيذ مشروعها لتأسيس وتطوير طائرات مسيرة بدون طيار، كما شهدت عليها حرب “العصف المأكول” صيف عام 2014، يأتي في سياق محطة جديدة من الصراع العربي- الإسرائيلي، والإسرائيلي- الفلسطيني تحديدا مع المقاومة، والتي كبدته خسائر غير مسبوقة في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
أزمات المنطقة المثقلة سياسياً وإقتصادياً منذ بدء ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، ألقت بظلالها في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وسياسات المحتل الإسرائيلي بحقها، حتى بات الموساد ” يسرح ويمرح” علناً في ساحات وميادين الدول العربية والغربية.
رغم ما يبعثه الحدث فينا من ألم وغصة للخسارة النوعية، فإن عملية الإغتيال لم تكن مدهشة، لاسيما وأن العقل الفلسطيني والعربي الحر المناهض للسياسات الإسرائيلية في المنطقة اليوم بات على معرفة بنفسية وعقلية ومنهجية عمل أجهزة الإحتلال.
جريمة اغتيال المهندس جاءت على مسافة تزيد عن ألفي كم من الأرض المحتلة، وهذا ما يثير تساؤلات عديدة من حيث الزمان والمكان، والظرف الإقليمي الذي تمر به المنطقة، وتأثيراته على الحالة الفلسطينية و” حماس” خصوصاً.
مثل هذه الأحداث، عادةً ما تشير بالدرجة الأولى إلى وجود ” طرف ثالث”، له الفضل في تسهيل المهمة كمساعد أو مشارك، سواء متنفذون داخل نظام الدولة أي “مسرح الحدث”، أو” أفراد وعملاء”، ضمن فريق الدعم اللوجيستي
لكن، السؤال الأبرز هنا، هو كيف شخّص العدو هدفه ” الزواوي” و بعد مسيرة 10 سنوات من الجهاد الصامت وتمكّن من متابعته، و أطبق عليه فريق الاغتيال، مسألة تتطلب تحقيق وتدقيق محايد وشفاف، فدوماً هنالك معلومة تشير للهدف نفسه وتضيئ عليه، هل هي الاتصالات؟ أم اختراق، أم خطأ فادح وقع فيه الزواري، مثل التساهل في الوهم بأنه غير مكشوف وفي مأمن، ففي معظم الاغتيالات يؤتى الضحية من إحدى تلك الثغرات، حيث أن له شركة معروفة، و قد رصدت كل تحركاته منذ مغادرته غزة!
ما سبق، يدفعني للتساؤل مجدداً، وهو لماذا هذه المرة ” الزواري” دون غيره من عشرات القيادات الميدانية والمسؤولين والقيادات الفلسطينية من مختلف الانتماءات؟، ومن يعرف الجواب يُدرك حقيقة ( مَن، ما هو) الذي يقضّ مضاجع العدو ويقلق قادته، ليأتي الاغتيال ضمن نوع من العرقلة لجهود المقاومة في تطوير منظومتها القتالية.
بعيدا عن التحليلات، والآراء التي دفعت الاحتلال إلى تنفيذ مهمته الأمنية فوق أرض عربية، شهدت معظم ساحاتها الميدانية وشوارعها، وأزقتها وقوفا مشرفا مع القضية الفلسطينية، فمن وجهة نظري لابد من فهم آليات وقوانين الموساد الإسرائيلي في الوصول إلى هذه العقليات من الشخصيات الفلسطينية والعربية، كما سجلها وأثبتها التاريخ.
أولا: جمع المعلومات
يتم جمع المعلومات حول الشخصيات التي يبحث عنها الموساد الإسرائيلي عبر العملاء الذين يتم إرسالهم إلى المناطق الفلسطينية و المؤسسات و التجمعات والإتحادات والتنظيمات، ويتم تزويدهم بشيفرة متطورة للإتصال، ويقومون بإرسال معلوماتهم عبر رسائل تكتب بطريقة غير مرئية، وترسل إلى “ضابط التشغيل” بطريقة خاصة، أو إلى صناديق بريد في دول أوروبية، حيث تكشف هناك في مختبرات خاصة، أو عبر أجهزة إرسال دقيقة _ كما في حالة “محمود المبحوح”.
ويتم ذلك أيضا عبر التنسيق وتبادل المعلومات مع أجهزة مخابرات عميلة و صديقة، والتحقيقات التي تتم مع المجاهدين المعتقلين، إلى جانب البعثات الدبلوماسية الأجنبية المتعاطفة مع العدو والمعتمدون في الأقطار العربية والإسلامية والغربية.
ثانيا: الاختراق
يمكن الحديث عن نوعين من الاختراق الأول بشري، وهو عبارة عن زرع شخص أو أشخاص بشكل فردي منفصل في داخل تنظيم ما حيث يتم إعداد هذا العميل، أمنيا، وفكريا وسياسيا وتنظيميا وفنيا وعسكريا ويتم غرسه في الداخل وإرساله للخارج ويراعى فيه مجموعة خصائص عقليه ونفسية وشخصية كما تجرى له اختبارات وفحوصات عدة لقياس قدراته، واستعداده، وذكائه، وصدقه، وجديته.
بينما الاختراق الثاني تقني، ويسعى الموساد عن طريق جمع المعلومات إلى معرفة أرقام وخطوط الهاتف والفاكس الخاصة والعامة حيث تعمد إلى اختراق هذه الخطوط بغرس أجهزة تنصت حديثة ومتطورة لمعرفة ومتابعة المعلومات وأدق التفاصيل عن قرب، وكذلك غرس أجهزة الميكرفون الحساسة في الغرف الخاصة، والأماكن الدقيقة لتسجيل ومعرفة كل ما يدور بداخلها.
ثالثا: الاحتراف وتطوير الأساليب
يكمن ذلك من خلال الاعتماد على طاقم تنفيذي محترف، ويتضح حينما نفذ الموساد العديد من عمليات الاغتيال ضد شخصيات فلسطينية وعربية وإسلامية على مدى 30 عاما، وأمتازت أغلبها بالنجاح، ولم يترك في هذه العمليات أي أثر، وسجلت حوادث الاغتيال ضد مجهول، حيث اختفى الجاني، ولم يعثر عليه، ولم يضبط.
ببساطة، إن هذه الأساليب تعتمد في تنفيذ عمليات الاغتيال على طاقم تنفيذي محترف يتم اختياره بعد نجاحه في تجاوز سلسلة طويلة من الاختبارات والتدريبات الشاقة والإمتحانات التطبيقية، التي لا ينجح فيها إلا أفراد لهم صفات مميزة، فالرشوة، والمحسوبية، والواسطة والمعارف غير موجودة.
وتطوير الأساليب هنا، ممكن البناء عليه من أن جميع عمليات الاغتيال التي تمت كانت تقنيتها وأسلوبها، وكيفية تنفيذها، ونهايتها، والخيط الذي يجمع بين هذه العمليات يشير إلى أن وراءها جهاز تابع لدولة تمتلك قدرات، وإمكانيات وتقنيات.
وعليه، وجد الموساد في نقاط ترهل البيئة التنظيمية للحركات الفلسطينية فرصة له للنجاح، وعبرها حصل على معلومات، وحقق اختراقاً، ونظم عمله بحيث وضع أساليب للاغتيال عديدة، فما بين اغتيال الأديب والسياسي غسان كنفاني في 8/7/1972 ، واغتيال الصحفي والسياسي هاني عابد في 2/11/1984 م ، وإغتيال (الزواري)، عقوداً عديدة، بيد أن الموساد ما زال يعمل لنفس الأهداف ويستخدم نفس الأساليب للقضاء على القضية الفلسطينية والوعي بها وروح الثورة والمقاومة لدى شعبنا.
في المقال المقبل، سأتحدث عن أساليب اغتيال الموساد الإسرائيلي للقيادات الفلسطينية والعربية المناصرة للقضية.
صحفية فلسطينية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر