سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إريك شميت
ربما يكون ميدان العلوم والتكنولوجيا واحداً من أهم ميادين المنافسة الشرسة المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة، وربما لا يعرف كثير من الناس أن الولايات المتحدة كانت تحاول جاهدة مجاراة منافستها في هذا المجال خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي إضاءة على هذا الموضع، كتب إريك شميت مقالاً نشره موقع مجلة “فورين أفيرز”، يقول في مطلعه: إن الولايات المتحدة تخوض منافسة قوية تحاول فيها اللحاق بالصين للهيمنة على الموجة التالية من الابتكارات التكنولوجية.
ويشير شميت، في مقاله، إلى تلكؤ الحكومة الأميركية في توفير الدعم اللازم لقطاع التكنولوجيا؛ فقانون الشرائح الإلكترونية والعلوم الذي صدر هذا الصيف، والذي يلزم الحكومة بتوفير استثمارات فيدرالية تقدر بأكثر من 50 مليار دولار لقطاع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، لم يأتِ إلا بعد الأزمة التي عصفت بسلاسل التوريد لمدة عامَين بسبب جائحة “كوفيد-19″، وبعد أن حذَّر البنتاغون من أن هذا القطاع أصبح يعتمد على مصادر من شرق آسيا للحصول على 98% من الشرائح الإلكترونية التجارية التي يحتاج إليها. كذلك تأخرت الحملة الدبلوماسية الأميركية لإحباط محاولات الصين للهيمنة على البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس إلى عام 2019، بعد أن تمكنت شركتا “هواوي” و”ZTE” الصينيتان من إضعاف المنافسين الغربيين الرئيسيين. وفي العام الماضي، قدمت لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي -التي يعمل فيها مَن كتب المقال- تقريرها النهائي الذي دعت فيه إلى إيجاد نهج شامل للحفاظ على المكانة الرائدة للولايات المتحدة في التعليم والأبحاث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ ولكن هذا التقرير جاء متأخراً أربعة أعوام عن إطلاق الصين استراتيجيتها الوطنية حول الذكاء الاصطناعي، التي أنتجت مليارات الدولارات من التمويل الجديد والعشرات من الشركات الوطنية الرائدة في هذا المجال، وأدخلت الذكاء الاصطناعي في استراتيجية الاندماج المدني والمدني في الصين.
ويرى شميت أن هذا النهج القائم على رد الفعل لن يكون كافياً للفوز على الصين في سباق التقنية. ويقول إنه على الرغم من الخطوات المهمة التي اتخذتها الحكومة الأميركية؛ فإنه لا يزال من الصعب القول إن الولايات المتحدة أصبحت في وضع أفضل في المنافسة طويلة الأمد. ويرى أن مستقبل الحرية السياسية والأسواق المفتوحة والحكومات الديمقراطية والنظام العالمي الديمقراطي والتعاون الدولي كلها على محك هذه المنافسة.
وبينما كانت واشنطن تتلهى، انطلق نظام بكين المركزي للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الفائقة واستثمر مليارات الدولارات ودرَّب آلاف الطلاب ودعم شركات التكنولوجيا، مما يهدد بمستقبل تهيمن فيه الصين على الأسواق العالمية وتوسع نفوذها وصولاً إلى التفوق العسكري على الولايات المتحدة. ومن الممكن أن يجذب هذا السيناريو العديد من الدول؛ بما فيها الدول الصديقة للولايات المتحدة، للمسار السياسي للصين؛ مما يهدد بإبطاء التقدم الدولي في قضايا مثل تغير المناخ وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ثم يحاول شميت أن يبين أسباب وصول واشنطن إلى هذا الوضع المتردي في المنافسة، ويشير إلى أنه على الرغم من أن الدولة تبدو وكأنها تمتلك كل عوامل التفوق من شركات التكنولوجيا العملاقة إلى أفضل مصممي الشرائح الإلكترونية ومراكز الابتكار والجامعات؛ فإن قاعدة التصنيع التكنولوجية آخذة بالذبول، والجيش يعاني من أجل التكيف بسرعة مع الابتكارات وهنالك شلل عام في ما يتعلق بالتقنيات الجديدة؛ مثل الذكاء الاصطناعي. وفي فترة ما بعد الحرب الباردة كانت الشركات الأميركية تبحث عن موردين رخيصين في الخارج؛ الأمر الذي دمَّر صناعة التكنولوجيا الأميركية. كما أن غياب الدعم الحكومي الفيدرالي وانخفاض التمويل المخصص للبحث والتطوير قد سمحا للشركات التجارية بقيادة وتوجيه أجندة التكنولوجيا في البلاد دون أخذ الآثار الاستراتيجية الدولية أو القدرة التنافسية للولايات المتحدة بعين الاعتبار.
وللخروج من هذا المأزق لا بد للولايات المتحدة من وضع استراتيجية وطنية تنافسية تركز على التكنولوجيا المتطورة ووضع خطة عمل وطنية للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، كما تحتاج البلاد إلى تحسين قدراتها على إنتاج هذه التكنولوجيا وتقليل اعتمادها على سلاسل التوريد التي تمر عبر منافستها الرئيسية أو تخضع لتأثيرها المباشر. وكذلك لا بد من تطوير قوة عاملة بارعة في التكنولوجيا -بما في ذلك استقطاب المزيد من المواهب من الخارج- المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. ويجب على الولايات المتحدة توسيع قدراتها الإنتاجية في صناعة البطاريات المتقدمة والمغناطيس الدائم والتكنولوجيا المتفوقة والإلكترونيات الدقيقة من خلال الشراكة مع القطاع الخاص وتوفير المنح والقروض المدعومة من الحكومة. وفي الوقت نفسه تحتاج واشنطن إلى تحصين نفسها في وجه الممارسات الصينية السيئة؛ مثل سرقة الملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا غير القانونية التي تقوِّض الشركات الأميركية.
وفي غضون ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تجدد التزامها بتحالفاتها مع الذين تجمعهم معها المصالح المشتركة والذين يمكن لمواردهم الجماعية التغلب على مزايا بكين من حيث الحجم. وينبغي لواشنطن دمج حلفائها في آسيا وأوروبا في نهج واحد؛ لتشكيل وتعزيز المعايير الرقمية الديمقراطية والاستثمارات المشتركة في البحث والتطوير والأنظمة الجديدة لضوابط التصدير وقضايا حوكمة التكنولوجيا، مثل خصوصية البيانات والتلاعب بالمحتوى.
ويجب على واشنطن أن تقدم المزيد من الحوافز للدول المتأرجحة التي تدرس في الوقت الحالي خياراتها حول ما إذا كانت الصين أم الولايات المتحدة تقدم نهجاً أكثر جاذبية في مجال التكنولوجيا. وعلى سبيل المثال، حتى لو كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى منافس تجاري في مجال شبكات الجيل الخامس، يمكنها الاستفادة من أذرعها المالية لدعم حلفائها ومنع شركتَي “هواوي” و”ZTE” وغيرهما من الشركات الصينية من الفوز بعقود تتعلق بتقنيات وشبكات الجيل الخامس.
إن أية استراتيجية تنافسية جديدة سيكون مصيرها الفشل إذا لم تتعامل مع قضية القوة الأميركية. وللتغلب على التطور العسكري في الصين يجب على واشنطن أن تتبنى على الفور وبشكل كامل توزيع العمليات القائمة على الشبكات التي يمكنها أن تتفوق على القوة الصارمة الهرمية للجيش الصيني. ولا بد للجيش الأميركي من أن يدمج بشكل تكاملي عمل الإنسان والآلة في مختلف جوانب عملياته وأن يطور منصات منخفضة التكلفة وسهلة التصنيع لدعم الذكاء الاصطناعي.
ويجب على البنتاغون أيضاً متابعة الحفاظ على التفوق البرمجي؛ لأن نوعية البرامج هي ما سيحدد في المستقبل ميزة الجيش في جمع المعلومات، وتصنيفها وتحليلها، وإحباط الهجمات وتحديد الفرص لمهاجمة العدو بشكل أكثر فعالية. وسيحتاج الجيش الأميركي إلى إنشاء تخصصات جديدة لتطوير البرامج التكتيكية وتدريب القادة على كيفية استخدام البرامج لتحقيق التفوق العسكري.
وأخيراً يؤكد شميت ضرورة تكيف مجتمع الاستخبارات الأميركي مع تحديات البيئة الرقمية المعاصرة وتركيز اهتمام أكبر على فهم اتجاهات التكنولوجيا الأجنبية. ومع اكتساب الشركات الخاصة وخصوم الولايات المتحدة قدرات جديدة؛ فإن وكالات الاستخبارات في واشنطن تتعرض إلى خطر التخلف عن الركب. وعندما يتعلق الأمر بجغرافيا المعلومات الرقمية وذكاء الإشارات؛ فإن الشركات الخاصة غالباً ما تتقدم على الحكومة الأميركية في استغلال البيانات الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي. ومن الضروري أن تقوم وكالات الاستخبارات بتحديث عمليات الأمن والموارد البشرية؛ لضمان إمكانية دمج أفضل المواهب والتقنيات بأمان في مجتمع الاستخبارات على نطاق واسع.
ويختم شميت مقاله بقوله: لا شك أن قائمة المهام هذه طويلة وشاقة؛ لكن الولايات المتحدة لديها كل الأسباب لتعتقد أن منافستها التكنولوجية مع الصين سوف تشتد كثيراً في السنوات القادمة. وفي هذه الحالة؛ لن يكون هنالك أي هامش للخطأ، ولا بد من أن يبدأ العمل على جميع الجبهات فوراً.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر