سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بنيامين هالبيرن
يقع مكتبي في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، ويطل على الساحل، حيث تنتشر المجموعة الأولى من منصات النفط البحرية للولايات المتحدة في أفق المحيط، ويوجد مصدر التسرب النفطي الذي وقع عام 1969، وهو الذي مثل انطلاقة للحركة البيئية الحديثة.
وتعبر سفن الشحن العملاقة وتمضي مسرعة في المحيط، لتجلب البضائع من جميع أنحاء العالم، لكنها تضرب الحيتان، بل وتقتلها أحيانًا. إن المسافرين يركبون الأمواج ويتوجهون بالقوارب الشراعية نحو الجزر، وفي الأيام الصافية يتجهون للشواطئ لأخذ حمامات الشمس. بينما يستلقي الصيادون في صفوف على الشاطئ، وينصب الصيادون التجاريون مصائد للجراد على طول الساحل، في حين أنهم يخفون مزارع لحيوانات “بلح البحر” (المحار) الصغيرة تحت الماء بعيدًا عن الشاطئ.
إن كل هذه الأنشطة، إنما هي جزء من “الاقتصاد الأزرق”، الذي يستمد قيمته من المحيطات التي تغطي 71% من كوكبنا. ويعد ذلك أمرًا جيدًا على مستويات عديدة. ذلك أن عمليات شحن البضائع عن طريق البحر تعتبر من أكثر الطرق الصديقة للبيئة لإجراء التجارة العالمية. كما تعتبر المأكولات البحرية المستزرعة ذات قيمة غذائية عالية ومستدامة في كثير من الأحيان. وتمتلك الرياح البحرية القدرة على توليد كميات هائلة من الطاقة الخضراء. لكن من المتوقع أن يصل المحيط سريعًا إلى درجة واضحة من الزحام الفعلي، حيث يصل إلى درجة نقطة اللاعودة التي وصل إليها البشر في معظم أنحاء الأرض.
لقد شهدت أنشطة تربية الأحياء المائية، أو زراعة المأكولات البحرية، زيادة ملحوظة بلغت بنحو 5% كل عام على مدار الثلاثين عامًا الماضية، ويتوقع الخبراء أن هذه الزيادة تمضي متواصلة خلال العقود القليلة المقبلة. فالرياح البحرية تتوسع بسرعة، حيث تقوم المملكة المتحدة ببناء مدينة تبلغ مساحتها 1000 كيلومتر مربع من توربينات الرياح قبالة سواحلها، وقد ضاعفت الصين إنتاج الرياح البحرية أربع مرات في العام الماضي فقط، ما يعني إضافة نحو 17 محطة للطاقة النووية تقريبًا. وقد تم اقتراح مساحة أكبر لمزارع الرياح قبالة ساحل المحيط الأطلنطي للولايات المتحدة، وذلك على مساحة 7000 كيلومتر مربع، أي ما يقرب من حجم مدينة بورتوريكو. لذا، يتوقع أنه تتضاعف كمية البضائع المنقولة عن طريق البحر ثلاث مرات بحلول عام 2050، وذلك نتيجة لزيادة عدد السكان والثروة والتجارة في العالم.
يمثل ذلك معضلة بالنسبة لمراكز الأبحاث، فعلى مدى العقدين الأخيرين تمت دراسة التأثيرات التراكمية الضارة للمحيطات بالنظم البيئية البحرية. غير أنها تدعم المجتمعات البشرية النابضة بالحياة. ومن خلال تلك الدراسات يتبين لنا أنه ثمة اتفاقًا جماعيًا حول الفوائد الاقتصادية للاقتصاد الأزرق بشكل يفوق التكاليف البيئية. وهنا نجد أن أي أنشطة محيطية جديدة مستدامة من شأنها أن تسهم في تقليل الضغط على كوكب الأرض. وهناك سابقة لصفقات تتصل بتلك الإشكالية. ففي الولايات المتحدة وغيرها من البلدان وجد المطورون الذين يتعدون على الأراضي الرطبة والأنهار مطالبين بإنشاء مواقع مكافئة في أماكن أخرى، لكن ذلك يترتب عليه فقدان مساحات كبيرة. في هذا الإطار، تعمل اعتمادات الكربون بطريقة مماثلة؛ حيث يمكن أن تذهب الرسوم المدفوعة للانبعاثات إلى زراعة الغابات أو إنشاء البنية التحتية للطاقة المتجددة.
بالتالي، فإن كوكبنا مطالب بإبرام صفقة عالمية عادلة وفعالة من خلال الأبعاد الثلاثة التالية:
أولاً: ينبغي الإصرار على وجود مكتسبات حقيقية، وليس مكاسب بالصدفة. فإذا تخلصنا تدريجيًا من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، لا ينبغي أن يعتبر هذا الأمر عاملاً موازنًا لمصادر الطاقة الجديدة المتولدة من الرياح. فإذا كانت حقوق الانتفاع بالفعل تحمي الأراضي الزراعية البور، فلن يساعد ذلك على خلق نماذج مقابلة لمزارع تربية الأحياء المائية الجديدة.
ثانيًا: من المتعين أن تتم إدارة الإجراءات بشكل أساسي من خلال السياسات واللوائح، وليس الأسواق الحرة. فإذا تُركت الأسواق لآلياتها الخاصة، فنادرًا ما يتم تحفيز الاستدامة أو إحداث تعويضات الضرر الذي يلحق بالبيئة. فعلى سبيل المثال، تظهر الأدلة أن ثمة زيادة في كمية الأسماك المستزرعة في السوق الحرة بما لا تقلل من إنتاج اللحوم.
أخيرًا: يجب أن تتحمل الشركات الكبرى العبء الأكبر من تكاليف هذه الصفقة. فغالبًا ما يؤدي تشجيع صغار المشغلين إلى تعزيز العدالة البيئية مع زيادة سبل العيش المحلية والأمن الاقتصادي من خلال المحافظة على المالكين والعاملين المحليين. لذا يجب أن تكون المتطلبات التعويضية أقل نسبيًا بالنسبة لهؤلاء المشغلين الصغار وأكثر تدريجيًا بالنسبة للمشغلين الكبار، وعلى غرار الطريقة التي تعمل بها ضريبة الدخل في كثير من أنحاء العالم.
إذًا كيف يمكن أن تبدو هذه الصفقة الكوكبية؟ للإجابة عن هذا التساؤل، نورد مثالاً: أنه للحصول على عقد إيجار لمزرعة رياح بحرية جديدة مساحتها 100 كيلومتر مربع، يجب على الشركة استعادة ضعف المساحات الساحلية. كما يجب أن تكون هذه المساحة بمثابة إضافة إلى أي جهود حالية لحماية هذه المساحات، وهو ما يتوازى مع الأهداف العالمية الحالية لحماية 30% من اليابسة والبحر. أما بالنسبة لمزرعة سمكية تجارية جديدة في عرض البحر، فيجب تهيئة مساحات كافية من الأراضي المستخدمة للماشية بشكل دائم، ما يعني التخلص من كميات من الماشية تعادل الإنتاج السمكي المستهدف. وعلى هذا، يمكن تداول “أرصدة هذه المساحات” بنفس طريقة تداول أرصدة الكربون. وسيحصل العاملون في مجال تربية الماشية على ائتمان قابل للتداول مقابل رأس مال وهكتار ماشية مخفضين؛ وبالتالي فإن شركة الاستزراع المائي سوف تحتاج إلى الحصول على هذا الائتمان من أجل تغطية الزيادة في إنتاج الأسماك.
إن أيًّا من هذه الخيارات لا يعتبر سهلاً من الناحية السياسية، إذ يمكن أن يقول الكثيرون إن مثل هذه السياسة بالإضافة إلى تنظيم السوق سوف يسهمان في بُطء التقدم، كما يمكن أن يتحايل عليهما بعض المتلاعبين. لكن على أية حال يمكن تبني هذه الخيارات. إن ذلك سوف يتطلب تنسيقًا محليًا ودوليًا، فضلاً عن ضرورة تقديم الدعم العام له.
إن العالم يمكن أن يساعد في تعزيز فعالية هذه الخيارات ومراقبتها؛ كما أن الوكالات الحكومية في حاجة إلى قيادة التغيير بعزم. فالمضي قدمًا نحو الاقتصاد الأزرق بدون إحداث أية تخفيض في الضغوط البشرية على كلٍّ من البر والبحر سوف يؤدي للتضحية بالمحيطات بدون أية مكتسبات يحصل عليها الكوكب، ولن يحدث أية اتفاق على الإطلاق.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Nature
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر